منهج الإسلام في تربية الشباب
المقدمة
الحمدُ لله، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيرًا، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد :
فإن الشباب المسلم المتمسك بدينه،على ضوء القرآن والسُّنة،بفهم سلفنا الصالح، هم الأمل في إعادة كرامة وعزة وأمجاد الأمة الإسلامية إليها،كما كانت في عهد الصحابة والتابعين ،ومن بعدهم من القرون الثلاثة الأولى الفاضلة،من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِّرَ إخواني القراء الكرام بمنهج الإسلام في تربية الشباب،وقد تناولت الحديث في هذه الرسالة عن تحصين الشباب ضد الغزو الفكري، وعوامل تكوين شخصية الشباب ،وعناية الإسلام بالشباب، ووسائل تربية الشباب ، واستثمار الشباب لوقت الفراغ ،ثم ختمت الرسالة بذكر نماذج مشرقة للشباب المسلم.
أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم،وأن ينفع به كلَّ مسئولٍ عن تربية الشباب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
لماذا نتحدث عن الشباب؟
نتحدث عن الشباب لأسباب كثيرة،نوجزها فيما يلي:
(1) لأن الشباب هم أمل الأمة الإسلامية وهم ثروتها الحقيقية من أجل الاستمرار في بناء المستقبل.
(2) لأن الشباب هم حكامنا وولاة أمورنا إن شاء الله تعالى .
(3) لأن الشباب هو زمن القوة والعمل والنشاط, بين مرحلتي ضعف، مرحلة الطفولة، مرحلة الشيخوخة .
(4) لأننا إذا أردنا بناء الحضارة الإسلامية, فإن الأمر يتطلب إعادة بناء الشباب على أسس عقائدية,وأخلاقية سليمة،تبعد الشباب المسلم عن الانحراف .
(5) لأن أعداء الإسلام يتربصون للأمة الإسلامية بالمرصاد، ويبذلون قصارى جهدهم لإبعاد الشباب المسلم عن الفضيلة .
(6) لأن الشباب هم ناقلوا التراث والأمجاد من الآباء إلى الأحفاد،وهم ذخر المجتمع وكنزه ،فإذا أفلست الأمة من شبابها، فقدت وجودها وانهار كيانها .
تحصين الشباب ضد الغزو الفكري :
إن الساحة الإسلامية تشتد فيها المنافسة بين مختلف وسائل الإعلام (المقروء، والمسموعة، والمرئية ) التي تحمل الغث والسمين مما هو موجود داخل البلاد الإسلامية أو ما يأتي إليها من الخارج، حيث يحاول أعداء الإسلام توجيه فكر الشباب المسلم نحو الثقافة العلمانية(وهي التي لا تعترف بالدين) والمادية التي تسود المجتمع العالمي، بعيدًا عن تعاليم الشريعة الإسلامية المباركة، وذلك لكي ينشأ الشباب المسلم، وهو مقطوع الصلة بدينه القويم، مفتوناً بالحضارة الغربية، المادية، ولذا فإن حماية هذا الشباب المسلم، تقع علي الآباء،ورجال التربية في البلاد الإسلامية .
ولقد ظهر أثر هذا الغزو الثقافي الغربي السلبي علي كثير من الشباب المسلم،
الأمر الذي يدل بوضوحٍ على تقصير الآباء ورجال التربية في القيام بواجباتهم ومسئولياتهم التربوية نحو الشباب المسلم .
(مسئوليه الآباء تجاه الأولاد للدكتور عبد الرب نواب صـ205)
عوامل تكوين شخصية الشباب :
هناك مجموعة من العوامل التي تعتبر سبباً ًكبيراً في تكوين شخصية الشباب ومنها الوالدان، والأصدقاء، والمدرسة، والمجتمع .
وسوف نتحدث عن الوالدان والأصدقاء :
أولاً: الوالدان.
