طالعتنا وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة بتفاصيل العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني الأعزل ، وهالنا جميعًا ذلك الجبن الصهيوني والخسة والنذالة التي يندى لها جبين الإنسانية ؛ الجنود الإسرائيليون المدججون بالسلاح ، يضربون الشباب والأطفال وحتى النساء بالذخيرة الحية ، ويضربونهم بالدبابات وبالطائرات فيسقط الشهداء بالعشرات ، ومع ذلك ترى الخوف والفزع في عيون الصهاينة وهم يواجهون الحجارة ، وترى الجرأة والشجاعة في تصرفات الشباب الفلسطيني وهم يهاجمون الجنود الإسرائيليين بالحجارة ، وهم يحملون الشهداء والجرحى تحت وابل الرصاص ، عند ذلك قلت لنفسي : صدق اللَّه العظيم إذ يقول : { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } [ الحشر : 14 ] ، ثم تواردت الخواطر على نفسي تترى ، هذا الشباب الذي لا يجد إلا الحجارة ليدافع عن المقدسات الإسلامية ، هذا الشباب الذي يواجه النار بصدر مفتوح ، ماذا لو وجد راية مسلمة تدعو إلى الجهاد في سبيل اللَّه لتحرير المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية ، راية إسلامية فِعْلية تأخذ بأسباب النصر وتعمل بقول اللَّه تعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [ الأنفال : 60 ] . { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [ آل عمران : 103 ] .
هل يبعث دم الشهداء حول الأقصى الأُمة الإسلامية من جديد ، هل يوقظ الأمة من سباتها ، ويردها إلى الحق ، إلى الشريعة ، إلى توحيد اللَّه عز وجل ؟!
الطريق إلى الأقصى :
هذا هو العنوان الرئيسي الذي يطالعك أخي القارئ في افتتاحية هذا العدد من مجلة التوحيد ، ولعلك تجد مقدمة الافتتاحية غريبة في ألفاظها ، والتزامها السجع على غير المعتاد والمألوف في لغة المجلة ، فتتعجب لهذا الأسلوب، ولكن سرعان ما يزول هذا حين تعلم أن هذه المقدمة هي مقدمة أول خطبة للجمعة على منبر المسجد الأقصى بعد فتح صلاح الدين لبيت المقدس .
وسوف ترى في الافتتاحية أن القدس كانت دائمًا أبدًا تحت أيدي المسلمين طالما أنهم يقيمون شريعة اللَّه ويجاهدون في سبيل اللَّه، وأنها لم تخرج عنهم إلى غيرهم إلا حين بدلوا وغيروا.
إن تحرير القدس واجب مقدس على جميع المسلمين حكامًا ومحكومين ، بدايته في الإيمان ، وطريقه في جهاد النفس والشيطان والكفار ، والولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين .
توحيد الكلمة على كلمة التوحيد :
ما أحوج المسلمين الآن إلى توحيد صفوفهم وتوحيد كلمتهم في وجه أعدائهم ، عملاً بقوله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 103- 105 ] . وبقوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [ الروم : 31، 32 ] .
ولكن على أي شيء يكون الاتحاد، وقد افترقت القلوب على عقائد شتى وأفكار متشعبة. إن الوحدة لا يمكن تصورها إلا على كلمة الإخلاص ، كلمة لا إله إلا اللَّه ، على منهاج السنة والجماعة من غير شطط ولا زيغ ، على كتاب اللَّه تعالى وعلى سنة رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - بفهم سلف الأمة وخير القرون ، فإن هذا سبيل الجماعة والوحدة : (( من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد )) .
فيا معشر المسلمين ، عليكم بالطاعة والجماعة ، فإنها حبل اللَّه الذي أمر به ، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة ، واعلموا أن اللَّه فتح على هذه الأمة حين كانت على السنة والجماعة ، وأن الفتن والافتراق سبيل أعداء اللَّه لكسر شوكة هذه الأمة ، فأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، واعلموا أنكم ستظهرون على أعدائكم بهذا الاجتماع ، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ، و(( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) .
فنرجو أن يجتمع القادة العرب في مؤتمر قمة فَعَّال لبحث الأوضاع المتردية في القدس المحتلة، ونرجو من القادة العرب أن ينبذوا خلافاتهم جانبًا ، وأن يسعوا بكل جد لعمل عربي موحد يردع الصلف والغرور الصهيوني ، وأن يقوموا بالتنسيق مع سائر الدول الإسلامية بالضغط على إسرائيل وحلفاء إسرائيل لاحترام العهود والمواثيق الدولية، ونطالب المسلمين في كل مكان بالدعاء لقادتهم بالتوفيق والسداد ، فنحن أحوج ما نكون إلى توفيق اللَّه عز وجل ليكشف ما بنا من الهم والكرب ، فإن سلفنا الصالح كانوا أحرص الناس على الخير ، وكان قائلهم يقول : لو أن لي دعوة مستجابة لدعوتها لسلطان المسلمين ؛ لأن بصلاحه ينصلح حال المسلمين ، ولا ننسى أن ندعو لإخواننا في فلسطين ولكل المستضعفين من المسلمين بالثبات والتمكين ؛ فإن البلاء أول طريق النصر والتمكين ، إذا صاحبه يقينٌ وصبرٌ وجهادٌ في سبيل اللَّه .{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [ السجدة : 24 ] .
المسجد وليس الهيكل :
إن الصهاينة في صراعهم مع المسلمين يتحركون من منطلق عقائدي ، ولذلك فهم يتخذون إسرائيل - نبي اللَّه يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - اسمًا لدولتهم ونجمة داود شعارًا لهم ، وأرض الميعاد حلمًا لا يشكون في تحقيقه ، ويعلنون دائمًا أن هدفهم هو إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ، ويسعون جاهدين لهدم المسجد الأقصى وعمل الحفريات للبحث عن هيكلهم المزعوم .
والعرب في صراعهم مع اليهود يتحركون من منطلق قومي ، فهم لا يملون الحديث عن الحق العربي ، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، والصراع بهذه الصورة غير متكافئ ، وبعيد كل البعد عن منهاج الإسلام ، فرسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - حين دخل المدينة ووجد اليهود يعظمون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا : يومٌ نجى اللَّه فيه موسى وأهلك فرعون ، فصام النبي -صلى الله عليه وسلم - هذا اليوم وأمر بصيامه وقال لليهود : ((نحن أولى بموسى منكم )) .
هكذا يكون الحوار والجدال ، عقيدة محرفة وشريعة مبدلة لا يمكن ردها إلا بالعقيدة الصحيحة والشريعة المحكمة الناسخة لكل الشرائع ، أما حين نتخلى عن عقيدتنا وشريعتنا ، فكيف نواجه اليهود فكريًّا وثقافيًّا ، وكيف نواجههم سياسيًّا وعسكريًّا ، ولهذا تجد أيها القارئ العزيز في فتاوى المجلة حديثًا عن بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى والارتباط بين المسجدين منذ بنائهما ، إن سليمان عليه السلام نبى اللَّه أتم بناء المسجد - كما هو معلوم - والمسجد هو بيت اللَّه ، مكان السجود ، فأنَّى لمن كفر باللَّه وكفر برسوله أن يقوم على بيت اللَّه ثم يزعم أنه يبحث عن الهيكل المزعوم ، ولهذا نقول لليهود في صراعنا معهم : نحن أولى بموسى وداود وسليمان منكم .
{ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقََ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ آل عمران : 84، 85 ] .
الجهاد في سبيل اللَّه سبيل النصر والتمكين :
فلا سبيل للنصر والعز والتمكين وإعادة الحق السليب إلا بالجهاد في سبيل اللَّه عز وجل، فيجب على أهل الحق أن يجاهدوا أنفسهم على قبول الحق والعمل به، وأن يعلنوا الجهاد في سبيل اللَّه ويرفعوا رايته. ومن أحق بذلك من أهل السنة والجماعة، ومن العيب أن نرى بعض أهل البدع البعيدين عن منهاج السنة يعلنون الجهاد على أعداء اللَّه الصهاينة، ونرى أهل السنة والجماعة ينكصون، ويتهاونون.
فاللهم نصرك وتأييدك لأوليائك أهل الحق والسنة والجماعة ، وفّقهم لما تحبه وترضاه من الإيمان والتقوى والجهاد في سبيلك ، واشدد وطأتك على أعدائك يا عزيز يا قهار .
المسيح الدجال وعز اليهود :
يخطئ من يظن أن الصراع بين المسلمين وبين اليهود ، يمكن أن ينقضي بعملية سلام شامل وعادل كما يزعمون ، إن السلام ليس سوى مجرد هدنة مؤقتة ، سرعان ما تنتهي وتزول ، واليهود أهل غدر وخيانة ، ونحن نراهم الآن يتفلتون من كل اتفاق أبرموه ، لقد عاهدهم النبي -صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة ولكنهم سرعان ما نقضوا العهد فقاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم - وأجلاهم عن المدينة ، وحاصرهم بعد ذلك في خيبر حتى نزلوا على حكم اللَّه وحكم رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم -
لقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم - من فتنة المسيح الدجال ، وبين لنا أنه يملك الأرض في زمن هذه الفتنة فلا يمتنع عليه شيء منها سوى مكة والمدينة ، فإنه لا يدخلها تمنعه ملائكة اللَّه عز وجل ، وأخبرنا أن أهل الكفر جميعًا يتابعونه ، وأن اليهود جميعًا يكونون من جنده وشيعته ، وأن المؤمنين لا يملكون إلا الفرار بدينهم من هذه الفتنة العظيمة التي يظهر فيها الكفر ، ويكون فيها عز اليهود ، ولكن اللَّه سبحانه يتدارك بفضله ورحمته أولياءه المؤمنين فيعزهم وينصرهم ، وينزل المسيح عيسى ابن مريم ويَلْتف حوله المؤمنون ، فيقتل المسيح الدجال ، ويذيق اللَّه اليهود والكافرين بأسه بأيدي المؤمنين ، فيقتل المسلمون اليهود ، حتى إن اليهودي يختفي ويختبئ ، فينادي الحجر وينادي الشجر جند المسلمين : يا مسلم ، إن ورائي يهوديًّا فاقتله .
فهذا وعد اللَّه ، ووعد رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم - ، وإن اللَّه لا يخلف الميعاد.