تذكير الآباء بضرورة تربية الأبناء
عناصر الخطبة :
أهمية الموضوع
الأبناء نعمة
الأبناء أمانة
أثر إهمال التربية
مفهوم التربية
بعض جوانب التربية
مقدمة : إن تربية الأبناء عمل عظيم، حريّ أن تُبذل فيه الأوقات والأموال والطاقات، بل صار في هذه الأيام - خاصة - من الأمور المهمة والقضايا الملحة ، لما نراه من ضياع المبادئ والأصول عند كثير من أبنائنا وشبابنا ، واسأل بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا وأسواقنا تنبيك الخبر.
- أهميةُ الموضوع
1- التربية هي امتداد لمنهج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من بعده والسلف الصالح.
2- الناظرُ لواقعِ الأمة يجدُ وضعاً سيئاً لم يمر عليها طوالَ الأزمنةِ المتقدمة، لقد أوشكت أن تعدم كثيرٌ من المبادئِ والأصول الإسلامية في بعض مجتمعاتنا ، وبالتربية يمكنُ معالجةُ هذا الوضع.
3- إيجادُ الحصانة الذاتية لدى الولد، فلا يتأثرُ بما يقابلهُ من شهوات وشبهات.
4- التربيةُ مهمة لتحمل الشدائد والمصائب، والفتن التي قد يواجهها الولد في مستقبل حياته .
5- التربية تهيئ الولد للقيام بدوره المنوط به ؛ لنفع نفسه ونفع مجتمعه وأمته.
6- وجود الحملة الشرسة ، لإفسادِ المجتمعِ من قِبَل أعداء الإسلام، فلابد أن تُقابل بتربيةٍ للأولادِ حتى يستطيعوا دفعها عن أنفسهم ومجتمعهم .
7- التربيةُ تحققُ الأمنَ الفكري للولدِ، فتبعدهُ عن الغلو، وتحميهِ من الأفكارِ المضادةِ للإسلام، كالعلمانية وغيرها.
8- تقصير المؤسساتِ التربويةِ الأخرى، في أداء وظيفتها التربويةِ كالمدرسة والمسجد .
9- ظهور الموبقات والرذائل جهارا نهارا في الشوارع والأماكن العامة من بعض أبناء المسلمين.
- الأبناء نعمة من النعم
إن الأولاد من أعظم نعم الله على عباده التي تلتقي مع فطرهم وغرائزهم ، ولهذا ذكر الله من مننه على خيار خلقه الأزواج والذرية فقال سبحانه { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] وكما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46].
وقال تعالى: { وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}. [النحل: 72].
والنفس البشرية جبلت على حب الأولاد والذرية الصالحة ، قال تعالى عن زكريا: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}. [آل عمران: 38].
وقال تعالى حين ذكرَ صفات عباد الرحمن :{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]
والأبناء ذُخرٌ لآبائهم ورفع لدرجاتهم في الآخرة ، إذا أحسن الآباء تربيتهم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: (( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )).(1)
وقال تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21]
- الأبناء أمانة عند الوالدين
قال الغزالي -رحمه الله- : الصَّبِيُّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ ، وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ فيه ، فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَشَارَكَهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ عَلَيْهِ.(2) وقد صرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوظيفة الوالدين في تربية الأولاد ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : (( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ )).(3)
وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا }[التَّحْرِيمِ: 6].
قال عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- ، : عَلِّمُوهُمْ، وَأَدِّبُوهُمْ.
وقال ابْن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- : اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، ومُروا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ، يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.
وقال قَتَادَة -رحمه الله- : يَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ اللَّهِ يَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً رَدَعْتَهُمْ عَنْهَا، وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا.
قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ، مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.(4)
ولقد اشتد حرص السلف على مباشرة هذه المهمة الجسيمة، حتى أن المنصور بعث إلى مَن في الحبس من بني أمية، يقول لهم: ما أشدُّ ما مَرَّ بكم في هذا المحبس؟ ، فقالوا: ما فقدنا من تربية أولادنا.(5)
فالأولاد أمانة عند الوالدين كلفهم الله بحفظها ورعايتها وهم أولى الناس بالبر وأحقهم بالمعروف، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم فأنت قائم بالحق مأجور عليه. فكذلك بل أعظم منه إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة والمعارف الصادقة والتوجيه للأخلاق الحميدة والتحذير من ضدها.
وينشأُ ناشئُ الفتيـانِ منـَّا على ما كان عوَّدهُ أبـوه
وما دان الفتى بحجىً ولكن يعوِّدُه التدينَ أقربـوه
- إنها المسؤولية الثقيلة
إن مهمة تربية الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها ، خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب.(6)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا،.... فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).(7)
وعَنْ أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ)).(8)
قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لِرَجُلٍ: يَا هَذَا أَحْسِنْ أَدَبَ ابْنِكَ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عن أَدَبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وطاعته لك.
وعَنِ الْحَسَنِ البصري -رحمه الله- ، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ وَعَظَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ فَقَالَ: يَا أَهْلِي صَلَاتَكُمْ صَلَاتَكُمْ ، زَكَاتَكُمْ زَكَاتَكُمْ ، جِيرَانَكُمْ جِيرَانَكُمْ ، مَسَاكِينَكُمْ مَسَاكِينَكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى عَبْدٍ كَانَ هَذَا عَمَلهُ فَقَالَ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55].(9)
فعلى الآباء أن يستشعروا أهمية هذه التربية المنوطة بهم ، وأنه من الإساءة للأبناء والإخلال بالأمانة التي استودعها الله لهم أن يتركوهم بدون تربية وتوجيه.
يقول ابن القيم -رحمه الله- : وصيةُ الله للآباء سابقةٌ على وصية الأولاد بآبائهم، قال الله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ } [الإسراء: 31].(10)
- مظاهر الإهمال في التربية
للأسف تحوَّل كثيرٌ من الآباء في هذا الزمان إلى مجرد وزارة مالية ، وصارت المهمة تربية أبدان فارغة من العقول؟!
تحولت بعض أو كثير من بيوتنا من محضن تربوي إلى مجرد معلف أو لوكاندة أو فندق للنوم وفقط؟. هل يُعقل أن أبًا يمرُّ عليه أسابيع لا يرى أبناءه أو بعضهم؟
هذا الأبُ الذي يغيب عن حياة أبنائه ، ولا يجلس معهم إلا منهكا آخر الليل أمام الشاشة ليشاهد فيلما أو مسلسلا ولا يتكلم معهم في أي شيء يخصهم .. في أي خانة يوضع؟
أليس أمثال هؤلاء قد قدموا استقالة جماعية عن تربية أبناءهم ورعايتهم، أعني التربية فمفهومها الصحيح والرعاية بمعناها الشامل.
ألا يمكنُ أن يُعدَّ أبناءُ أمثالهم في عدادِ الأيتام ، أعني تربويا ، فإن بعض الآباء حيٌ لكنَّه كالميت، أبناؤه أيتام في حياة أبيهم.. كما قال الشاعر:
ليس اليتيمُ مَن انتهى أبواه مِنْ .. .. هَـمِّ الحياةِ وخلَّـفاه ذلـيلا
إنَّ اليــتــيمَ الــذي تَـلْــقَى لــه .. .. أُمَّاً تَخَلَّتْ أو أَبًا مَشْغُولا(11)
فمن الظلم إذا كان هذا حال المربين أن نسخط على أبنائنا لسوء خلقهم أو كثرة أخطائهم، أو قبح فعالهم.
قال ابن القيم -رحمه الله- : مَن أهمل تَعْلِيم وَلَدِه مَا يَنْفَعهُ وَتَركَه سُدى فقد أَسَاءَ إِلَيْهِ غَايَةَ الْإِسَاءَة وَأكْثرُ الْأَوْلَاد إِنَّمَا جَاءَ فسادُهم مِنْ قِبَلِ الْآبَاء وإهمَالِهم لَهُم وَترْكِ تعليمِهم فَرَائضَ الدّينِ وسُنَنِهِ فأضاعوهم صغَارًا فَلم ينتفعوا بِأَنْفسِهِم وَلم ينفعوا آبَاءَهُم كبارًا ، كَمَا عَاتَبَ بَعضُهم وَلَدَه على العقوق فَقَالَ : يَا أَبَتِ إِنَّك عققْتَني صَغِيرا فعققْتُك كَبِيرا وأضعْتَني وليدا فأضعْتُك شَيخا.(12)
وقال أيضًا: وَكم مِن إنسانٍ أَشْقَى وَلَدَه وفلذةَ كبدِه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بإهمالِه وَتركِ تأديبِه وإعانتِه لَهُ على شهواتِه وَيَزْعُمُ أَنه يُكرمُهُ وَقد أهانَه وَأَنه يرحمُه وَقد ظلمَه وَحرمَه ، ففاتَه انتفاعُه بولدِه وفوَّتَ عَلَيْهِ حَظَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، وَإِذا اعْتبرتَ الْفسادَ فِي الْأَوْلَادِ رَأَيْتَ عامتَهُ مِنْ قِبَلِ الْآبَاء.(13)
وما أجمل ما قال أحدهم: إن الأب الذي أهدى الدش إلى أبنائه إنما هو الذي أهدى أبناءه إلى الدش؛ ليربيهم ويوجههم وِفْقَ ما يريد، وهو بارعٌ في تلقينهم فنونَ العشقِ والغرام، فينشأون وقد تحطمت فيهم مبادئُ الخلُقِ والعفةِ والفضيلة.
عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ الْمُزَنِيّ -رضي الله عنه- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)).(14)
وفي رواية: (( فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ)).(15)
وعَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ)).(16)
ففي هذين الحديثين دليلٌ على عظم المسئولية الملقاة على عاتق الأبوين تجاه أبنائهم، وأن انشغالهم عنهم له عواقب وخيمة ونتائج محزنة.
- أثر إهمال تربية الأولاد على الولد وعلى المجتمع
- ظهور أجيال ليس لها أي أهداف ولا غايات.
- ضياع الأصول والمبادئ والقيم في مجتمعاتنا.
- انتشار الفواحش والأمراض الأخلاقية في المجتمع.
- ظهور العقوق والتفكك الأسري وعقوق الوالدين.
- انحطاط الأمة الإسلامية وذلها لأعداء الدين ، فالأمة بشبابها بعد إيمانها بربها.
- مفهومُ التربية :
هي : تنشئةُ المسلمِ وإعدادهُ إعداداً كاملا ًمن جميع جوانبه، لحياتي الدنيا والآخرة في ضوء الإسلام وإن شئتَ قُل : هي الصياغةُ المتكاملة للفرد والمجتمع على وفقِ شرع الله تعالى.
- جوانب التربية :
إن التربية ليست قاصرة على تربية الجسم فقط، وليست قاصرة على تعريفِ الولدِ ببعض الأخلاقِ والآداب فقط، بل هي أوسعُ وأشمل من هذا وإليك بعض جوانبها :
- التربية على الاعتقاد الصحيح
خير ما يُربى عليه الأبناء، وآكد وأوجب ما يُراعى في تربية الأبناء : التربية الإيمانية، فأول ما يغرس الوالدان في قلب الولد الإيمان بالله عز وجل الذي من أجله خلق الله خلقه وأوجدهم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] .
وقال الله تعالى عن لقمان في وصيته لولده : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ، فأول ما ابتدأ به وأول ما دله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه، أن ذكرهُ بحق الله جل جلاله، وبين له أن ضياع هذا الحق هو الظلم العظيم؛ لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه.(17)
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما- (( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )).(18)
- تنمية المراقبة الذاتية في نفوس الأبناء
لقد ركز منهج الإسلام في التربية على تنمية جانب المراقبة لله عزَّ وجلَّ في النفس الإنسانية خصوصًا الأبناء، قال الله تعالى عن لقمان الذي أرشد ولدَه إلى هذه المراقبة: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16]
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ )).(19)
- التربية على الصلاة وسائر الواجبات
قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين تبعا له{ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]
وأثنى الله على نبيه إسماعيل عليه السلام :{ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]
وعَنْ عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)).(20)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع)).(21)
قال البيهقي -رحمه الله- في السنن الكبرى: باب ما على الآباء والأمهات من تعليم الصبيان أمر الطهارة والصلاة. ثم ساق بسنده الحديث المتقدم.(22)
- التربية على الصوم إذا أطاقوه
قال ابن حجر -رحمه الله- : واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري، وقال به الشافعي أنهم يؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه.(23)
- وكذا الحج
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- ، قَالَ: رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: (( نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ )).(24)
- تعليم الأبناء القرآن الكريم
عَنْ عُثْمَانَ بن عفان -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )).(25)
وللأبوين الأجر العظيم إذا صبرا على تعليم ولدهما القرآن ، عن بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِينَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ )).(26)
قال السيوطي -رحمه الله- : تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشأون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكين الأهواء منها، وسوادها بأكدار المعصية والضلال.
يقول أبو بكر بن العربي -رحمه الله- : وللقوم في التعليم سيرة بديعة وهي أن الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى المكتب.(27)
قال البخاري -رحمه الله- في صحيحه : بَابُ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ القُرْآنَ.
ثم ساق أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول - مفتخرًا بما مَنّ الله عليه -: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَقَدْ قَرَأْتُ المُحْكَمَ.(28)
قال الشَّافِعِيّ -رحمه الله- : حَفِظْت الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَحَفِظْت الْمُوَطَّأَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ.(29)
- تعليمهم الآداب الشرعية
- قال علي بن المديني -رحمه الله- : توريث الأولاد الأدب، خيرٌ لهم من توريث المال، الأدب يكسبهم المال، والجاه والمحبة للإخوان، ويجمع لهم خيري الدنيا والآخرة.(30)
ومما يساعد على ذلك: تكوين مكتبة صغيرة في المنزل تحتوي على المختصرات المفيدة في الآداب، وكتب السيرة، لا سيما ما يتعلق بأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وغزواته، وكتب قصص الأطفال التربوية الهادفة.
