إن للشيطان حزباً وقبيلاً ، يعملون له فيما يمليه عليهم : "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ " ( المجادلة : 19 ) هذا الحزب وذلك القبيل يحزنهم أن يروا الخير فى الناس قد ظهر ، أو الصلاح قد بدا ، وتنفرج أساريرهم عندما يشاهدون المنكرات قد أُعلن بها فظهرت فى البر والبحر .
لذا فإنك تشاهد ارتفاع الأصوات عندما تهتز قلعة من قلاع الشيطان وحزبه ، فترى أفاكاً يكتب قصة يتنادى لها الأعوان فى الآفاق ، كما حدث مع قصة سلمان رشدى ( قبحه الله ) وأمثاله من المقبوحين ، الذين قال عنهم رب العزة سبحانه : "وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ " (القصص : 42 ) لكن الله الذى هزم الأحزاب وحده ، هو الذى فتت الاتحاد السوفييتى وحده جند وجنود ، بل قال سبحانه : "مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ " ( الحشر :2 ) ، فكانت الضربة عليهم شديدة فصرت لا تسمع اليوم من يتنادى باسم الشيوعية ، فلم يصبح لها من دار تحمى زمار أصحابها ، فتغير جلد هؤلاء واخترعوا لأنفسهم اسماً جديداً ، دخلوا جميعاً تحته وهو ( العلمانية ) ، ولن نناقش فتح العين ولا كسرها ، لأن الاسم ليس مقصوداً لذاته ، ولكن ما تحته من معان وأعمال .
ونظرت العلمانية فوجت نفسها قد منيت بأكبر الهزائم فى معركة من طرف واحد ، لأن الذى هزمهم هو الله سبحانه ، فصبوا جام غضبهم على كل من نصر الله ، مع أن الله قال : "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " ( محمد : 7 ) ويقول : "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " ( الروم :47 ) ويقول : " وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " ( الأنفال : 10 ) ، ويقول سبحانه : " أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ " ( البقرة : 214 ) .
لذا فإنك ترى فى الصحف والكتب معركة دائرة يُحارب فيها الإسلام بصور شتى ، فى مقالات ومسرحيات وكتب ومجلات ، وصور تذكرنا بقول الله تعالى : "وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ " ( الإسراء : 64 ) ، فما تركوا مطية إلا ركبوها ، ولا بوقاً إلا ونفخوا فيه ، ولا حرباً إلا وأضرموها ، ولا ناراً إلا وأشعلوها ، حتى صرت ترى حرباً ضارية ينادون على كل ذى سلطان أن أحرق هؤلاء المسلمين ن وليت الأمر اقتصر على ألسنة الكفار ، لكن قوماً من جلدتنا ، يتكلمون بألسنتنا ، صارت حروبهم أكثر ضراوة ، وحقدهم أظهر وأعلن ، ومرة ينادون بالمظهر الإسلامى فى اللحية والنقاب ومرة فى الجوهر حيث الحكم بما أنزل الله وهكذا .
وأنا اليوم لا أريد أن أدلى بدلوى فى هذه المعركة ، ولا أمسكت قلمى لأنصر فرقة أو أصد عدواناً ، إنما أمسكت القلم لأتحدث مع المسلمين ودعاتهم لأذكرهم بهدفهم وواجبهم وما جعلهم الله مستخلفين فيه ، وأبدأ الكلام بذكر هذا المثال وتلك الحكاية .
يحكى أن كلباً شَرِهاً فى غابة ، استمر فى الأكل حتى سمن ، وكبر جسمه ، ورأى ضخامة صورته ، فخال فى نفسه قوة ، ونبح من حوله بعض الكلاب من الأقزام ، فأخذوا يغرونه بنفسه ، ويقولون : يجب أن تكون أنت ملك الحيوانات ، فإما أن يقسم لك الأسد مملكته أو ينزل عنها ، فإن أبى عليك ذلك ، فإنك تغلبه وتكسره ، فأنت الآن أقوى منه ، لعله الآن صار عجوزاً ضعيفاً لا يقدر على غلبتك ، فرح الكلب ، وأسرع إلى عرين الأسد ، وأخذ ينبح على الأسد ، يطلب أن يخرج إليه لينازله فأكثر من النباح ، ولم يخرج له الأسد ، فقال بعض جلساء الأسد : يا أيها الملك هلا خرجت إلى ذلك الكلب لتؤدبه فلم يجبهم الأسد ، فقالوا : يا ايها الملك سيقولون : الأسد لم يخرج للكلب ، فقال الأسد : ذلك خير عندى من أن يقولوا الأسد غلب الكلب ، ولكن الكلب استمر فى نباحه حتى اشتد فأخذ يضرط من استه ، واختلط نباحه وضراطه فلما تعب انصرف .
هذه أذكرها عبرة لإخوانى من الدعاة إلى الله أن يعلموا أن دعوة الله دعوة ملوك لأن الله سبحانه هو الملك ، والكون كله من ملكه والدعاة إلى الله أسد الغابة ، ولا ينبغى للأسد أن ينازل الكلب ، لأن العار فى أن يقال : الأسد غلب الكلب ، أكثر مما يقال : إن الأسد لم يخرج إلى الكلب . وكيف والدعاة إلى الله هم دعاة ينتهجون منهج الله رب العالمين خالق الخلق أجمعين ، فكيف به ينزل إلى هذه الهوة السحيقة فينازل الكلاب .
