مصيبة الموت وفقد الأعزاء

2010-11-27

جمال المراكبى

كتب الشيخ محمد صفوت نور الدين مقالاً بعنوان: "مصيبة الموت وفقد الأعزاء" يرثي أخاه وصاحبه صفوت الشوادفي رحمه الله فقال: الحمد لله رضًا بالقضاء. ولا حول ولا قوة إلا بالله، إيمانا به وتسليمًا له سبحانه، إنه اللطيف الخبير. جعل الآجال من علمه الذي لم يسلمه لأحد من خلقه، والله أكبر ينفخ الأرواح في الأبدان ويقبضها بعلمه وقدرته. لا إله إلا هو يحي ويميت. رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربكم ورب آبائكم الأولين. له ملك السماوات والأرض، هو الذي خلق فسوى، وهو الذي قضى لكل أجل كتابًا. والصلاة والسلام على من كان موته للناس أعظم مصاب، فمن مات له عزيز؛ فليتعزَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال له رب العزة سبحانه {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:34ـ 35]. وقال سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت:57ـ 59]. والحي لا تؤمن عليه الفتنة، فمن مات على الإسلام والسنة؛ فقد حاز النعمة العظمى، ونجا من العقبة الكبرى والله هو الخليفة في كل باق، والوارث لكل منتقل {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40] {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر:23ـ 24]. إن الدعوة إلى الله خير شغل يقضي العبد فيه عمره، ويمتد من بعده ثوابه بعد انقضاء أجله، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أوعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". ثم يقول عن أخيه الفقيد: فيصبح أثرًا بعد عين، وذكرى بعد واقع، فبعد أن كان يكتب للناس، إذ به يُكتب عنه، وبعد أن كتب للقراء؛ ينعى لهم العلماء الأفذاذ والقادة الأجلاء كابن باز والألباني وغيرهما من أعلام الدعوة المعاصرين، فإذا به يصبح المكتوب عنه والمُعَرّفَ به، والمنوَّه عنه. إن الخطب جلل، والمصاب عظيم، ولكن لنا الأسوة في سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صبروا على مصيبة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم على موت الخلفاء من بعده، ونذكر من مات من قادة تحرير مجلة التوحيد والهدي النبوي من قبل، الشيخ أحمد شاكر حامل لواء السنة والمدافع عنها في وقتٍ عظمت فيه الفرقة، وانقلبت فيه المعايير ونهض أذناب الاستعمار يبثون الفتن ليشوهوا جمال الإسلام ومن قبله الشيخ محمد صادق عرنوس الذي كان شاعرًا وأديبًا وكاتبًا، فضلا عن رؤساء التحرير الذي تولوا ذلك من قبل الشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ عبد الرحمن الوكيل، والشيخ محمد عبد المجيد الشافعي رحمهم الله، والشيخ أحمد فهمي حفظه الله. وإن لحسن الخاتمة علامات نرجو أن يكون قد جمع الله منها لفقيدنا العزيز شيئًا كثيرًا، وأن يجعله عنده متقبلا. يقول الشيخ الألباني رحمه الله: إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنِّه فأيما امرئ مات بأحدها كانت بشارة ويا لها من بشارة. وذكر منها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" ثم قال: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. وإن من حسن الخاتمة أن وفقه الله تعالى قبيل موته فجمع أهله وذهب بهم جميعًا فأدوا العمرة وعادوا، فنرجو أن يكون ذلك في ميزان حسناته، وأن يجعله مغفرة له وتطهيرًا، فلقد كان بالأمس القريب يقول بلسانه محرمًا: "لبيك اللهم لبيك" وهو اليوم ببدنه ولسان حاله يلبي لقاء ربه "لبيك اللهم لبيك" فالله نسأل أن يقبله ويقبل صالح عمله. إن الخطب جلل، والمصاب عظيم، والقلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراق أخينا صفوت لمحزونون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون. أهـ. رحم الله شيخنا. أكان يرثي أخاه أم كان ينعى نفسه لقد كانت الدعوة إلى الله شغله الشاغل. لأنها كما قال خير شغل يقضي العبد فيه عمره، ويمتد من بعده ثوابه، كنا نشفق عليه، ونذكره بقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم "إن لبدنك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا". فيقول رحمه الله لقد تعرضت للموت مرة، فقلت في نفسي لئن أنجاني الله، لأجعلن بقية عمري للدعوة إلى الله. لقد سأل شيخنا ربه أن يختم له بخاتمة السعادة، وذكر من علامات حسن الخاتمة الموت يوم الجمعة، والموت على طاعة، فأعطاه الله ما سأل فمات يوم الجمعة بعد أداء صلاة الجمعة في المسجد الحرام بعد أيام من أداء العمرة فردد بقلبه ولسانه محرمًا "لبيك اللهم لبيك" ولبَّى بلسان حاله داعي الله "لبيك اللهم لبيك" وكان آخر ما قال عند موته "لا إله إلا الله" وما احتاج لمن يلقنه الكلمة التي كثيرًا ما كان يرددها في دروسه وخطبه، فعاش عليها، ومات عليها. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة". لقد كان شيخنا صاحب سنة، ووفقه الله سبحانه فحمل لواء السنة، وجعله رئيسًا لأنصار السنة ومن مات على الإسلام والسنة فقد حاز النعمة العظمى ونجا من العقبة الكبرى، والحي لا تؤمن عليه الفتنة فاللهم نجنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وتوفنا على الإسلام والإيمان والاعتصام بالسنة وارحم عبدك صفوت نور الدين، وأكرم نزله، وأفسح له في قبره.

عدد المشاهدات 9924