الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
في ظل الهجمة الشرسة على ثوابت الدين، تطل علينا من أمريكا الفتن والمؤامرات، وما أكثر ما يصيب الإسلام من أهله ببدعة جديدة، وهي إمامة المرأة لجموع المسلمين، لذا فقد دار هذا الحوار:
قال لي محاورًا: هل سمعت الخبر الذي تناولته وكالات الأنباء؟
قلت: أي خبر؟
قال: امرأة أمريكية مسلمة تؤم المسلمين في صلاة الجمعة.
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: لماذا تسترجع؟ وهل هناك مخالفة شرعية في ذلك أم أن المخالفة لأعرافنا وعاداتنا في بلاد حطت من شأن المرأة وظلمتها على مدى قرون عديدة؟
قلت: أنا أسترجع ولا أستغرب أن يحدث هذا وأكثر منه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عما يحدث في هذه الأمة من تفريط في الدين ومتابعة لهدي غير المسلمين، فقال: «لا تترك هذه الأمة شيئًا من سنن الأولين حتى تأتيه». وقال: «لتركبن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه ولو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه. قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن».
وقد أصبح المسلمون يقلدون الغرب في كل شيء ويزعمون أن تقدم هذه البلاد في متابعة هؤلاء الغربيين ونقل حضارتهم وثقافتهم وياليتهم نقلوا لنا تقدمهم التقني والعلمي، بل نقلوا لنا من عاداتهم وأخلاقهم الفاسدة وانحرافاتهم الكثيرة، وأنا لا أستبعد أن يصل هؤلاء في تقليدهم للغرب وأهله أن يخرج علينا من يبيح الزواج المثلي، أي زواج الرجل بالرجل وزواج المرأة بالمرأة وإباحة اتخاذ المرأة صديقًا تعاشره معاشرة الأزواج، فهذه هي الحرية عندهم وهذه هي أمريكا كعبة الحرية وقبلة الديمقراطية.
قال: دعك من هذا وقل لي: هل هناك ما يمنع المرأة من الإمامة وما الدليل؟
قلت: أجمعت الأمة على ذلك فلا يجوز للمرأة أن تؤم الرجل ولا نعرف في تاريخ المسلمين حالة واحدة لامرأة تؤم المصلين حتى خرجت علينا هذه الأمريكية بهذه البدعة.
قال: لم تأت بدليل من الكتاب والسنة وتدعي الإجماع على ذلك، وقد قال الإمام أحمد: «من ادعى فقد كذب»، وما يدريك لعل الناس اختلفوا؟ وإنما هي العادات والأعراف البالية التي حرمت المرأة من حقوقها عبر العصور، ولكن أين أدلة الكتاب والسنة على ما تقول؟
قلت: الإجماع دليل قطعي ولا يستطيع أحد أن يأتي بسابقة تخرق هذا الإجماع، ومع هذا سأذكر لك الأدلة من الكتاب والسنة وهي عام وخاص. قال تعالى: [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ].
قال: هذه في الأسرة وليست في الصلاة.
قلت: نعم وفيها إشارة إلى أن النساء لا يتقدمن على الرجال، لقد جعل الله تعالى أحكامًا عامة للتكليف يشترك فيها كل المكلفين رجالاً ونساءً، وهذه عامة أحكام العقائد والتكاليف الشرعية وخص بعض المكلفين بأحكام خاصة، فالقوامة للرجال على النساء وترك الصلاة والصيام حال الحيض والنفاس من خصوصيات النساء وعدم وجوب الجهاد على النساء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جهادكن الحج».
قال: أريد نصًا في الإمامة في الصلاة.
قلت: لن تفهم النص ودلالته ما لم تفهم هذه المسائل ومع هذا فسوف أعطيك ما تريد، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
قال: هذه واقعة عين، لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرس ولو- أَمَّروا- عليهم ابنة كسرى أخبر أنهم لن يفلحوا وهذا خاص بالفرس.
قلت: ولكن الخبر خرج مخرج العموم والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قال: ولكن هذا الخبر في الإمامة العامة وليس في إمامة الصلاة.
قلت: وإمامة الصلاة فرع عن الإمامة العامة لعموم المسلمين ومع ذلك فسأذكر لك ما ورد في الصلاة بصفة خاصة فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإمامة للرجال فقال لنسائه وهو في مرض موته: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس». وأمر الرجال بالتقدم في الصفوف وأمر النساء بالتأخر وذلك في صلاة الجماعة، فقال: «خير صفوف الرجال أولها وشر صفوف الرجال آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشر صفوف النساء أولها». [رواه مسلم].
بل وجعل صفوف النساء خلف صفوف الرجال وخلف صفوف الصبيان وما هذا إلا لأن النساء أمرن بالفرار في البيوت ونهين عن البروز والتبرج، قال تعالى: [يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْروفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى].
ولو كان التقدم في صفوف الصلاة صالحًا للنساء لما أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالتأخر فكيف تتقدم المرأة على الجميع رجالاً ونساءً في إمامة الصلاة وفي ذلك مفاسد عظيمة تتعلق بستر المرأة وعدم إظهار زينتها وعورتها حتى قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا»، رواه مسلم. وعند أبي داود: «وبيوتهن خير لهن».
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة ينتظر حتى ينصرف النساء فيدخلن بيوتهن قبل أن ينصرف الرجال وجعل للنساء بابًا وكان عمر ينهى أن يدخل الرجال من باب النساء. وقال صلى الله عليه وسلم: لو تركنا هذا الباب للنساء. فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
قال: لم تأتني بنص يمنع المرأة من إمامة وأنا أذكر لك حديثًا يبيح للمرأة أن تكون إمامًا في الصلاة.
قلت: تعني حديث أبي داود عن عبدالرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها.
قال: نعم والحديث رواه أحمد في مسنده من طريق أخرى.
قلت: الحديث في إسناده مقال، ولهذا اختلف أهل العلم في قبوله والعمل به.
قال شارح السنن: ثبت من هذا الحديث أن إمامة النساء وجماعتهن صحيحة ثابتة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمت النساءَ عائشةُ وأُم سلمة رضي الله عنهما في الفرض والتراويح.
وذكر الحافظ في تلخيص الحبير هذه الأحاديث وأن عائشة كانت تؤم النساء فتقوم معهن في الصف.
وأن أم سلمة أمت نساء فقامت وسطهن. قال الدارقطني: إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها، وذهب الجمهور إلى عدم صحة إمامتها لهم.
قال صاحب «الفتح الرباني»: ويمكن الجواب عن حديث أم ورقة بأنه ليس صريحًا في أن المؤذن والغلام كانا يصليان خلفها، فيحتمل أن المؤذن كان يؤذن لها ثم يذهب إلى المسجد ليصلي فيه، وكذا الغلام، فكانت تؤم نساء دارها لا غير، ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شيبة قال: حدثنا الوليد بن جميع عن أمه عن أم ورقة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أذن لها أن يؤذن لها ويُقام وتؤم نساءها.
والحديث معارض بمثله وهو حديث جابر مرفوعًا: «ألا لا تؤمنَّ امرأة رجلاً، ولا يؤم أعرابي مهاجرًا، ولا يؤم فاجر مؤمنًا، إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه وسوطه». رواه ابن ماجه في سننه وسنده ضعيف.
قال في سبل السلام: وهو يدل على أن المرأة لا تؤم الرجل وهو مذهب الهادوية والحنفية والشافعية وغيرهم.
وقال ابن حزم: وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة. [الفصل في الملل والأهواء والنحل].
قال: كلامهم هذا فيه ظلم للمرأة واتهام لها بالنقص.
قلت: أجمع العلماء على عدم جواز تولي المرأة منصب الخلافة، ويدخل في ذلك الآن رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، وذلك للحديث: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». وجمهور العلماء على عدم جواز توليها منصب القضاء.
قال البغوي: اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات والمرأة عورة لا تصلح للبروز وتعجز لضعفها عن القيام بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة والإمامة والقضاء من كمالات الولايات فلا يصح لها إلا الكمال من الرجال. انتهى. [شرح السنةجـ10 ص77].
قال: ما هذا الكلام، عورة وناقصة؟
قلت: الذي أمرها بالستر والقرار في البيوت هو الله سبحانه، ووصفُها بالنقص ثابت في صحيح السنة وهو من سماتها وخصائصها، ولا يعني هذا الحط عليها بل لعله من حسناتها، والكمال ليس محجوبًا عنها، ولكن الكمال بحسب الالتزام، ثم إن هؤلاء اللواتي يتحدثن عن حرية المرأة وحقوق المرأة هل ترى منهن امرأة ملتزمة في حجابها إلا من رحم ربي أم أن القضية هي الإفتتان بمنهج الغرب والسير على سننه، وأخيرًا أذكر بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقالت امرأة منهن جزلة- عاقلة-: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لذي لُب منكن».
قالت: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟
قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين. رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «كَمُلَ من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد». صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.