أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، بسم اللَّه الرحمن الرحيم : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] .
لقد كانت تركيا بالأمس هي دار الخلافة الإسلامية، وحامية حمى الإسلام والمسلمين، وقد أصبحت بعد ذلك من أشد الناس عداوة للإسلام وحربًا عليه، وعونـًا لأعدائه على أتباعه !!
وكانت بداية الكارثة والمصيبة العظمى يوم أن أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية ، وكان هذا الملحد الزنديق سببـًا في أن أصبح العالم الإسلامي للمرة الأولى منذ وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-بلا خلافة !!؟
وترتب على إلغاء الخلافة طرد الخليفة - بعد خلعه - وآله وأسرته جميعـًا إلى خارج حدود تركيا، بعد أن جردّهم من كل أملاكهم وأموالهم، وتم حرمانهم من الجنسية التركية، كما فعلوا اليوم مع نائبة البرلمان التي ارتدت الحجاب !!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ؛ بل تم ضم الأوقاف الخيرية إلى أملاك الدولة ، وإلغاء التعليم الديني ، وإغلاق المحاكم الشرعية ، وإبطال العيدين ، وصلاة الجمعة ، وقتل العلماء والفقهاء ؛ بل وقتل كل من ارتفع صوته مطالبـًا برعاية حق الدين وحرمته ، وأقاموا لهؤلاء محكمة وهمية تحكم بقتلهم ؛ وسمّوها (( محكمة الاستقلال )) !!
كما أباح أتاتورك وأعوانه تزوج المسلمات بالنصارى وحرّموا تعدد الزوجات ، وأخرجوا نساء المسلمين متبرجات إلى الرقص والبارات ، وألغوا تعليم القرآن والدين من جميع المناهج الدراسية ، ومنعوا الشعب التركي من الحج إلى بيت اللَّه الحرام ، وأحلوّا الحروف اللاتينية محل الحروف العربية .
الخلافة والزلزال
وقد قام الأزهر الشريف - في ذلك الوقت - بدور عظيم في التصدي لهذه الكارثة ، وتحذير المسلمين من شرها وخطرها وضررها ؛ فأصدر علماء الأزهر بيانـًا موقعـًا من كبار علمائه ، وأُذيع بعد إلغاء الخلافة بأربعة أيام فقط ، وقرر البيان بطلان ما فعله أتاتورك من عزل الخليفة الذي انعقدت له البيعة من المسلمين جميعـًا .
وكتب وكيل الأزهر - في ذلك الوقت - العلاّمة الشيخ محمد حسنين مقالاً جاء فيه :
( ... إن الإجماع منعقد على وجوب نصب خليفة للمسلمين ، وقد ورد في (( صحيح مسلم )) : (( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) . وأولى الناس بهذا الواجب الخطير الأُمة المصرية؛ فإن فيها من علماء الدين وطلاب العلم آلافـًا عديدة ، ومن أهل الحل والعقد وذوي الرأي ما لا يجتمع في غيرها ، وفيها الأزهر الشريف الذي امتازت به مصر عن سائر الأقطار؛ يؤمه القاصي والداني في مشارق الأرض ومغاربها ؛ ولمصر في نفوس العالم الإسلامي منزلة تستحق معها السبق إلى هذا الواجب الأكيد ؛ فيجب على العلماء وأهل الحل والعقد أن يبادروا إلى النظر في بيعة خليفة للمسلمين ؛ حتى يخرجوا من عهدة هذا المنصب الخطير ) . اهـ .
وفي عصرنا الحاضر ضاعف المسئولون العلمانيون الأتراك ، ومعهم الجيش التركي من عداوتهم للإسلام وحربهم للمسلمين .
فسمحوا للحلفاء الأعداء أن يستخدموا أرض تركيا قاعدة لهم ينطلقون منها لقتل الشعب العراقي المسلم بأطفاله ونسائه وشيوخه !!
وقتلوا وشردوا الأكراد ، ومزقوهم كل ممزق بغير أسباب حقيقية ؛ والأكراد جنسية لفئة مسلمة أكثرهم من أهل السنة والجماعة .
واضطهدوا الشعب التركي المسلم، وحاربوا كل محاولة إسلامية للمطالبة بتطبيق الشريعة، أو حتى الالتزام الشخصي بها؛ وما حدث مع نجم الدين أربكان وحزبه خير شاهد ودليل.
وحاربوا اللحية والحجاب؛ وهما من شعائر الإسلام، وقد رأى المسلمون في العالم حقدهم وبغضهم عندما دخلت نائبة مسلمة البرلمان بحجابها، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى خرجت، وفُصلت، وحُرمت من الجنسية التركية !! وهي تركية !!
ونحن لا نؤيد دخول المرأة المسلمة عضوية البرلمان ، لكننا نتعجب من صنيع هؤلاء الملاحدة الذين ينتسبون إلى الإسلام ظلمـًا وزورًا !!
أقاموا معاهدات قوية مع اليهود في مجالات عديدة؛ منها معاهدة دفاع مشترك؛ ولا ندري ضد مَن غير العرب والمسلمين ؟!!
أعلنوا الحرب على الشريعة في كافة المجالات ، واضطهدوا كل داعٍ إلى اللَّه ، وتقوم سياستهم دائمـًا على (( التنكيل بالمسلمين ، والتمكين للعلمانيين )) .
