الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينًا، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه كلمات موجزة حول أحكام العيد وآدابه، فنقول وبالله التوفيق:
سبب التسمية:
سمي العيد عيدًا لعوده وتكرره، وقيل لأنه يعود كل عام بفرح مُجَدَّدٍ، وقيل تفاؤلاً بعوده على من أدركه.
[لسان العرب/4-3159]
أعياد المسلمين:
من المعلوم أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذان يتكرران في كل عام، وهناك عيد ثالث يأتي في ختام كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وليس في الإسلام عيد بمناسبة مرور ذكرى كغزوة بدر الكبرى، أو غزوة الفتح أو غيرها من الغزوات العظيمة التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا باهرًا، وكل ما سوى هذه الأعياد الثلاثة، فهو بدعة محدثة في دين الله، ما أنزل الله بها من سلطان ولا شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ومن زعم غير ذلك فقد أعظم على الله الفرية، وكذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم .
]المحلى/ج5 ص81-شرح زاد المستقنع لابن عثيمين/ج5 ص145[
حكمة العيد:
إن الله تعالى قد شرع العيدين لحكم جليلة سامية، فبالنسبة لعيد الفطر، فإن الناس قد أدوا فريضة من فرائض الإسلام وهي الصيام، فجعل الله لهم يوم عيد يفرحون فيه، ويفعلون فيه من السرور واللعب المباح ما يكون فيه إظهارٌ لهذا العيد، وشكرٌ لله على هذه النعمة، فيفرحون لأنهم تخلصوا بالصوم من الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، فجعل الله يوم الفطر عيدًا ليفرح المسلم بنعمة مغفرة الذنوب ورفع الدرجات وزيادة الحسنات بعد هذا الموسم من الطاعات، وأما بالنسبة لعيد الأضحى فإنه يأتي في ختام عشر ذي الحجة التي يسن فيها الإكثار من الطاعات وذكر الله، وفيها يوم عرفة الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر ذنوب سنتين، وأما بالنسبة للحجاج الواقفين على جبل عرفة، فإن الله يطلَّع عليهم ويشهد الملائكة بأنه قد غفر لهم ذنوبهم، فكان يوم عيد الأضحى الذي يلي يوم عرفة، يومًا للمسلمين يفرحون فيه بمغفرة الله، ويشكرونه على هذه النعمة العظيمة.
]شرح زاد المستنقع لابن عثيمين/ج5 ص211 [
مشروعية صلاة العيد:
شُرعت صلاة العيد في السنة الأولى من الهجرة. روى أبو داود عن أنس قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم عيدان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر.
]صحيح أبي داود للألباني/1004 [
وصلاة العيد مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
]المغني لابن قدامة/ج3 ص253[
حكم صلاة العيد:
صلاة العيد سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده. روى الشيخان عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيًا جاء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا.
]البخاري حديث/1891، مسلم حديث/11[
قال النووي: جماهير العلماء من السلف والخلف على أن صلاة العيد سنة.
]الاستذكار لابن عبد البر ج7 ص12- المحلى لابن حزم ج5 ص89- المجموع للنووي ج5 ص2، 3 [
وقت صلاة العيد:
يبدأ وقت صلاة العيد بعد شروق الشمس بربع ساعة تقريبًا وينتهي بدخول وقت صلاة الظهر.
]الشرح الممتع لابن عثيمين/ج5 ص154[
تقديم الصلاة في الأضحى وتأخيرها في الفطر: قال ابن قدامة: يُسنُ تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر.
]المغني/ج5 ص267[
مكان إقامة صلاة العيد:
من السنة إقامة صلاة العيد في مصلى واسع قريب، خارج البلد، حتى يسهل على الناس الذهاب إليه، روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى.
]البخاري/956[
تعدد مصلى العيد:
يجوز تعدد أماكن مصلى العيد في البلد الواحد عند الضرورة.
إقامة صلاة العيد في المساجد:
يجوز إقامة صلاة العيد في المسجد بسبب العذر: مثل البرد الشديد أو المطر أو ما شابه ذلك، ومن صلى في المسجد بغير عذر، فصلاته صحيحة بفضل الله ورحمته ولكنه خالف السنة، وترك الأفضل.
آداب الخروج إلى مصلى العيد:
إن للخروج إلى مصلى العيد آدابًا يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1 - الاغتسال وارتداء أفضل الثياب، وأما وضع العطور فيكون للرجال فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة ولو كانت ذاهبة للصلاة في المسجد.
2 - تناول الطعام يوم عيد الفطر قبل الذهاب إلى المصلى، وتأخيره يوم الأضحى حتى يؤدي صلاة العيد ويأكل من أضحيته.
3 - التبكير إلى مصلى العيد والسير على الأقدام إذا لم يترتب على ذلك مشقة.
4 - الخروج إلى مصلى العيد من طريق والعودة من طريق أخرى.
5 - يرفع الرجال أصواتهم بالتكبير، مع مراعاة أن يكبر كل شخص بنفسه، مع الابتعاد عن التكبير الجماعي حتى يقوم الإمام لصلاة العيد.
6 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.
7 - غض البصر عن محارم الله والابتعاد عن الاختلاط بين الرجال والنساء من غير المحارم.
وقت التكبير في العيدين:
يبدأ التكبير في عيد الفطر من ثبوت رؤية هلال شوال حتى يقوم الإمام لأداء صلاة العيد.
ويبدأ التكبير في عيد الأضحى من فجر يوم عرفة حتى آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من ذي الحجة.
