العدة والحداد-الحلقة الأولى

2011-02-06

صفوت نور الدين

أخرج البخاري ومسلم عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد اللَّه بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- حين استفتته ، فكتب عمر بن عبد اللَّه بن الأرقم إلى عبد اللَّه بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة ، وهو من بني عامر بن لؤي ، وكان ممن شهد بدرًا ، فتوفي عنها في حجة الوداع ، وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال لها : ما لي أراك تجملت للخطاب؛ ترجين النكاح ؟! فإنك واللَّه ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزوج إن بدا لي .

وفي (( صحيح مسلم )) : قال ابن شهاب : فلا أرى بأسـًا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها ، غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر .

إن أمور النساء وأمور الوفاة من المسائل التي أحكمها شرع اللَّه إحكامـًا دقيقـًا، ولكن جعل الشيطان للناس عادات خالفوا بها الشرع الشريف حتى صارت مجهولة عند الناس ومختلطة بين مبالغ أفرط حتى شابه أهل الجاهلية ومقصر مفرط حتى أضاع الكثير من الأمور الشرعية.

وفي قصة سبيعة الأسلمية وموت زوجها وهي حامل ووضعها لحملها قبل الأربعة أشهر ، أي قبل نهاية العدة ، وهي قصة مشهورة معلومة فيها بيان كثير من المسائل الهامة في العدة والحداد ، وهي أصرح الأدلة التي استدل بها العلماء على أن الحامل تعتد بوضع الحمل مطلقة كانت أو متوفى عنها زوجها ، ليس في ذلك استثناء أو شذوذ .

وحديث سبيعة الأسلمية استفاض في كتب السنة وعن جماعة من الصحابة ، وقد حظي بمدارسة من الصحابة والتابعين ، حتى استقر القول بمقتضاه - بعد خلاف من علي بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عباس - بأن الحامل إذا مات عنها زوجها اعتدت بأبعد الأجلين ، لكن استقر القول عند جماهير العلماء والصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنها تعتد بوضع الحمل.

ولقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن مجلسـًا ضم عبد اللَّه بن عباس وأبا هريرة وأبا سلمة بن عبد الرحمن ، وسئل فيه عن امرأة حامل وضعت بعد وفاة زوجها بأربعين ليلة، فلما اختلفوا أرسلوا كريبـًا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها فقالت : قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخُطبت فأنكحها رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-.

وأخرج البخاري أيضـًا عن محمد بن سيرين قال : كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وكان أصحابه يعظمونه ، فذكر آخر الأجلين - أي في شأن المرأة الحامل يموت عنها زوجها - فحدثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود ، وهو ابن أخٍ لعبد اللَّه بن مسعود ، قال : فغمز لي بعض أصحابه ، قال محمد : ففطنت له ، فقلت : إني إذًا لجريء إن كذبتُ على عبد اللَّه بن عتبة وهو في ناحية الكوفة فاستحيا ، وقال : لكن عمه - أي عبد اللَّه بن مسعود - لم يقل ذلك ، فلقيت أبا عطية ( مالك  بن عامر ) ، فسألته فذهب يحدثني حديث سبيعة فقلت : هل سمعت عن عبد اللَّه - أي ابن مسعود - فيها شيئـًا ؟ فقال: كنا عند عبد اللَّه فقال : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة ؟ لنزلت سورة ((النساء )) القصرى ، أي سورة (( الطلاق ))، بعد الطولى ، أي سورة (( البقرة )): {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الآية [ الطلاق : 4 ] .

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن مناظرات حدثت حول هذه المسألة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين الصحابة والتابعين ، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فصل في المسألة لسبيعة ؛ أنها حلت بوضع الحمل وأن من لم يصلهم من الصحابة أو التابعين ناظروا في ذلك فلما علموا بالأمر قالوا به ، فهذه مناظرة سبيعة مع أبي السنابل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ومناظرة أبي هريرة وابن عباس وفصل أم سلمة ، ومناظرة محمد بن سيرين في مجلس عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وذكر قول ابن مسعود .

سبب الخلاف

يقول ابن دقيق العيد : وسبب الخلاف تعارض عموم قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم } الآية [ البقرة : 234 ] ، وقوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الآية [الطلاق : 4 ] ، فإن كل واحدة من الآيتين عام من وجه ، وخاص من وجه ، فالآية الأولى: عامة في المتوفى عنهن أزواجهن ، سواء كن حوامل أم لا ، والثانية عامة في أولات الأحمال، سواء كن متوفى عنهن أم لا ، ولعل هذا التعارض هو السبب لاختيار من اختار أقصى الأجلين لعدم ترجيح أحدهما على الآخر ، وذلك يوجب أن لا يُرفع تحريم المعتدة إلا بيقين الحل ، وذلك بأقصى الأجلين ، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على هذا الحديث - أي حديث سبيعة- فهو نص في المسألة عند الخلاف .

ويقول الشنقيطي في (( أضواء البيان)) في سورة (( البقرة )) : ظاهر هذه الآية الكريمة أن كل متوفى

عنها تعتد بأربعة أشهر وعشر ، ولكنه بين في موضع آخر أن محل ذلك ما لم تكن حاملاً ، فإن كانت حاملاً كانت عدتها وضع الحمل ، ثم قال : وقد بينت السنة الصحيحة أن عموم: {وأولات الأحمال } مخصص لعموم : { والذين يتوفون منكم } مع أن جماعة الأصوليين ذكروا أن الجموع المنَكَّرة لا عموم لها، وعليه فلا عموم في آية البقرة ؛ لأن قوله: {ويذرون أزواجـًا } جمع منَكَّر ، فلا يَعُم ، بخلاف قوله : { وأولات الأحمال } ، فإنه مضاف إلى المعرف بأل والمضاف إلى المعرف بها من صيغ العموم، فكأن الشنقيطي ، رحمه اللَّه، استنبط من الآية عموم وضع الحمل ، وأن الأربعة أشهر وعشرًا لغير ذات الحمل .

وقد سبق الشوكاني فقال في (( نيل الأوطار )) : وإن الآيتين من باب تعارض العمومين ، مع أنه تقرر في الأصول أن الجموع المنَكَّرة لا عموم فيها ، فلا تكون آية (( البقرة )) عامة؛ لأن قوله : { ويذرون أزواجـًا } من ذلك القبيل فلا إشكال .

أما ابن القيم في (( زاد المعاد )) فقد فصل المسألة فقال : آية سورة (( الطلاق )) : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }، عامة من ثلاث جهات :

إحداها : عموم المخبر عنه ، وهو : { وأولات الأحمال } فإنه يتناول جميعهن - أي مطلقة ومتوفى عنها .

الثانية: عموم الأجل، فإنه أضافه إليهن وإضافة اسم الجمع إلى المعرفة يعم ، فجعل وضع الحمل جميع أجلهن ، فلو كان لبعضهن أجل غيره لم يكن جميع أجلهن .

والثالثة: أن المبتدأ والخبر معرفتان، وإذا كانا معرفتين اقتضى ذلك حصر الثاني؛ أجلهن، في الأول؛ وضع حملهن.

أما آية (( البقرة )) : { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا } ، فلا تشمل كل من توفى عنها زوجها ؛ لقوله : { يتربصن } ، فإنه فعل مطلق لا عموم له ، هذا إذا لم تأت السنة الصحيحة بذلك ، فكيف وحديث سبيعة صحيح مبين لذلك الحكم .

هذا وابن مسعود، رضي اللَّه عنه، يستدل على ذلك أيضـًا بأن آية الطلاق متأخرة في النزول عن آية (( البقرة ))، فهي مبينة لحكم أجمل فيها.

ثم يقول ابن القيم، رحمه اللَّه : وهذا من كمال فقهه ، رضي اللَّه عنه - أي ابن مسعود - ورسوخ علمه ، ومما يبين أن أصول الفقه سجية للقوم - أي الصحابة - وطبيعة لهم لا يتكلفونها كما أن العربية والمعاني والبيان وتوابعها لهم كذلك ، فمن بعدهم فإنما يجهد نفسه ليتعلق بغبارهم وأنى له ؟! ( انتهى بتصرف ) .

