الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فقد روى البخاري في ( صحيحه ) بسنده إلى أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لو آمن بي عشرةٌ من اليهود لآمن لي اليهود ) ( 1 ) .
إن هؤلاء اليهود الذين رفضوا الدخول في الإيمان وجحدوا الرسالة ، كانوا يقولون - قبل البعثة - : اللهم ابعث لنا هذا النبي الذي نجده مكتوبًا عندنا في التوراة حتى نعذب المشركين ونقتلهم ؟!
وقد ثبت أنهم كانوا يتوعدون المشركين من الأوس والخزرج بمجيء الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ويستنصرون ، أي ، يطلبون النصر به على أعدائهم ، قال تعالى : ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِين ) [ البقرة : 89] .
وفي هذا دلالة قاطعة ، وحجة دامغة على أن اليهود قوم بهت يعرفون الحق ، وينكرونه ! فإنهم كانوا يعرفون صفات رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يبعث ، ولما أرسله الله كانوا يعلمون علم اليقين أنه رسول الله حقًّا وصدقًا ، فلما تبين لهم أنه من العرب ، وليس من بني إسرائيل حسدوه وكفروا به ! ولقد أرسل الله إليهم من قبل ذلك رسلا كثيرًا من بني إسرائيل فكذبوا فريقًا ، وقتلوا فريقًا من الرسول ! فلما أرسل الله رسوله الخاتم من العرب كفروا به ؛ لأنه ليس من بني إسرائيل ؟! وهو نفس أسلوب المراوغة الذي يستعملونه في المفاوضات الوهمية مع السلطة الفلسطينية !
وبعد هذا الإنكار والبهتان استمر اليهود على كفرهم ، وأصروا على ضلالهم ، وأراد الله ، عز وجل ، وقدّر أن كتب الهداية لعالم من علمائهم هو عبد الله بن سلام ، رضي الله عنه ، وذلك بعد الهجرة النبوية الشريفة .
وكان عالمًا وسيدًا مطاعًا في قومه من اليهود قبل الإسلام ، وما أن علموا بإسلامه حتى سارعوا إلى إنكار علمه وسيادته وفضله ومنزلته ، ووصفوه ، بدلاً من ذلك بأقبح الصفات ، وأنزلوه إلى أسفل الدرجات .
روى البخاري في ( صحيحه ) بسنده إلى أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : ( إن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، المدينة ، فأتاه يسأله عن أشياء ، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيٌ : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( أخبرني به جبريل آنفًا ) . قال ابن سلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! قال : ( أما أول أشراط الساعة ؛ فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة ؛ فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد ) ، قال عبد الله بن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهتٌ !! فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي ، فجاءت اليهود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ ) . قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وأفضلنا وابن أفضلنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟ ) . قالوا : أعاذه الله من ذلك !! فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك ، فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، قالوا : شرنا ! وابن شرنا !! وتنقصوه !! قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ( 2 ) .
إن عبد الله بن سلام ، رضي الله عنه ، كان عالمًا كبيرًا من علماء اليهود قبل أن يدخل في الإسلام ، وقد شهد على قومه اليهود شهادة حق يقول فيها : ( إن اليهود قوم بهت ) أي ؛ قوم يفترون الكذب ويختلقونه ، وهي شهادة تصدق على واقع اليهود اليوم وتطابقه كما كان شأنهم في الماضي ، وهو نفس الواقع الذي سيكون عليه غدًا طالما أنهم يهود !!
فليس عجيبًا ولا غريبًا ولا جديدًا أن يتنكر اليهود لحقوق المسلمين في فلسطين أو أن يحاولوا تهويد القدس إن استطاعوا ، أو أن يغدروا بالمعاهدات والاتفاقات المبرمة ، لكنَّ العجيب أن يتعجب العرب ، والغريب أن يستغرب العرب من أفعال اليهود كأنهم لا يعلمون !!
إننا لم ولن نرى من اليهود وفاء بالعهود والمواثيق ، أمّا المتعجبة المستغربة فهي أم رئيس وزراء إسرائيل الحالي التي أعلنت أنها في غاية الحرج والخجل ، وهي ترى ابنها يحاول الصلح مع العرب ! بينما هي أرضعته لبنًا يحرم هذا الصلح كما يحرم الزواج بأخت الرضاعة !!
واليوم يبحث جميع المسلمين عن حل ومخرج ، وهذا الحل ليس في الهتافات ولا المظاهرات ولا المسيرات ، ولا التصريحات ، ولا المؤتمرات ، ولا اللاءات المتتاليات وغير المتتاليات ؟؟!!
إن الحل يكمن في حقيقتين :
- الأولى : كلمات وتوجيهات نطق بها جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز ، رحمه الله ، وصف فيها الداء والدواء ! وذلك عام 1384 هـ في خطبة الحج ، يقول رحمه الله : لقد مرت على الإسلام والمسلمين حقب تناسى الناس فيها ما هو مطلوب منهم تجاه ربهم ، وتساهلوا فيما يجب عليهم ، وتهاونوا وتغافلوا ؛ ولهذا فإننا نرى اليوم أن الشعوب الإسلامية في كل الأقطار قد يُنظر إليها نظرة احتقار أو ازدراء ، وهذا أيها الإخوة ما سببناه لأنفسنا نحن ، ولم يرضه الله سبحانه وتعالى لنا ، وإنما رضي لنا العزة والكرامة والقوة ، إذا نحن أخلصنا العبادة ، وتمسكنا بما أمرنا الله به سبحانه وتعالى ، واتبعنا سبيل نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
وفي حج عام 1390 هـ خطب الملك فيصل ، رحمه ، في الحجيج خطبة جاء فيها وصف المنهج والدواء إذ يقول : أيها الإخوة ؛ إننا في حاجة قصوى إلى محاسبة أنفسنا ، يجب علينا أن نعود إلى أنفسنا ، ونحاسبها ، لماذا تصيبنا النكبات ؟؟
ولماذا نتعرض للعدوان من أعداء الإسلام ؟ وأعداء البشرية ، وأعداء الإنسانية ؟ علينا أن نحاسب أنفسنا ، فلابد أن هناك فينا ، وفي أنفسنا ما يستوجب أن نصاب بهذه النكبات ؛ فإننا نرى اليوم في عالمنا الإسلامي من يتنكب عن الإيمان ، وعن العقيدة الإسلامية .
وأما الحقيقة الثانية : فهي ضرورة رفع راية الجهاد في سبيل الله ، إنه الطريق الذي اختاره الله للنصر ، والحفاظ على الأرض والعرض ، ولقد جربنا كل الحلول فلم تفلح ولم تنجح ، وإن الشعوب المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها تتطلع إلى اليوم الذي يعلن فيه حكامها وقادتها عن فتح باب الجهاد في سبيل الله ، ويومها فقط سيلتزم اليهود بالعهود والمواثيق والاتفاقات المبرمة التزام قهر وصغار ، لا التزام قناعة ووفاء !! ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
-------
(1) [ البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، حديث رقم 3941] .
(2) البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، حديث رقم ( 3938 ) .
فقد روى البخاري في ( صحيحه ) بسنده إلى أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لو آمن بي عشرةٌ من اليهود لآمن لي اليهود ) ( 1 ) .
إن هؤلاء اليهود الذين رفضوا الدخول في الإيمان وجحدوا الرسالة ، كانوا يقولون - قبل البعثة - : اللهم ابعث لنا هذا النبي الذي نجده مكتوبًا عندنا في التوراة حتى نعذب المشركين ونقتلهم ؟!
وقد ثبت أنهم كانوا يتوعدون المشركين من الأوس والخزرج بمجيء الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ويستنصرون ، أي ، يطلبون النصر به على أعدائهم ، قال تعالى : ( وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِين ) [ البقرة : 89] .
وفي هذا دلالة قاطعة ، وحجة دامغة على أن اليهود قوم بهت يعرفون الحق ، وينكرونه ! فإنهم كانوا يعرفون صفات رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يبعث ، ولما أرسله الله كانوا يعلمون علم اليقين أنه رسول الله حقًّا وصدقًا ، فلما تبين لهم أنه من العرب ، وليس من بني إسرائيل حسدوه وكفروا به ! ولقد أرسل الله إليهم من قبل ذلك رسلا كثيرًا من بني إسرائيل فكذبوا فريقًا ، وقتلوا فريقًا من الرسول ! فلما أرسل الله رسوله الخاتم من العرب كفروا به ؛ لأنه ليس من بني إسرائيل ؟! وهو نفس أسلوب المراوغة الذي يستعملونه في المفاوضات الوهمية مع السلطة الفلسطينية !
وبعد هذا الإنكار والبهتان استمر اليهود على كفرهم ، وأصروا على ضلالهم ، وأراد الله ، عز وجل ، وقدّر أن كتب الهداية لعالم من علمائهم هو عبد الله بن سلام ، رضي الله عنه ، وذلك بعد الهجرة النبوية الشريفة .
وكان عالمًا وسيدًا مطاعًا في قومه من اليهود قبل الإسلام ، وما أن علموا بإسلامه حتى سارعوا إلى إنكار علمه وسيادته وفضله ومنزلته ، ووصفوه ، بدلاً من ذلك بأقبح الصفات ، وأنزلوه إلى أسفل الدرجات .
