أخرج البخاري في ( صحيحه ) عن حكيم بن حزام ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال : حتى يتفرقا - فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) .
وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن المتبايعين كل واحد منهما بالخيار في بيعهما على صاحبه ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارًا )
وفي رواية : ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا ، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك ، فقد وجب البيع ، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع ) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد: نكمل حديثنا عن أحكام البيع، فنقول وبالله تعالى التوفيق:
الملامسة : بيع ثوب يلمسه دون نشره ، وتبيين ما فيه نوعًا ومقدارًا ، أو بيع غير الثوب دون تفقد وتعرف على العيوب والميزات والأصناف إذا كان مما يحتاج فيه لذلك .
المنابذة : نبذ الرجل بثوبه لرجل ، ويكون ذلك بيعًا من غير نظر ، وفيها الجهالة المفضية للخصام والشجار ، فلابد من العلم بالسلعة والرضا .
بيع الحصاة : وهو أن يرمي بحصاة فما وقعت عليه تم عليه العقد ، ويحرم للجهالة ، ولها صور معاصرة تقام في بعض الأسواق والموالد الشركية المبتدعة ، وكله بيع حرام .
الثنايا : أن يقول : بعتك هذه الشجرة إلا بعضها ، أو قطيع الغنم إلا عشرة غير معينة ، واستثناء المعلوم من المجهول يصير الباقي مجهولاً والعكس .
حبل الحبلة : أن تنتج الناقة ما في بطنها ، ثم تحمل التي نتجت ، وهو أن يبيع بثمن إلى أن تلد ولد الناقة أو إلى أن تحمل ولد الناقة ، أو هو بيع ولد نتاج الدابة ، وهو إما بيع معدوم ، وإما بيع إلى ذلك الأجل المجهول ، وكل ذلك لا يجوز للغرر والجهالة .
بيع الغرر : كبيع الجنين في بطن أمه ، أو السمك في الماء ، أو المعجوز عن تسلمية ، كالجمل الشارد ، أو مجهول الجنس ، أو المقدار ، ويستثنى من بيع الغرر أشياء إما لتفاهتها ، أو لعدم تميزها عن المبيع :
أ - ما يدخل في المبيع تبعًا ، فلو أفرد لم يصح بيعه ، مثل أساس الدار والدابة في ضرعها اللبن ، أو في بطنها الحمل ، فكل ذلك يشق فصله ويحتاج إليه ما أصل المبيع .
ب - ما يتسامح بمثله لحقارته أو مشقة التمييز ، مثل الجبة المحشوة لا يتميز عنها حشوها إلا بإتلافها .
بيع السلعة قبل قبضها : لحديث : ( من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه ) .
ولحديث : ( نهي عن بيع الشيء قبل قبضه ) .
بيع ما ليس عنده : لحديث حكيم بن حزام ؛ قلت : يا رسول الله ، الرجل يسألني البيع وليس عندي ، أفأبيعه ؟ قال : ( لا تبع ما ليس عندك ) .
لاحظ أن الفرق بين السلم وبيع ما ليس عندك أن السلم سلعة موصوفة النوع والمقدار يمكن للبائع الحصول عليها عند حلول الأجل وتسليمها للمشتري في الأجل ، أما بيع ما ليس عندك بيع لسلعة مملوكة لغيرك ولم تفوض في بيعها أو بيع الشيء قبل قبضه وبيع العبد الآبق .
بيع المسلم على المسلم : لحديث : ( لا يبع بعضكم على بيع بعض) . وصورته أن يشتري رجل سلعة بعشرة دراهم ، فيقول له : ردها وأنا أبيعك إياها بتسعة ، أو خير منها بالعشرة ، أو أن يرى بائعًا باع سلعة بعشرة ، فيقول له : افسخ البيع ، وأنا أشتريها منك بإحدى عشر ، ومثلها السوم على سوم أخيه المسلم ، وهو يورث العداء والبغضاء والمشاحنات .
بيعتان في بيعة : مثل أن يتم الإيجاب والقبول في سلعة على سعرين لا يحدد واحد منهما يقول: بعتك إياها بعشرة حالة ، أو بخمسة عشر إلى أجل ، ويمضي البيع دون تحديد أحد السعرين، ومنها أن يقول : بعتك هذه الدار بكذا ، على أن تبعيني هذه السيارة بكذا ، ومنها أن يقول : بعتك هذه ( الشاة أو هذا الثوب ) بدينار ، ويمضي البيع دون تحديد أحدهما .
بيع الدين بالدين : لحديث : ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الكالئ بالكالئ) . ومثاله أن يكون لأحدهما شاة عند آخر يتفقا على أن يتسلمها بعد عام فيبيعها من آخر بدينار يسلمه له بعد ستة أشهر .
بيع العينة : وهي حيلة ربوية ، وصورته : أن يشتري منه سيارة إلى أجل بعشرة آلاف ، ثم يبيعها إليه حالاً بتسعة آلاف ، فكأنه أخذ التسعة آلاف ليردها عشرة ، ووسط السلعة توسيطًا صوريًّا أو يوسط رجل آخر مع السلعة ، لكن إن وقع البيع الثاني بعد البيع الأول بمدة بغير شرط ولا عادة ولا نية جاز ذلك ، ولا يخفى أن الورع ألا يبيعه من نفس من اشتراها منه بعدًا عن شبهة الربا .
ومن صور بيع العينة : أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة ، ونص أحمد على كرهه ذلك ، فقال : العينة أن يكون عنده المتاع لا يبيعه إلا بنسيئة ، فإن باع بنقد ونسيئه فلا بأس .
وقال أيضًا : أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة ، فلا يبيع بنقد ، وعلله شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه يدخل في بيع المضطر ، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه ، فإن كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه من أصل الضرورة والحاجة ، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرًا من التجار .
التورق : شراء سلعة بسعر أجل ، ثم بيعها لغير الذي اشتراها منه بسعر عاجل بقصد الحصول على المال ( النقد ) لحاجته لذلك في تجارة أو زواج أو نفقة على عياله أو سداد دين أو غير ذلك ، وقد اختلف أهل العلم في هذا النوع ، فأحله جمهور العلماء ، إلا أن جملة من العلماء قالوا بحرمته ، واليوم يكون فساد الأسواق بسبب هذا النوع من البيع ، حتى أنهم يسمونه ( حرقًا للسوق ) ، وإن كان هذا أهون حالاً من العينة ، والفارق بينه وبين العينة أن رجوع السلعة في العينة ترجع لنفس البائع ، وهذا الأمر إذا حدث التواطؤ عليه ؛ فالعلماء على تحريم هذه المعاملة ، والتورق صورة من المعاملات تحدث الكثير من المنازعات وتسبب الكثير من القضايا والخصومات ، وواقع الأسواق يدل على أنها مفسدة للتجارات وبوار للسلع ، ودفع لكثير من المحتاجين ليتوسعوا في الديون بغير نظر للوقت ولا الكيفية التي يسددون بها هذه الديون ، وهي تفتح الباب لأهل الخداع والمكر والعبث والتلاعب بالأموال للإكثار منها ، ثم يعلنون الإفلاس ويضربون الأسواق ويأكلون أموال الناس بالباطل. والله أعلم.
بيع حاضر لباد : لحديث : ( لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض ) . وصورته : أن يأتي الرجل من البادية بسلعة يبيعها بسعر يومها ، والناس في حاجة إليها ، فيقول له حضري : اترك السلعة عندي وأنا أبيعها لك بعد أيام بسعر أكبر من ذلك ، ولكن لا بأس أن ينصح له ، ويدع الناس في أسواقهم ييسر الله عليهم أسعارهم .
التأمين التجاري، وبديله التأمين التعاوني:
من بيوع الغرر التأمين التجاري ، وهو عقد يلزم فيه أحد الطرفين - وهو المؤمَّن - أن يؤدي للطرف الآخر - وهو المؤمَّن عليه - عوضًا ماديًّا يتفق عليه ، يدفع عند وقوع الخطر ، وتحقق الخسارة المبينة في العقد ، وذلك نظير رسم يسمى ( قسط التأمين ) يدفعه له المؤمن حسب ما ينص عليه عقد التأمين ، وفيه الغرر الفاحش والجهالة والميسر وأكل أموال الناس بالباطل .
أما التأمين التعاوني فهو عقد من عقود التبرعات يقصد به التعاون على تفتيت الأخطار في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث ، وذلك بإسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه ضرر ، ويمكن الاكتفاء به عن التأمين التجاري .