وفي (( الاستذكار )): عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل ؟ فقال ابن عمر إذا وضعت حملها ، فقد حلت، فأخبره رجل من الأنصار - كان عنده - أن عمر بن الخطاب قال : لو وضعت وزوجها على سريره لم يدفن - بعدُ - لحلت ، يقول ابن عبد البر : وعلى ذلك جماعة العلماء بالحجاز والعراق والشام ومصر والمغرب والمشرق اليوم . ولا خلاف في ذلك إلا ما روي عن علي وابن عباس ، والواضح أن ابن عباس رجع عن ذلك .

العدة والإحداد

العدة ؛ اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالأقراء أو بالأشهر .

الإحداد ؛ ترك المرأة لزينتها كلها من اللباس والطيب والحلي والكحل والخضاب بالحناء مادامت في عدتها ؛ لأن الزينة داعية إلى الأزواج فنهيت عن ذلك قطعـًا للذرائع وحماية لحرمات اللَّه تعالى أن تنتهك .

أحوال المعتدة

أولاً: إذا كانت حاملاً فعدتها وضع الحمل ، سواء كانت من طلاق أو موت زوج وأن تضع كل حملها إن كان واحدًا أو توأمـًا ، لقوله تعالى : { وأولاتُ الأحمال أجلهنَّ أن يضعن حملهنَّ ومن يتق اللَّه يجعل له من أمره يسرًا } [ الطلاق : 4 ]

ثانيـًا: المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرًا، سواء مدخول بها أو غير مدخول بها، صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون حاملاً فعدتها وضع الحمل  ؛ لقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنَّ بالمعروف واللَّه بما تعملون خبيرٌ } [ البقرة : 234 ] .

ثالثـًا: عدة الآيسة والصغيرة التي لم تحض ثلاثة أشهر ، إذا كان ذلك من طلاق أو تفريق بعد الدخول ؛ لقوله تعالى : { واللائي يئِسْنَ من المحيض من نسائِكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهرٍ واللائي لم يحضن } [ الطلاق : 4 ] .

رابعـًا: المرأة التي تحيض تعتد بثلاثة قروء، والخلاف مشهور في القرء - هل هو الحيض أم الطهر - والراجح أنه الحيض ؛ لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهنَّ ثلاثة قروء  ولا يحل لهنَّ أن يكتمن ما خلق اللَّه في أرحامهن أن كن يُؤمن باللَّه واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا } [ البقرة : 228 ] ، واللَّه أعلم .

خامسـًا: ليس لغير المدخول بها عدة إذا طلقت ، ولكن تعتد من وفاة زوجها إذا مات ؛ لقوله تعالى : { يــأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدةٍ تعتدونها } [ الأحزاب : 49 ] .

سادسـًا: المرأة ذات الحيض إذا لم تر حيضـًا تربصت تسعة أشهر ، فإذا لم تر الحيض خلالها اعتدت بعدها ثلاثة أشهر ، فإن رأت الحيض خلال هذه المدة اعتدت به .

فائدة : قال القرطبي : أجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلاقـًا رجعيـًّا يملك رجعتها ثم توفى قبل انقضاء العدة أن عليها عدة الوفاة وترثه - ولو كان الباقي من عدة طلاقها عند موته ليلة واحدة ؛ لأنها لا تزال له زوجة ، ولقد شرع اللَّه سبحانه العدة حفظـًا للحقوق ، حق الزوج الأول ، وحق الولد ، وحق الزوج الثاني ، وحق الزوجة ، بل وقبل ذلك حق اللَّه في امتثال شرعه ، فالعدة واجبة على كل حال حتى ولو تيقن براءة الرحم لتغليب جانب التعبد فيها بخلاف الاستبراء.

ففي العدة :

1- حق للَّه في امتثال أمره وطلب مرضاته .

2-  وحق للزوج المطلق وهو اتساع زمن الرجعة له .

3- وحق للزوجة في استحقاقها للنفقة والسكنى مادامت في العدة .

4- وحق للولد وهو الاحتياط في ثبوت نسبه وألا يختلط بغيره .

5- وحق للزوج الثاني ، وهو ألا يختلط ماؤه بحمل من غيره .

