الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبى بعده .. وبعد .
فقد تبين لنا فى العدد السابق ركائز العقيدة الصحيحة ، وهى عقيدتنا الموافقة والمطابقة لعقيدة أهل السنة والجماعة .
وانتهى اللقاء مع القراء على وعد ببيان منهجنا فى الدعوة إلى الله .
ومن المعلوم الذى لا يخفى ، والحق الذى لا يبلى ، أن الدعوة إلى الله من أعظم واجبات الشريعة المطهرة ، وأصل عظيم من أصولها ، بها يكمل نظام الشريعة ويرتفع شأنها ، وهى وظيفة المرسلين وأتباعهم .
ولذلك فإنه ينبغى على كل داع إلى الله ، ومن يريد أن يلحق بركب الدعاة أن يقف على أصول الدعوة وخصائصها حتى يعلم كيف يدعو الناس ويبين لهم أمور دينهم ومقاصد شريعته.
وقد بين الحق - سبحانه وتعالى - لنا فى القرآن الكريم أسباب النجاة لمن أرادها .
* أسباب النجاة :
وهى أربعة جاءت فى سورة العصر ؛ قال تعالى : " وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " فالنجاة فى هذه الأربعة ! والخسران المبين فى تركها .
الإيمان
العمل الصالح
التواصى بالحق
التواصى بالصبر
فالإيمان أصل النجاة وعليه مدارها ، والعمل الصالح سمة عباد الله المتقين .
والتواصى بالحق والصبر صفة هذه الأمة التى تميزت بها عن الأمم الأخرى الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه !! لبئس ما كانوا يفعلون .
* خصائص منهج الدعوة :
وأما منهجنا فى الدعوة إلى الله فقد اجتمع له من الخصائص ما يجعله منهجاً سوياً كاملاً مقبولاً عند العامة والخاصة .. وهذا بيانه :
* العلم قبل العمل :
وذلك أن العمل الصالح ينبغى أن يكون مسبوقاً بعلم صحيح مستمد من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، فلا عمل إلا بعلم .. وهذه هى البصيرة التى ذكرها الله عز وجل فى قوله : " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) " .
فالعقيدة الصحيحة مسبوقة بعلم صحيح كما فى قوله " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وكذلك كل عبادة من العبادات وطاعة من الطاعات ومعاملة من المعاملات ينبغى أن تكون مسبوقة بمعرفة أحكامها المتعلقة بها قبل الإقدام عليها والشروع فيها .
ولذلك كانت كلمة " اقرأ " هى أول كلمات القرآن نزولاً ! وأول أوامره كذلك .
* الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة :
وهذا يقتضى أن يكون منهجنا قائماً على القول اللين والحجة الواضحة .
وينبغى على كل داع إلى الله أيا كانت منزلته وعقله وعلمه أن يعلم أنه ليس بأفضل من موسى وهارون عليهما السلام . ومن تدعوه ليس بأخبث ولا أشد عناداً من فرعون لعنه الله . ومع هذا فقد أمرهما الله بالقول اللين فى دعوة فرعون كما هو معلوم لا يخفى .
وقد مدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ " .
فالداعى يحتاج دائماً إلى حسن المعاملة وخفض الجناح وإلانة القول مع من يدعوهم حتى تجتمع القلوب عليه ، وتسكن النفوس إليه .
* اتباع منهج الرسل صلوات الله عليهم فى الدعوة إلى الله .
وهو يشتمل على أمرين . أو إن شئت فقل : ينقسم إلى مرحلتين :
1. الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك :
وهذا الذى دعا إليه جميع الرسل ، فإن كل رسول دعا قومه إلى الإسلام وحذرهم من الشرك . كما فى قوله تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " .
2. معالجة الأمراض الاجتماعية المتفشية فى أقوامهم :
فنرى نوحاً وهوداً وصالحاً وإبراهيم يهتمون كثيراً بالتوحيد والقضاء على الشرك بشتى الوسائل لأن الوثنية كانت متسلطة على عقول أقوامهم ونرى لوطاً عليه السلام جعل همه فى القضاء على فاحشة اللواط لا فتتان القوم بها وفشوها عندهم حتى ألفها الناس ، وأصبح التنزه منها معدوماً بينهم . ونرى شعيباً عليه السلام بعد دعوة قومه إلى التوحيد ينهاهم عن نقص الكيل والوزن ، ويأمرهم بإيفائها لانتشار الغش بينهم . وهكذا بقية الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
* عدم التشهير بآحاد الناس بصفة عامة إلا أن يكون فاسقاً مجاهراً بفسقه مصراً على ذنبه . ولا التشهير بأحد من العلماء بصفة خاصة لزلة قارفها أو خطأ وقع فيه . ولا يمنعنا ذلك من إسداء النصيحة وإقامة الحجة بشرط ألا نخلط بين النصيحة والفضيحة . ولا بين إظهار الحق والانتصار للنفس !!
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو قدوتنا - إذا بلغه عن أحد من أصحابه شيئاً يقول : " ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ؟ وما بال رجال يفعلون كذا " .
* تقديم فهم سلف الأمة على فهمنا وعلمهم على علمنا .
فإن الله سبحانه وتعالى قد أثنى على أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فى القرآن وعلى التابعين لهم بإحسان .
وهذا الثناء يشمل الثناء على علمهم وفهمهم وعملهم . فمن اتبعهم فى العلم والفهم والعمل كان متبعاً لسبيل المؤمنين الذى أمرنا الله باتباعه والاستقامة عليه .
هذه هى الخطوط العريضة لمنهجنا المستمد من الكتاب والسنة [ علم ودعوةٌ واتباعٌ واسداءث نصيحةٍ وتقديم نقلٍ ] .
اسأل الله أن يسحن عاقبتنا وخاتمتنا ، وأن يلهمنا رشدنا . إنه ولى ذلك والقادر عليه .
وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه .