الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.
وبعدُ:
هناك جملة من المسائل والحقائق التي تمس الحاجة إلى معرفتها والوقوف عليها، وهذا بيانها:
1- الديمقراطية في ميزان الإسلام:
يقول العلماء: في الميزان الرباني يوجد نوعان اثنان من الحكم: إما حكم الله، وإما حكم الجاهلية قال تعالى: [ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ] [سورة المائدة: 50]، ومن ثم فكل حكم غير حكم الله فهو حكم جاهلية، والديمقراطية حيث إنها ليست حكم الله فهي في ميزان الله جاهلية!!
وهذا يعني أننا بحاجة إلى بديل عن الديمقراطية، والبديل عنها أحد أمرين:
إما الدكتاتورية (يعني الاستبداد بالحكم)، ومثاله: حكم فرعون وأمثاله، [ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ] [ سورة غافر: 29 ]، وإما الإسلام ؛ هو المنهج الرباني الذي اختاره الله لعباده، وهو يقوم على أمرين:
الأول: التحاكم إلى شرع الله.
والثاني: الشورى؛ أي مشاورة أهل الحل والعقد، أصحاب الرأي السديد وأهل الذكر ؛ في كل أمر لا نص فيه من الكتاب والسنة.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الديمقراطية تخالف الشريعة في أمور كثيرة، وجوانب مختلفة ليس هذا موضوع بسطها وبيانها.
2- تداول السلطة: تداول السلطة مفهوم غربي النشأة لا علاقة للإسلام به، ويعني - باختصار - تحديد مدة الرئاسة للحاكم، ثم إجراء انتخابات يسمونها نزيهة لإتاحة الفرصة لرئيس آخر.
وبعضهم - كأمريكا - يحدد مدة نهائية للرئيس لا يجوز له الاستمرار بعدها، وقل مثل ذلك في الأحزاب: حزب حاكم، وحزب أو أحزاب معارضة، ثم يتبادلون المواقع.
والإسلام يحرم على المسلمين أن ينقسموا إلى أحزاب ؛ ويقول لهم: [ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ] [ سورة آل عمران:103 ]، ويقول: [ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ] [ سورة الأنعام: 159 ].
وسورة الأحزاب في القرآن فيها دليل واضح على ما نقول، والعجيب في هذه الأحزاب أنها تحترف التأييد أو المعارضة ؛ فالحزب الحاكم يصفق للحاكم دائماً - والتصفيق للنساء!!!
وأحزاب المعارضة تعارض الحكومة دائماً، ولو كانت على حق وصواب! والمسلم الحق يدور مع الحق حيثما دار.
أما استبدال الحاكم بحاكم آخر فلا يقره الإسلام على إطلاقه، ولا يجوز القيام بانقلابات، ولا ثورات، ولا محاولات لقلب نظم الحكم ؛ لكن علاقة الحاكم بالمحكوم تحكمها قاعدتان:
الأولى: الإسلام يقر الحاكم الذي يحكم بشريعة الله، ولو بقي في الحكم مدى الحياة.
الثانية: الطاعة لا تكون إلا في المعروف: "إنما الطاعة في المعروف" "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".. فلا يجوز لمسلم أن يطيع الحاكم في معصية الله.
3- المرشحون لمجلس الشعب:
تحدث القرآن الكريم عن الشعراء، فقال الله فيهم: [ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(226) ] [ سورة الشعراء] ، ثم استثنى منهم فئة قليلة صالحة.
ولو طبقت هذه الصفات على المرشحين فإنها تنطبق.
فأكثرهم في كل واد وشارع وحارة يهيمون على وجوههم يخطبون ود الناخبين، وفي أثناء هذه الجولات الدعائية والمؤتمرات الكلامية يقولون ما لا يفعلون ؛ حيث تكثر الوعود الكاذبة، والتأشيرات الوهمية.
ويقع بين المرشحين تنافس غير شريف يفضي أحياناً إلى الضرب أو الشتائم، وقد يتضاعف إلى القتل.
فإن سألت: لماذا يقتل المرشح أخاه المرشح؟
فالجواب: لكي ينفرد بشرف خدمة أبناء الدائرة!!
وكثير من هؤلاء المرشحين ينسجم في جولته مع الجماهير ؛ فإذا وجد قوماً يصلون صلى معهم، وإذا وجد غيرهم يرقصون رقص معهم، فهو يصلي مع المصلين، ويرقص مع الراقصين، ويعزي مع المعزين، ويخوض مع الخائضين، ويأكل مع الآكلين، لكنه لا يجوع مع الجائعين، ولا يشعر بأنين الأرامل والمساكين.
وأخيراً: فإنه ينبغي للعقلاء أن يتفكروا ؛ وأن يعرضوا الواقع على الشرع ؛ فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، وما سكت عنه فهو عفو!!
4- العمال والفلاحون:
ينقسم مجلس الشعب إلى طبقتين لا ثالث لهما:
طبقة الفئات ( حملة الشهادات العليا )، وهذه الطبقة تعادل 50% من أعضاء مجلس الشعب.
والطبقة الثانية: العمال والفلاحون، وهي تعادل 50% من أعضاء المجلس.
وهذا التقسيم فيه ظلم كبير للفئات والعمال والفلاحين!! فعندما تكون الأمية هي السائدة، والجهل أكثر أنتشاراً يكون السواد الأعظم من العمال والفلاحين ولهم نصف المقاعد فقط، وعندما نقضي على الأمية في الواقع لا على الورق!.. يتحول الشعب كله أو جلّه إلى فئات ولهم نصف المقاعد فقط، ومع ذلك فالمشكلة الأكثر خطراً وضرراً هي أن مجلس الشعب -بنص الدستور- سلطة تشريعية ؛ فكيف يشرع لنا من لا يفهم ديننا؟
ثم نخدع الجمهور ونقول لهم: إن الشريعة مطبقة في مصر بنسبة عالية!!
والعدل يقتضي أن تخصص نصف مقاعد مجلس الشعب لعلماء الأزهر الشريف، ونصفه للخبراء المتخصصين في جميع المجالات ؛ لأن الله يقول: [ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ] [ سورة الأنبياء : 7 ]، وأهل الذكر هم: علماء الدين، وعلماء الدنيا، ولا يكون التشريع صواباً أبداً إلا بعد إقراره من علماء الدين العاملين.
نسأل الله أن يجعل قولنا وعملنا خالصاً صواباً، والخالص ما يبتغي به العبد وجه الله، والصواب ما يكون موافقاً لشريعة الله، والله يقول الحق ويهدي السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.