الحمد
لله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبيَّ بعده، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
وبعد:
فمع
المحبط السابع للأعمال وهو:
مشاقة الرسول –صلى الله عليه وسلم-
قال
الله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ
الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ » [محمد-32
].
يخبر
الله تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله وخالف الرسول–صلى
الله عليه وسلم- وشاقَّه، أي عاداه
وخرج عن طاعته من بعد ما ظهر لهم صدقُه وأنه رسول الله –صلى
الله عليه وسلم- ؛ إنه لن يضر الله شيئًا، وإنما يضر نفسَه ويخسرها يوم
معادها وسيحبط الله عمله فلا يثيبه عليه
فعدم
احترام النبي –صلى الله عليه وسلم- والاستخفاف به
أو الاستهزاء به ردّة عن الإسلام وكفر بالله .
قال
الله تعالى في الذين استهزءوا بالنبي –صلى الله عليه
وسلم- وسخروا منه في غزوة تبوك لما ضلت راحلته «
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا
قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ » [التوبة- 65 ،66 ].
وأخبر
الله تعالى أن من كفر برسوله –صلى الله عليه وسلم-،
فهو كمن كفر بالله عز وجل، ومن كذّب رسوله –صلى الله عليه
وسلم-، فقد كذب الله عز وجل
فقال
تعالى في قصة المنافقين « وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ » [التوبة- 84 ].
وقال
تعالى « وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ
لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » [التوبة- 90 ].
ثم
أخبر الله تعالى أن من خان رسول الله –صلى الله عليه
وسلم- فهو كمن خان الله عز وجل،
قال تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ
تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ
تَعْلَمُونَ » [الأنفال -27 ]
ثم
حذر الله الخلق عن إيذاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
، في حياته، أو بعد موته، وأخبر سبحانه أن المؤذي لرسول الله–صلى الله عليه وسلم- كمن آذى الله عز وجل، وأخبر سبحانه أن المؤذي لله
ولرسوله مستحق للعنة في الدنيا والآخرة، فقال تعالى « وَمَا
كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ
مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا » [الأحزاب – 53 ].
وأخبر
سبحانه وتعالى أنه من حادَّ الرسول –صلى الله عليه وسلم-
بالعداوة فقد حادَّ الله عز جل، قال تعالى
« لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ »[
المجادلة -22 ]
وبين
سبحانه وتعالى عاقبة من حاد الله ورسوله–صلى الله عليه
وسلم- ، فقال سبحانه « إِنَّ الَّذِينَ
يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
»[ المجادلة -5 ]
وقال
تعالى « إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ » [ المجادلة -20 ].
وقال
تعالى « أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ
الْخِزْيُ الْعَظِيمُ» [التوبة- 63 ].
وقال
تعالى « وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا
تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا » [النساء -115 ].
وأخبر
سبحانه وتعالى عن أهل النار إذا دخلوها كيف يتأسَّفون ويتحسرون على ترك طاعتهم لله
عز وجل ولرسوله–صلى الله عليه وسلم- فندموا حيث لم ينفعهم الندم، وأسفوا حيث لم
ينفعهم الأسف، فقال تعالى « يَوْمَ تُقَلَّبُ
وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا
الرَّسُولاَ » [الأحزاب -66 ].
وقال
تعالى «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ
بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا* يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ
اللَّهَ حَدِيثًا» [النساء -41-42 ].
وفرض
الله سبحانه على جميع الخلق طاعته، وحرَّم عليهم معصيته، وقرن طاعة رسوله –صلى الله عليه وسلم- بطاعته عز وجل، وأعلمهم أنه من عصى رسول الله
فقد عصى الله فقال تعالى «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
» [ آل عمران -32 ].
وقال
تعالى « وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
»
[
آل عمران -131- 132 ].
وقال
تعالى « تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ
» [النساء -13-14 ].
وقال
تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ » [محمد-
33 ].
وأوجب
الله تعالى على كل من حكم عليه النبي –صلى الله عليه
وسلم- حكمًا، ألا يكون في حَرَج أو ضيق مما حكم به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ، بل يسلم لحكمه ويرضى، فقال
سبحانه « فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا » [النساء -65 ].
وأخبر
سبحانه وتعالى عن أهل الكتابين؛ اليهود والنصارى، أنهم يجدون صفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل، وأنه نبي،
وأوجب عليهم اتباعه ونصرته
فقال
تعالى «قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا
النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [الأعراف- 156-157 ].
وقد
أخذ الله العهد والميثاق على جميع الأنبياء إذا بعث محمدًا –صلى الله عليه وسلم- وهم أحياء أن يتبعوه وأقروا بذلك
قال تعالى «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ
النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ
رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ
أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ
فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» [ آل عمران -81 ].
وأخبر
سبحانه وتعالى أنه يظهر دين نبيه محمد –صلى الله عليه
وسلم- على كل دين خالفه فقال سبحانه « هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » [التوبة- 33 ].
ثم
أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يتم لأحد الإيمان بالله عز وجل وحده حتى يؤمن بالله
ورسوله فقال تعالى «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ
آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ
يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» [النور-62]، وقال تعالى « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » [الحجرات-15].
ثم
إن الله عز وجل رفع قدر نبيه –صلى الله عليه وسلم-
وأوجب على الناس أن يصلوا على رسول الله –صلى الله عليه
وسلم- وأخبرهم سبحانه أنه يصلي عليه هو وملائكته فقال تعالى «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
» [الأحزاب-56].
كما
أوجب الله تعالى تقديم حب النبي –صلى الله عليه وسلم-
على كل شيء فقال تعالى «قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ
اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» [التوبة- 24 ].
عن
عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم-
وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب ؟ فقال له عمر يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء
إلا من نفسي، فقال النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- «لا
والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك مِن نفسك» فقال عمر فإنه الآن والله لأنت
أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-
«الآن يا عمر» [البخاري -6632].
وإليك
أخي بعض فضائل نبينا الكريم لتحفزنا على أن نتخذه قدوة حسنة لنا في كل شئون حياتنا
منها
أنه–صلى الله عليه وسلم- ساد الكلَّ
قال
«أنا سيد الناس يوم القيامة»
[البخاري 8/395/4712،
ومسلم1/184/194 ]
وقال
–صلى الله عليه وسلم- «أنا سيد ولد آدم يوم
القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع»
[صحيح
الجامع- 1467 ].
والسيدُ
من اتصف بالصفات العليَّة والأخلاق السنيَّة، ولما كانت مناقب النفس إنما تذكر
افتخارًا في الغالب، أراد –صلى الله عليه وسلم- أن
يقطع وَهِمَ من توهم من الجهلة أن يذكر ذلك افتخارًا، فقال –صلى الله عليه وسلم- «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا
فخر»
[صحيح
الجامع- 1468 ،والصحيحة- 15571 ].
ومنها
أنه –صلى الله عليه وسلم- أول شافع،
وأول مشفع
قال
–صلى الله عليه وسلم- «أنا سيدُ ولد آدم يوم
القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ ؛ آدم فمن سواه إلا
تحت لوائي، وأنا أول شافع، وأول مشفع، ولا فخر».
[صحيح
الجامع- 1468 ].
ومنها
إيثاره –صلى الله عليه وسلم- أُمته على
نفسه
وقال
–صلى الله عليه وسلم- «لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابة،
فتعجل كل نبي دعوته، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء
الله من مات من أمتي لا يُشرك بالله شيئًا».
[مسلم-199
].
ومنهــــــا
أن الله تعالـــــــى أقســــــم بحياتـــــه –صلى الله
عليه وسلم- ولم يثبت هــــــذه لغيره –صلى الله عليه وسلم-
فقال
تعالى « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ» [الحجر-72 ]، والإقسام بحياة المُقْسَم به يدل على شرف حياته
وعزتها عند المُقْسِم بها .
ومنها
أن الله أرسل كل نبي إلى قومه خاصة، وأرسله –صلى الله
عليه وسلم-
إلى الجن والإنس
قال
الله تعالى « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ» [الأنبياء-107 ].
وقال
«أعطيت خمسًا لم يُعطهن أحدٌ قبلي نُصِرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا
وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد
قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة»
[البخاري 335،
ومسلم 52 ]
ومنها
أن الله أثنى على خُلُقه
فقال
تعالى « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » [القلم
-4].
ومنها
أنَّ كتابه –صلى الله عليه وسلم- مشتمل على ما اشتملت عليه التوراة والإنجيل والزبور
قال
«أُعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان
الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصَّل»
[صحيح
الجامع- 1059 ].