يقول ابن القيم : فرتب على هذه الحقوق أحكامـًا ، فلحَق اللَّه سبحانه لزومها منزلها ، فلا تَخرج ولا تُخرج ، ولحق المطلق تمكينه من الرجعة مادامت في العدة ، وعلى حقها استحقاق النفقة والسكنى مادامت في العدة ، ولحق الولد ثبوت نسبه وإلحاقه بأبيه دون غيره ، وعلى حق الزوج الثاني دخوله على بصيرة ورحم بريء غير مشغول بولد غيره .

فائدة : تختلف عدة المتوفى عنها زوجها في موضعين ، إن لم يكن مدخولاً بها اعتدت في الموت دون الطلاق ، والعدة لا يكفي فيها العد بالحيضات ولا الثلاثة الأشهر حتى تتربص أربعة أشهر وعشرًا ؛ لأن غير المدخول بها قد يقع منها الدخول ، فتكتمه حياءً أو جهلاً ، ويعينها على ذلك غياب زوجها بموته ولا شاهد غيره ، فلزمت العدة تعبدًا ولزم الاحتياط للأبضاع والأنساب وبعدًا عن الاشتباه، ولذا كانت العدة بمدة تسمح ، إذ لو كانت الوفاة بعد الجماع مباشرة ، وتَكوَّن منه الولد لتحرك الولد في الرحم لنفخ الروح بعد الأربعة الأشهر ، ثم العشرة الأيام تُظهر ذلك بيقين ، فإن بان الحمل فعدة الحامل وضع الحمل بلا خلاف .

حكم المتوفى عنها زوجها

يلزم المتوفى عنها زوجها أن تعتد وأن تحد على زوجها ، وعدتها أربعة أشهر وعشرًا دائمـًا إلا أن تكون حاملاً فعدتها وضع الحمل ، وأما الحداد فهو واجب على المرأة في مدة عدتها من وفاة زوجها وهو كما قال البغوي : أن تمتنع عن الزينة والطيب فلا تدهن رأسها بأي دهن كان ، سواء كان فيه طيب أم لم يكن ، لما فيه من الزينة ، ولها أن تدهن جسدها بدهن لا طيب فيه ، فإن كان فيه طيب فلا يجوز لها ، ولا تكتحل بكحل فيه طيب ولا فيه زينة كالكحل الأسود ، ثم قال : والحاد يجوز لها لبس البيض من الثياب ويجوز لبس الصوف والوبر وكل ما نسج على وجهه لم يدخل عليه صبغ من خز أو غيره ، وكذلك كل ما صبغ لغير الزينة مثل السواد ، وما صبغ لقبح ، أو نفي وسخ ، كالكحلي ونحوه ، وأما المصبوغ للزينة كالأحمر والأصفر والأخضر الناضر فلا يجوز لبسه ولا تلبس الوشي والديباج والحلي ، ولا يجوز لها استعمال الطيب ، فإن طهرت من الحيض فرخص لها في استعمال شيء من قسط أو أظفار في محل حيضها .

قال ابن القيم في (( إعلام الموقعين )) : وقد كانوا في الجاهلية يبالغون في احترام حق الزوج وتعظيم حُرمة هذا العقد غاية المبالغة من تربص سنة في شر ثيابها وحفش بيتها ، فخفف اللَّه عنهم ذلك بشريعته التي جعلها رحمة وحكمة ومصلحة ونعمة، بل من أجَلِّ نعمه عليهم على الإطلاق ، فله الحمد كما هو أهله .

وكانت - أي العدة - أربعة أشهر وعشرًا على وفق الحكمة والمصلحة ، إذ لا بد من مدة مضروبة لها ، وأولى المدد بذلك المدة التي يعلم فيها بوجود الولد وعدمه ، فإنه يكون أربعين يومـًا نطفة ، ثم أربعين علقة ، ثم أربعين مضغة ، فهذه أربعة أشهر ، ثم ينفخ فيه الروح في الطور الرابع ، فقدر عشرة أيام لتظهر حياته بالحركة إن كان ثَمَّ حمل . ( انتهى من (( إعلام الموقعين )) ) .

يقول ابن عبد البر : والمتوفى عنها زوجها تمكث عدتها في بيتها الذي مات عنها فيه لحديث زينب بنت كعب أن الفريعة بنت مالك بن سنان ذكرت لرسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- شأن زوجها لما مات ولم يترك لها مسكن يملكه ولا نفقة ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ، قال : فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرًا .

ويقول القرطبي : المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ولا تخرج عنه ، وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر . ويقول ابن عبد البر : ولها أن تخرج نهارًا في حوائجها .

وعن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن الحج ، قال ابن عبد البر : وجملة القول في هذه المسألة أن فيها للسلف والخلف قولين مع أحدهما سنة ثابتة ، وهي الحجة عند التنازع ولا حجة لمن قال بخلافها .

فانظر - رعاك اللَّه - كيف أن العلماء لا يعتدون بالقول إذا خالف السنة حتى لا يجعل أحد عادة الناس حاكمة إذا خالفت السنة.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام جيد واضح في المسألة جاء فيه : المعتدة عدة الوفاة تتربص أربعة أشهر وعشرًا وتجتنب الزينة والطيب في بدنها وثيابها ولا تتزين ولا تتطيب ولا تلبس ثياب الزينة وتلزم منزلها ، فلا تخرج بالنهار إلا لحاجة ، ولا بالليل إلا لضرورة ، ويجوز لها أن تأكل كل ما أباحه اللَّه ؛ كالفاكهة ، واللحم - لحم الذكر والأنثى - ولها أكل ذلك باتفاق علماء المسلمين ، وكذلك شرب ما يباح من الأشربة ، ويجوز لها أن تلبس ثياب القطن والكتان ، وغير ذلك مما أباحه اللَّه، وليس عليها أن تصبغ ثيابـًا بيضاء أو غير بيض للعدة، بل يجوز لها لبس المقفص، لكن لا تلبس ما تتزين به المرأة ، مثل : الأحمر ، والأصفر ، والأخضر الصافي، والأزرق الصافي ، ونحو ذلك . ولا تلبس الحلي مثل : الأسورة ، والخلاخل ، والقلائد، ولا تختضب بحناء ولا غيره، ولا يحرم عليها عمل شغل من الأشغال المباحة ، مثل : التطريز ، والخياطة ، والغزل، وغير ذلك مما تفعله النساء ، ويجوز لها سائر ما يباح لها في غير العدة ، مثل كلام من تحتاج إلى كلامه من الرجال إذا كانت مستترة، وغير ذلك ، وهذا الذي ذكرته هو سنة رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يفعله نساء الصحابة إذا مات أزواجهن .

( وقال ) : العدة تنقضي بمضي أربعة أشهر وعشرًا من حين الموت ، ولا تُقضى العدة ، فإن كانت خرجت لأمر تحتاج إليه ولم تبت إلا في منزلها فلا شيء عليها ، وإن كانت قد خرجت لغير حاجة وباتت في غير منزلها لغير ضرورة أو تركت الإحداد فلتستغفر اللَّه وتتوب إليه من ذلك ، ولا إعادة عليها ، وإذا خطبها إنسان في عدتها فلا تجيبه صريحـًا . [ (( مجموع الفتاوى )) ( جـ34، ص27، 28 ) ] .

أيها القارئ الكريم: ورد في كلام شيخ الإسلام قوله: ( لا تخرج بالنهار إلا لحاجة )، وقوله: (ولا بالليل إلا لضرورة )، ولبيان ذلك من أعمال العبد المأذون بها في أمور حياته تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- حاجيات.

2- ضروريات.

3- تحسينيات .

أما الضروريات؛ فهي ما لا بد منها لقيام مصالح الدين والدنيا ، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ، بل وقع الفساد، وهذه الضروريات خمسة: حفظ الدين ، والنفس، والنسل ، والمال ، والعقل .

وأما الحاجيات؛ فهي ما يفتقر إليها، من حيث رفع الحرج ونفي التضييق، كالرخص عند الحاجة إليها والتمتع بالطيبات مما هو حلال.

وأما التحسينيات؛ فهي الأخذ بما يليق من محاسن العادات ، واجتناب المفسدات التي تأنف منها العقول الراجحات ؛ كإزالة النجاسة وأخذ الزينة .

هذا ؛ وللحديث بقية إن شاء اللَّه تعالى .

عدد المشاهدات 9877