يعتبر الوالدان هما المؤثر الفعال في شخصية الشباب فكلما كان الوالدان على تقوى من الله كلما انعكس ذلك علي أولادهما في مرحلة الشباب، فمعظم معاصي الشباب يُسألُ عنها الآباء .قال تعالى( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ .) (الزخرف :24:22)
ويقول الله تعالى :( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ .)
(البقرة :170)
كل مولود يولد علي الفطرة ومن المعلوم أن الطفل يقلد أبويه، فإذا صار شاباً كانا هما الأسوة له في نظره لأن الشيء الذي انطبع في قلب الإنسان وهو صغير، يستمر معه وهو كبير .
يقول الشاعر : وينشأ ناشيء الفتيان منا * على ما كان عَوَّدَه أبوه .
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ. (البخاري حديث 1385)
ومن تدبر في الحياة وجد أن معظم الشباب يسيرون على منهج أبائهم .
لقمان يربي ولده:
يقول الله تعالى:( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13) وقال لقمان لابنه أيضاً( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ .) (لقمان:19:16)
فليسأل كل منا نفسه : كيف تكون تربية شاب نشأ على هذه العقيدة الصحيحة والأحكام السامية ؟!
ثانياً:الأصدقاء:
للأصدقاء تأثيرٌ على من في سنهم من الشباب، فالصديق الصالح له أثرٌ طيبٌ، والصديق السوء له أثرٌ سيئٌ على صاحبه، وهذا لا يمكن إنكاره، ولذا حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على حُسنِ اختيار الصديق.
روى الشيخانِ عن أبي موسى الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال:إنما مَثَلُ الجليسِ الصالح والجليس والسوءِ، كحامِلْ المسك ونافخِ الكِير، فحاملُ المسك إمَّا أن يُحْذِيَك وإمَّا أن تبتاع منه، وإمَّا أن تجدَ منه ريحًا طيبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا خبيثة. (البخاري حديث 5534) (مسلم جـ4 صـ2026 حديث146)
روى الترمذيُّ عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1937)
روي الترمذيُّ عن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ.
(حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث1952)
والصديق قد يكون سبباً في خسارة صاحبه في الدنيا والآخرة .
يقول الله تعالى في محكم التنزيل : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا. (الفرقان : 29:27)
عناية الإسلام بالشباب:
أولاً: القرآن الكريم :
لقد أهتم القرآن الكريم بالشباب من حيث تربيته وحسن معاملته وجاءت السُّنة تؤكد وتفصل ما جاء في القرآن الكريم، فالقرآن والسُّنة المطهرة لم يتركا شيئاً يتعلق بأمور الشباب إلا وبيناه بيانا ًشافياً حتى أنهما لم يتركا استدراكاً لأي مستدرك، ولقد سبق الإسلام في اهتمامه بالشباب كل العلوم الإنسانية الحديثة التي لم تأت إلا بقليل من كثير وغيض من فيض, وذرة من جبل، أين هذه التعاليم المبتورة القاصرة بجانب تعاليم الحكيم الخبير الذي ما فرط في الكتاب من شيء.
ذكر الله تبارك وتعالي في كتابه العزيز أمثلة لشباب تربوا علي مائدة الرحمن ولم يؤثر فيهم فساد عقيدة المجتمع الذي نشأوا فيه واعتزلوا عن كل انحراف مستعينين بتأييد الله تبارك وتعالى لهم ، فكانوا مشاعل ضياء في مجتمعاتهم الفاسدة وسوف نذكر بعض أمثله لهؤلاء الشباب .