ومنها
أنه يدخل من أمته الجنة سبعون ألفًا بغير حساب
ولم
يثبت ذلك لغيره –صلى الله عليه وسلم- ، قال –صلى الله عليه وسلم- «وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي
سبعين ألفًا بلا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألفٍ سبعون ألفًا، وثلاث حثياتٍ من
حثيات ربي» .
[صحيح
الجامع- 7111 ].
ومنها
أن أمته –صلى الله عليه وسلم- أقل عملاً ممن
قبلهم، وأكثر منهم أجرًا
قال
–صلى الله عليه وسلم- «مثل المسلمين واليهود
والنصارى، كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملاً إلى الليل، فعملوا إلى نصف
النهار، فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا لك، فقال لهم لا
تفعلوا، أكملوا بقية عملكم، وخذوا أجركم كاملاً، فأبوا وتركوه، فاستأجر أجراء
بعدهم، فقال اعملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر، فعملوا، حتى إذا كان
حين صلاة العصر قالوا لك ما عملنا، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال أكملوا بقية
عملكم، فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا، فاستأجر قومًا أن يعملوا له بقية
يومهم، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك
مثلهم، ومثل ما قبلوا من هذا النور».
[البخاري -558
]
قال
الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية»(2/146) «والمراد من هذا التشبيه بالعمال
تفاوت أجورهم، وأنَّ ذلك ليس منوطًا بكثرة العمل وقلته ؛ بل بأمور أخرى معتبرة عند
الله تعالى، وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير، هذه ليلة القدر العمل
فيها أفضل من عبادة ألف شهر في سواها، فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة
سيادة نبيها وشرفه وعظمته، كما قال الله تعالى «يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ
يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»
ومنها
أن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين
فأمهل
عصاة أمته ولم يعاجلهم إبقاء عليهم، قال الله تعالى « وَمَا
كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » [الأنفال-33 ].
فَأَمَّنَ
أعداءه من العذاب مدة حياته عليه السلام فيهم، فلم يُعذِّبهم مع استعجالهم إياه
تحقيقًا لما نعته به، فلما ذهب عنهم إلى ربه تعالى أنزل الله بهم ما عذبهم به من
قتل وأسر، وذلك قوله تعالى « فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ
بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ » [الزخرف-41 ].
بخلاف
من تقدمه من الأنبياء، فإنهم لما كُذِّبوا عوجل مكذِّبهم، كما وقع لقوم نوح
وغيرهم، قال تعالى « فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ
وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ » [الأعراف -64].
وقال
في هود وقومه عاد « فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ
مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ » [الأعراف -72 ]
وقال
في ثمود قوم صالح «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ
تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» [الأعراف -78-79 ]
ومنها
أنَّ الله تعالى نزَّل أمته منزل العدول من الحكام، وهذه الخصيصة لم تثبت لأحد من
الأنبياء
قال
–صلى الله عليه وسلم- «يجيء النبي يوم القيامة
ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك، فيقال له هل
بلغت قومك ؟ فيقول نعم، فَيُدْعى قومه، فيقال لهم هل بلغكم هذا ؟ فيقولون لا،
فيقال له من يشهد لك ؟ فيقول محمد وأمته، فَيُدْعى محمد وأمته، فيقال لهم هل بلغ
هذا قومه ؟ فيقولون نعم، فيقال وما علمكم بذلك ؟ فيقولون جاءنا نبينا فأخبرنا أن
الرسل قد بلغوا فصدقناه، فذلك قوله « وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ
الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا » [البقرة-143 ].
ومنها
أن الكتاب المنزل عليه –صلى الله عليه وسلم- محفوظٌ في التحريف والزيادة والنقصان
قال
الله تعالى « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » [الحجر-9].
وأما
غيره من الكتب فلم يثبت لها هذا
قال
تعالى « أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ
كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ
بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ » [البقرة-75 ].
ومنها
أنه –صلى الله عليه وسلم- كمال الأنبياء
قال
–صلى الله عليه وسلم- «إن مثلي ومثل الأنبياء من
قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون
به ويعجبون له، ويقولون هلا وُضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين»
[البخاري 3535،
ومسلم 2286 ]
ومنها
أنه–صلى الله عليه وسلم- أكثر الأنبياء تبعًا
قال
–صلى الله عليه وسلم- «أنا أكثر الأنبياء تبعًا
يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة»
[صحيح
الجامع- 1450 ].
وقال
–صلى الله عليه وسلم- «آتي باب الجنة فأستفتح،
فيقول الخازن من أنت ؟ فأقول محمد، فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك»
[مسلم- 197
].
