لقاء الرئيس العام فضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين مع فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد
2011-02-06
في زيارة إلى الشيخ عبد المحسن العباد بالمدينة المنورة دار الحوار التالي:
نود أن توجهوا نصيحة إلى طلبة العلم الشرعي من خلال مجلة التوحيد يستفيدون بها في خطة طلبهم للعلم .
قال الشيخ أكرمه الله تعالى :
نصيحتي لطلبة العلم أن يخلصوا لله في كل أمر ، وأن يبذلوا الجهد في سبيل تحصيل طلب العلم ، وأن يحرصوا أن يكون طلبهم على شيوخ يعول عليهم في طلب العلم ، وأن تكون عنايتهم بالكتب التي تعنى بالقرآن والسنة وآثار السلف الصالح ، وأن يعنوا بتقييد الفوائد والمسائل التي تمر عليهم ، وأن يكونوا دائمًا في مذاكرة مع زملائهم وفي قراءة مستمرة للكتب النافعة ، كما يجتهدوا أن يكونوا عاملين بالعلم وما يدعون إليه ، وأن يحرصوا على تعدية النفع للغير ليكونوا هداة مهتدين ، وأن تكون الدعوة إلى الله على بصيرة ، وألا يغيب عن البال أن من دعا إلى هدى فله مثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، فإن الداعي إلى الله يثاب على دعوته وإحسانه إلى إخوانه المسلمين وإلى غيرهم ممن توجه إليه الدعوة ، و يثاب - أيضًا - مثل أجور من استفاد خيرًا بسببه ؛ لأن من دل على هدى فله مثل أجره .
وبسؤال فضيلة الشيخ عن المنهج الذي يتربى عليه طلبة العلم قال - أكرمه الله تعالى - :
كما هو معلوم فالكتب منها ما يتعلق بالعقيدة والتفسير والحديث والفقه والموضوعات الأخرى، فالعقيدة تكون العناية بنوعين من أنواع الكتب:
الأول: كتب السلف المبنية على كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- وآثار السلف الصالح، ولها مسميات منها:
السنة : مثل (السنة) للإمام أحمد بن حنبل و (السنة) لعبد الله بن الأمام أحمد ، و (السنة) للمروزي ، و ( السنة) لابن أبي عاصم ، و (السنة) للخلال ، و (السنة) للالكائي .
1- الرد على الجهمية : مثل ( الرد على الجهمية) للإمام أحمد بن حنبل ، و ( الرد على الجهمية) للدارمي ، و كذلك ابن منده وابن أبي حاتم ، وإن كنا لا نعلم لكتاب الرد على الجهمية لابن أبي حاتم وجودًا لكن الحافظ ابن حجر ذكره في (فتح الباري) ونقل عنه .
2- التوحيد : ككتاب (التوحيد) لابن خزيمة و (التوحيد) لابن منده .
3- الإيمان : مثل كتاب (الإيمان) لابن أبي عمر الداني ، و (الإيمان) لابن أبي شيبة ، و(الإيمان) لأبي عبيد القاسم بن سلام .
النوع الثاني من الكتب التي تعنى بالاعتماد على هذه الكتب المتقدمة مثل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ؛ لأن هذه الكتب تعتمد على كتب النوع الأول مع الترتيب والتوضيح والبيان .
وفيما يتعلق بالتفسير تكون العناية بالكتب التي تفسر القرآن بالقرآن والسنة وأقوال السلف الصالح ، وفي مقدمتها تفسير ابن جرير الطبري وابن كثير .
ومن كتب المتأخيرين : (أضواء البيان) للشنقيطي ، ومن أحسن التفاسير المختصرة التي عباراتها واضحة وأسلوبها سلس - هو كتاب يصلح للخاصة والعامة - كتاب (تيسير الكريم الرحمن ) للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، يصلح أن يقرأ على العوام في المساجد لوضوحه وحسن أسلوبه وبعده عن الغموض أو ذكر الأقوال المختلفة أو الإسرائيليات ، فقلد خلى من كل هذه الأشياء .
وفي الحديث العناية بالصحيحين وهما مشتملان على الكتب المختلفة في العقائد والعبادات والمعاملات، وكتاب (صحيح البخاري) افتتح بكتاب الإيمان، واختتم بكتاب التوحيد، وقد اشتمل على القدر والاعتصام بالكتاب والسنة وغير ذلك من أبواب الاعتقاد.
