الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن الحالة المزرية التي تمر بها الأمة المسلمة من ضعف وتخاذل، وقد تكالبت عليها أمم الأرض وتداعت كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، والأمة على كثرة عددها ومواردها أبعد ما تكون عن القوة والريادة، لا شك أن حالة الغثائية هذه تملأ قلوب بعض المؤمنين باليأس والجزع، فكيف بالمرجفين وأفراخ المنافقين من دعاة التغريب والعلمانية الذين يهللون لما تطرحه القوى العظمى من تصورات وأطروحات لمستقبل العرب والمسلمين.
إنهم يتعرضون لثوابت هذا الدين، يريدون أن يبدلوا ويغيروا، لأن الخطاب الديني أصبح لا يلائمهم ولا يعجبهم، فيشتاطون منه غضبا والأقوى والأعظم يملي عادةً شروطه ويفرض على المقهورين حلوله.
وأرباب البدع من المسلمين قد قويت شوكتهم وأصبح لبعضهم دول وأحزاب تتبنى منهجهم وتدفع عنهم وتروج لبدعهم، وتبث ذلك علنا في المطبوعات والقنوات الإذاعية والتليفزيونية.
وقنوات العرى والفجور تفسح في برامجها مساحة للتدين الملائم لمن يستقبلون هذه القنوات من عوام المسلمين، فيرضون بهذا الواقع المهين، فليس في الإمكان أبدع مما كان.
وقنوات التبشير صارت تهاجم المسلمين في عقائدهم وتسب دينهم ونبيهم وتدعو المسلمين في وقاحة إلى البحث والتأمل في العقائد الخربة والمنحرفة، ومراجعة بعض ما يعرفون من ثوابت عرفوها وعقائد تربوا عليها.
والفئة المؤمنة التي تسعى إلى الاعتصام بالله، وتتعلم علوم الدين وتدعو إليه، وتعض عليه بالنواجذ تتهم بالتطرف والإرهاب وتتحمل ضريبة تصرفات جماعات العنف المنحرفة عن الصواب، ولا تخلو من شقاق وصراع وتنابز بالألقاب.
ومع كل ما نحن فيه من واقع أليم ومهين، فإننا نرجوا من الله نصرًا وتأييدًا وتثبيتا، ولا نرضى باليأس والذل والخنوع، ألا إن نصر الله قريب، وإن وعد الله لآت "ولن تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك".
الله أكبر وإن عمت خطوبٌ
الله أكبر وإن رغمت أنوفُ
الله أكبر ووعد الله آتٍ
وللباغي وللعادي حتوفُ
الله أكبر شعار المؤمنين
الله أكبر دليل الفاتحين
الله أكبر يَردُ الظالمين
اعرف ربك وكبره تكبيرًا
الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء ورب كل شيء ومليكه يدبر [الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون] [السجدة:5].
[الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار] [الرعد:8].
[وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم] [البقرة:255].
[ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير * ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير] [لقمان:29- 30].
عرشه وسع سمواته وأرضه، وحملة عرشه يسبحون بحمده ويؤمنون به ويستغفرون للمؤمنين من عباده [الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم *ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم *وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم] [غافر:7- 9].
أما الكافرون أهل المقت والغضب فينادون يوم القيامة وقد مقتوا أنفسهم، إن مقت الله أشد، وغضب الله أكبر [إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون * قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل * ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير * هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب * فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون * رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب] [غافر:10- 17].
فالله هو الكبير الأكبر، أمرنا بتوحيده في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته وأمرنا أن نكبره تكبيرًا. [ ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ] [الإسراء:111].
[ فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين *وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ] [الجاثية:36-37].
الله أكبر:
لقد أرانا الله آية من عجائب قدرته ودلائل عظمته تلك الزلزلة التي هزت الأرض في أعماق المحيط، وتعدى أثرها إلى بلاد عديدة شاسعة في الهند وسيرلانكا وتايلاند وإندونسيا وغيرها من البلاد، ورأينا كيف خرجت أمواج المحيط الهادر تلتهم القرى السياحية والمنتجعات وتدفن الآلاف تحت أنقاضها، وتشرد الملايين من أبناء هذه البلاد، إنه لنذير يذكرنا بهلاك الأمم الماضية بالطوفان والريح الباردة العاتية، والصيحة الشديدة، إنه لنذير لإيقاظ الغافلين.
