النبي -صلى الله عليه
وسلم- يعلمنا العفو عند المقدرة
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-
قَالَ: غَزَوْنا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ(1)،
فَلَمَّا قَفَلَ(2) رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَفَلْنَا مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْنَا
الْقَائِلَةُ(3) فِي وَادٍ كَثِيرِ
الْعِضَاهِ(4)، فَنَزَلَ رَسُولُ
اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ سَمُرَةٍ(5)، وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَتَفَرَّقَ
النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ - وَسَيْفُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه
وسلم- مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ - فَأَخَذَ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاخْتَرَطَهُ(6)، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَتَخَافُنِي؟، قَالَ: " لَا
"، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟(7) قَالَ: اللهُ؛ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ،
فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ "، قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ.(8)
فَقَالَ: (أَتَشْهَدُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟)، قَالَ: لَا،
وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ، وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ
يُقَاتِلُونَكَ.
قَالَ جَابِرٌ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نِيَامٌ، إِذَا
رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُونَا،
فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ
السَّيْفَ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا
وَالسَّيْفُ فِي يَدِهِ صَلْتًا(9)،
فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟، فَقُلْتُ: اللهُ)؛
فَخَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
سَبِيلَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ:
قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ.(10)
الدرس الأول: حفظ الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وكذلك أتباعه
قال تعالى لنبيه بعد أمره بإبلاغ دعوته: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]
فهذه عِدَة من الله تعالى بحفظه -صلى الله عليه وسلم- من لحوق ضرر بنفسه الشريفة، وباعثٌ
له على الجدّ فيما أُمر به من التبليغ وعدم الاكتراث بعداوة الكافرين وكيدهم.(11)
فبلَّغ -صلى الله عليه
وسلم- أكمل تبليغ، ودعا وأنذر، وبشر ويسر، وعلم الجهال الأميين حتى صاروا
من العلماء الربانيين، وبلغ بقوله وفعله وكتبه ورسله.فلم يبق خير إلا دل أمته
عليه، ولا شر إلا حذرها عنه، وشهد له بالتبليغ أفاضل الأمة من الصحابة، فمن بعدهم
من أئمة الدين.(12)
وهذه صورة أخرى في غاية الوضوح في حفظ الله لنبيه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-،
قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ
أَظْهُرِكُمْ؟ قَالَ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ
رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ
وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ -صلى
الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ،
قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي
وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
-صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ
دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا).(13)
فالله عز وجل أمر نبيه بتبليغ رسالته إلى الناس
أجمعين وتكفل بحفظه وعصمته من كل أذى، وكذلك كل مَن تبع النبي -صلى الله عليه وسلم- على طريقته وحمل همَّ الدين على
كاهله.
- على قدر ما عند المسلم من
تقوى لله واتباع لنبيه، على قدر حفظ الله له وعصمته إياه
قال ابن القيم: وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم، وعصمته إياهم،
ودفاعه عنهم، وإعزازه لهم، ونصره لهم، بحسب نصيبهم من المتابعة، فمستقل ومستكثر،
فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.(14)
قال ابن القيم: من اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله إلى غيره
قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا
يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عباس: (احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك).فمن حفظ الله حفظه الله ووجده أمامه أينما توجّه،
ومَن كان الله حافظَه وأمامَه فممن يخاف ولمن يحذر؟.(15)
الدرس الثاني: حسن توكل النبي -صلى الله عليه وسلم- على الله وعظيم ثقته بالله
انظر وتأمل قوة هذا المشهد؛ حين قال الرجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد استل سيفه: أَتَخَافُنِي؟،
قَالَ: (لَا)،
قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: (اللهُ)؛ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ.
إنه التوكل على الله، قال تعالى: {وَعَلَى
اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل
عمران: 160]
قال ابن كثير: مَن توكَّل على
اللهِ كفاهُ اللهُ ما أهمَّه، وحَفِظَه مِن شَرِّ النَّاسِ وعَصَمَه.(16)
- من وثق بالله وبحفظه، نجاه من
كل ما أهمَّه ولو انعدمت الأسباب
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب لنا أروع الأمثلة في الثقة
بالله واليقين بحفظه ومعيته حتى مع انعدام الأسباب، فعندما خرج -صلى الله عليه وسلم- من مكة مهاجرا ولحقه الكفار دخل
الغار؛ فحفظ الله نبيه من كيد الكفار، وحرسه بعينه التي لا تنام، عن أَبي
بَكْرٍ الصِّدِّيق -رضي الله عنه- قَالَ:
نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ
أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: (يَا
أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا).(17)
ونزل في ذلك قول الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ
أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ
يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ
سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ
الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، قَالَهَا
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا
مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-، حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173].(18)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ آخِرَ
قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ
الوَكِيلُ.(19)
والله سبحانه عند ظن عبده به، عن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه-، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ
بِي مَا شَاءَ).(20)
فَلَا تَظُنَّنَّ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ...فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى
بِالْجَمِيلِ
ومعنى الثقة بالله: أن لا تسعى في طمعٍ ولا تتكلم
في طمعٍ، ولا ترجو دون الله، ولا تخاف أحدًا سواه، ولا تخشى من أحدٍ سواه، ولا
تحرك جوارحك إلا فيما يرضاه.(21)
والمسلمون في زمن الاستضعاف، يجب عليهم أن
يستحضروا دائمًا الثقة بالله، والتوكل عليه، واستمداد القوة منه، والركون إليه،
وأنه عز وجل ينصر من نصره، فإذا التجأ العبد إليه فقد أوى إلى ركن شديد.
الدرس الثالث: النبي -صلى
الله عليه وسلم- يعلمنا العفو عند المقدرة
من أخلاق النبي -صلى الله
عليه وسلم- العفو، و العفو هو: ترك المؤاخذة لمن أسرف في أذاه ومسامحته؛
مُتخلِّقًا في ذلك بأخلاق القرآن الكريم في قوله تعالى: {خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]
بل إن هذه الصفةَ الرفيعة
وُصف بها النبي -صلى الله
عليه وسلم- في التوراة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رضي الله
عنهما- قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ،
وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}
[الأحزاب: 45]، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي،
سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي
الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو
وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ
العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا
أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا).(22)
وصُوَر عفوِه -صلى الله
عليه وسلم- أكثرُ من أن تحصى، نذكر منها على سبيل المثال:
- عفوه عن أبي سفيان الذي فعل
ما فعل، وأدمى كبد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في أُحُد بقتل عمه وخيرة أصحابه، وحزَّب الأحزاب يوم الخندق ضد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وناصر القبائلَ ضده، وعلى الرغم من
كل ذلك يعفو عنه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يوم
فتح مكة، بل يمنُّ عليه بما يفخر به، وما كان يطمع في أكثر من أن يَهَب له حياته،
ولا يضرب عنقه، جزاء ما آذى به المسلمين، ولكن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يمنحه العفوَ وزيادة؛ إذ يقول: (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ).(23)
ويتجلَّى العفوُ عند
المقدرة في أروع صوره يوم فتح مكة، حينما دخلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منتصرًا، وجلس في المسجد والناس حوله والعيون
شاخصة إليه ينتظرون ما هو فاعلٌ اليوم بمشركي قريش الذين آذَوْه وأخرجوه من بلده
وقاتلوه، والآن هم أمامه لا ملجأ لهم ولا منجى؛ فتظهر مكارمُ أخلاقه، ويظهر عفوه؛
حيث قال -صلى الله عليه وسلم- (اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ).(24)
- وكذلك عفوه -صلى الله عليه وسلم- عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي
سَحَر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فعفا عنه ولم
يعاقبه، وإنما اكتفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (شَفَانِي اللَّهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى
النَّاسِ شَرًّا).(25)
- وعفوه عن اليهودية التي أهدته
الشاةَ المسمومة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-
أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه
وسلم- بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ:
أَلاَ نَقْتُلُهَا، قَالَ: (لاَ).(26)
وهذا كله يؤكد أن رضاه وسخطه وعفو وعقوبته -صلى الله عليه وسلم- إنما كان لله، لا لهوًى في نفسه،
وأن جانبَ الرحمة والصفح والمغفرة كان دائمًا هو البارز والواضح من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-.عن أَبي عَبْدِ اللَّهِ
الجَدَلِيَّ قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها-، عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: (لَمْ
يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ، وَلَا
يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ).(27)
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-،
أَنَّهَا قَالَتْ: مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ
حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ.(28)
- النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نتخلق بخلق العفو لعظيم
أثره في الدنيا وعظيم أجره في الآخرة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا،
وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ).(29)
عن مُعَاذ بن أنس -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ
عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ).(30)
عن أَبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيّ -رضي الله عنه-،
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
يَقُولُ: (ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ:
مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ
عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ
إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ).(31)
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو -رضي الله عنهما-
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-
عَلَى مِنْبَرِهِ يَقُولُ: (ارْحَمُوا
تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ).(32)
وعن جَرِير بن عبد الله -رضي الله عنه-
قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ، وَمَنْ لاَ
يَغْفِرْ لاَ يُغْفَرْ لَهُ).(33)
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه-
قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-
فَقَالَ لِي: (يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ،
صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ).(34)
-
الدرس الرابع: الخلق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام
والهداية، والاستقامة
ولهذا من تتبَّع سيرة
النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد أنه كان يلازم
الخلق الحسن في سائر أحواله وخاصة في دعوته إلى اللَّه تعالى، فأقبل الناس ودخلوا
في دين اللَّه أفواجًا بفضل اللَّه تعالى ثم بفضل حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم-، فكم دخل من الناس في الإسلام بسبب
خلقه العظيم.
- فهذا الرجل يرجع إلى قومه ويقول (جئتكم
من عند خير الناس)، ثم يدعو قومه للإسلام
فأسلم منهم خلق كثير.(35)
- ويسلم ثمامة بن أثال متأثرًا
بكرم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفحه، ويقول (وَاللَّهِ
مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ
وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ
إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ).(36)
- وهذا أعرابي يتأثر برحمته -صلى الله عليه وسلم-،
فيدعو بالرحمة لنفسه وللنبي -صلى الله عليه وسلم-
فقط فيقول ( اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
وَمُحَمَّدًا، وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا).ولم
يتركه على تحجيره رحمة اللَّه التي وسعت كل شيء، بل قال له (لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا).(37)
- ويعطي رَجُلًا غَنَمًا بَيْنَ
جَبَلَيْنِ، فيتأثر بكرمه وسخائه فيأتي قَوْمَهُ فَيقول: (أَيْ
قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ
الْفَقْرَ).(38)
فانظر ماذا تفعل الأخلاق بالناس، فإذا لم نسع
الناسَ بأموالنا فلنسعهم بأخلاقنا
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-:
(إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ
بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ
الْخُلُقِ).(39)
قال إبراهيم بن العباس: والله لو وُزنتْ كلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمحاسن الناس لرجحت بها.(40)
--
(1) أي ناحيتها وهي ما بين الحجاز إلى الشام ومنها المدينة
والطائف.
(2) أَيْ: عاد ورجع.
(3) أَيْ: النوم بعد الظهيرة.
(4) شجرٌ له شوك عظيم
(5) شجرةٌ ذاتُ شوك
(6) أَي سَلَّه
(7) أَيْ: يحميك وينصرك.
(8) أي: خَيْرَ آسِرٍ، والأخِيذُ: الأسِيرُ
(9) أي مسلولا
(10) رواه أحمد (3/ 311) والبخاري (2910) ومسلم (843)
(11) تفسير القاسمي (4/ 192)
(12) تفسير السعدي (ص: 239)
(13) رواه مسلم
(2797)
(14) زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 26)
(15) بدائع الفوائد (2/ 239)
(16) تفسير ابن كثير (3/ 64)
(17) رواه البخاري (4663) ومسلم (2381)
(18) رواه البخاري (4563)
(19) رواه البخاري (4564)
(20) رواه أحمد (3/ 491) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث
الصحيحة (4/ 225) وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(21) حلية الأولياء (8/ 61) بتصرف
(22) رواه البخاري (2125)
(23) رواه مسلم (1780)
(24) رواه ابن إسحاق في السيرة (4/31 - 32)، وعنه الطبري في
التاريخ (3/120) وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3/ 308)
(25) رواه البخاري (6063) ومسلم (2189)
(26) رواه البخاري (2617) ومسلم (2190)
(27) رواه الترمذي (2016) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح
(3/ 1619)
(28) رواه البخاري (6126) ومسلم (2327)
(29) رواه مسلم (2588)
(30) رواه أبو داود (4777) والترمذي (2021) وحسنه الألباني
في صحيح الجامع(2/ 1112)
(31) رواه الترمذي (2325) وصححه الألباني في صحيح الترغيب
والترهيب (2/ 641)
(32) رواه أحمد (2/ 219) وصححه الألباني في صحيح الترغيب
والترهيب (2/ 641)
(33) رواه أحمد (4/ 365) وصححه لغيره الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب (2/ 642)
(34) رواه أحمد (4/ 158) وصححه لغيره الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب (2/ 642)
(35) راجع فتح الباري لابن حجر (7/ 428)
(36) رواه البخاري (4372) ومسلم (1764) من حديث أبي هريرة
-رضي الله عنه-
(37) رواه البخاري (6010) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
(38) رواه مسلم (2312) من حديث أنس -رضي الله عنه-
(39) رواه البزار (8544) وأبو يعلى (6550) وحسنه ابن حجر في
فتح الباري لابن حجر (10/ 459) والألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 13)
(40) البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي (6/ 204)