فبعثته
–صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، فتح الله به
أعينًا عُميًا، وآذانًا صُمًا، وقلوبًا غُلفًا، وهدى به بعد ضلالة، قال الله تعالى
« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ
» [الأنبياء -107 ].
وقال
–صلى الله عليه وسلم- «أنا محمد، وأحمد، والمقفي،
والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة»
[مسلم- 2355
].
وهذا
يدل على أنه ما أرسل هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلا رحمة لهم ؛ لأنه
–صلى الله عليه وسلم- جاءهم بما يسعدهم وينالون به
كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبعْ فهو الذي ضيع على
نفسه نصيبه من تلك الرَّحمة العظمى، وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلاً ؛ قال لو فجرَّ
الله عينًا للخلق غزيرة الماء، سهلة التناول، فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها،
فتتابعت عليهم النعم بذلك، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل، فضيعوا نصيبهم من تلك
العين ؛ فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين، ولكن الكسلان محنة
على نفسه ؛ حيث حرمها ما ينفعها، ويوضح ذلك قوله تعالى « أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ
دَارَ الْبَوَارِ » [إبراهيم -28].
ومن
رحمته –صلى الله عليه وسلم- لما قيل له يا رسول
الله، ادع على المشركين، قال «إني لم أبعث لعانًا، وإنما بُعثتُ رحمةً»
[مسلم-
1822 ].
فرسول هذه بعض خصائصه يشاق ؟
فمن شاقه بعد ذلك فيسنتقم الله منه في الدنيا والآخرة
ومن
أمثلة عقوبة الدنيا ما رواه أنس رضي الله عنه قال كان رجلٌ نصرانيًا فأسلم وقرأ
البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي –صلى الله عليه وسلم-
، فعاد نصرانيًا، فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه،
فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه، لما هرب منهم نبشوا عن
صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا، فأصبح ولقد لفظته الأرض، فقالوا هذا فعلُ محمدٍ
وأصحابه نَبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما
استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه
[البخاري-3617
].
وعن
ابن مسعود رضي الله عنه قال بينما رسول الله –صلى الله
عليه وسلم- يصلِّي عند البيت يومًا، وأبو جهل ونفرٌ من أصحابه جلوسٌ، إذ
قال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلانٍ لجمل ذبح بالأمس فيضعه بين كتفي
محمد إذا سجد، فانبعث أشقاهم، حتى أتى بسلا الجزور، فلما سجد النبي –صلى الله عليه وسلم- وضعه بين كتفيه، فاستضحكوا حتى مال
بعضهم على بعض من الضحك قال ابن مسعود فلو كانت لي منعةٌ لوضعته عن ظهر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، فلم يرفع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رأسه من السجود حتى أتى إنسان
فاطمة رضي الله عنها فأخبرها، فأقبلت، فطرحت الأذى عن ظهر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، ثم أقبلت إليهم تسبهم، فلما
انصرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من صلاته
دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا، فقال «اللهم عليك
بقريشٍ، اللهم عليك بقريشٍ، اللهم عليك بقريشٍ» فلما سمعوا دعاءه غاب عنهم الضحك
وخافوا من دعوته، ثم سمى بعض النفر فقال «اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن
ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» قال
ابن مسعود فوالذي بعثه بالحق لقد رأيتهم يوم بدرٍ صرعى، ثم سحبوا فألقوا في القليب
قليب بدر.
[متفق عليه
]
وأما
في الآخرة فقد قال الله تعالى « وَمَنْ يُشَاقِقِ
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
» [النساء -115 ].
وقال
تعالى « إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ
عَذَابًا مُهِينًا» [الأحزاب -57 ].
عن
فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه
وسلم- قال «اللهم من آمن بك، وشهد أني رسولك، فحبب إليه لقاءك، وسهل عليك
قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك، ولم يشهد أني رسولك، فلا تُحبب إليه
لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا»
[صحيح الترغيب-3488،
وصحيح الجامع-1311 ].
وعن
أبي سعيد رضي الله –صلى الله عليه وسلم- عنه قال
قال رسول الله «مَن قال رضيتُ بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ –صلى الله عليه وسلم- نبياًّ وجبت له الجنة»
[صحيح
الجامع- 6428 ].
مجلة
التوحيد العدد447-ربيع أول.