الإمَـامُ الفَقِيهُ: أبو حنيفة
المقدمة
الحمدُ لله، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيرًا، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد:
فإن أبا حنيفة هو فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، وأحد الأئمة الأربعة ، أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة، لأنه أدرك عصر الصحابة، فأحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة .
أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم،وأن ينفع به طلاب العلم الكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
صلاح نجيب الدق
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم والنسب:
هو : النعمان بن ثابت بن زُوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يُقالُ: إنه من أبناء الفرس. وكان زُوطى من أهل كابل، وولد ثابت على الإسلام ، وكان أبو حنيفة تاجر حرير . (سير أعلام النبلاء جـ6 صـ390 )
ميلاد أبي حنيفة : وُلِدَ أبو حنيفة بالكوفة (بالعراق) سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنسَ بن مالك لما قدم عليهم الكوفة،ولم يثبت سماعه من أحد من الصحابة . ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ391 )
شيوخ أبي حنيفة :
عطاء بن أبي رباح ،و الشَّعبي ، وجبلة بن سُحيم ، وعدي بن ثابت ، وعمرو بن دينار ، ونافع مولى ابن عمر ، وقتادة ، وقيس بن مسلم ، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، وعبد العزيز بن رفيع ، وعطية العوفي ، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه ، وابن شهاب الزهري ، ويحي بن سعيد الأنصاري. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ391 )
تلاميذ أبي حنيفة :
عبد الرزاق بن همام(شيخ الإمام أحمد) ، حماد بن أبي حنيفة ، وزفر بن الهذيل التميمي ، محمد بن الحسن الشيباني ، ووكيع بن الجراح ، والقاضي أبو يوسف ، وغيرهم كثير. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ394:393 )
عقيدة أبي حنيفة :
(1) قال يحيى بن نصر : كان أبو حنيفة يفضل أبا بكر وعمر ويحب علياً وعثمان، وكان يؤمن بالقدر خيره وشره ولا يتكلم في الله عز وجل بشيء ، وكان يمسح على الخفين ، وكان من أفقه أهل زمانه وأتقاهم . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ163 )
(2) قال حماد بن أبى حنيفة يقول سمعت أبا حنيفة يقول الجماعة أن تفضل أبا بكر وعمر وعلياً وعثمان ولا تنتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تُكَفِّر الناسَ بالذنوب وتصلي على من يقول: لا إله إلا الله،وخلف مَن قال لا آله إلا الله وتمسح على الخفين وتفوض الأمر إلى الله وتدع النطق في الله جل جلاله .( الانتقاء لابن عبد البر صـ166 )
(3) كان أبو حنيفة يقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال غير هذا فهو كافر .
( الانتقاء لابن عبد البر صـ166 )
(5)قال أبو حنيفة: الناس عندنا على ثلاثة منازل: الأنبياء من أهل الجنة، ومن قالت الأنبياء أنه من أهل الجنة فهو من أهل الجنة. والمنزلة الأخرى المشركون نشهد عليهم أنهم من أهل النار. والمنزلة الثالثة المؤمنون نقف عنهم ولا نشهد على واحد منهم أنه من أهل الجنة ولا من أهل النار، ولكن نرجو لهم ونخاف عليهم ونقول كما قال الله تعالى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة:102) حتى يكون الله عز وجل يقضى بينهم وإنما نرجو لهم لأن الله عز وجل يقول (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء:48)) ونخاف عليهم بذنوبهم وخطاياهم وليس أحد من الناس أُوجب له الجنة ولو كان صواماً قواماً غير الأنبياء، ومن قالت فيه الأنبياء أنه من أهل الجنة . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ167 : صـ168 )
(6) قال الحسن بن صالح عن أبى مقاتل قال أبو حنيفة : الإيمان هو المعرفة والتصديق والإقرار بالإسلام.
قال والناس في التصديق على ثلاث منازل فمنهم من صدق الله وما جاء منه بقلبه ولسانه ومنهم من صدقه بلسانه وهو يكذبه بقلبه ومنهم من يصدق بقلبه ويكذب بلسانه . فأما من صدق الله عز وجل وما جاء به رسول الله صلى الله عليه بقلبه ولسانه فهم عند الله وعند الناس مؤمنون . ومن صدق بلسانه وكذب بقلبه كان عند الله كافراً وعند الناس مؤمناً لأن الناس لا يعلمون ما في قلبه، وعليهم أن يسموه مؤمناً بما أظهر لهم من الإقرار بهذه الشهادة ، وليس لهم أن يتكلفوا عِلْم القلوب . ومنهم من يكون عند الله مؤمناً وعند الناس كافرا وذلك أن يكون المؤمن يظهر الكفر بلسانه في حال التقية فيسميه من لا يعرفه كافراً وهو عند الله مؤمن. ( الانتقاء لابن عبد البر ـ صـ168)
(7) قال أبو حنيفة : لقيت عطاء بمكة فسألته عن شيء فقال من أين أنت؟ قلت : من أهل الكوفة. قال: أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعاً. قلت: نعم. قال: فمن أي الأصناف أنت ؟قلت :ممن لا يسب السلفَ، ويؤمن بالقدر، ولا يكفِّر أحداً بذنب قال: فقال لي عطاء: عرفت فالزم. ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ331 )
طلب أبي حنيفة للعلم :
(1) قال زُفر بن الهذيل، سمعت أبا حنيفة يقول: كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغاً يُشار إليَّ فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يوماً فقالت: لي رجلٌ له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسُّنة، كم يطلقها ؟ فلم أدر ما أقول.فأمرتها أن تسأل حماداً، ثم ترجع تخبرني.فسألته، فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج.فرجعت، فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد فأحفظها، ويخطئ أصحابه. فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبى حنيفة.فصحبته عشر سنين.ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة، فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي.فخرجت يوماً بالعشي، وعزمي أن أفعل، فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله. فجاءه تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة، وترك مالا، وليس له وارث غيره.فأمرني أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه، فكنت أجيب وأكتب جوابي، فغاب شهرين ثم قدم، فعرضت عليه المسائل، وكانت نحواً من ستين مسألة، فوافقني في أربعين، وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألاَّ أفارقه حتى يموت. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ397 : صـ398)
(2) قال أبو حنيفة : ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً أو علمته علماً. ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ334 )
(3) قال أبو حنيفة : دخلت على أبي جعفر المنصور، أمير المؤمنين، فقال لي: يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم؟ قلت: عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس. فقال أبو جعفر: بخ بخ استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين صلوات الله عليهم . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ334 )
(4) قال أبو حنيفة : رأيت رؤيا أفزعتني حتى رأيت كأني انبش قبر النبي صلى الله عليه و سلم فأتيت البصرة فأمرت رجلاً يسأل محمد بن سيرين، فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار النبي صلى الله عليه و سلم ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ335 )
ذكاء أبي حنيفة :
(1) كانت امرأة مجنونة يُقال لها: أم عِمران مر بها إنسانٌ فقال لها شيئاً. فقالت: يا ابن الزانيين وابن أبى ليلى قائم يسمع فأمر أن يُؤتى بها فأدخلها المسجد وهو فيه فضربها حدين، حداً لأبيه وحداً لامه. فبلغ ذلك أبا حنيفة، فقال: أخطأ فيها من ستة مواضع .(1) المجنونة لا حد عليها(2) وأقام الحد عليها في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد (3)وضربها قائمة والنساء يضربن قعوداً(4) وأقام عليها حدين ولو أن رجلاً قذف قوماً ما كان عليه إلا حد واحد (5) وضربها والأبوان غائبان ولا يكون ذلك إلا بمحضرهما لأن الحد لا يكون إلا لمن يطلبه(6) وجمع بين الحدين في مقام واحد ومن وجب عليه حدان لم يُقم عليه أحدهما حتى يجف الآخر ثم يضرب الحد الثاني. فبلغ ذلك ابن أبى ليلى فذهب إلى الأمير فشكاه فحجر الأمير على أبى حنيفة أن يُفتي . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ152 : صـ153 )
(2) جاء رجلٌ إلى أبي حنيفة في موسم الحج : فقال يا أبا حنيفة قصدتك أسألك عن أمر قد أهمني وأعجزني قال: ما هو؟ قال :لي ولد ليس لي غيره فإن زوجته طلق وأن سريته(اشتريت له جارية) اعتق وقد عجزت عن هذا. فهل مِن حل؟ فقال له: اشتر الجارية التي يرضاها هو لنفسك ثم زوجها منه فإن طلق رجعت مملوكتك إليك، وإن أعتق، أعتق ما لا يملك .
قال ابنُ شبرمة : وكان شديد الإزراء على أبي حنيفة بعد أن شهد هذه الواقعة ، فعلمت أن الرجل فقيه، فمن يومئذ كففت عن ذكره إلا بخير. ( الانتقاء لابن عبد البر صـ154 )
(3) قال علىٌّ بن المديني(شيخ البخاري) : حُدثت أن رجلاً من القواد تزوج امرأة سراً، فولدت منه ثم جحدها فحاكمته إلى ابن أبى ليلى فقال لها: هاتِ بينة على النكاح، فقالت:إنما تزوجني على أن الله عز وجل الولي والشاهدان الملكان. فقال لها: اذهبي وطردها. فأتت المرأة أبا حنيفة مستغيثة فذكرت ذلك له فقال لها: ارجعي إلى ابن أبى ليلى فقولي له أني قد أصبت بينة فإذا هو دعا به ليشهد عليه قولي أصلح الله القاضي يقول هو كافر بالولي والشاهدين. فقال له ابنُ أبي ليلى ذلك، فنكل(أنكر) ولم يستطع أن يقول ذلك وأقر بالتزويج، فالزمه المهر وألحق به الولد . (الانتقاء لابن عبد البر صـ154 )
(4) قال زُفر بن الهذيل : جاء رجلٌ في جوف الليل إلى أبي حنيفة وهو يبكى فقال: إني حلفت على امرأتي إن لم تكلمني حتى تصبح فهي طالق وندمت على يميني وأخاف أن تذهب مني فقال أبو حنيفة: اذهب إليها فقل لها: إنما أبوك حائك(خياط) على ما قالوا لي، فإنها ستكلمك. قال فذهب إليها، فلما قال لها ذلك، قالت: بل أنت هو وأبوك فعل الله بك وفعل . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ159 )
(5) قال شريك كنا فى جنازة غلام من بنى هاشم وقد تبعها وجوه الناس وأشرافهم فأنا إلى جنب ابن شبرمة أماشيه إذا قامت الجنازة فقيل ما للجنازة لا يُمشى بها؟ قيل: خرجت أمه والهة(رافعة صوتها) عليه سافرة(كاشفة) وجهها في قميص فحلف أبوه بالطلاق لترجعن وحلفت هي بصدقة ما تملك لا رجعت حتى تصلي عليه، وكان يومئذ مع الجنازة ابن شبرمة ونظراؤه فاجتمعوا لذلك وسُئلوا عن المسألة فلم يكن عندهم جواب حاضر قال فذهبوا فدعوا بأبي حنيفة وهو في عرض الناس فجاء مغطياً رأسه ، والمرأة والزوج وقوف والناس فقال للمرأة علام حلفت قالت على كذا وكذا وقال للزوج بم حلفت قال بكذا قال ضعوا السرير فوضع وقال للرجل تقدم فصلِّ على ابنك، فلما صلى، قال: ارجعي فقد خرجتما عن يمينكما، احملوا ميتكم. فاستحسنها الناس. فقال ابنُ شبرمة على ما حكى عنه شريك: عجزت النساء أن تلد مثل النعمان . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ161 )
(6) قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري يا أبا عبد الله ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة ما سمعته يغتاب عدواً له قط، قال: هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ363 )
(7) قال علي بن عاصم : لو وزن عقل أبي حنيفة بعقل نصف أهل الأرض لرجح بهم . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ364 )
(8) قال محمد بن عبد الرحمن : كان رجل بالكوفة يقول: عثمان بن عفان كان يهودياً. فأتاه أبو حنيفة فقال: أتيتك خاطباً قال: لمن؟ قال: لابنتك رجل شريف غني بالمال حافظ لكتاب الله سخي يقوم الليل في ركعة كثير البكاء من خوف الله. قال في دون هذا مقنع يا أبا حنيفة قال إلا أن فيه خصلة قال وما هي؟ قال يهودياً. قال سبحان الله تأمرني أن أزوج ابنتي من يهودي. قال: لا تفعل. قال: لا. قال: فالنبي صلى الله عليه و سلم زوج ابنتيه من يهودي؟! قال: استغفر الله أني تائب إلى الله عز و جل . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ364 )
(9) قال يحيى بن معين : دخل الخوارج مسجد الكوفة وأبو حنيفة وأصحابه جلوس فقال أبو حنيفة: لا تبرحوا فجاؤوا حتى وقفوا عليهم فقالوا لهم ما أنتم؟ فقال أبو حنيفة: نحن مستجيرون. فقال أمير الخوارج: دعوهم وأبلغوهم مأمنهم ، واقرؤوا عليهم القرآن، فقرؤوا عليهم القرآن وأبلغوهم مأمنهم . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ366 )
عبادة أبي حنيفة :
(1) قال خارجة بن مصعب: ختم القرآن في الكعبة أربعة من الأئمة عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير وأبو حنيفة . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ356 )
(2) قال الحسن بن محمد الليثي : قدمت الكوفة فسألت عن أعبد أهلها فدفعت إلى أبي حنيفة .
(3)قال سفيان بن عيينة: رحم الله أبا حنيفة كان من المصلين . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ353)
(4) قال محمد بن فضيل : قال أبو مطيع كنت بمكة فما دخلت الطواف في ساعة من ساعات الليل إلا رأيت أبا حنيفة وسفيان في الطواف . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ353)
(5) قال يحيى بن أيوب الزاهد :كان أبو حنيفة لا ينام الليل . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ353)
(6) قال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ400 )
(7) قال مسعر بن كِدَام : رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ401 )
(8) قال المثنى بن رجاء: جعل أبو حنيفة على نفسه، إن حلف بالله صادقاً، أن يتصدق بدينار. وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها. ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ363 )
(9) قال أسد بن عمر : صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء صلاة العشاء أربعين سنة، فكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة وكان يُسمع بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ363 )
(10) قال مسعر بن كِدَام : دخلت المسجد فرأيت رجلاً يصلي فاستحليت قراءته فقرأ سبعاً، فقلت: يركع، ثم قرأ الثلث ثم قرأ النصف فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله في ركعة، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ356 )
جود وكرم أبي حنيفة :
(1) قال قيس بن الربيع: كان أبو حنيفة يبعث بالبضائع إلى بغداد فيشتري بها الأمتعة ويحملها إلى الكوفة ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم وكسوتهم وجميع حوائجهم ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم فيقول أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئاً، ولكن من فضل الله عَليَّ فيكم، وهذه أرباح بضائعكم، فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ362)
(2) كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة فإذا قام سأل عنه فإن كانت به فاقة(حاجة) وصله وان مرض عاده حتى يجره إلى مواصلته . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ362)
(3) كان أبو حنيفة يبيع الخز(الحرير) فجاءه رجلٌ فقال: يا أبا حنيفة قد احتجت إلى ثوب خز فقال: ما لونه؟ فقال: كذا وكذا. فقال له: اصبر حتى يقع وآخذه لك إن شاء الله. فما دارت الجمعة حتى وقع فمر به الرجل، فقال له أبو حنيفة: قد وقعت حاجتك، فاخرج إليه الثوب فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة كم أزن للغلام؟قال: درهماً. قال: يا أبا حنيفة ما كنت أظنك تهزأ. قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين ديناراً ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين ديناراً، وبقى هذا بدرهم ، وما كنت لأربح على صديق . ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ362)
(4) كان أبو حنيفة إذا اكتسى ثوبا جديدا كسى بقدر ثمنه الشيوخ العلماء .( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ358 )
زهد وورع أبي حنيفة :
(1) قال سِوار بن حكم يوماً : وذَكَرَ أبا حنيفة فقال: ما رأيت أورع منه نهى عن الفتيا فبينا هو وابنته يأكلان تخللت(استخدمت عوداً تنظف به أسنانها) ابنته فخرج على خلالها صفرة دم فقالت: يا أبة علىَّ في هذا وضوء؟ فقال: إنى نهيت عن الفتيا فحلفت لهم فسلي أخاك حماداً . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ169 )
(2) قال محمد بن شجاع عن بعض أصحابه : قيل لأبى حنيفة قد أمر لك أبو جعفر أمير المؤمنين بعشرة آلاف درهم قال فما رضي أبو حنيفة فلما كان اليوم الذي توقع أن يُؤتى إليه بالمال، صلى الصبح ثم تغشى بثوبه فلم يتكلم فجاء رسول الأمير الحسن بن قحطبة بالمال فدخل به عليه فكلمه فلم يكلمه فقال من حضر ما يكلمنا إلا بالكلمة بعد الكلمة فقال: ضعوا المال في هذا الجراب في زاوية البيت قال: ثم أوصى أبو حنيفة بعد ذلك بمتاع بيته فقال لابنه: إذا أنامت ودفنتموني فخذ هذه البدرة فاذهب بها إلى الحسن بن قحطبة فقل له هذه وديعتك التي أودعتها أبا حنيفة فلما دفناه وأخذتها وجئت حتى استأذنت على الحسن بن قحطبة فقلت هذه الوديعة التي كانت لك عند أبى حنيفة . فقال الحسن بن قحطبة: رحمة الله على أبيك، لقد كان شحيحاً على دينه. ( الانتقاء لابن عبد البر صـ169 )
(3)قال علي بن حفص البزاز: كان حفص بن عبد الرحمن شريك أبي حنيفة وكان أبو حنيفة هو الذي يقوم بشراء البضاعة ، فبعث إليه في رفقة بمتاع وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً فإذا بعته فبين(هذا العيب، فباع حفص المتاع ونسي أن يبين العيب، ولم يعلم من اشتراه فلما عَلِمَ أبو حنيفة بذلك، تصدق بثمن المتاع كله. ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ358)
(4)قال مكي بن إبراهيم(شيخ البخاري): جالست الكوفيين فما رأيت أورع من أبي حنيفة . (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ363 )
أقوال العلماء في أبي حنيفة :
(1) قال يحيى بن معين(إمام أهل الجرح والتعديل): كان أبو حنيفة ثقةٌ، لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ395 ) (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ630)
(2)قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال: نعم. رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ399 )
وقال الشافعي : الناس في الفقه عيالٌ على أبي حنيفة. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ403 )
(3) قال عبد الله بن المبارك: ما رأيت رجلاً أوقر في مجلسه، ولا أحسن سمتاً وحلماً من أبي حنيفة. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ400 )
وسُئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة ؟ قال: أبو حنيفة. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ402 )
وقال : أفقه الناس أبو حنيفة،وما رأيت في الفقه مثله. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ630)
(4) قال أبو معاوية الضرير: حُبُ أبي حنيفة من السُّنة. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ401 )
(5) قال علي بن عاصم قال : لو وُزِنَ عِلم أبي حنيفة بعِلم أهل زمانه، لرجح عليهم. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ403)
(6) قال حفص بن غيَّاث: كلام أبي حنيفة في الفقه، أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ403)
(7) سُئل الأعمش عن مسألة، فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز، وأظنه بورك له في علمه. ( الانتقاء لابن عبد البر صـ126 )
(8) سمع يزيد بن كميت رجلاً يقول لأبي حنيفة: اتق الله، فانتفض ؟ واصفر، وأطرق، وقال: جزاك الله خيراً. ما أحوج الناس كل وقت، إلى من يقول لهم مثل هذا. ( سير أعلام النبلاء جـ6 صـ400)
(9):قال رَوْحُ بن عُبادة : كنت عند عبد الملك بن جريج سنة خمسين ومائة، فأتاه موت أبي حنيفة فاسترجع وتوجع وقال: أي علم ذَهَبَ. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ630)
(10) قال عبد الصمد بن عبد الوارث: كنا عند شُعبة بن الحجاج فقيل له: مات أبو حنيفة، فقال شعبة: لقد ذهب معه فقه الكوفة، تفضل الله علينا وعليه. ( الانتقاء لابن عبد البر صـ126 )
وقال شعبة بن الحجاج أيضاً: كان والله حسن الفهم، جيد الحفظ . (الخيرات الحسان ـ لابن حجر المكي صـ 34)
(11) قال عبد الله بن: ينبغي للناس أن يدعوا في صلاتهم لأبي حنيفة، لحفظه الفقه والسُّنن عليهم. (البداية والنهاية لابن كثير جـ10صـ110)
(12) قال مكي بن إبراهيم(شيخ البخاري): كان أبو حنيفة أعلم أهل الأرض. (البداية والنهاية لابن كثير جـ10صـ110)
(13) قال على بن الجعد: كنا عند زهير بن معاوية فجاءه رجل فقال له زُهير: من أين جئت؟ فقال:من عند أبي حنيفة فقال زُهير: إن ذهابك إلى أبى حنيفة يوماً واحداً أنفع لك من مجيئك إلىَّ شهراً . ( الانتقاء لابن عبد البر صـ134 )
(14) قال حاتم بن آدم: قلت للفضل بن موسى: ما تقول في هؤلاء الذين يقعون(يتكلمون)في أبي حنيفة؟ قال: إن أبا حنيفة جاءهم بما يعقلونه وبما لا يعقلونه من العلم ولم يترك لهم شيئاً فحسدوه .
( الانتقاء لابن عبد البر صـ136 )
(15) قال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله. ( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ402 )
(16) قال أبو نُعَيْم الأصبهاني:كان أبو حنيفة صاحب غوص في المسائل. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ630)
(17) قال الذهبي: الإمامة في الفقه ودقائقه مُسلمةٌ إلى الإمام أبي حنيفة،وهذا أمرٌ لا شك فيه.
( سير أعلام النبلاء للذهبي جـ6 صـ400 )
(18) قال ابنُ حجر العسقلاني:مناقب الإمام أبي حنيفة كثيرة جداً، فرضي الله تعالى عنه وأسكنه الفردوس آمين. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ631)
حُسْن جوار أبي حنيفة:
قال عبد الله بن رجاء الغداني : كان لأبي حنيفة جارٌ بالكوفة إسكاف يعمل نهاره كله حتى إذا أقبل الليل رجع إلى منزله وقد حمل لحماً فطبخه، أو سمكة فيشويها ثم لا يزال يشرب الخمر حتى إذا دب الشراب فيه، غنى بصوت وهو يقول : أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر. فلا يزال يشرب الخمر، ويردد هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع ضجته، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد أبو حنيفة صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس(الشرطة) منذ ليال وهو محبوس فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد وركب بغلته واستأذن على الأمير قال الأمير: إيذنوا له وأقبلوا به راكباً، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل ولم يزل الأمير يوسع له من مجلسه، وقال: ما حاجتك ؟قال: لي جار إسكاف أخذه العسس منذ ليال، يأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم وكل من أخذه بتلك الليلة إلى يومنا هذا . فأمر بتخليتهم أجمعين فركب أبو حنيفة والاسكافي يمشي وراءه فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه فقال يا فتى أضعناك قال لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار ورعاية الحق، وتاب الرجلُ ولم يَعُد إلى ما كان. ( تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ13 صـ363:362)
ابتلاء أبي حنيفة النعمان:
قال عُبيد الله بن عمرو الرقي : كَلَّمَ الأمير ابن هُبَيرة أبا حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة فأبى(رفض) عليه فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ابنُ هُبَيرة ذلك خلى سبيله. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ630)
وفاة أبي حنيفة النعمان:
قال حماد بن أبي حنيفة لما مات أبي سألْنا الحسنَ بن عمارة أن يتولى غسله ففعل فلما غسله قال: رحمك الله تعالى وغفر لك لم تفطر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة ، وقد أتعبت مَن بعدك، وفضحت القراء. (تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ5صـ630)
تُوفي أبو حنيفة النعمان سنة مئة وخمسين هجرية،وله من العُمر سبعون سنة. وصلى الناسُ عليه ببغداد ست مرات لكثرة الزحام، وقبره هناك. (البداية والنهاية لابن كثير جـ10صـ111)
رَحِمَ اللهُ تعالى أبا حنيفة رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء. ونسألُ الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .