منْـــــزِلَةُ الْمُحَـــــاسِبَةِ
إن من عادة التجار أن يقوموا بجرد لحساباتهم ليقفوا على ما أنتجوه، حتى يعلموا أأرباح تحققت لديهم أم خسائر؟! ، ومع ذلك يغفل الكثير من الناس عن محاسبة نفسه على ما مضى من عمره، أخيرٌ قدم فيسعد ويبشر بفضل من الله ورضوان، ثم يسأل ربه الثبات على الطاعة إلى الممات فإن المرء لا يدري بما يختم له من العمل، أم أساء فيفيق من غفلته ويتوب إلى ربه ويحسن فيما بقي من عمره.
فلا تكونوا من الغافلين. . . . . . . فقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى من الغفلة وحثنا على التقوى ومحاسبة النفس وضرورة ادخار العمل الصالح ليوم القيامة حتى نكون من الناجين يوم يقوم الناس لرب العالمين، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 18 - 20]
فأمر الله عباده أن يجعلوا لأنفسهم وقاية من عذابه بأداء الفرائض واجتناب المعاصي؛ فقال سبحانه: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }؛ قال الطبري: " ولينظر أحدكم ما قدّم ليوم القيامة من الأعمال، أمن الصالحات التي تنجيه أم من السيئات التي توبقه؟"(1).
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، {وَاتَّقُوا اللَّهَ } تأكيد ثان، { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير"(2).
معنى المحاسبة
ومعنى المحاسبة كما يقول الهروي: هِيَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ، فَيَسْتَصْحِبُ مَا لَهُ، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرَ مَنْ لَا يَعُودُ.
وَلَا تَكُونُ الْمُحَاسَبَةُ إِلَّا بَعْدَ تَصْحِيحِ التَّوْبَةِ.
وَقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- : "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَتُزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18]
أَوْ قَالَ: عَلَى مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أَعْمَالُكُمْ"(3).
إذن قبل المحاسبة لا بد من المبادرة بالتوبة.
كيف يحاسب المرء نفسه؟
قال الماوردي: " ثُمَّ عَلَيْهِ-أي الإنسان- أَنْ يَتَصَفَّحَ فِي لَيْلِهِ مَا صَدَرَ مِنْ أَفْعَالِ نَهَارِهِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ أَخْطَرُ لِلْخَاطِرِ وَأَجْمَعُ لِلْفِكْرِ. فَإِنْ كَانَ مَحْمُودًا أَمْضَاهُ وَأَتْبَعَهُ بِمَا شَاكَلَهُ وَضَاهَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا اسْتَدْرَكَهُ إنْ أَمْكَنَ وَانْتَهَى عَنْ مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ"(4).
فالمحاسبة أن تخلو بنفسك ولو دقائق تحاورها: ماذا فعلت؟ ماذا قلت؟ لِمَ أعطيت؟ لِمَ غضبت؟ لِمَ رضيت؟ لِمَ منعت؟ لِمَ وصلت؟ لم قطعت؟ لماذا تركت كذا؟ ولماذا فعلت كذا؟ هيئ نفسك بهذه الأسئلة للعرض على الله تبارك وتعالى، وضع لكل سؤال منها جواب.
ولنعلم أن محاسبة النفس في الدنيا أهون بكثير من محاسبة الآخرة.
قال مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ يقول: " رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ: أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا؟ ثُمَّ ذَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ لَهَا قَائِدًا"(5).
وقال يونس بن عبيد: "الورع الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس في كل طرفة عين"(6).
هكذا كان حال الصحابة والتابعين لهم والصالحين من هذه الأمة، حالهم كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 60، 61]
ومن الأسباب التي تساعد على محاسبة النفس:
- أن تقايس بين نعم الله عليك وما جنيت من المعاصي:
وَبِهَذِهِ الْمُقَايَسَةِ يَتَبَيَّنُ لَكَ حَقِيقَةُ النَّفْسِ وَصِفَاتُهَا، وَعَظْمَةُ جَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَفَرُّدِ الرَّبِّ بِالْكَمَالِ وَالْإِفْضَالِ، وَأَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلَّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، فَإِذَا قَايَسْتَ ظَهَرَ لَكَ أَنَّهَا مَنْبَعُ كُلِّ شَرٍّ، وَأَسَاسُ كُلِّ نَقْصٍ، فَهُنَاكَ تَقُولُ حَقًّا " أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي "(7).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- ، أنَّه قَالَ: "لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَمْقُتَ النَّاسَ فِي جَنْبِ اللَّهِ، ثُمَّ تَرْجِعَ إِلَى نَفْسِكَ فَتَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتًا"(8).
-عدم الرضا والاغترار بالطاعة:
قال ابن القيم: "رِضَاءُ الْعَبْدِ بِطَاعَتِهِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ، وَجَهْلِهِ بِحُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَجَبِ وَالْكِبْرِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْكَبَائِرِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَنَحْوِهَا.
وَأَرْبَابُ الْعَزَائِمِ وَالْبَصَائِرِ أَشَدُّ مَا يَكُونُونَ اسْتِغْفَارًا عُقَيْبَ الطَّاعَاتِ، لِشُهُودِهِمْ تَقْصِيرَهُمْ فِيهَا، وَتَرْكَ الْقِيَامِ لِلَّهِ بِهَا كَمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلَا الْأَمْرُ لَمَا أَقْدَمَ أَحَدُهُمْ عَلَى مَثَلِ هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلَا رَضِيَهَا لِسَيِّدِهِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَفْدَهُ وَحُجَّاجَ بَيْتِهِ بِأَنْ يَسْتَغْفِرُوهُ عُقَيْبَ إِفَاضَتِهِمْ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَهُوَ أَجَلُّ الْمَوَاقِفِ وَأَفْضَلُهَا، فَقَالَ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198، 199]
وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]
قَالَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ: "مَدُّوا الصَّلَاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ جَلَسُوا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ"(9)،
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، "كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ اسْتَغَفْرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"، وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَالْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ أَعْبَائِهَا، وَقَضَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ، وَاقْتِرَابِ أَجَلِهِ، فَقَالَ فِي آخِرِ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [النصر: 1 - 3].
فَهَذَا شَأْنُ مَنْ عَرَفَ مَا يَنْبَغِي لِلَّهِ، وَيَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعُبُودِيَّةِ وَشَرَائِطِهَا، لَا جَهْلَ أَصْحَابِ الدَّعَاوِي وَشَطَحَاتِهِمْ(10).
السلف ومحاسبة النفس
-ومن الأسباب التي تعين على محاسبة النفس:
الاطلاع على أخبار السلف في محاسبتهم لأنفسهم، فعليك إن كنت من المحاسبين لنفسك أن تطالع أحوال الرجال والنساء من المجتهدين؛ لينبعث نشاطك ويزيد حرصك.
ومن تتبع سير سلفنا الصالح وجدهم من أشد الناس محاسبة لأنفسهم، فما يصدر من أحدهم تقصير أو زلة إلا ويسارع في معالجتها مع معاقبة نفسه على تقصيره، و من أعظم الناس محاسبة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان أشد الناس محاسبة مع عظم مكانته في الإسلام وهو الذي صحب النبي-صلى الله عليه وسلم- وبشره بالجنة ومات -صلى الله عليه وسلم- وهو عنه راضٍ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- وَخَرَجْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، بَخٍ بَخٍ، وَاللَّهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ(11).
وعن الأحنف بن قيس -رضي الله عنه- أن رجلًا لقي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ، فقال: "يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان فإنه ظلمني". قال: فرفع الدرة فخفق بها رأسه، وقال: "تدعون عمر وهو مُعرِضٌ لكم حتى إذا اشتغل بأمرٍ من أمور المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني".
فانصرف الرجل وهو يتذمّر، فقال عمر -رضي الله عنه- : "عليّ بالرجل"، فألقى إليه المخِفقة، فقال: "أمسك"، قال: "لا ولكن أدعها لله ولك"، قال: "ليس كذلك، إما تدعها لله وإرادة ما عنده، أو تدعها لي فأعلم ذلك". قال: "أدعها لله"، قال: "انصرف". ثم جاء يمشي حتى دخل منزلة، ونحن معه، فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين، ثم جلس، فقال: "يا ابن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزّك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، لجاء رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ "، فجعل يعاتب نفسه(12).