]الشرح الممتع لابن عثيمين/ج5 ص221 [
صفة التكبير:
يمكن لكل مسلم أن يردد إحدى صيغ التكبير التالية:
- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
- الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
- الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.
]مصنف ابن أبي شيبة/ج2 ص83[
صلاة العيد ليس لها سنة قبلية ولا بعدية:
روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها.
]البخاري/964[
صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة:
روى مسلم عن جابر بن سَمُرة قال: صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة بغير أذان ولا إقامة.
]مسلم حديث/887[
قال ابن القيم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة،
والسنة أنه لا يُفعل شيء من ذلك.
]زاد المعاد/ج1 ص442[
صفة صلاة العيد:
صلاة العيد ركعتان، يُسنُ للمصلي أن يُكبِّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية خمس
تكبيرات بعد تكبيرة القيام للركعة الثانية، مع رفع اليدين مع كل تكبيرة، ولم يرد ذِكْر مخصوص يقال بين التكبيرات، ويجوز أن يقول بين التكبيرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن شك في عدد التكبيرات بنى على العدد الأقل.
ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة الأعلى، ويقرأ في الثانية بعد الفاتحة بسورة الغاشية، أو يقرأ في الركعة الأولى بسورة )ق ( ، وفي الركعة الثانية بسورة )القمر ( .
]مسلم حديث/878،891 [
مع مراعاة جهر الإمام بالقراءة.
]الأم للشافعي/ج1 ص236، ج3 ص271 [
حكم من فاتته بعض التكبيرات مع الإمام:
من حضر إلى صلاة العيد وأدرك الإمام، ولكن قد فاتته بعض التكبيرات، فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ويتابع الإمام فيما بقي من التكبيرات، ويسقط عنه ما مضى.
]المغني/ج3 ص275 [
خطبة العيد:
يُسنُ للإمام بعد أداء صلاة العيد أن يخطب في الناس خطبة جامعة، ويستحب أن يفتتحها بحمد الله ويسن له كذلك الإكثار من التكبير أثناء الخطبة ويذكر الناس بفضل الله عليهم وحثهم على التوبة النصوح وتقوى الله في السر والعلانية والإكثار من أعمال البر والتمسك بالكتاب والسنة وتحذيرهم من البدع، ويسن لمن حضر الخطبة أن ينصت للإمام ومن أراد أن ينصرف بعد الصلاة فلا حرج عليه.
روى أبو داود عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى صلاته قال: إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب.
]صحيح أبي داود/1024[
قضاء صلاة العيد:
يُستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يقضيها قبل الظهر على هيئتها وبنفس العدد من التكبيرات.
]الأم للشافعي/ج1 ص240، المغني/ج3 ص285[
روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: من فاتته الصلاة يوم الفطر، صلى كما يصلي الإمام.
]إسناده صحيح: مصنف عبد الرزاق/ج2 ص300 [
التهنئة بالعيد:
إن العيد مناسبة مباركة، يجمع الله بها شمل المسلمين ويؤلف بها بين قلوبهم، فيقابل بعضهم بعضًا في مصلى العيد وفي الطرقات أو الأسواق فيتصافحون ابتغاء وجه الله وطمعًا في مغفرته، ويُستحب أن يُهنئ المسلم أخاه قائلاً: تقبَّل الله منا ومنكم.
اجتماع العيد مع الجمعة:
إذا اجتمع العيد مع الجمعة، سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد، وتكفيه صلاة الظهر، ويُستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء حضورها ومن لم يصلّ العيد.
]فتاوى ابن تيمية/ج24 ص211[
روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون.
]صحيح أبي داود/948[
العيد موسم لأعمال البّر:
إن العيد مناسبة طيبة ينبغي للمسلم أن يستفيد منها ليرفع رصيده من الحسنات، وذلك بالحرص على الطاعات، والتي يمكن أن نوجزها في ما يلي:
1 - بر الوالدين وصلة الأرحام والتوسعة عليهم بقدر المستطاع.
2 - زيارة الجيران والأصدقاء والتوسعة على الفقراء واليتامى ومشاركتهم بهجة العيد.
3 - الصلح بين المتخاصمين من الناس مع بيان منزلة من يبدأ بالصلح ابتغاء وجه الله تعالى.
4- الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم.
وقفة مع زيارة المقابر يوم العيد:
أخي الكريم إن الله شرع لنا العيد لكي نفرح ونبتعد عن الأحزان في يوم العيد، ولذا فإن قيام كثير من المسلمين بزيارة المقابر يوم العيد وتجديد الأحزان، عملٌ مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج مع الصحابة إلى الصحراء لصلاة العيد، وكان يذهب من طريق ويرجع من أخرى، ولم يثبت أنه زار قبرًا في ذهابه أو إيابه مع وقوع المقابر في طريقه.
روى البخاري عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا.
]البخاري/965 [
إن زيارة المقابر يوم العيد بدعة وهي من تلبيس الشيطان، فإنه لا يأمر الناس بترك سنة حتى يعوضهم عنها بشيء يخيله لهم أنه قربة إلى الله تعالى، فزين للناس زيارة القبور في يوم العيد وأن ذلك من البر بالأموات.
]الإبداع في مضار الابتداع/ص263[
وختامًا:
ينبغي لنا أن نتبع سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأن نرضى بشرع الله ورسوله في جميع أمور حياتنا، قال تعالى: )إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ( .
]النور/51 [
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.