و (صحيح مسلم) افتتح بكتاب الإيمان وجاء به كتاب القدر وغير ذلك ، وكذلك السنن الأربعة و (مسند الإمام أحمد) ، و (سنن الدارمي) ، و (موطأ مالك) ، وغيرها من الكتب التي هي أصول يرجع إليها ويعتمد عليها في معرفة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والآثار من السلف الصالح .
وأجاب فضيلته عن سؤال حول موقف طلبة العلم عند ورود المسائل الخلافية فقال - نفع الله بعلمه - :
فيما يتعلق بالفقه يعنى بكتب الفقه ، وذلك بالاطلاع على ما تشتمل عليه من أقوال العلماء مع الحرص على معرفة المستند من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وأن يكون طالب العلم حريصًا على معرفة مسائل الإجماع التي لا خلاف فيها ، ومعرفة الأدلة في المسائل الخلافية ، على أساس أن كل ما في الكتاب مسلم به ، وإنما على أساس حصر المسائل فيعرف ما قاله أهل العلم فيها ، وأدلة هذه الأقوال ، وما يكون منه راجحًا بالدليل مع اعتقاد طالب العلم أن العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم أنهم بذلوا جهودهم في الوصول إلى معرفة الحق بدليله ، وهم ليسوا بمعصومين بل يخطئون ويصيبون ، وهم لا يعدمون أجرًا أو أجرين ، فإن أصابوا فلهم أجران : أجر على اجتهادهم وأجر على إصابتهم ، وإن أخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم وخطؤهم مغفور .
وينبغي أن يكون طالب العلم محترمًا للأئمة ومثنيًا عليهم ومستفيدًا من علمهم دون أن يتعصب لأحد منهم ، وفي هذا تنفيذ لوصاياهم أن يحرصوا على معرفة الدليل ، وأن يعولوا والموازنة بين الأدلة ، ومعرفة ما يكون راجحًا بالدليل ، وطالب العلم إذا كان عنده قدرة على البحث والوصول لاستخراج الراجح بنفسه فعل وإلَّا يرجع لمن يكون عنده مقدرة على ذلك .
ويمكن أن تكون دراسته للفقه أن يقرأ كتابًا من كتب المذاهب الأربعة أو غيرها من كتب فقهاء السلف ، وتكون قراءته ودراسته لا على ما يثبت بالدليل ، ويستفاد من علمهم كما قال ابن القيم في كتاب (الروح) : إن الإنسان يستفيد من كلام الأئمة عظيم احترامهم وذكرهم بالجميل اللائق بهم ، ويضرب لذلك مثلاً يقول : إن الاستفادة من علم الأئمة هو الوصول إلى الحق ، وذلك مثل الاهتداء بالنجم إلى القبلة حيث يكون الإنسان بعيدًا عن القبلة ، ولكنه إذا وصل إليها لا يحتاج إلى الاهتداء بالنجوم ، فإذا وصل إلى الدليل فقد بلغ الغاية المطلوبة ، ومن كان عند الكعبة لا يحتاج أن يهتدي بالنجوم إليها .
ولما سئل فضيلته عن الصحوة الإسلامية، وما قد يصيبها من ميل عن طريق الجادة أجاب فضيلته قائلاً:
لا شك أن الالتزام بما جاء في كتاب الله ، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وما كان عليه سلف الأمة هو طريق العصمة والنجاة والسلامة ، والنبي -عليه الصلاة و السلام- قال:
(فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ؛ وإياكم ومحدثات الأمور ) .
هذا الحديث بَيَّنَ كثرةَ الاختلاف وكثرة التفرق ، وأنه لا يسلم الإنسان إلا إذا سلك المسلك القويم الذي أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث ، وهذا المنهج والمسلك هو الذي كان عليه سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم ، وقد قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى - : لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، وقال : ما لم يكن دينًا في زمان محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فإنه لا يكون دينًا إلى قيام الساعة .
فمن أراد لنفسه السعادة والنجاة لا يحصل ذلك له إلا بالسير على ذلك الهدي من الصحابة ومن بعدهم ، ومتى لم يأخذ الإنسان بهذا المسلك فإنه تتخطفه الأهواء وتتلقفه الآراء المختلفة فيحيد عن الجادة ، يقع في المزالق ، وقد قال الله عز وجل : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ …. )[الأنعام :153] فالناس في كل زمان ومكان لا عصمة لهم أمام الاختلاف والتفرق إلا بالاعتصام بالحق والهدى الذي كان عليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام رضي الله عنهم .
