الصيام فريضة إسلامية وعبادة من العبادات المقررة في جميع الأديان القديمة، يقول سبحانه وتعالى: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) صدق الله العظيم
والصيام هو الإمساك عن شهوات الجسد وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مدة شهر رمضان تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لمرضاته، يقول الله سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
وورد في فضل الصيام وفضل العمل الصالح في رمضان أحاديث كثيرة نذكر بعضها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به").
وعن عبد الله بن سمرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غـُـفر له ما تقدم من ذنبه).
حكمة الصيام:
والصيام حكم وأسرار منها ما هو صحي ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو خلقي ومنها ما هو اجتماعي، يقول الطب: إن الصيام يفيد في حالات كثيرة وهو أهم علاج إن لم يكن العلاج الوحيد للوقاية من أمراض كثيرة كاضطرابات الأمعاء المزمنة والمصحوبة بتخمر في المواد الزلالية والنشوية وزيادة الوزن الناشئ عن كثرة الغذاء وقلة الحركة وزيادة الضغط والبول السكري والتهاب الكلى الحاد المزمن المصحوب بارتشاح وتورم وأمراض القلب المصحوبة بتورم والتهاب المفاصل. خصوصا إذا كانت مصحوبة بسمنة كما يحصل عند السيدات غالبا بعد سن الأربعين.
والله سبحانه فرض الصيام على هذه الأمة كما فرضه على من تقدمها من الأمم؛ ليعد النفوس ويهيئها لكل خير وبر، وذلك .. إن الصائم يترك شهواته، وأحب الأشياء إليه - مع قدرته عليها - امتثالا لأمر الله ومسارعة إلى مرضاته، وهذا من شأنه أن يورث خشية الله وينمي ملكة المراقبة ويوقظ الضمير.
ثم إن الصيام يقوي الإرادة ويعودها الصبر والاحتمال فيستطيع الإنسان مواجهة الحياة ومكافحتها بشجاعة، فلا تلينه صعابها، ولا تتغلب عليه أحداثها ، وبقدر ما تقوى الإرادة يضعف سلطان العادة وبذلك تتاح الفرص لهجر الكثير من العادات السيئة.. مثل عادة التدخين وتناول المكيفات وغيرها مما يضعف البدن ويمرضه ويذهب بالمال في غير طائل.
وبإيقاظ الضمير وتقوية الإرادة يعظم الإنسان ويشرف ويصل إلى الذروة من الفوز والنجاح.
والصيام ليس مجرد الإمساك عن المفطرات وإنما هو هجر جميع المعاصي والسيئات فلا يحل للصائم أن يتكلم إلا حسنًا ولا يفعل إلا جميلا، وإلى ذلك يشير الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (الصيام جنة) أي وقاية من المنكرات والشرور.
وبهذا يكون الصيام درسا عمليا في أخذ النفس بالفضائل وحملها على الاتصاف بكل ما هو حسن في جميع الحالات، وبذلك تزكو وتتطهر ويصبح الإنسان مأمول الخير مأمون الشر، فإذا لم يبلغ الصيام بالإنسان هذه الغاية من التهذيب فإن صيامه لا وزن له عند الله، وأنه لا حظ من صيامه إلا الجوع والعطش، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)
ويقول صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
وفي الصيام معنى المساواة بين الأغنياء والفقراء في الحرمان وترك التمتع بالشهوات وهذا من شأنه أن يرفع من نفس الفقير، إذ يجد الغني مثله في القيام بهذه الفريضة كما أنه يفجر ينابيع الرحمة والعطف في قلوب الأغنياء ويحثهم على مواساة الذين ضاقت بهم سبل العيش فتتألف القلوب وتذهب الأحقاد ويتعاون الفقراء والأغنياء على النهوض بالمجتمع وتوفير الطمأنينة له.
ولقد كان يوسف عليه السلام أمينًا على خزائن الأرض وكان يكثر من الصيام فسُئل عن ذلك فقال: (أخاف أن أشبع فأنسى الجائع).
هذه هي آثار الصيام وحكمه في النفس والخلق والمجتمع وهي آثار بعيدة المدى. إذ إنها تعد الفرد المهذب والمجتمع الفاضل وتصل بالأمة غاياتها من الرفعة والسمو.
من أحكام الصيام:
والصيام أحكام فلا يتحقق الصيام إلا بالنية، ولابد أن تكون قبيل الفجر من كل ليلة من ليالي شهر رمضان، وتصح في أي جزء من أجزاء الليل ولا يشترط التلفظ بها.
وأجمع العلماء على أن الصيام يجب على المسلم العاقل البالغ الصحيح المقيم ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس فلا صيام على كافر ولا مجنون ولا صبي ولا مريض ولا مسافر ولا حائض ولا نفساء ولا شيخ كبير ولا حامل ولا مرضع، ويرخص الفطر للشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يُرجى برؤه وأصحاب الأعمال الشاقة الذين لا يجدون متسعًا من الرزق غير ما يزاولون من أعمال، هؤلاء يرخص لهم في الفطر إذا كان الصيام يجهدهم ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فصول الســنة وعليهم أن يُطعموا عن كل يوم مسكينًا، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو أولادهما أفطرتا وعليهما الفدية ولا قضاء عليهما عند ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.
وعند أحمد والشافعي رضي الله عنهما: إنهما إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا فعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولدهما فعليهما القضاء لا غير.
ويُباح الفطر للمريض الذي يُرجى برؤه والمسافر ويجب عليهما القضاء، وكذلك المقاتلون الذين يحاربون حربًا فعلية أو يقومون بتدريبات شاقة تجهدهم ولابد لهم منها كضرورة من ضروريات الحرب فلهم أن يفطروا وعليهم القضاء بعد انتهاء الحرب. واتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض والنفساء، ويحرم عليهما الصيام و إن صامتا لا يصح صومهما ويقع باطلا، وعليهما قضاء ما فاتهما. ويُباح للصائم الاغتسال وشم الروائح الطيبة، كما يُباح الاكتحال والقطرة ونحوهما مما يدخل العين ولو وجد طعمه في الحلق وتـُباح الحقنة بكل أنواعها، ويصح للصائم أن يصبح جنبًا ثم عليه أن يغتسل من أجل الصلاة.
وللصائم أن يتمضمض ويستنشق ويغسل فمه بالفرشاة مع تركه المبالغة في المضمضمة والاستنشاق.
ويبطل الصيام بالأكل والشرب عمدًا. فإن أكل أو شرب ناسيا أو مخطئا أو مكرها فلا قضاء عليه ولا كفارة.
كما يبطل الصيام بالقيء عمدا فإن غلبه القيء فلا شيء عليه.
ومتى جامع الصائم بطل صومه ووجب القضاء والكفارة، والكفارة صيام ستين يوما غير اليوم الذي أفطر فيه، فإن عجز عن الصيام وجب عليه أن يُطعم ستين مسكينًا.