وهذا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ يقول: " مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ أُعَالِجُ أَغْلَالَهَا وَسَعِيرَهَا، وَآكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا، فَقُلْتُ: يَا نَفْسِي، أَيَّ شَيْءٍ تَشْتَهِينَ؟ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا أَعْمَلُ عَمَلًا أَنْجُو بِهِ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ، وَمَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ مَعَ حُورِهَا، وَأَلْبَسُ مِنْ سُنْدُسِهَا وَإِسْتَبْرَقِهَا وَحَرِيرِهَا، فَقُلْتُ: يَا نَفْسِي، أَيَّ شَيْءٍ تَشْتَهِينَ؟ قَالَتْ: أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلُ عَمَلًا أَزْدَادُ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ. فَقُلْتُ: أَنْتِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُمْنِيَّةِ "(13).
وكان أَيُّوبَ السختياني يَقُولُ: "إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ كُنْتُ عَنْهُمْ بِمَعْزِلٍ"(14).
ثمرات محاسبة النفوس
وفي محاسبة النفس صلاح القلب وسلامته، وهلاك القلب في إهمال محاسبتها وموافقتها واتباع هواها، ومن ثمرات المحاسبة:
1-الاطلاع على عيوب النفس:
وهذا يورث العبد انكسارًا وتذللًا لله عز وجل، ويورث مخافة الله جل جلاله ومهابة لقائه، وفي ذلك دافع للإقبال على كل خير، كما في الحديث عن أَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الجَنَّةُ"(15).
فمن خشي الله أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر، والخوف من لوازمه الإقبال على عمل الآخرة والمبادرة بالعمل الصالح خوف القواطع والعوائق(16).
2-التعرف على حق الله عليك:
قال ابن القيم: "فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله على العباد فإن ذلك يورثه مقت نفسه والإزراء عليها ويخلصه من العجب ورؤية العمل ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه واليأس من نفسه وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر، فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه علم علم اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة وأنه إن أحيل على عمله هلك فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته، وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك ينظرون في حقهم على الله ولا ينظرون في حق الله عليهم ومن ههنا انقطعوا عن الله وحجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه"(17).
3-تزكية النفس وتطهيرها:
وقد قال الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10]
والمعنى: قد أفلح من زكى نفسه، أي: بطاعة الله -كما قال قتادة-وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل، { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل(18).
ومن ثمرات محاسبة النفس أيضًا:
4-من حاسب نفسه حسن ثوابه وعظم جزاؤه:
قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]
قال ابن كثير: "أي: خاف القيام بين يدي الله عز وجل، وخاف حُكْمَ الله فيه، ونهى نفسه عن هواها، ورَدها إلى طاعة مولاها { فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } أي: منقلبه ومصيره ومرجعه إلى الجنة الفيحاء"(19).
5-دليل على صلاح الإنسان:
قال الحسن البصري: "إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِهِ وَكَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّهِ"(20).
---
(1) انظر تفسير الطبري(23/ 299).
(2) تفسير ابن كثير(8/ 77).
(3) انظر مدارج السالكين لابن القيم(1/ 187).
(4) أدب الدنيا والدين للماوردي(ص: 356).
(5) اعتلال القلوب للخرائطي (38).
(6) مدارج السالكين لابن القيم(2/ 22).
(7) انظر مدارج السالكين لابن القيم(1/ 187).
(8) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(34584).
(9) مختصر قيام الليل لابن نصر المروزي(ص: 96).
(10) انظر مدارج السالكين لابن القيم(1/ 187).
(11) أخرجه مالك في الموطأ(2837).
(12) مناقب أمير المؤمنين عمر لابن الجوزي(ص: 111).
(13) حلية الأولياء لأبي نعيم (4/ 211).
(14) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم(3/ 5).
(15) أخرجه الترمذي(2450)، وصححه الألباني في الجامع الصغير (11167).
(16) انظر فيض القدير للمناوي(6/ 159).
(17) إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم (1/ 88).
(18) تفسير ابن كثير (8/ 412).
(19) تفسير ابن كثير(8/ 318).
(20) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم(2/ 146)، و محاسبة النفس لابن أبي الدنيا(ص: 7).