إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
الاعتصام بالله هو اللجوء إليه والاحتماء به والامتناع به والتوكل عليه، وهو سبيل المؤمنين ومنهاج حياتهم، وثمرة الاعتصام بالله أن يدافع الله عن عباده المؤمنين: [ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ] [الحج]، وأن ينصرهم على عدوهم: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وقد أمر الله عباده المؤمنين بالاعتصام به سبحانه في مواضع عديدة من كتابه الكريم، فقال سبحانه:[ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير] [الحج].
فأمر الله سبحانه عباده المؤمنين بعبادته وحده لا شريك له وبالجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وألسنتهم، والاعتصام به سبحانه فهو ناصرهم والمدافع عنهم.
فيا خير أمة أخرجت للناس اعبدوا الله ما لكم من إله غيره واركعوا واسجدوا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وافعلوا الخير الذي يأمركم به سبحانه لتكونوا من المفلحين الفائزين وجاهدوا في الله حق جهاده بالقيام التام بأمر الله سبحانه، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل وسيلة من دعوة ونصح وتعليم ووعظ وزجر وقتال للمعاندين الذين يصدون عن سبيل الله، واعلموا أنكم خير أمة أخرجت للناس بتفضيل الله إياكم، فهو سبحانه اجتباكم واختاركم من بين العالمين وخصكم بخير كتاب أنزل وبخير رسول أرسل، وما جعل عليكم في الدين من حرج، ولكن بعث محمدًا خاتم النبيين بالحنيفية السمحة، ورفع عنكم الآصار والأغلال التي كانت على الأمم قبلكم، وجعلكم شهداء على الأمم وعلى جميع الناس: [ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ] [البقرة].
فقوموا بواجبكم في عبادة الله عز وجل والدعوة إلى سبيله وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم واعتصموا بالله واستعينوا به وتأيدوا به هو مولاكم وحافظكم وناصركم وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير.
وقال سبحانه: [ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ] [النساء: 174- 175].
فبالإيمان بالله والاعتصام به يدخل المؤمنون في رحمة الله تعالى وفضله وهدايته إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم.
والمنافقون أبعد الناس عن منهج الإيمان وإن زعموا أنهم من المؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم، فهم في الدرك الأسفل من النار، إلا إذا تابوا من النفاق، واخلصوا دينهم لله، واعتصموا بالله، فإنهم يكونون مع المؤمنين في الدنيا والآخرة بإيمانهم وإخلاصهم واعتصامهم بالله:[ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ] [النساء: 145، 146].
ولقد نعى الله سبحانه على المؤمنين المفرطين المتبعين سنن أهل الكتاب والسائرين على طريقتهم، وحذر أمة الإيمان من سلوك هذا السبيل، فكيف تكون طاعتهم للمخالفين من أهل الكتاب، وقد كفاهم الله بكتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفيها الهداية لمن اعتصم بها، فقال سبحانه: [ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين (100) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.] [آل عمران: 100 ، 101 ]
كيف نحقق الاعتصام بالله؟
ينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: إذا كان الاعتصام بالله هو سبيل الهداية والنجاة في الدنيا والآخرة، فكيف نحقق هذا الاعتصام؟
نقول: الاعتصام بالله يكون بالترقي عن شهود غير الله في نفعه وخيره، وتأثيره وعطائه ومنعه، فالملك كله لله، هو مالك الملك، مدبر الأمر، وما يفعله العباد إنما هو بتقدير الله عز وجل ليبلو ويختبر، فيضل من يشاء ويهدي من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع فضله عمن يشاء، وهذا يكون بمعرفة الله عز وجل بربوبيته وألوهيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، ولا يحقق العبد هذا إلا إذا اعتصم بخبر الله عز وجل- أي بالوحي- قرآنًا وسنة استسلامًا، بتعظيم الأمر والنهي وأحكام الشرع لأن ذلك من تعظيم الآمر الناهي سبحانه وتعالى، وبالتصديق بالوعد والوعيد بالرغبة والرهبة والرجاء والخوف، بالطمع في الجنة والخوف من النار، وتحقيق الخشية من الله التي هي من سيما العلماء العاملين: إنما يخشى الله من عباده العلماء، وبتأسيس المعاملة مع الله عز وجل على اليقين والإنصاف أما تأسيس المعاملة مع الله عز وجل على اليقين الذي لا شك معه ولا تردد وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة" رواه مسلم.
وقال ابن مسعود في اليقين الإيمان كله. علقه البخاري ووصله الطبراني بسند صحيح وإخرج أحمد عن ابن مسعود "اللهم زدنا إيمانا ويقينًا وفقها".
فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح للقاء الله عز وجل بالأعمال الصالحة قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي، لطار اشتياقًا إلى الجنة وهربًا من النار.
أما الإنصاف في معاملة الله عز وجل فيكون بأن تعطي العبودية حقها وأن لا تنازع ربك في صفات إلهيته من العظمة والكبرياء والجبروت بل تعلم أنك عبد فتذل لربك وخالقك ومولاك، وأن تعرف نعم الله عليك فتشكره، ولا تشكر سواه على نعمه وتنساه، كحال الذين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، وأن لا تحمد على رزقه غيره، وأن لا تستعين بنعمه على معاصيه.
وأما الإنصاف مع عباد الله فأن تعاملهم بمثل ما تحب أن يعاملوك به وأن تنصفهم من نفسك بسلوك مسلك العدل فيهم، فيسلم المسلمون من لسانك ويدك، ويأمنوك على أموالهم وأنفسهم والمعصوم من عصمة الله تعالى.
الاعتصام بحبل الله
قال تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] [آل عمران: 103 - 105]. والاعتصام بحبل الله أي بدينه وكتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين من بعده، الاعتصام بالجماعة ونبذ الفرقة وكما يقول العلماء أن تحافظ على طاعة الله عز وجل مراقبًا لأمره فتقوم بالطاعة لأجل أن الله يأمر بها ويحبها لا لمجرد التقليد أو الاعتياد، فتعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وتترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
فما أحوج الأمة في زمن الغثاء أن تراجع دينها وأن تعتصم بربها وبدين ربها، وأن تنبذ تترك أسباب الفرقة والضلال.
"اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيا معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر" مسلم.
فاللهم يا أملي في كل نائبةٍ
ومن عليه لكشف الضر أعتمدُ
أشكو إليك أمورًا أنت تعلمها
مالي إلى حملها صبر ولا جَلَدُ
أشكو إليك هوانًا عَمَّ أمتنا
وعسكر الكفر من أرجائها احتشدوا
يبغون قلع جذور الدين من غدنا
والمسلمون بقاع الأرض قد رقدوا
قد ضيعوا الدين الذي به عزوا
قد فرطوا في قول الله "وأعدوا"
وقد مددت يدي بالذل مبتهلاً
إليك يا خير من مدت إليه يد
فلا تردنها يارب خائبة
فبحر جودك يروي كل من يرد