الإقالة : فسخ البيع وتركه ورد الثمن إلى صاحبه والسلعة إلى بائعها إذا ندم أحد المتبايعين وهي مستحبة إذا طلب أحدهما ؛ لحديث : ( من أقال مسلمًا بيعته أقال الله عثرته ) .
فإن هلك بعض السلعة جازت الإقالة في بقيتها ، ولا يجوز في الإقالة أن ينقص من الثمن أو يزيد فيه إلا أن يكون بيعًا جديدًا بأحكامه وشروطه .
بيع الجزاف : هو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جملة بلا كيل ولا وزن ولا عدد ، وهو بيع صحيح رُخص فيه لحاجة الناس إليه ، خاصة وأن هل الخبرة في الأسواق يمكنهم تقدير السلع بما يقرب جدًّا من وزنها وكيلها .
بيع الاستجرار : هو أخذ الحوائج مما يحتاج إليه عادة ويقع عليه الاستهلاك كالخبز والملح والزيت والقمح ونحوها من البائع شيئًا فشيئًا مع جهالة الثمن حال الأخذ ، ودفع ثمنها بعد ذلك، وقد جوزه كثير من أهل العلم ، ودافع عنه ابن القيم في ( إعلام الموقعين ) . وحاجة الناس إليه كثيرة وماسة .
بيع العربون : جاء في قرار المجمع الفقهي في المحرم 1414 هـ ما يلي :
1- المراد ببيع العربون ؛ بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغًا من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن ، وإن تركها فالمبلغ للبائع ويجري مجرى البيع ، الإجارة؛ لأنها بيع المنافع ، ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحة قبض أحد البدلين في مجلس العقد ( السلم ) أو قبض البدلين مبادلة الأموال الربوية والصرف ، ولا يجري في المرابحة للأمر بالشراء في مرحلة المواعدة ، ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة .
2- يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود ، ويحتسب العربون جزء من الثمن إذا تم الشراء ، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء .
تلقي الركبان : قبل دخول السوق ومعرفته لثمن سلعته فإن باع ثم بلغ السوق ، فهو بالخيار في بيعه .
النجش : وهو أن يزيد في ثمن السلعة من لا يريد شراءها ، بل لنفع البائع أو الإضرار بالمشتري أو العبث ، وهو صورة موجودة في الأسواق من قديم ، وقد حرمها الإسلام رحمة بالناس ، وقد عد المجمع الفقهي من صور النجش :
أ - الصورة المذكورة .
ب - أن يتظاهر من لا يريد الشراء بإعجابه بالسلعة وخبرته بها ويمدحها ليغر المشتري فيدفع ثمنها .
جـ - أن يدعي صاحب السلعة أو الوكيل أو السمسار ادعاءً كاذبًا أنه دُفع فيها ثمن معين ليدلس على المشتري .
د- من الصورة الحديثة للنجش المحظورة شرعًا اعتماد الوسائل السمعية والمرئية والمقروءة التي تذكر أوصافًا رفيعة لا تمثل الحقيقة، أو ترفع الثمن لتغرى المشتري وتحمله على التعاقد.
بيع المصراة ( المحفّلة) : وهي التي حبس اللبن في ضرعها ليوهم المشتري بكثرة لبنها ، فالمشتري بالخيار أن يردها ويرد صاعًا من تمر معها قطعًا للنزاع مهما كان مقدار اللبن الذي حلبه منها ، ومدته ثلاثة أيام .
بيع التلجئة : وهو أن يكون أحد طرفي البيع أو كلاهما واقع تحت إكراه ملجئ لعقد البيع ، فإن البيع يبطل إذا أقرا بالتلجئة أو ظهرت بينة تفيد التلجئة ، وإن اختلفا جاز البيع من يمين المنكر .
بيع الوفاء : وصورته أن يقول : بعتك كذا بألف ، فإن رددت الألف رددت عليك المبيع ، وهي صورة من البيع لا تجوز .
بيع المرهون : إذا رهن عينًا بدين حال أو مؤجل وحل الأجل امتنع المدين عن أداء الدين أجبره الحاكم على بيع المرهون أو باع عليه نيابة عنه ؛ لأنه حق واجب عليه ، فإذا امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه كالإيفاء في جنس الدين .
ويحرم الربا بنوعيه النسيئة والفضل :
ربا النسيئة هو ما كانت الزيادة بسبب الأجل ، وربا الفضل ما كانت الزيادة بسبب الجودة ، وهو محصور في الذهب والفضة والقمح والشعير والملح .
قال في ( بداية المجتهد ) : وأصول الربا خمسة :
1- أنظرني أزدك .
2- التفاضل .
3- الَّنساء ؛ أي الأجل .
4- ضع وتعجل .
5- بيع الطعام قبل قبضه .
من البيوع المحرمة بيع الخمر وكل ما أسكر من شراب سائل أو جامد ، سواء كان مدخله الفم أو الأنف أو غيره ، يدخل في ذلك ما يتعاطى بالشم أو الحقن .
ويحرم بيع الميتة ، واستثنى جهمور العلماء الشعر والوبر والصوف والريش ، أما الجلد ففيه خلاف مشهور ، ويحرم بيع الخنزير والأصنام والكلب ، واختلف في كلب الصيد ، ويحرم بيع الصور التي تفسد الأخلاق للتبرج وغيره ، أو التي تتعلق بها القلوب تعظيمًا ، وتحرم كل حيلة لاستحلال الحرام ولو تغيرت أسماؤها ، والوسيلة إلى الحرام حرام .
استعمال النجاسة : يجوز استعمال دهن الميتة في طلي السفن والتداوي بدهنها في البدن في غير وقت الصلاة ، وقد قاسها شيخ الإسلام على الاستنجاء .
وقال ابن القيم : ينبغي أن يعلم أن باب الانتفاع أوسع من باب البيع ، فليس كل ما حرم بيعه حرم الانتفاع به ، إذ لا تلازم بينهما ، فلا يقاس تحريم الانتفاع على تحريم البيع .
ومن صور البيوع المحرمة: من لم يجد عند تاجر بغيته التي يريدها ، يقول له التاجر: اذهب إلى السوق واختر ما يناسبك فإن أعجبك شيئًا دفعنا عنك الثمن عاجلاً ، ثم أخذنا منك الثمن مؤجلاً أو على أقساط - أي مع حساب الربح - فهذه صورة من البيوع المحرمة ؛ لأنها حيلة ربوية فليس فيها البيع والربح فيه ، إنما فيها أنه تولى عنه دفع ثمن عاجل واسترده منه بزيادة ، والله أعلم .
تغير قيمة العملة :
قرار المجمع الفقهي بالكويت في جمادى الأولى 1409 هـ
العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًّا كان مصدرها بمستوى الأسعار ، والله أعلم .
الحقوق المعنوية :
من قرار المجمع الفقهي بالكويت في جمادي الأولى 1409 هـ
أولاً: الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية، ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقًّا ماليًّا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها ولا يجوز الاعتداء عليها. والله أعلم .
الخيار في البيع : حديث ( البَّيعان بالخيار ) أي لهما الاختيار وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه ، وقد شرع الخيار في البيع في مواضع عدة :
1- خيار المجلس : وهو الخيار قبل أن يتفرقا ، فلكل من البائع والمشتري الخيار في إمضاء البيع أو فسخه ماداما في المجلس ، وينتفي الخيار إذا قال له في مجلس العقد : اختر فاختار إمضاء البيع فينقطع الخيار قبل التفرق .
والمقصود الفرقة بالأبدان ؛ أي من مجلس العقد ، وذلك بانصراف أحدهما .
قال الترمذي : وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقالوا الفرقة بالأبدان لا بالكلام ، وقد قال بعض أهل العلم معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما لم يتفرقا ) ؛ يعني الفرقة بالكلام بأن ينتقلا للحديث في موضوع آخر ، والقول بالكلام بأن ينتقلا للحديث في موضع آخر ، والقول الأول أصح ؛ لأن ابن عمر ، رضي الله عنه ، هو الذي روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، وكان إذا أعجبه شيء ، اشتراه مشى خطوات ؛ أي لإمضاء البيع ، فهو أعلم بما روى .
قال في ( تحفة الأحوذي) : هذا القول هو الظاهر الراجح المعول عليه ، ثم قال : إلا بيع الخيار ، هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق ، بل والمراد أنهما إذا اختار إمضاء البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حينئذ وبطل اعتبار التفرق ، فالتقدير إلا البيع الذي جرى فيه التخاير.
2- خيار الشرط : وهو إذا اشترطا مدة معينة للخيار ، كان البيع نافدًا إذا مضت المدة ولم يرجع أحدهما في البيع ، وفي أثناء هذه المدة يجوز لأحدهما الرجوع في البيع ويجوز أن يكون هذا الشرط لأحدهما أو لكل واحد منهما ، ولا يجوز أن يكون الخيار مستمرًا ، فهو شرط باطل .
ويشرح الدكتور / علي السالوس خيار الشرط بقول : إن البائع عندما يبيع السلعة يسلم ويتسلم المشتري ، وقد يشترط المشتري الخيار مدة يوم أو يومين أو ثلاثة مثلاً ، بحيث إنه في هذه المدة يشاور ، قد يكون اشتراه لغيره فيسأل غيره ، وقد يكون على غير دراية بالسوق ، فيقول: هنا لي خيار (كذا) حتى يعلم هل السعر مناسب أم لا والبائع كذلك قد يجعل الخيار لنفسه ، وخيار الشرط يعني أن المدة إذا انقضت ولم ينفسخ البيع فإن البيع تام كما هو لا زيادة ولا نقصان ولا تعويض ، إذا جاء المشتري في مدة الخيار وفسخ البيع أخذ البائع سلعته وأخذ المشتري الثمن ، وإذا جاء البائع كان له حق الخيار - خيار الشرط - وأراد أن يسترد سلعة أخذها ورد الثمن .
3- خيار الغبن : إذا غبن أحد الطرفين غبنًا فاحشًا فله الخيار ، فإن كان ضعيف العقل فله أن يشترط عدم الخداع ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي كان يغبن في البيع لضعف عقله : ( من بايعت فقل لا خلابة ) ؛ أي لا خديعة ، فإنه متى ظهر أنه غبن رجع على من غبنه برد الزائد أو فسخ البيع .
4-خيار العيب : إذا دلس البائع في المبيع بأن أظهر الحسن وأبطن الفساد أو جمع اللبن في الضرع ، فإن للمشتري الخيار ؛ لحديث : ( لا تصروا الإبل ولا الغنم ، فمن ابتاعها فهو بخير النظيرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك ، وإن شاء ردها وصاعًا من تمر ) .
ولا يحل لمسلم أن يبيع سلعة معيبة حتى يبين العيب الذي فيها ؛ لحديث عقبة بن عامر عند أحمد وابن ماجه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( المسلم أخو المسلم ، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بينه له ) .
ولحديث أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها ، فنالت أصابعه بللاً ، فقال : ( ما هذا يا صاحب الطعام ؟ ) .
قال : أصابته السماء يا رسول الله ، قال : ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غشَ فليس مني ) .
5-إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو وصف السلعة حلف كل منهما للآخر ثم لهما الخيار في إمضاء البيع أو فسخه ؛ لحديث : ( إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا ) .
البيع بالتقسيط :
قرار المجمع الفقهي بجدة في شعبان 1410هـ
بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص ( البيع بالتقسيط ) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ، قرر :
1- تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال ، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل ، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعًا .
2- لا يجوز شرعًا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالي، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة، أم ربطها بالفائدة السائدة.
3- إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربًا محرم.
4- يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخير عن الأداء.
5- يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخير المدين عن أداء بعضها مادام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
6- لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة .
القبض وصوره المستجدة :
وهو من قرارات المجمع الفقهي :
أولاً : قبض الأموال كما يكون حسيًّا في حالة الأخذ باليد أو الكيل أو الوزن في الطعام ، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض ، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًّا ، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيها يكون قبضًا لها .
ثانيًا : إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا :
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية :
أ - إذا أودع في حساب العميل مبلغًا من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية .
ب - إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .
جـ - إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغًا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى في المصرف نفسه أو غيره لصالح العميل أو لمستفيد آخر ، وعلى المصارف مراعاة قواعد الصرف في الشريعة الإسلامية .
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسليم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل ، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المفتقرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسليم الفعلي .
2- تسليم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه للصرف .
ومن قرارات المجمع الفقهي ؛ ما جاء بشأن استخدام الوسائل الحديثة لإبرام العقود :
1- إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة ( الرسول ) ، وينطبق ذلك على البرق والتكلس والفاكس وشاشات الكمبيوتر ، ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه قبوله .
2- إذا تم التعاقد بين طرفين من وقت واحد وهما في مكانين متباعدين وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي ، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء .
3- إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
وللحديث بقية إن شاء الله .