روى البخاري في ( صحيحه ) بسنده إلى أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : ( إن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي ، صلى الله عليه وسلم ، المدينة ، فأتاه يسأله عن أشياء ، فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيٌ : ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( أخبرني به جبريل آنفًا ) . قال ابن سلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! قال : ( أما أول أشراط الساعة ؛ فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة ؛ فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد ) ، قال عبد الله بن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهتٌ !! فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي ، فجاءت اليهود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ ) . قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وأفضلنا وابن أفضلنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟ ) . قالوا : أعاذه الله من ذلك !! فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك ، فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، قالوا : شرنا ! وابن شرنا !! وتنقصوه !! قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ( 2 ) .
إن عبد الله بن سلام ، رضي الله عنه ، كان عالمًا كبيرًا من علماء اليهود قبل أن يدخل في الإسلام ، وقد شهد على قومه اليهود شهادة حق يقول فيها : ( إن اليهود قوم بهت ) أي ؛ قوم يفترون الكذب ويختلقونه ، وهي شهادة تصدق على واقع اليهود اليوم وتطابقه كما كان شأنهم في الماضي ، وهو نفس الواقع الذي سيكون عليه غدًا طالما أنهم يهود !!
فليس عجيبًا ولا غريبًا ولا جديدًا أن يتنكر اليهود لحقوق المسلمين في فلسطين أو أن يحاولوا تهويد القدس إن استطاعوا ، أو أن يغدروا بالمعاهدات والاتفاقات المبرمة ، لكنَّ العجيب أن يتعجب العرب ، والغريب أن يستغرب العرب من أفعال اليهود كأنهم لا يعلمون !!
إننا لم ولن نرى من اليهود وفاء بالعهود والمواثيق ، أمّا المتعجبة المستغربة فهي أم رئيس وزراء إسرائيل الحالي التي أعلنت أنها في غاية الحرج والخجل ، وهي ترى ابنها يحاول الصلح مع العرب ! بينما هي أرضعته لبنًا يحرم هذا الصلح كما يحرم الزواج بأخت الرضاعة !!
واليوم يبحث جميع المسلمين عن حل ومخرج ، وهذا الحل ليس في الهتافات ولا المظاهرات ولا المسيرات ، ولا التصريحات ، ولا المؤتمرات ، ولا اللاءات المتتاليات وغير المتتاليات ؟؟!!
إن الحل يكمن في حقيقتين :
- الأولى : كلمات وتوجيهات نطق بها جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز ، رحمه الله ، وصف فيها الداء والدواء ! وذلك عام 1384 هـ في خطبة الحج ، يقول رحمه الله : لقد مرت على الإسلام والمسلمين حقب تناسى الناس فيها ما هو مطلوب منهم تجاه ربهم ، وتساهلوا فيما يجب عليهم ، وتهاونوا وتغافلوا ؛ ولهذا فإننا نرى اليوم أن الشعوب الإسلامية في كل الأقطار قد يُنظر إليها نظرة احتقار أو ازدراء ، وهذا أيها الإخوة ما سببناه لأنفسنا نحن ، ولم يرضه الله سبحانه وتعالى لنا ، وإنما رضي لنا العزة والكرامة والقوة ، إذا نحن أخلصنا العبادة ، وتمسكنا بما أمرنا الله به سبحانه وتعالى ، واتبعنا سبيل نبينا صلوات الله وسلامه عليه .
وفي حج عام 1390 هـ خطب الملك فيصل ، رحمه ، في الحجيج خطبة جاء فيها وصف المنهج والدواء إذ يقول : أيها الإخوة ؛ إننا في حاجة قصوى إلى محاسبة أنفسنا ، يجب علينا أن نعود إلى أنفسنا ، ونحاسبها ، لماذا تصيبنا النكبات ؟؟
ولماذا نتعرض للعدوان من أعداء الإسلام ؟ وأعداء البشرية ، وأعداء الإنسانية ؟ علينا أن نحاسب أنفسنا ، فلابد أن هناك فينا ، وفي أنفسنا ما يستوجب أن نصاب بهذه النكبات ؛ فإننا نرى اليوم في عالمنا الإسلامي من يتنكب عن الإيمان ، وعن العقيدة الإسلامية .
وأما الحقيقة الثانية : فهي ضرورة رفع راية الجهاد في سبيل الله ، إنه الطريق الذي اختاره الله للنصر ، والحفاظ على الأرض والعرض ، ولقد جربنا كل الحلول فلم تفلح ولم تنجح ، وإن الشعوب المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها تتطلع إلى اليوم الذي يعلن فيه حكامها وقادتها عن فتح باب الجهاد في سبيل الله ، ويومها فقط سيلتزم اليهود بالعهود والمواثيق والاتفاقات المبرمة التزام قهر وصغار ، لا التزام قناعة ووفاء !! ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .
-------
(1) [ البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، حديث رقم 3941] .
(2) البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، حديث رقم ( 3938 ) .