يوسف بن يعقوب -صلى الله عليه وسلم- :
تربى يوسف -صلى الله عليه وسلم- في بيت عزيز مصر حتى إذا أصبح شاباً يافعاً ابتلاه الله تعالى بامرأة العزيز في مجتمع اعتاد على الرذيلة, لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً فاستعان بالله عليها ورد الله كيدها في نحرها وعصم الله تعالى يوسف الصديق من الفتن. يقول الله تعالى عن يوسف -صلى الله عليه وسلم-:
( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ * وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ واعتدت لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ* قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *) (سورة يوسف: (34:21)
فتية أهل الكهف:
ذكر الله تبارك وتعالى فتية أهل الكهف ليكونوا نبراساً لمن يعيش في مجتمعٍ يموجُ بالمعاصي والذنوب وفساد العقيدة . يقول سبحانه:( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ) (سورة الكهف. (16:13)
ثانياً: عناية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالشباب :
تتجلى عناية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالشباب في كثير من أحاديثه الموجهة إليهم وإرشادهم إلى ما ينفعهم وتصحيح عقيدتهم . ومن ذلك ما يلي :
روي الشيخانِ عن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ : يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ. (البخاري حديث5065/مسلم حديث1400)
روى الشيخانِ عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.
(البخاري حديث660) (مسلم حديث1031)
في هذا الحديث بشَّرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الشاب الذي ينشأ في طاعة الله تعالى بأنه سيكون يوم القيامة آمناً في ظل عرش الرحمن .
روي الحاكمُ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك و صحتك قبل سقمك و فراغك قبل شغلك و شبابك قبل هرمك و غناك قبل فقرك . (حديث صحيح) (صحيح الجامع .حديث1077)
روي الترمذيُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال . كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ:يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث2043)
وسائل تربية الشباب
هناك وسائل عديدةٌ لها تُؤَثرُ تأثير كبيراً في تربية الشباب وهي :
(1) التربية بالقدوة
(2) التربية بالموعظة
(3) التربية بالقصة الواقعية الهادفة
(4) التربية بالملاحظة
(5) التربية بالعقوبة
أولا: التربية بالقدوة :
القدوة في التربية هي أفضل الوسائل المؤثرة في تربية الشباب،فينبغي أن نضع أمام الشباب شخصاً قدوة يسيرون على نهجه في جميع أمور حياته .وخير قدوه للشباب هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال عنه سبحانه ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (سورة الأحزاب:21)
وقد وضع الله تعالى في شخص نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الصورة الكاملة للمنهج السليم القويم ليسير الشباب علي منهجه .
روى أحمدٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.
(حديث صحيح)(مسند أحمد جـ 42صـ 183)
لقد كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، وكان -صلى الله عليه وسلم- مربياً وهادياً بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام الذي ينطق به.
ثانياً:التربية بالموعظة :
من وسائل التربية المؤثرة في تكوين شخصيه الشاب، تربيته بالموعظة، وتذكيره بالنصيحة، لأن في ذلك أثراً كبيراً في تبصير الشاب بحقائق الأشياء ودفعه إلى معالي الأمور، تحليه بمكارم الأخلاق وتوعيته بمبادئ الإسلام. والقرآن الكريم مملؤء بالآيات التي تتخذ أسلوب الوعظ أساساً لمنهج الدعوة طريقاً للوصول لإصلاح الأفراد وهداية الجماعات .منها موعظة لقمان لابنه حيث قال سبحانه . (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ * أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وباطنه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِير) (لقمان:21:13)
لاشك أن الموعظة المخلصة والنصيحة المؤثرة، إذا وجدت لها نفساً صافية، وقلباً متفتحاً، وعقلاً حكيماً متدبراً، فإنها أسرع للاستجابة وأبلغ في التأثير . والقرآن كله مواعظ للمتقين . قال سبحانه(هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138)
إن الهدف من الموعظة أن يصل المربي بمن يعظه إلى الخشية الحقيقية من الله تعالى وأن يتذكر أمور الآخرة كأنها رأى العين، وهكذا كانت موعظة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
روى أحمدٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: ادْنُهْ. فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ. قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
(حديث صحيح)(مسند أحمد جـ 5صـ 256حديث 22265)
روى الترمذيُّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ:وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ.
(حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث2157)
ثالثاً :التربية بالقصص الواقعية الهادفة:
القصص الهادفة لها أثر تربوي في نفوس الشباب، وهي من أهم وسائل التربية وذلك لأن النفس البشرية تميل إلى الأسلوب القصصي . وقد ذكر الله تعالى كثيراً من القصص في القرآن الكريم من أجل تربية الناس.
قال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : (يوسف:111)
فيمكن للمربي أن يقص علي الشباب قصص الأنبياء والصالحين ليقتدي بهم الشباب في حياتهم الدنيا . وقد استخدم نبينا -صلى الله عليه وسلم- الأسلوب القصصي. والقرآن يستخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه، التي يشملها منهجه التربوي : تربية الروح والعقل والجسم،لترسيخ المعاني الإيمانية وغرس الفضائل في نفوس أصحابه .
ومن القصص النبوي، قصة الثلاثة من بني إسرائيل : الأبرص، والأقرع، والأعمى، الذين
أراد الله تعالى أن يختبرهم .
روى البخاريُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ إِنَّ
ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى
الْأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ
حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ
لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا فَقَالَ أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ
الْإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْأَبْرَصَ
وَالْأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الْإِبِلُ وَقَالَ الْآخَرُ الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ
نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ
أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ
قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ
فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً
حَامِلًا وَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ
أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ
قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ
أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ
وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ
وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ
وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي
فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي
أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا
أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ لَهُ إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ
لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا
فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ فَقَالَ إِنْ
كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي
صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ
مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ
إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ
وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ
الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ
بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ
اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لَا
أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ
فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ
. (البخاري حديث 3464)
وقصة الرجل الذي اقترض ألف دينار:
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا. ( البخاري حديث 2291)
ولا تقتصر التربية علي القصص القرآني والنبوي، ولكن هنا أيضاً سير سلفنا الصالح،من الصحابة والتابعين،ومن بعدهم،من أهل العلم.
رابعاً : التربية بالملاحظة :
المقصود بالتربية بالملاحظة، هو ملاحظة الشاب ومراقبة تصرفاته والسؤال عن أحواله باستمرار . ولا شك أن هذه الوسيلة من التربية تعتبر من أقوي الأسس في إعداد الشاب المتوازن، الذي يستطيع أن يقوم بمسئولياته نحو مجتمعة علي الوجه الأكمل والإسلام بمبادئه الشاملة وأنظمته الخالدة، حث الآباء والأمهات والمربين، جميعاً علي أن يهتموا بمراقبة أبنائهم من جميع الجوانب.
قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ: (التحريم: 6)
وكيف يقي المربي أولاده نار جهنم، إذا لم يأمرهم بالطاعات وينهاهم عن الآثام، ولم يراقبهم ويلاحظهم؟!
حث نبينا -صلى الله عليه وسلم- الآباء على ملاحظة تصرفات وسلوك أبنائهم .
روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
(البخاري حديث 2558)
ومن مسئولية الرجل والمرأة عن رعيتهما هو ملاحظة الأبناء، ومراقبة تصرفاتهم ، حتى إذا أهملوا حقاً من حقوق الله، أرشدوهم إليه، وإذا قصروا في واجب نصحوهم، وإذا رأوا منهم منكراً نهوهم عنه، وإذا فعلوا معروفاً شكروهم عليه. إن مراقبة الشباب من أفضل أسس التربية، وذلك لأنهم بهذه الطريقة موضوعون تحت مجهر الملاحظة والمراقبة .
خامساً : التربية بالعقوبة :
حين لا تفلح التربية بالقدوة ولا الموعظة، فلا بد من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح، والعلاج الحاسم هو العقوبة،
إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص، فقد يستغني شخص بالقدوة، وبالموعظة، فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب، ولكن الناس ليسوا سواء في ذلك، ففيهم من يحتاج إلى العقاب مرة، أو ومرات عديدة، وليست العقوبة هي أول ما يأتي على عقل المربي ولكن الموعظة هي الأصل مع الصبر الجميل،لعل هذا الشاب يعود إلى صوابه .
