تقديم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد،
فهذا بحثٌ نافعٌ ومفيدٌ في مسألةٍ تكاد تكون من النوازل ألا وهي مسألة المظاهرات، ومشروعيتها من عدم المشروعية.
أعده أخي في الله: أحمد بن سليمان – حفظه الله تبارك وتعالى وبارك فيه – هذا، وبالنسبة للمظاهرات، فابتداءًا معنى التظاهر: التعاون، ومنه قوله تعالى وَإِن تَظَهَرَا عَلَيهِ فَإنَّ الله هُو مَولَهُ]التحريم:4 [ومنه أيضاً قولهسِحرَانِ تَظَهَرَا]القصص:[ 48 فالتظاهر التعاون، فرجل عاون رجلاً على شيء فقد ظاهره عليه.
وعليه فهذا التظاهر قد يكون على البر والتقوى، وقد يكون على الإثم والعدوان، ففي الجملة التعاون على البر والتقوى محمود، والتعاون على الإثم والعدوان محرمٌ، ولكن ثم تفصيلات وتفريعات، وأسئلة تطرح
فسؤال يطرح: لماذا المظاهرات؟ من اجل ماذا قامت هذه المظاهرات؟!
أين مكانها ؟
حتى زمانها؟
كيف ستتم هذه المظاهرات؟
هل لولي الأمر تدخلٌ في أمرها ومنعها؟
وماذا إذا كان الإنكار إنما هو على ولي الأمر؟
هل هذا يعد خروجًا عليه، أم انه ليس بخروج عليه وإنما هو تذكيرٌ بالله ونهى عن منكر؟
والمصلحة المرجوة من هذه المظاهرات؟
ما المفسدة المتوقعة من ورائها؟
وهل هذا السبيل- سبيل المظاهرات – سبيل ٌمقيمٌ قد سلكه سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ،أم انه سبيل محدثٌ غير مسلوك عند علمائنا وأئمتنا الأولين؟
وما البديل في حالة إلغاء المظاهرات؟
ما صورة إنكار المنكر إذا كان ثمَّ منكرٌ عظيم شائع ؟
وماذا كان يصنع السابقون في مثل هذه الأمور؟
و ما الجواب – في حالة القول بعدم مشروعيتها – على ما حدث من تغيُّـر للأنظمة من جراء المظاهرات؟
وما مدى مشروعية تظاهر النساء مع الرجال بهذه الصورة من الاختلاط المزري، والتبرج المخزي، والعُـري الفاضح؟
وهل يشرع تظاهر المسلم مع كافرٍ لأمرٍ من الأمور؟
وهل ستتغير شعيرة من شعائر الله وتبدل بالتظاهر؟
وهل ستحول عرفات والوقوف عليها يوم الوقوف!! شعارات تصرف الناس عن التلبية والتكبير، واختلافات تصرفهم عن التهليل والدعاء.
فلا شك أن هذا إن حدث فهو منكر عظيم، منكر عظيم أن تتحول المناسك إلى شعارات تُرفع، ومشاحنات تحدث، وأسلحة تُحمل؛ فيروع الآمنون، وتسفك الدماء، و تُسلب الأموال، وتنتهك الأعراض!!
وما الحكم في تلك المظاهرات التافهة الفارغة من الخير والإيمان التي قام فيها المتظاهرون برفع لافتات لتشجيع فريق من الفرق الرياضية والنيل من فريق أخر ونادٍ أخر؟
وما حكم من مات ويموت، وهتف ويهتف في هذه المظاهرات.
وأيضا هل وراء هذه المظاهرات أيدٍ عابثة تعبث وتعمل في خفاء للإضرار بالمسلمين ولتحقيق مآرب خاصة أم لا؟
وأيضًا ما الحكم في المظاهرات التي اندلعت وتندلع لتشجيع مرشح في الانتخابات وللنيل من مرشح آخر؟
وهل هذا يتفق مع قول الرسول عليه الصلاة والسلام ))إنا لا نولي هذا الأمر أحدًا سأله أو حرص عليه))؟؟
وماذا عن التشبه بالمشركين في هذه المظاهرات؟
وأين هذا المتظاهر من قوله تعالى:مَّا يَلفِظُ مِن قَولٍ إِلاَّ لَدَيهِ رَقِيبٌ عتيدٌ[ ق:18]وأيضُا ما حكم المظاهرات الإجرامية التي ينادي فيها المنادي بتغيير شرعة الله وتبديلها والذهاب بهوية الإسلام والمسلمين؟
فكل هذه أسئلة تطرح، ويُطرح غيرها أيضًا؟
وكلها تحتاج إلى إجابات متأنية رزينةٍ مدعمةٌ بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم للإثبات أو للنفي، فدائماً مرجعنا ومشربنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة، وإجماع المسلمين وسبيل المؤمنين.
ثم لننظر في أقوال علمائنا، وماذا قالوا في مثل ذلك أو ماذا قالوا في شبيه له ومماثلٍ؟
والمستعان على كل شيء هو الله سبحانه وتعالى والتوفيق منه سبحانه.
هذا، وقد قام أخي أحمد – حفظه الله تعالى- بالبحث في كثير من المذكور والمشار إليه، وما يحيط به، وقد وفق إلى حدٍ كبيرٍ جزاه الله خيراً على ما قام به وأفاد وعلى ما قدَّم من خير وأجاد.
هذا، وفى الجملة بالنسبة لما يحدث من مظاهرات في بلادنا: نرى أن شرها أعظم من خيرها، وذلك من جراء نظرنا إلى ما حدث من مظاهرات وما يحدث، وما يصاحب ذلك من سفك لدماء، وإتهام لأبرياء، ودمار لمحلات، وسلب واختلاس واحتكاك رجال بنساء، واستغلال ذلك لمصالح ومآرب أشخاص.
كل ذلك يحدو بنا إلى القول بان اعتزالها- في هذه الآونة وبهذه المثابة – أسلم لدين الشخص وأسلم لعرضه، وأقرب للورع وأحفظ للجهد والوقت.
والمحفوظ من حفظه الله ، والمعصوم من عصمه الله.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
وصل اللهم على نبينا محمد وسلم، والحمد لله رب العالمين.
كتبه
أبو عبد الله / مصطفى بن العدوي
المقدمة
الحمد لله الذي أوضح لنا معالم الدين، ومنَّ علينا بالكتاب المبين، وبيَّن لنا سنن الأحكام، وفصل لنا بين الحلال والحرام؛ ما جعله على الدنيا حكمًا تقررت به مصالح الخلق، وثبتت به قواعد الحق، فله الحمد على ما قدَّر ودبَّر وصلواته وسلامه على رسوله الذي صدع بأمره وأظهر.
وبعد ،
فإن المسلم الصادق مع نفسه ومع ربه، عليه – وقبل أن يقدم على أي عمل – أن يحدد موقفه تجاه كل قضية تمر به، وعليه أن يقرر بدقه مبلغه من العلم الذي يؤهله أن يتخذ قرارًا يبني عليه اعتقاد أو عمل- سيوضع في ميزانه أمام الله – يوم الموقف الأكبر وستؤخذ نتائجه له أو عليه، وسيحمل على ظهره حسنات أو سيئات من اتبعه على هذا القرار.
فالمسلم إذن مطالب أن يعلم أولاً الأصول الثابتة، والإطار الوحيد الذي لا يملك إنسان – يبتغي النجاة في الدنيا والآخرة – أن يخرج عليه ألا وهو : القرآن والسنة بفقه السلف الصالح رضي الله عنهم، وما يؤدي إليه هذا الإطار من مقاصد عامة للشريعة ومصالح معتبرة يدور حولها الاجتهاد في أمور الدين والدنيا.
وعلى هذا، فإنه لا تحل بالمسلمين نازلة إلا وفى الكتاب والسنة وأفهام سلف الأمة الجواب الباهر، والحجة الدامغة.
ولعل من أعظم أسباب الفرقة التي تغلغلت بين صفوف المسلمين، تغييب كلمة العلماء الراسخين فكان من ذلك أن تطاول الرويبضة عليهم في شتى الميادين.
وها نحن الآن بصدد نازلة من أدهي النوازل نحاول – بعون من الله – أن نجلّى أقوال العلماء فيها، على ما قرره أهل العلم من الأصول والقواعد المستمدة من الوحيين، ليهلك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بيِّنة.
وانأ لا أقول: إن قولي فيها كذا وكذا ..
ولكن أقول: تحرر من القيود والعصبية، وتجرد لله ودع الهوى وآراء الرجال وأنصف من نفسك، وهيىء قلبك لقبول الحق وإن كانت النفس تخالفه، ورد الباطل وإن كانت النفس تألفه.
فوالله الذي لا اله إلا هو إن الأمر دين، وما كان قصدي إلا نصيحة إخواني المؤمنين، فإن ((الدين النصيحة))
كما أخبر بذلك الصادق الأمين.
فما كان في كتابي هذا من صواب فمن الله سبحانه وتعالي ، وما كان من خطإ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريء منه، وهو عند لسان كل قائل وقلبه وقصده، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كتبه
أحمد بن سليمان
فجر الحادي عشر من ذي القعدة لعام 1424هـ
للتحميل اضغط على الصورة