وفي سؤال له - أكرمه الله تعالى - عن خطبة الجمعة، وما ينبغي على الخطيب فيها قال - أكرمه الله تعالى -:
الخطيب عليه أن يعنى بإفادة من يسمعون كلامه ، ويطرق جوانب مختلفة في العقيدة يبينها لهم ويجليها ، وكذلك - أيضًا - ما يكون من عادات وأعمال على خلاف الحق فيرشدهم إلى ما ينفع ، يحذرهم مما يضر ، ويبصرهم في أمر دينهم سواء كان ذلك في عبادتهم لربهم وتعاملهم مع غيرهم ، وأن يكون ذلك بعبارات واضحة واستنادًا إلى نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح ، وأن يعتني بتحرير الخطب وتهيئتها ، وأن يترك من التجريح الذي يترتب عليه إضرار وتفريق ، ويحول دون استفادة الناس ، فيتكلم بما يفيد الحاضرين ، ولا يجرح الغائبين ، فيوصل الحق للناس ، ويعلمهم ما ينفعهم .
ثم وجه كلمته لأنصار السنة فقال منبهًا :
كلمتي إلى أنصار السنة والقائمين على مجلة التوحيد أن يضاعفوا الجهد في نشر الحق وبيان العقيدة السليمة للناس ، وأن تكون العناية بالالتزام بما جاء في الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة ، وأن يكون الجميع قدوة حسنة في الخير ؛ لأن الإنسان يؤثر بدعوته ويؤثر بفعله وامتثاله كثيرًا ، ويكون ذلك سببًا في الاستفادة من دعوته ، كما يقول الشاعر :
وإنك إذ ما تأتي ما أنت آمر به
تُلفِ من إياه تأمر آتيا
فالدعوة إلى الله عز وجل تكون بالفعل ، وتكون بالقول ، وتكون بالكلمات النافعة في المجلات والكتب المفردة ، وللداعي للخير مثل أجور من استفاد خيرًا بسببه ، كما قال -صلى الله عليه وسلم- عن أبي هريرة : (من دعى إلى هدى … ) .
ويقول عن نفسه: أحب عملي إلى نفسي وأرجاه عند ربي حبي الجم لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم، وبغضي الشديد لمن يبغضهم ، وأسأل الله تعالى التوفيق للصدق في القول والإخلاص في العمل وتحصيل العلم النافع والعمل به إنه سميع مجيب .
والمجلة تشكر الله تعالى لفضيلة الشيخ، وتدعو الله له بالثبات على الحق وعمله، وأن يطيل في الخير عمره، آمين.
بقلم الرئيس العام
صفوت نور الدين
الشيخ من مواليد مدينة الزلفى شمال الرياض في رمضان عام1353 للهجرة ، تعلم في مدينة الزلفى ثم في الرياض ، والتحق بكلية الشريعة بالرياض ، وعين مدرسًا في معهد بريدة العلمي عام 1379هـ ثم لما أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كان أول من أعطى فيها درسًا ، وذلك يوم الأحد 2/ 6/ 1381 للهجرة ، ولا يزال يقوم بالتدريس فيها حتى كتابة هذه السطور ، تولى نائبًا لرئيس الجامعة منذ 30/ 7/ 1393حتى 26/ 10/ 1399حتى استعفى منها فأعفي ، وكانت له جهود طيبة في تطوير الجامعة .
والشيخ يحتفظ بدفاتره المدرسية منذ التحق بالتعليم بالمرحلة الابتدائية ، ويعتز بها - وقد سمى أبناءه بأسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الأربعة ، وبناته بأسماء زوجاته رضي الله عنهن .
(1) من مؤلفات الشيخ المطبوعة:
اجتناء الثمر في مصطلح أهل الأثر ، عشرون حديثًا من صحيح البخاري ، عشرون حديثًا من صحيح مسلم ، من أخلاق الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ، دراسة حديث نضر الله امرأ سمع مقالتي ، قبس من هدي الإسلام ، عالم جهبذ وملك فذ ، عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر والرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي ، الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى ، وله رسائل ومحاضرات مطبوعة مخطوطة كثيرة .