تأملات في سورة الإخلاص (1)
لماذا سميت بسورة الإخلاص؟
سبب نزولها
فضلها ومكانتها وثوابها
سورة الإخلاص مكية في قول ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي. (1)
لماذا سمِّيَت بسورة الإخلاص؟
قال ابن الأثير: سمِّيَت بذلك لأنَّها خالِصة في صِفة الله تعالى وتقدَّس، أو لأن اللافظ بها قد أخلَص التوحيد لله عز وجل، وسمِّيَت كذلك - لا إله إلَّا الله - كلمة الإخلاص؛ لأن اللافظ بها قد أخلص التوحيد لله عزَّ وجل. (2)
وسورة الإخلاص فسَّر بعضها بعضا، فإذا سألتَ من الإله المعبود؟ هو الله. ومن الله؟ الأحد. ومن الأحد؟ الصمد، ومن الصمد؟ الذي لم يلد ولم يولد، ومن الذي لم يلد ولم يولد؟ الذي لم يكن له كفوا أحد. (3)
سبب نزولها:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}. (4)
فضلها ومكانتها وثوابها
- من أعظم سور القرآن إن لم تكن أعظمها على الإطلاق
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: ( يَا عُقْبَةُ بْنَ عَامِرٍ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ سُوَرًا مَا أُنْزِلَتْ فِي التَّوْرَاةِ وَلاَ فِي الزَّبُورِ وَلاَ فِي الإِنْجِيلِ وَلاَ فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهُنَّ، لاَ يَأْتِيَنَّ عَلَيْكَ لَيْلَةٌ إِلاَّ قَرَأْتَهُنَّ فِيهَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وَ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}). ، قَالَ عُقْبَةُ: فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ إِلاَّ قَرَأْتُهُنَّ فِيهَا، وَحُقَّ لِي أَنْ لاَ أَدَعَهُنَّ وَقَدْ أَمَرَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. (5)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( نعم السورتان هما، تقرآن في ركعتي الفجر: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد ). (6)
- هي دليل على صدق إيمان ومعرفة قارئها لربه تعالى
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ( هَذَا عَبْدٌ عَرَفَ رَبَّهُ )، وَقَرَأَ فِي الْآخِرَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى انْقَضَتِ السُّورَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ( هَذَا عَبْدٌ آمَنَ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ). (7)
قال البدر العيني -رحمه الله-: إنما قال ذلك عند قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}؛ لأنها تشتمل على نفي العبادة لغير الله تعالى، ونفي التوحيد عن غيره، فهذا هو عين الإيمان؛ ولذلك قال عند قراءة سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: هذا عبد عرف ربه؛ لأنها تشتمل على صفات الله تعالى، فمن قرأها فقد عرف ربه بالوحدانية والصمدية، وبأن لا والد ولا ولد له،
ولا كفء له ولا نظير وأنه فردٌ صمد أحد واحد، تعالى الله وتقدس. (8)
- تعدل ثلث القرآن
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ). (9)
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ ) قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ). (10)
وفي لفظ عند مسلم: ( إِنَّ اللهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( احْشُدُوا، فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ )، فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَرَأَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: ( إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ). (11)
لماذا عدلت ثلث القرآن؟
قال ابن تيمية: لأن القرآن ثلاثة أقسام قسم توحيد وقسم قصص وقسم أمر ونهي وهذه السورة فيها التوحيد وحده. فالقرآن كلام الله، والكلام إما إنشاء وإما إخبار، والإخبار إما عن الخالق وإما عن المخلوق، فصار ثلاثة أجزاء: جزء أمر ونهي وإباحة وهو الإنشاء، وجزء إخبار عن المخلوقين، وجزء إخبار عن الخالق، وليس في القرآن سورة هي وصف الرحمن محضا إلا هذه السورة. (12)
- ولأنها سورة جمعت جميع أوصاف الكمال
قال القرطبي: اشتملت { قل هو الله أحد } على اسمين يتضمنان جميع أوصاف الكمال وهما الأحد والصمد: فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال، فالأحد في أسماء الله تعالى مشعر بوجوده الخاص به الذي لا يشاركه فيه غيره وأما الصمد فإنه يتضمن جميع أوصاف الكمال لأن معناه الذي انتهى سؤدده بحيث يصمد إليه في الحوائج كلها وهو لا يتم حقيقة إلا لله. . . . . ولذلك عادلت ثلث القرآن. (13)
- وهي السورة التي جمعت أصول التوحيد
قال ابن القيم -رحمه الله-: سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، لأن في اسمه الصمد إثبات كل الكمال، وفي نفي الكفء التنزيه عن الشبيه والمثال. وفي الأحد نفي كل شريك لذي الجلال، وهذه الأصول الثلاثة هي مجامع التوحيد. (14)
إذا كانت سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، فهل يُستغنى بها عن بقية القرآن؟
قال شيخ الإسلام: إذا قرأ الإنسان {قل هو الله أحد} حصل له ثواب بقدر ثواب ثلث القرآن؛ لكن لا يجب أن يكون الثواب من جنس الثواب الحاصل ببقية القرآن بل قد يحتاج إلى جنس الثواب الحاصل بالأمر والنهي والقصص فلا تسد ( {قل هو الله أحد} مسدّ ذلك ولا تقوم مقامه. . . فالمعارف التي تحصل بقراءة سائر القرآن لا تحصل بمجرد قراءة هذه السورة فيكون من قرأ القرآن كله أفضل ممن قرأها ثلاث مرات من هذه الجهة لتنوع الثواب وإن كان قارئ ( {قل هو الله أحد} ثلاثا يحصل له ثواب بقدر ذلك الثواب لكنه جنس واحد ليس فيه الأنواع التي يحتاج إليها العبد؛ كمن معه ثلاثة آلاف دينار وآخر معه طعام ولباس ومساكن ونقد يعدل ثلاثة آلاف دينار؛ فإن هذا معه ما ينتفع به في جميع أموره وذاك محتاج إلى ما مع هذا وإن كان ما معه يعدل ما مع هذا. (15)
- الدعاء بها مستجاب لأنها حوت اسم الله الأعظم
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )، قَالَ: فَقَالَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ
الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ). (16)
قال ابن القيم: فأخبر أن هذا هو الاسم الأعظم لما تضمنه من الحمد والثناء والمجد والتوحيد، ولمحبة الرب تعالى لذلك أجاب من دعا به. (17)
وعن مِحْجَن بْن الْأَدْرَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ، وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اَللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ: فَقَالَ: ( قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ ) ثَلَاثًا. (18)
- أعظم ما يُرد به وسوسة الشيطان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( لاَ يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ حَتَّى يُقَالُ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ ). قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَاللَّهِ، إِنِّي لَجَالِسٌ يَوْمًا إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَعَلْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنَيَّ، ثُمَّ صِحْتُ، فَقُلْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. (19)
- سبب لمغفرة الذنوب
عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، قَالَ: ( أَمَّا هَذَا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الشِّرْكِ )، وَسَمِعَ آخَرَ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} فَقَالَ: ( أَمَّا هَذَا فَقَدْ غُفِرَ لَهُ ). (20)
- توجب لصاحبها ومحبها الجنة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( وَجَبَتْ ). قُلْتُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: ( الجَنَّةُ ). (21)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَقْرَأُ بِهَا، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِيكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، قَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ. فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ. فَقَالَ: ( يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ )؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ ). (22)
قال ابن القيم: دلّ الحديث على أن مَن أحب صفات الله أحبه اللهُ وأدخله الجنة. (23)
- يُبنى لقارئها بيت في الجنة:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ، بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ ). فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذًا نَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ ). (24)
- حصنٌ حصين وحرزٌ متين لمن تعوَّذ بها
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( قُلْ ) قُلْتُ: وَمَا أَقُولُ؟ قَالَ: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) فَقَرَأَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ: ( لَمْ يَتَعَوَّذِ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ، أَوْ لَا يَتَعَوَّذُ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ ). (25)
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. (26)
- تكفي صاحبها شر كل ذي شر
عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ، وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: ( قُلْ ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ( قُلْ ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ( قُلْ ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: ( قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ). (27)
قال الطيبي: تكْفِيكَ كُلَّ شَيْءٍ: أي قراءة السور الثلاث صباحا ومساء تدفع عنك كل سوء. (28)
- حبها سبب لمحبة الله للعبد
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: ( سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ ) فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ ). (29)
قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون سبب محبة الله له محبته لهذه السورة ويحتمل أن يكون لما دل عليه كلامه لأن محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده. (30)
---
(1) تفسير الطبري (24/ 727) وتفسير البغوي (5/ 329) وتفسير ابن كثير (8/ 488) .
(2) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 61) و لسان العرب لابن منظور (7/ 26)
(3) تفسير القشيري (3/ 783)
(4) رواه الهروي في ذم الكلام وأهله (4/ 109) والبيهقي في الأسماء والصفات (606) وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 356)، ورواه الترمذي (3364) من حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فأنزل الحديث، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (7/ 364)
(5) رواه أحمد (4/ 158) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 298) وصححه الألباني في الصحيحة (6/ 859)
(6) رواه أحمد (6/ 239) وابن ماجه (1150) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1146)
(7) رواه والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 298) وابن حبان (2460) وصححه الألباني في التعليقات الحسان (4/ 200)
(8) نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار للبدر العيني (5/ 133)
(9) رواه البخاري (5013)
(10) رواه مسلم (811) ورواه البخاري (5015) من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.
(11) رواه مسلم (812)
(12) بيان تلبيس الجهمية (4/ 541) ومجموع الفتاوى (17/ 134) ومنهاج السنة النبوية (3/ 291)
(13) فتح الباري لابن حجر (13/ 357)
(14) الطب النبوي لابن القيم (ص: 134)
(15) مجموع الفتاوى (17/ 138)
(16) رواه أبو داود (1493) والترمذي (3475) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/ 708)
(17) الصواعق المرسلة (4/ 1487)
(18) رواه أبو داود (985) وصححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (4/ 140)
(19) رواه أحمد (2/ 387) وأبو داود (4722) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1359)
(20) رواه أحمد (4/ 65) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 938)
(21) رواه الترمذي (2897) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (6/ 397 )
(22) رواه البخاري معلقا (1/ 155) ووصله الترمذي عن البخاري في سننه (2901) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 657)
(23) مفتاح دار السعادة (1/ 77)
(24) رواه أحمد (3/ 437) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1104) ومعنى قوله: إذا نستكثر، أي: نطلب من الله تعالى الأجر الكثير بأن نقرأ العشرات مراراً. وقوله: "الله أكثر"، أي: أجره أكثر مما تستحقونه بأعمالكم، أو من كل كثير، وأطيب من كل طيب، فاستكثروا منه.
(25) رواه النسائي في المجتبى (8/ 251)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1316)
(26) رواه البخاري (5017)
(27) رواه أبو داود (5082) والنسائي (8/ 250) وحسنه الألباني في صحيح النسائي (11/ 428)
(28) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري (7/ 239)
(29) رواه البخاري (7375) ومسلم (813)
(30) فتح الباري لابن حجر (13/ 357)