قال الله تعالى :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.) (فصلت:34:33)
فقال جل شأنه :( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.) (النحل:125)
وقال سبحانه ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل:10)
الإسلام يستخدم التخويف والترهيب بجميع درجاته من أول التهديد إلى التنفيذ .فإذا رأى الوالد أن ولده قد صلح حاله بعد العقوبة، واستقام سلوكه، فعليه أن يتلطف معه ويوضح له أنه ما قصد من العقوبة إلا مصلحته في الدنيا والآخرة .
(منهج التربية لمحمد قطب جـ 1صـ 200:181)
(تربية الأولاد لعبد الله ناصح جـ 2صـ 731:606)
تحذير الشباب من فتنة تكفير المسلمين :
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا . ( البخاري حديث 6103 )
روى البخاري عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُسَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ . ( البخاري حديث 6045 )
قال ابن حجر العسقلاني – رحمه الله :
هذا الْحَدِيث سِيقَ لِزَجْرِ الْمُسْلِم عَنْ أَنْ يَقُول ذَلِكَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِم ، وَذَلِكَ قَبْل وُجُود فِرْقَة الْخَوَارِج وَغَيْرهمْ .
( فتح الباري جـ10 صـ481 )
قال الشوكاني – رحمه الله :
إن الحكم على الرجل بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر ، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة أن من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، هكذا في الصحيح، وفي لفظ آخر في الصحيح و غيرهما " من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه . أي رجع، وفي لفظ في الصحيح، فقد كفر أحدهما، ففي هذه الأحاديث، ما ورد موردها أعظم زاجراً وأكبر واعظاً عن السراع في التكفير، وقد قال عز وجل : " وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا " ( النحل : 106 ) فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك، لاسيما مع الجهل بمخالفتها الطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فِعلٍ كفري لم يُرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلي ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ، يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه . ( السيل الجرار للشوكاني جـ 4 صـ578 )
أقوال أهل العلم في تكفير المُعيَّن :-
سوف نذكر بعض أقوال أهل العلم في مسألة تكفير أشخاص بأعيانهم :-
1- مالك بن أنس :-
سُئل مالك بن أنس عن رجل نادى رجلاً باسمه، فقال : لبيك اللهم لبيك أعليه شيء ؟ قال مالك : إن كان جاهلاً أو على وجه السفه فلا شيء عليه . ( البيان والتحصيل لابن رشد جـ16 صـ370 )
2- الإمام الطحاوي :
قال الطحاوى – رحمه الله – عند حديثه عن أهل القبلة وتقريره لعقيدة السلف الصالح " لا نشهد عليهم بالكفر ولا بشرك ولا بنفاق، ما لم يظهر شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلي الله تعالى .
(شرح العقيدة الطحاوية لأبي العز الحنفي ج2 ص131)
3- ابن حزم- رحمه الله : من تأول من أهل الإسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجة ولا تبين له الحق فهو معذور مأجور آجراً واحداً لطلبه الحق وقصده إليه مغفور له خطؤه إذ لم يعتمده لقول الله تعالى: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم " وإن كان مصيباً فله أجران أجر لإصابته وأجر آخر لطلبه إياه وإن كان قد قامت الحجة عليه وتبين له الحق فعند عن الحق غير معارض له تعالى ولا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو فاسق لجراءته على الله تعالى بإصراره على الأمر الحرام فإن عند عن الحق معارضاً لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر مرتد حلال الدم والمال لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الاعتقاد في أي شيء كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أي شيء كان على ما بينا قبل.
