س/ هل يوجد في الشرع ما يسمى بالعهود السليمانية تحفظ الإنسان من كل شيء؟
الحمد لله وبعد، فهذه العهود وعددها سبعة، انتشرت بين يديَ العوام والأميين، وهي باطلة لا أصل لها في الشرع، حيث: قرأت في مطلعها: ( رُوي عن نبي الله سليمان بن داود- عليه السلام- أنه رأى عجوزا ...... فقالت له أنا أم الصبيان متسلطة على بني آدم وبنات حواء.... فقبض عليها سليمان وقال: يا مأمونة لا تخرجي من يدي حتى تعطيني عهودًا ومواثيق...، وأخذت على نفسها أن لا تضر أحداً بأي شيء من ألوان الأذى التي خوَّفت به وهددت، بشرط أن يُعلِّق الإنسان ويحمل هذه العهود السبعة التي ذكَرتها، وبإثر كل عهد – ظاهره الحُسن وباطنه العذاب – أرقام وحروف وطلاسم ).
هذه هي حقيقة العهود، وبطلانها ظاهر من وجوه:
1- لفظ رُويَ مبني للمجهول يدل على ضعف وعدم ثبوت ما بعدها، ثم فمن روى هذا عن سليمان بن داود، وهو نبي في القرون الخالية قبل محمد – صلى الله عليه وسلم- فهذا باطل من هذا الوجه.
2- القصة مبنية على عجوز شريرة رآها سليمان كما كذبوا، ولكي يتقي شرها فإما أن يقتلها وإما أن تعطيه عهودا بعدم ضررها لبني آدم وبنات حواء كما زعمت في هذا الكذب، فأملت عليه عهودها السحرية الشعوذية المكذوبة الباطلة وهذا باطل أيضا، وكذب صريح لأنه ما كان وما يكون لأي أحد كان من كان أن يملك نفعًا أو ضرًا لنفسه أو لغيره إلا بشيء قد كتبه الله له أو عليه، لحديث ابن عباس –رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال له: " احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ".
فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا؛ فكيف تملك العجوز المخترعة المكذوبة النفع والضر ؟!!!.
3- من الثوابت في القرآن الكريم أن جميع الأنبياء لسانهم واحد، أن اعبدوا الله وحده لا شريك له، وعليه فلا يليق بنبي هذا حاله أن يرضى الشرك بربه، فهذا كذب واضح على نبي الله سليمان عليه السلام.
4- أن ذكر بعض آيات القرآن في هذه العهود السحرية الشركية، لا يقوى حالها ولا يرفع شأنها، لأن من علامات الكذابين والدجالين الخلط والتلبيس بين الحق والباطل، والحسن والسيئ، بطريقة لا تنطلي إلا على العوام والجهلة من الناس، والقرآن إنما نزل لنقرأه ولنتسمع إليه ليس غير ذلك.
5- هذا التلفيق والكذب شره عظيم يدمر معتقد الفرد والأسرة والمجتمع يجب درءه والتحذير منه، فإن الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله.
تنبيه وتحذير: قال الله تعالى: [ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) ] [الزمر: 65 - 66] واعتقاد هذه العهود المكذوبة شرك بالله وقال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ] [النساء : 48]
ومن المسلَّمات أن الموت يأتي بغتة – ويحذركم الله نفسه – وفي صحيح مسلم من حديث جابر – رصي الله عنه- قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم-: " من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار "، وعند البخاري من حديث ابن مسعود – رصي الله عنه- قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم- :" من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار"
وهذه العهود المكذوبة والملفقة خداعا وتضليلًا للناس، تحوي طلاسم السحر والشعوذة والكهانة، وهي محرمة بنص القرآن وصحيح السنة وإجماع الأمة.
قال تعالى: [ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) ] [البقرة: 102]
وقال: [ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) ] [الفلق:4]
ولذا كان حكمه سبيل كفر اعتقادي، وقد سماه الله كفراً فقال: [ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ] ، [ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ]
ولذا اتفق الأئمة الأربعة على كفر الساحر، وفي حديث أبي هريرة – رصي الله عنه- في الصحيحين قال: قال – صلى الله عليه وسلم- :" اجتنبوا السبع الموبقات....، ومنها السحر "، وفي صحيح مسلم وغيره عن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم- (حفصة) أنه قال – صلى الله عليه وسلم- :" من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما "، وفي سياق عند الأربعة من حديث أبي هريرة – رصي الله عنه- " ..... من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم- ".
وفي رواية عند أحمد والحاكم عنه:" .... من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم- ".
والعهود السليمانية المكذوبة الملفقة لا تخرج عما ذكرته، فمصدِّقها ومروجها داخل في حكم ما ذكرت، إلا أن يتوب قبل فوات الأوان [ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ] [لقمان:34] والمرء يبعث على ما مات عليه، فقد يموت وهو مصدق بهذه العهود السبعة الشركية أو روَّج لها، فماذا يُجيب السائل في القبر، وماذا يُجيب ربه في ساحة الحساب، وكان قد جعل مع ربه وخالقه شريكًا (ندًا) يتعلق به من دون الله سبحانه وتعالى؟ ألا فاتقوا الله تعالى، واحذروه سبحانه الواحد الأحد الفرد الصمد.