إن المؤمن إذا رأى هذه الآيات غير المألوفة يشتد خوفه من غضب الله وبطشه لأنه يعلم أن الله عز وجل عذب بها أقواما من قبل، وما هي من الظالمين ببعيد.
إنه يعلم أن هذه الآيات تصاحب الفتن العظام في آخر الزمان، وتأذن بانقطاع التوبة وإغلاق بابها وقيام الساعة فيرجع إلى ربه بالدعاء والصلاة.
الله أكبر شعار الفاتحين:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان إذا غزا قومًا لم يكن يغزو حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا كفَّ عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم.
قال: فخرجنا إلى خيبر، فانتهينا إليهم ليلا، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب، وركبتُ خلف أبي طلحة، وإن قدمي لتمس قدم النبي صلي الله عليه وسلم .
قال: فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم(1)، فلما رأوا النبي صلي الله عليه وسلم قالوا: محمد والله، محمد والخميس(2)، فلما رآهم رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. [متفق عليه]
فالتكبير شعار المؤمنين الفاتحين في معاركهم وفتوحاتهم، وسيبقى كذلك حتى آخر الزمان، وقد روى مسلم في صحيحه في أحاديث الفتن أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر، وجانب منها في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: لا تقوم الساعة حتى يغُزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولوا الثانية، لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر،ثم يقولوا الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر، فيُفرجُ لهم فيدخلوها. [مسلم ك الفتن ح5199]
لقد كان الصحابة يكبرون عند القتال وعند الفتوح وبعد النصر وعند الموت في سبيل الله، حتى إن أحدهم يُضرب بالحربة فيقول: الله أكبر، فزتُ ورب الكعبة، يستبشر بالموت والشهادة وحسن الخاتمة. [البخاري ك المغازي ح4091]
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث النار. فيقول آدم: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. فعنده يشيبُ الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قالوا: يا رسول الله وأينا ذلك الواحد؟ قال: أبشروا، والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، قال أبو سعيد: فكبرنا. قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فكبرنا. قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة. قال: فكبرنا. فقال: ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود".
فكانوا رضوان الله عليهم يكبرون عند البشارة بخيري الدنيا والآخرة.
ونحن في أيام عشر ذي الحجة أفضل أيام العام، وفي يوم عرفة ويوم الحج الأكبر يوم النحر نذكر الله عز وجل الكبير المتعال ونكبره على ما هدانا ونذبح الأضاحي متقربين إليه سبحانه، مقتدين بخليله إبراهيم عليه السلام وبخليله محمد صلي الله عليه وسلم ذاكرين قول الله تعالى: [ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب *لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق *ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين *الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون *والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون *لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين *إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور *أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير] [الحج:32- 39].
لقد أصبح التكبير شعارًا للمؤمنين في صلواتهم وأذانهم وجنائزهم وأعيادهم ومعاركهم وفتوحاتهم وفرحهم وسرورهم، وإذا علوا على مكان مرتفع ذكروا الله وكبروا، ويتجلى ذلك في هذه الأيام.
كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما.
وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا.
وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد.
وكانوا يكبرون ويلبون في طريق الحق من منى إلى عرفة، قال أنس: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فكان يلبي الملبي ويهل المهل فلا يُنكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه.
وكان صلي الله عليه وسلم إذا رمى الجمرات يكبر مع كل حصاة وكان يكبر في صلاة العيد في الركعة الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الركعة الثانية خمسًا قبل القراءة وكانوا يكبرون في طريق العيد ومصلى العيد حتى يروا الإمام فيصلي بهم صلاة العيد.
فهل نحيي سنة التكبير؟، وهل نعقل معنى التكبير؟ وهل نلجأ إلى الكبير المتعال الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر.
الله أكبر ولله الحمد.