( الفصل في الملل والأهواء لابن حزم جـ3 صـ144 )
4- الإمام ابن تيمية :-
قال أحمد بن تيمية – رحمه الله :- لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِيَقِينِ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ12 صـ466 )
وقال رحمه الله أيضاً :
لَا يَكْفُرُ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ كَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ . وَالزَّكَاةَ وَاسْتَحَلَّ الْخَمْرَ ؛ وَالزِّنَا . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ7 صـ619 )
وقال رحمه الله أيضاً :
أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ ، إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرسالية الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً وَفَاسِقًا أُخْرَى وَعَاصِيًا أُخْرَى وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا : وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ . ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ3 صـ229 )
وقال رحمه الله :-
إِنَّ الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالتَّكْفِيرَ وَالتَّفْسِيقَ هُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ لَيْسَ لِأَحَدِ فِي هَذَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ إيجَابُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتَصْدِيقُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .
( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ5 صـ554 )
الإسلام يحث الشباب على العمل :
ينبغي على الشباب المسلم أن يبحث عن عملٍ مشروعٍ في الإسلام ليتكسب منه قوت يومه ،ويعيش به حياة كريمة. ويجب على الشباب ألا يحتقر عملاً ما دام ذلك العمل قد أباحه الله تبارك وتعالى. ويجب على الشباب أن يتوكل على الله تعالى مع الأخذ بأسباب الرزق الحلال.
وقد أمرنا الله تعالى بالتوكل عليه سبحانه مع السعي في الأرض لطلب الرزق الحلال. فقال الله تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يتوكلوا عليه سبحانه: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . ( آل عمران : 160 )
وقال سبحانه : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) ( آل عمران : 173 : 174 )
وقال جَلَّ شأنه : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) ( الفرقان : 58 )
قال سبحانه آمرا عباده المؤمنين بالسعي في الأرض والأخذ بأسباب الرزق الحلال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ . ( سورة البقرة : 267)
وقال سبحانه : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) ( سورة الجمعة : 10 )
وقال جَلَّ شأنه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) ( سورة الملك : 15 )
النبي -صلى الله عليه وسلم- يحثنا على التوكل على الله مع السعي لطلب الرزق :-
لقد أرشدنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على السعي والأخذ بأسباب الرزق الحلال في كثير من أحاديثه الشريفة، وسوف نذكر بعضاً منها :-
1- روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ . ( البخاري حديث 1471 )
2- روى البخاري عن الْمِقْدَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ . ( البخاري حديث 2072)
وما أجمل أن يستيقظ المسلم مبكراً لطلب الرزق الحلال، متبعاً في ذلك سنة نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- .
3- روى الترمذي عن صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ. ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 968)
4- روى الترمذي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا .
( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1911 )
الدعاء من أسباب الحصول على الأرزاق :
اعلم أخي الشاب الكريم، أن اللجوءَ إلى الله تعالى بالدعاء، من أعظم أسباب الحصول على الأرزاق، وذلك مع الأخذ بالأسباب المادية، ولو كانت بسيطة، للحصول على هذه الأرزاق، قال الله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ )
( غافر : 60)
وقال جل شأنه : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ( البقرة : 186)
وقال سبحانه : (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) ( النمل : 62)
روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ . ( البخاري حديث 7494 )
روى البيهقي عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم .
( حديث صحيح ) ( صحيح الجامع للألباني حديث 3030)
الشباب واستثمار وقت الفراغ :
ذكر أهل العِلْمِ طرقاً كثيرةً يستطيع بها الشبابُ المسلم أن يستثمر وقت فراغه, يمكن أن نوجزها فيما يلي :
(1) التفقه في الدين وحفظ القرآن الكريم :
ينبغي على الشباب المسلم أن يستثمر وقتَ فراغه في طلب العلوم الشرعية بقدر استطاعته وليعلم أن الوقت الذي يقضيه في طلب العِلْمِ يكون في ميزان حسناته يوم يقوم الناس لرب العالمين،قال الله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) ( طه : 114 ) وقال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر : 9 )
وقال جَلَّ شانه : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( المجادلة : 11 )
وقال تعالى : (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة : 122 )
وقد حثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على التفقه في الدين .
روى الشيخانِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ .
(البخاري حديث 71 /مسلم حديث1037)
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.(مسلم حديث2699)
وينبغي أن نعلم أن التفقه في الدين يبدأ بحفظ القرآن والمداومة على تلاوته، ومعرفة أحكام التلاوة الصحيحة كما هو دأب أهل العلم من سلفنا الصالح .
روى البخاريُّ عَنْ عُثْمَانَ بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.
(البخاري حديث 5027)
(2) الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة ونشر العلم النافع :
إن الدعوة إلى الله تعالى مجالٌ خصب للشباب المسلم، لاستثمار الوقت، فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين وهم خير عباد الله تعالى، وهم سفراء الله إلى خلقه، إن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة هي وظيفة خلفاء الأنبياء من العلماء العاملين الصادقين، وهي أفضل الأعمال بعد توحيد الله تعالى والإيمان به، لأنها سبب في هداية الخلق إلى الله تعالى، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ( فصلت : 33 )
وقد أمرنا الله عز وجل بالدعوة إلى توحيده وطاعته بالحكمة والعلم الصحيح النافع من الكتاب والسنة . يقول الله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ( النحل : 125 )
ولقد حثنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- على نشر العِلْمِ في كثيرٍ من أحاديثه الشريفة ، ومنها:
روى الترمذيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 2139)
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. ( مسلم حديث 1631 )
روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللهِِ بْنِ عَمْرو بنِ العاص أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. (البخاري حديث 3461)
روى الشيخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ :وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. (البخاري حديث 4210 /مسلم حديث2406)
(3) عمارة المساجد وذِكْر الله تعالى :
عمارة بيوت الله تعالى بالمحافظة على الصلوات المفروضة ومدارسة حلقات العِلْم النافع وغير ذلك من الطاعات، التي ترفع شأن صاحبها عند الله تعالى، بابٌ عظيمٌ للشباب المسلم الواعي لاستثمار وقته . يقول الله تعالى : (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) ( التوبة : 18 )
قال بعض السلف الصالح : إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا الظن به . ( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ7 صـ87 )
وعمارة المساجد تشمل أيضاً بناءها وتعاهدها بالنظافة وتوفير الماء للمصلين وإعداد الفُـرُش ورفع الأذان في وقته وغير ذلك .
إن ذِكْرَ الله تعالى على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أوسع الأبواب لاستثمار المسلم لوقته . ولقد أرشدنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز على ضرورة استثمار الوقت في ذِكْرِه، كما قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) ( الأحزاب : 41 : 43 )
وقال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) ( البقرة : 152 )
وقال سبحانه : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ )( الأعراف : 205 )
وقال جلَّ شأنه: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )( الجمعة : 10 )
ولقد حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على استثمار الوقت في ذكر الله تعالى، وذلك من خلال أحاديث نذكر منها ما يلي :
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. (البخاري حديث 7405 /مسلم حديث2675)
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
(البخاري حديث 6408 /مسلم حديث2689)
روى ابنُ ماجه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ.
(حديث صحيح)(صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3057)
(4) قضاء حوائج المسلمين :
يمكن للشباب المسلم أن يستثمر وقته في قضاء حوائج إخوانه المسلمين .
يقول الله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) ( البقرة : 215 )
وقال سبحانه وتعالى : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( الحج : 77 )
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. (مسلم حديث 2669)
وينبغي للمسلم أن يشفع لإخوانه المسلمين من أجل قضاء حوائجهم .
يقول الله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ) ( النساء : 85 )
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ.
(البخاري حديث 6028 /مسلم حديث2627)
والإصلاح بين الناس من أبواب قضاء حاجات المسلمين، قال الله تعالى :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(الحجرات : 10 )
وقال تعالى أيضاً : (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) ( الأنفال : 1 )
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ.
(حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 4111)
(5) ممارسة الرياضة المفيدة :
يستطيع الشباب المسلم أن يستثمر بعضاً من وقته في ممارسة الرياضة المفيدة بما يعود عليه بالنفع ويساعده على بناء جسم ٍقويٍ ويروح عن نفسه كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يفعل مع أصحابه الكرام، ويُشترطُ في الرياضة التي يمارسها المسلم أن تكون مما أباحه الشرع الحنيف،ولا تجبر المسلم على كشف شيءٍ من عورته وألا تضيع أداء الصلوات المفروضة في الجماعة الأولى في المساجد .