وأملى اللَّه لهم، واستدرجهم بنعمه الكثيرة الوافرة ، فكفروا بأنعم اللَّه ؛ فأمضى اللَّه فيهم سننه التي لا تتبدل ولا تتحول ؛ فأنزل عليهم بلاءً عظيمـًا لا قِبل لهم به ، وضربهم بزلزال كثيف عنيف مخيف !! فملأ قلوبهم رعبـًا وخوفـًا وهلعـًا وفزعـًا ، ودمر بلادًا بأسرها ، وقتل أربعين ألفـًا ، وجرح وأصاب أضعاف هذا العدد ، وشرد مئات الآلاف ، وخرج الملايين إلى الشوارع ، وكان هذا الزلزال العنيف المروع آية من اللَّه ، وتخويفـًا وإنذارًا لأُمة عتت عن أمر ربها وحاربت شريعته ، فأذاقهم اللَّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
وإن مما ينبغي التنبه له أن لهذه الزلازل أسبابـًا علمية وأسبابـًا شرعية ؛ فأما أسبابه العلمية فيعرفها المتخصصون في هذه العلوم ؛ وليس هذا موضع ذكرها ، وأما أسبابه الشرعية ؛ فقد وردت في السنة الصحيحة .
منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (( إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب اللَّه )) . فكيف يكون الأمر وقد ظهر الربا والزنا في العالم بأسره - عياذًا باللَّه من ذلك .
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (( سيكون في آخر الزمان خسْف وقذف ومسخ ، إذا ظهرت المعازف والقينات ، واستحلت الخمر )) . [ (( صحيح الجامع )) ] .
وقد أصبحت هذه المحرمات ظاهرة منتشرة آناء الليل والنهار .
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (( إذا ظهر السوء في الأرض أنزل اللَّه بأسه بأهل الأرض ، وإن كان فيهم قوم صالحون يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يرجعون إلى رحمة اللَّه ومغفرته )) . [ (( صحيح الجامع الصغير )) ] .
منها ما كتبه الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز إلى أهل الأمصار : ( أما بعد : فإن هذا الرجف شيء يعاتب اللَّه عز وجل به العباد ) ، وأمرهم بالصدقة ، والتوبة والاستغفار .
ولعظم شأن الخلافة الإسلامية ، وعلو منزلتها في الشريعة ، فقد ألف العلامة الشيخ محمد رشيد رضا كتاب الخلافة أو الإمامة العظمى ، وورد في ثنايا الكتاب نصيحة غالية وجهها المؤلف إلى الشعب التركي ، وننقلها هنا بنصها وفصها ؛ لأن المسلمين اليوم في أمسّ الحاجة إلى مثلها .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا ، رحمه اللَّه : أيها الشعب التركي ، إن الإسلام أعظم قوة معنوية في الأرض ، وإنه هو الذي يمكن أن يحيي مدنية الشرق وينقذ الغرب ، فإن المدنية لا تبقى إلا بالفضيلة ، والفضيلة لا تتحقق إلا بالدين ، ولا يوجد دين يتفق مع العلم والمدنية إلا الإسلام ، إنما عاشت المدنية الغربية هذه القرون بما كان فيها من توازن بين بقايا الفضائل المسيحية ، مع التنازع بين العلم والتعاليم الكنسية ، فإن الأمم لا تنسَلُّ من فضائل دينها ، بمجرد طروء الشك في عقائده على أذهان الأفراد والجماعات منها ، وإنما يكون ذلك بالتدريج في عدة أجيال ، وقد انتهى التنازع بفقد ذلك التوازن ، وأصبح الدين والحضارة على خطر الزوال ، واشتدت حاجة البشر إلى إصلاح روحي مدني ثابت الأركان ، يزول به استعباد الأقوياء للضعفاء ، واستذلال الأغنياء للفقراء ، وخطر البلشفية على الأغنياء ، ويبطل به امتياز الأجناس ، لتحقق الأخوة العامة بين الناس ، ولن يكون ذلك إلا بحكومة الإسلام التي بيناها بالإجمال في هذا الكتاب .
أيها الشعب التركي الباسل ، إنك اليوم أقدر الشعوب على أن تحقق للبشر هذه الأمنية ، فاغتنم هذه الفرصة لتأسيس مجد إنساني خالد ، لا ينكر معه مجدك الحربي التالد ، ولا يَجْرِمَنَّكَ المتفرنجون على تقليد الإفرنج في سيرتهم ، وأنت أهل لأن تكون إمامـًا لهم بمدنية خير من مدنيتهم ، وما ثَمَّ إلا المدنيةُ الإسلامية الثابتة قواعدها ، المعقودة على أساس العقيدة الدينية ، فلا تزلزلها النظريات التي تعبث بالعمران ، وتفسد نظم الحياة الاجتماعية على الناس. اهـ .
وبعـــــد :
هل ينتفع المسلمون بهذه الأحداث ؟
وهل يثمر التدبر عودة صادقة إلى اللَّه ؟
وهل تكون ممن إذا جاءهم بأس اللَّه تضرعوا ؟
وانتفعوا وخشعوا . نسأل اللَّه ذلك ، وما ذلك على اللَّه بعزيز .
وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
رئيس التحرير
سمح الأتراك للحلفاء من أعداء المسلمين أن يستخدموا أرض تركيا قاعدة لهم ينطلقون منها لقتل الشعب العراقي المسلم بأطفاله ونسائه وشيوخه !!
أعلن العلمانيون في تركيا الحرب ضد الإسلام، وأقاموا المعاهدات مع اليهود واتفاقيات الدفاع المشترك ضد العرب والمسلمين !!
الحكومة العلمانية في تركيا أعلنت الحرب ضد اللحية والحجاب، وهما من شعائر الإسلام، وقامت الدنيا ولم تقعد بسبب دخول نائبة مسلمة البرلمان مرتدية الحجاب !!