والله سبحانه وتعالى يقول : " خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ " ( الأعراف : 199 :202 ) وقد علمنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إذا وسوس الشيطان أن نستعيذ بالله منه ، لا أن نذكر مزاعمه فنعددها ونرد عليها ، إن المسلم إذا شغل نفسه بالرد على كل باطل يسوقه أهله لم يجد عنده من وقت ولا جهد للتعرف على شرع الله ، بل وجد الأصوات من حوله تنادى : هيا نحارب عدونا ، ولا نترك هؤلاء إلا بالرد عليهم ، فيبقى فى ردوده منشغلاً ، والنبى -صلى الله عليه وسلم- علمنا عند وسوسة الشيطان ، وإثارته للشبهات ، ألا ننشغل بتنفيذ حججه وبيان زيفها ، لكن أمرنا أن نقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وليقل : آمنت بالله .
فعن أبى هريرة - رضى الله عنه - مرفوعاً : " يأتى للعبد الشيطان فيقول : من خلق كذا وكذا ، حتى يقول : من خلق ربك ، فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته " ( رواه مسلم وأحمد ) .
الأخوة الدعاة الكرام اعلموا أن الواجبات على الناس كثيرة ، تبدأ بالاعتقاد وتصحيحه ، ثم العبادة وأحكامها ، ثم أحكام المعاملات والآداب . ينبغى أن يشغل الدعاة أنفسهم بتعليمها للناس ، حتى يتعرفوا على ربهم وطريق مرضاته ، عالمين أن الله ينصر من نصره ، ويؤيد من أطاعه ، وذلك حديث النبى -صلى الله عليه وسلم- فى وصيته لابن عباس يقول . له : " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك .. " فحفظك لله علمك بشرائعه وعملك بها ، وسيرك على دينه ، يكن الله معك رداً لعدوان وقع ، وتأييداً فى سعيك .
ذلك أن العلمانيين يعلمون أن منهجهم باطل ، وقولهم ضلال ، تماماً كما أن الشيطان كان يعلم يقيناً أن الشجرة التى دعا آدم للأكل منها ، وأقسم له أنه يخلد بذلك ، الشيطان يعلم أن هذا باطل ، فكيف ننشغل بالرد عليهم ، فسوف يكابرون ، فالله سبحانه يقول عن فرعون وملائه : " وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ "( النمل : 14) .
ولن يعدم حجة يسوقها مكابرة ومماراة ، لذا فإن علينا أن ننشغل بتربية الجيل من المسلمين ، وإذا كنا ولا بد محتاجين لتنفيذ المزاعم فبغير إشارة إلى القول والقائلين ، أو المصادر التى كتبوا فيها ، حتى لا نكون للباطل مروجين فيكون شأننا :( اذكر الخير فينتشر ولا تذكر الشر فيندثر ) .
وإن منهج العلمانيين فى إنكار وجود الله وخلقه للخلق منهج قديم بالٍ ، وهم يزعمون أنهم مُتقدمون سابقون للعصر ( راجع مقال المسلم وعصره ) "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ " ( الجاثية : 24 ) ، فكيف ننشغل بهم ، أو نظن أن الناس سيطيعون لهم ، ينبغى أن ننشغل بالدعوة إلى الحق ، فيظهر الصواب فى مقابل أخطائهم دون الانشغال بها .
واعلم أخى المسلم أن كل الدعاوى الباطلة من الدعوة إلى الحكم بغير ما أنزل الله إلأى السفور والاختلاط وترك الحجاب ، إلى التنقّص من الشرع والدعاة إلى الله كل هذه الدعاوى وأمثالها وما دونها قالت بها أمم الكفر من قبل : " يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ " (هود : 87)، فإذا قرأت القرآن ورأيت قصص الأمم السابقة ، وجدت حجج العلمانية كاملة موجودة ، ورد العليم القدير عليها ، فالعناية بدراسة كتاب الله الذى قال : " مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ"(الأنعام :38 ) ، يغنينا بحججه البينة عن الإفراط فى الردود ، لست بذلك أدعو ألا نجابه دعاوى العلمانيين الباطلة وتفنيدها ، لكن نقول : إن الإفراط الذى ينشغل به بعض الدعاة والتصريح فيها بالأسماء والمصادر ترويج للباطل وأقوال أهله ، ويجعلهم يظنون أنهم صاروا كباراً ، وأن الكلب سيغلب الأسد ويحتل منصبه ، فيصبحوا فى منصب المصلحين ، والله سبحانه وتعالى يقـول عن العلمانيين : "فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا كَمَا ءَامَنَ النَّاسُ قَالُـوا أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ " (البقرة : 10- 13 ) . حتى قال سبحانه : "أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " (البقرة16 ) .
فالله أكمل دينه وعلينا أن نعنى بالمنهج القويم فى تعليمه ، لا يشغلنا عنه الشيطان وأعوانه ، والله من وراء القصد .