روى الشيخانِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ فَأَرْسَلَهَا مِنْ الْحَفْيَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ لِمُوسَى فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ قُلْتُ فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا.
(البخاري حديث 2870 /مسلم حديث1870)
قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله) فِي اَلْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّة اَلْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلْعَبَثِ بَلْ مِنْ اَلرِّيَاضَةِ اَلْمَحْمُودَةِ اَلْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيل اَلْمَقَاصِد فِي اَلْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ اَلْحَاجَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ اَلِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ اَلْبَاعِث عَلَى ذَلِكَ.
(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6صـ 85)
روى النسائيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :سَابَقَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْرَابِيٌّ فَسَبَقَهُ فَكَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْءٌ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ.
(حديث صحيح)(صحيح النسائي للألباني حديث 3359)
نماذج مشرقة للشباب المسلم
(1) عبد الله بن مسعود :حافظ القرآن :
روى أحمدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعِينَ سُورَةً وَلَا يُنَازِعُنِي فِيهَا أَحَدٌ.
(إسناده حسن)( مسند أحمد جـ 9صـ 137)
روى البخاريُّ عَنْ مَسْرُوقٍ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بن العاص عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ . (البخاري حديث 4999)
(2)عبد الله بن عباس: فقيه الإسلام -صلى الله عليه وسلم- :
روى الحاكمُ عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت لرجل من الأنصار : هلم فلنسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فإنهم اليوم كثير فقال : واعجباً لك يا ابن عباس أترى الناس يفتقرون إليك و في الناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فيهم ؟ قال : فتركت ذاك، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و إن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه و هو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح عليَّ من التراب فيخرج فيراني فيقول : يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك ؟ فأقول : لا أنا أحق أن آتيك قال : فأسأله عن الحديث فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني و قد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني.
(إسناده صحيح)(مستدرك الحاكم جـ 3صـ 538)
(3) زيد بن ثابت :جامع القرآن الكريم :
روى البخاريُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ عُمَرُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ،لَا نَتَّهِمُكَ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ فَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (البخاري حديث 4986)
(4) معاذ بن جبل: قاضي اليمن :
وروى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ .
( البخاري حديث 1395 / مسلم حديث 19 )
(5) أسامة بن زيد :القائد العسكري :
روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ . (البخاري حديث 4469)
(6) عتاب بن أسيد أمير مكة:
استخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- عتاب بن أسيد،أميراً على أهل مكة ،وكان عمره قريباً من عشرين سنة.
(السيرة النبوية لابن كثير جـ 3 صـ 615)
(7) يحيى بن أكثم: قاضي البصري :
قال أبو حازم القاضي سمعت أبى يقول: ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة وعمره عشرون سنة، أو نحوها ، فاستصغره أهل البصرة فقال له أحدهم: كم سن القاضي؟ فعلم أنه قد استصغروه، فقال: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم- قاضياً على أهل مكة يوم الفتح، وأكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم- قاضيا على أهل اليمن وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضياً على أهل البصرة . (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 14صـ 199)
(8) إياس بن معاوية إمام العلماء :
لما دخل الخليفة المهدي البصرة رأى إياس بن معاوية بن قرة، الذي يضرب به المثل في الذكاء وهو صبي خلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي : أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ثم التفت إليه المهدي وقال: كما سنك يا فتى؟ فقال: سني أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما لما ولاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيشاً فيه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. فقال: تقدم بارك الله فيك.وكان عمره سبع عشرة سنة.
(السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي جـ3ـ صـ227)
وختاماً أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعلَ هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين .
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ، وصحبهِ، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .