الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي خلق كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا أما بعد: فإن الوقت له منزلة كبيرة في الإسلام، من أجل ذلك أردت أن أُذَكِر نفسي وإخواني الكرام بقيمة الوقت، فأقول وبالله التوفيق:
أهمية الوقت في حياة المسلم
إن العبد المسلم يعلم أن ما يملكه في هذه الدنيا وقتٌ قصيرٌ وأنفاسٌ محدودةٌ وأيامٌ معدودةٌ، فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في أعمال الخير فطوبى له، ومن أضاعها وفَرَّط فيها فقد خسر خسرانًا مبينًا. ولأهمية الوقت في الإسلام أقسم الله تعالى ببعض الأوقات ومن المعلوم أن الله تعالى إذا أقسم بشيء، فهذا لبيان أهميته وعظيم منفعته، قال الله تعالى: « وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى » (الضحى: 1 - 2)، وقال تبارك وتعالى: « وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى » (الليل: 1- 2) وقال جل وعلا: « وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ » (الفجر: 1- 2)، وقال الله سبحانه: « وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ » (العصر: 1- 2)، والمقصود بالعصر هو الزمن، وفي قَسَمه سبحانه وتعالى بالعصر دليل على أن أنفسَ شيء في الحياة هو العمر. هذه الآيات السابقة وغيرها دليل قاطع على شرف الوقت.
تنبيه مهم:
إن لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وأما العبد فلا يجوز له أن يحلف بغير الله تعالى، فيحرم على المسلم أن يحلف بالنبي، أو بالولي، أو بالأمانة أو بالنعمة،أو ما شابه ذلك.
عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: سَمِعَ عبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما رَجُلاً يَحْلِفُ: لاَ وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ.(حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث 2787).
موقفان للعبد
أخي المسلم الكريم، إن من جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يعرف فيه قدره وقيمة العمل فيه ولكن بعد فوات الأوان. وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم.
الموقف الأول
ساعة الاحتضار، حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنحَ مهلة من الزمن؛ ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات، وفي هذا يقول الله تعالى: « وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » (المنافقون: 10 - 11).
وقال سبحانه أيضًا: « حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » (المؤمنون: 99: 100)، هكذا تكون أمنية أهل المعاصي ساعة الاحتضار.
الموقف الثاني
حيث تُوَفى كل نفس ما كسبت، ويدخل أهل الطاعة الجنة، وأهل المعصية النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدؤوا من جديد عملاً صالحًا، و لكن لا فائدة مما يطلبون، فقد انتهى زمن العمل، وجاء زمن الجزاء، قال الله تعالى: « وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ » (فاطر: 36 - 37)، وهكذا انقطعت حجج أهل النار بهذا السؤال التقريعي. (الوقت في حياة المسلم ص 15-16).
وهكذا يكون مصير الذين أضاعوا أعمارهم في الكفر وفساد العقيدة والأعمال الفاسدة.
لكل وقت عمله:
جاءت شعائر الإسلام لتؤكد قيمة الوقت وأن لكل عمل وقتًا معينًا لا يُقبل إلا فيه، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
(1) الصلوات المفروضة:
يقول الله تعالى عن الصلوات الخمس « فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا » (النساء: 103).
إن لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتًا لا تقبل إلا فيه إلا إذا كان هناك عذر شرعي، كالمرض، والسفر، والنوم، والنسيان، فإن الصلاة في هذه الأحوال لها أحكام خاصة.
(2) صوم الفريضة:
إن الصوم هو أحد أركان الإسلام الخمسة، ويكون في شهر رمضان، قال تعالى: « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (البقرة: 185)، وهكذا حدّد الشرع الشريف صوم الفريضة في شهر رمضان المبارك.
وقت الصوم
قال تعالى: « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ » (البقرة: 187).
(3) الحج: يقول الله تعالى محددًا وقت الحج: « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ » (البقرة: 197)، وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
الوقت في السُّنة:
اهتمت السُّنة المطهرة ببيان قيمة الوقت وأهميته تأكيدًا لما جاء في القرآن الكريم، وجاءت أحاديث كثيرة تتحدث عن الوقت ومكانته في حياة المسلم، وأنه رأس مال العبد في هذه الحياة الدنيا.
(1) عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». (البخاري حديث 6412).
قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِيّ: قَدْ يَكُون الإِنْسَان صَحِيحًا وَلاَ يَكُون مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُون مُسْتَغْنِيًا وَلاَ يَكُون صَحِيحًا، فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَل عَنْ الطَّاعَة فَهُوَ الْمَغْبُون، وَتَمَام ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَة الآخِرَة، وَفِيهَا التِّجَارَة الَّتِي يَظْهَر رِبْحهَا فِي الآخِرَة، فَمَنْ اِسْتَعْمَلَ فَرَاغه وَصِحَّته فِي طَاعَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُوط، وَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُون، لأَنَّ الْفَرَاغ يَعْقُبهُ الشُّغْل وَالصِّحَّة يَعْقُبهَا السَّقَم. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني 11/ 234).
(2) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ». (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني حديث 1970).
(3) عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (أخرجه الحاكم، وهو في صحيح الجامع للألباني حديث 1063).
قتلة الوقت:
أخي المسلم الكريم، إن مما يدمي القلب، ويمزق الكبد أسىً وأسفًا: ما نراه اليوم عند المسلمين من إضاعةٍ للأوقات، فاقت حد التبذير إلى التبديد، والحق أن السفه في إنفاق الأوقات أشد خطرًا من السفه في إنفاق الأموال، وإن هؤلاء المبذرين لأوقاتهم لأحق بالحَجْر عليهم؛ لأن الوقت إن ضاع فلا عوض له. ومن العبارات التي أصبحت مألوفة لكثرة ما تدور على الألسنة وما تُقالُ في المجالس والأندية عبارة (قتل الوقت). فترى هؤلاء المبذرين أو المبددين يجلسون الساعات الطوال من ليل أو نهار حول مائدة النرد أو رقعة الشطرنج أو لعبة الورق، أو غير ذلك – مما يحل أو يحرم – لا يبالون، لاهين عن ذكر الله وعن الصلاة وعن واجبات الدين والدنيا، فإذا سألتهم عن عملهم هذا وما وراءه من ضياع، قالوا لك بصريح العبارة: إنما نريد أن نقتل الوقت! ألا يعلم هؤلاء المساكين أن من قَتَلَ وقته، فقد قتل في الحقيقة نفسه! (الوقت في حياة المسلم ص18).
حرص سلفنا الصالح على الوقت:
(1) قال عمر بن الخطاب: إني لأكره أن أجد أحدكم سَبَهْللاً (أي فارغًا) لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.
(2) قال عبد الله بن مسعود: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غَرَبت شمسه ونقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.
(3) قال عمر بن عبد العزيز: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما.
(4) قال الحسن البصري: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك.
وقال أيضًا: أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم. (قيمة الزمن عند العلماء ص27).
(5) قالت حفصة بنت سيرين: يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب.
تنظيم الوقت:
يجب على المسلم الواعي أن ينظم وقته بين الواجبات والأعمال المختلفة، دينية كانت أو دنيوية، حتى لا يطغى بعضها على بعض ولا يطغى غير المهم على المهم، فما كان مطلوبًا بصفة عاجلة يجب أن يُبادر به. وأحوج الناس إلى تقسيم الوقت وتنظيمه هم المشغولون من أصحاب المسئوليات، كولاة الأمور وأهل العلم، وذلك لصلاح أحوال العباد والبلاد. (الوقت في حياة المسلم 22 /24).
الأبناء والفراغ:
من المعلوم أنه يوجد الكثير من طلبة المدارس يقضون أجازة صيفية طويلة، فهل تساءل الآباء كيف يقضي الأبناء هذا الوقت الطويل بما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم؟
إن من حُسْنِ التربية أن يعتاد الأبناء منذ نعومة أظفارهم على الاستفادة من الأوقات بما هو مفيد حتى يتعودوا على ذلك.
قال عبد الله بن عبد الملك بن مروان: كنا مع أبينا في موكبه فقال سبحوا حتى تلك الشجرة، فنسبح حتى نأتيها، فإذا رُفعت لنا شجرة أخرى قال كبروا حتى تلك الشجرة، فكان يصنع بنا ذلك. (الوقت أنفاس لا تعود ص52).
قال ابن الجوزي في رسالته اللطيفة التي نصح بها ولده بحفظ الوقت وسماها (لَفْتَةَ الكبد في نصيحة الولد): (اعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفس خِزانة فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء، فترى في القيامة خِزانة فارغة فتندم!
وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودعها إلا إلى أشرف ما يمكن، ولا تهمل نفسك وعَوِّدها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه. (قيمة الزمن عند العلماء ص62).
كيف يستثمر المسلم وقته؟
لقد ذكر أهل العلم طرقًا كثيرة لاستثمار الوقت، يمكن أن نجملها فيما يلي:
(1) التفقه في الدين وحفظ القرآن الكريم:
يجب على المسلم أن يستثمر وقته بطلب العلوم الشرعية بقدر استطاعته وليعلم أن الوقت الذي يقضيه في طلب العِلْمِ يكون في ميزان حسناته يوم يقوم الناس لرب العالمين،
قال جَلَّ شانه: « إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ » (المجادلة: 11).
وقال تعالى: « ) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » (التوبة: 122).
وقد حثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على التفقه في الدين.
فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. (البخاري 71، ومسلم 1037).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ». (مسلم حديث: 2699).
وينبغي أن نعلم أن الفقه في الدين يبدأ بحفظ القرآن والمداومة على تلاوته، ومعرفة أحكام التلاوة الصحيحة كما هو دأب أهل العلم من سلفنا الصالح.
عَنْ عُثْمَانَ بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. (البخاري حديث 5027).
(2) الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة ونشر العلم النافع:
إن الدعوة إلى الله تعالى مجالٌ خصب لاستثمار الوقت، فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين
وهي أفضل الأعمال بعد توحيد الله تعالى والإيمان به؛ لأنها سبب في هداية الخلق إلى الله تعالى، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: «) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ » (فصلت: 33).
ولقد حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نشر العِلْمِ في كثيرٍ من أحاديثه الشريفة، ومنها:
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. (حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني حديث 2139).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. (مسلم حديث 1631).
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. (البخاري حديث 4210، مسلم حديث2406).
(3) عمارة المساجد وذكر الله:
إن عمارة بيوت الله تعالى بالمحافظة على الصلوات المفروضة ومدارسة حلقات العلم النافع وغير ذلك من الطاعات، التي ترفع شأن صاحبها عند الله تعالى، باب عظيم للمسلم الواعي لاستثمار وقته. يقول الله تعالى: « إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ » (التوبة: 18).
وعمارة المساجد تشمل أيضًا بناءها وتعاهدها بالنظافة وتوفير الماء للمصلين وإعداد الفُرُش ورفع الأذان في وقته وغير ذلك.
إن ذِكْرَ الله تعالى على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أوسع الأبواب لاستثمار المسلم لوقته. ولقد أرشدنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز إلى ضرورة استثمار الوقت في ذكره، كما قال الله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» (الأحزاب: 41- 43).
ولقد حثنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على استثمار الوقت في ذكر الله تعالى، وذلك من خلال أحاديث نذكر منها ما يلي:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأ خَيْرٍ مِنْهُم، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. (البخاري حديث 7405، مسلم حديث2675).]
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ. (حديث صحيح، صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3057).
(4) قضاء حوائج المسلمين:
يمكن للمسلم أن يستثمر وقته في قضاء حوائج إخوانه المسلمين.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. (مسلم حديث 2669).
وينبغي للمسلم أن يشفع لإخوانه المسلمين من أجل قضاء حوائجهم. قال تعالى: « مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا (النساء: 85).
وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ.(البخاري حديث 6028، ومسلم حديث2627).
والإصلاح بين الناس من أبواب قضاء حاجات المسلمين، قال الله تعالى: « وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ » (الحجرات:10).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث 4111).
(5) ممارسة الرياضة المفيدة:
يستطيع المسلم أن يستثمر بعضًا من وقته في ممارسة الرياضة المفيدة بما يعود عليه بالنفع ويساعده على بناء جسم ٍقويٍ ويروح عن نفسه كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل مع أصحابه الكرام، ويُشترطُ في الرياضة التي يمارسها المسلم أن تكون مما أباحه الشرع الحنيف،ولا تجبر المسلم على كشف شيءٍ من عورته وألا تضيع أداء الصلوات المفروضة في الجماعة الأولى في المساجد.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ. (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث 2248).
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.