التوحيد مصدر وحد يوحد توحيدًا أي جعل الشيء واحدًا، وهو لا يتحقق إلا بنفي وإثبات، نفي الحكم عما سوى المُوَحَدُ، وإثباته له وحده، ولهذا كانت كلمة التوحيد لا إله إلا الله متضمنةً للنفي والإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله عز وجل، وإثباتها لله وحده، وذلك لأن النفي المحض تعطيل محض، والإثبات المحض لا يمنع مشاركة الغير في الحكم.
فلو قلت: محمد مجتهد، فقد أثبت له الاجتهاد، ولكنك لم تفرده وتوحده به؛ لأنه من الجائز أن يشاركه غيره في هذا الاجتهاد.
ولو قلت: لا مجتهد، فقد نفيت نفيًا محضًا ولم تثبت الاجتهاد لأحد. ولكن لو قلت: لا مجتهد إلا محمد، فقد أفردت محمدًا بالاجتهاد، ونفيت الاجتهاد عمن سواه، وهذا هو تحقيق التوحيد، فلا يكون توحيدًا إلا بإثبات التفرد ولا يتحقق ذلك إلا إذا تضمن نفيًا وإثباتًا.
والتوحيد لا يكون إلا لله عز وجل لأنه الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا شريك له ولا وزير ولا معين، ولا شفيع يشفع عنده إلا بإذنه سبحانه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 91، 92].
أما غيره سبحانه فلا يمكن توحيده في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن نظراءه وأمثاله كثيرون، وقد جعل الله خلقه أزواجًا، وجعل بعضهم في حاجة بعض، فـ{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} [يس: 36]. وسبحان من جعل التفرد صفة خالصة له: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65].
والتوحيد قسمان: توحيد في المعرفة والإثبات، وهو التوحيد العلمي الخبري.
وتوحيد الطلب والقصد، وهو التوحيد الإرادي الطلبي،
والقسمان يتضمنان الجواب عن سؤال واحد هو: من تعبد؟
والجواب: أعبدُ الله وحده لا شريك له رب العالمين ورب كل شيء ومليكه. وهو السؤال الذي يُسأَلُه العبد في قبره، حيث يقول له الملكان: من ربك؟
ولا يُحسن الجواب عن هذا السؤال إلا من عرف الله عز وجل بالتوحيد، ولم يشرك معه غيره في شيء من العبادة.
ومعرفة الله عز وجل تكون بشيئين بالنظر في آياته الكونية، وآياته الشرعية المقروءة في كتابه وفيما أوحاه إلى نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
أما الآيات الكونية فهي مخلوقات الله عز وجل الدالة على عظمة خالقها وسعة علمه وتمام قدرته كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب، وكل هذه المخلوقات تسجد لخالقها وتسبح بحمده، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحج: 18].
ولهذا أمرنا المولى سبحانه أن ننظر في هذه الآيات وأن نعتبر بها: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ. فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ. لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 17- 22].
ونهى المولى تبارك وتعالى عباده عن صرف العبادة لشيء من هذه المخلوقات؛ لأنه لا تجوز العبادة إلا للخالق عز وجل فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]، فإذا ثبت أن الله سبحانه هو الرب الخالق الرازق فوجب على الناس أن يعبدوه وحده لا شريك له، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22].
فائدة
أولاً: توحيد المعرفة، يتضمن أمرين:
1- الإيمان بربوبية الله عز وجل بمعنى أنه المتفرد بالخلق والملك والتدبير.
2- الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العليا من غير تمثيل ولا تكييف ومن غير تحريف ولا تعطيل.
ثانيًا: توحيد المعرفة مقدمة لتوحيد القصد والطلب يؤدي إليه، فمن عرف الله حق المعرفة، توجه إليه وحده بالعبادة ولم يشرك معه غيره.
طريقة القرآن في الدعوة إلى التوحيد
كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فالقرآن إما خبر عن الله وأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله، فهذا هو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك كل ما يُعبد من دونه، وهذا هو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته سبحانه في أمره ونهيه وهذا من حقوق التوحيد ومكملاته.
وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم من التأييد في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة في الجنة، وهذا جزاء التوحيد.
وإما خبر عن أهل الشرك الذين فارقوا التوحيد، وما فعل الله بهم من النكال في الدنيا، ومن الخذلان والعذاب في النار في الآخرة، وهذا جزاء من خرج عن حكم التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم، فـ{الْحَمْدُ للّهِ} توحيد، و{رَبِّ الْعَالَمِينَ} توحيد، {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} توحيد، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} توحيد، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} توحيد، {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} توحيد، {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} توحيد متضمن سؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، والبعد عن طريق الذين انحرفوا عن الحق عن علم وإعراض أو عن جهل وضلال، {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، فالتوحيد غير طريق هؤلاء وأولئك. اقرأ في إثبات الربوبية للَّه عزَّ وجلَّ وهي تفرده بالخلق والملك والتدبير:
- {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2].
- {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
- {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [الرعد: 16].
- {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ. قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84- 89].
واقرأ في توحيد الأسماء والصفات:
- {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 3، 4].
- {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110].
- {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22- 24].
واقرأ في توحيد المعرفة والإثبات:
- {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحديد: 1- 7].
فإذا كانت الكائنات جميعها تسبح بحمده وتسجد له، وإذا كان سبحانه هو الخالق وهو المالك، خلق السماوات والأرض، وله ملك السماوات والأرض، وهو العليم بذات الصدور وبما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، والعليم بما يكون من أعمال العباد، وهو العزيز الذي لا يغلب، الحكيم الذي لا يكون في خلقه ولا ملكه ولا شرعه شيء من العبث، بل له الحكمة البالغة، وهو المحيي المميت، وهو على كل شيء قدير لا يعجزه شيء، فكيف لا يتوجه الإنسان إليه وحده بالعبادة دون سواه، وهو الذي يدعو الناس إلى عبادته وحده لا شريك له؛ لأنه المستحق للعبادة دون سواه: {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
ولهذا كانت دعوة الأنبياء والمرسلين:
- {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
- {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
- {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ. أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 2، 3]، وكذبوا والله، فإن الله لا يمكن أن يتقرب إليه العبد بعبادة غيره معه وإن زعم أنهم وسيلة ووسطاء، ولهذا قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي. فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ. وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر: 11- 18].
وأقرأ في دحض شبه المشركين: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً. أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56، 57]، {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ. وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]. وفي هذه الآية يقطع الله تعالى الأسباب التي يتعلق بها المشركون، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الخصال الأربع.
أن يكون مالكًا لما يريده عابده، فإن لم يكن مالكًا كان شريكًا للمالك فإن لم يكن شريكًا له كان معينًا له وظهيرًا، فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا، كان شفيعًا عنده، فنفي الله سبحانه المراتب الأربع نفيًا مرتبًا منتقلاً من الأعلى الى الأدنى, فنفى الملك والشركة والمعاونة التي يطلبها المشرك وأثبت شفاعة لا نصيب فيها للمشركين، وهي الشفاعة من بعد إذن الله لمن رضي الله قوله وعمله.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونًا لله، ولم يبق الا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب سبحانه. اهـ.
ففي هذه الآية ونظائرها قطع لشجرة الشرك واجتثاثها من أصولها, وإبطال لكل أساس يتعلق به من يدعو مع الله إلهًا أخر.