- تربيتهم بالقدوة الفعلية
تعتبر القدوة من أهم وأبرز ما يعين على غرس الصلاح والاستقامة في نفوس الأبناء.
قال عمرو بن عتبة ينبه معلم ولده لهذا الأمر : ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت. تأديب الناشئين.(31)
ودخل أحدهم مع أولاده على إبراهيم الحربي -رحمه الله- ، فسأله إبراهيم: هؤلاء أولادك؟ فقال الرجل نعم، قال إبراهيم: احذر أن يروك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم.(32)
فالوالدان مطالبان بتطبيق أوامر الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- سلوكًا وعملاً ، والاستزادة من ذلك ما وسعهم، لأن أبناءهم في مراقبة مستمرة لهم صباحًا مساء وفي كل آن.
- اختيار الأصحاب لأبنائهم ومعرفة مَن يجالسون
قال الغزالي -رحمه الله- : وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ.(33)
وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أثر الرفيق والصاحب إيجابًا وسلبًا في حديث أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، قَالَ: (( إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً )).(34)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )).(35)
وقد قيل:
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ... فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ ... وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي(36)
- حمايتهم مما يخرم الدين ويخدش المروءة
قال ابن القيم -رحمه الله- : ويجب أن يتجنب الصبي إذا عقل: مجالس اللهو والباطل، والغناء وسماع الفحش، والبدع، ومنطق السوء، فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر، وعز على وليه استنفاذه منه .(37) وهذا حقٌّ، فإن الوقاية من شرور هذه المنكرات أفضل بكثير من معالجة الصبي بعد تعلقه وشغفه بها.
وكتب عمر بن عبد العزيز لمؤدب ولده قائلاً: ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن جل جلاله، فإنه قد بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء العشب.(38)
ومن ذلك: الكتب والمجلات والقنوات التي تحمل أفكارًا منحرفة تؤدي إلى زعزعة الإيمان وإدخال الشبهات؛ لأن هذه الوسائل لها تأثير بالغ على الأبناء، لا سيما مع تدفق هذا السيل الجارف من القنوات الفضائية التي يبث فيها كل غث وسمين.
- تحذير الأولاد من التقليد الأعمى
فمن أهم ما ينبغي للأبوين تحذير الولد من الانسياق وراء التقليد الأعمى بلا رؤية ولا تفكير، وتوعيته من الانزلاق وراء التشبه بلا تبصرة ولا هدى... وذلك لأن التقليد الأعمى دليل على الهزيمة الروحية والنفسية، وسبب لفقدان الشخصية، وسبب للاندفاع إلى فتنة الحياة الدنيا ومظاهرها، وهذا بلا شك يؤدي بصاحبه إلى الغرور والانحلال.
---
(1) رواه مسلم (1631)
(2) موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 184)
(3) رواه البخاري (1385) ومسلم (22)
(4) تفسير الطبري (23/ 103) وتفسير ابن كثير (8/ 167)
(5) محو الأمية التربوية (1/ 19)
(6) تذكير العباد بحقوق الأولاد (ص: 4)
(7) رواه البخاري (893) ومسلم (1829)
(8) رواه النسائي (9129) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 365)
(9) النفقة على العيال لابن أبي الدنيا (1/ 506)
(10) تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 229)
(11) الشعر لأحمد شوقي، انظر: الشوقيات، 1/ 183.
(12) تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 229)
(13) تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 242)
(14) رواه مسلم (142)
(15) رواه البخاري (7150)
(16) رواه النسائي (9131) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 827) وأصله في مسلم (996)
(17) فقه الأسرة (4/ 9)
(18) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1318)
(19) رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1318)
(20) رواه أبو داود (495) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1022)
(21) رواه البزار (9823) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 744)
(22) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 83)
(23) فتح الباري لابن حجر (4/ 200)
(24) رواه مسلم (1336)
(25) رواه البخاري (5027)
(26) رواه الحاكم(1/ 756) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 169)
(27) أحكام القرآن (4/ 349)
(28) رواه البخاري (5035)
(29) طرح التثريب في شرح التقريب (1/ 95)
(30) منهج التربية النبوية. ص(289).
(31) لابن عبد ربه ص(125).
(32) بحوث تربية الفتاة المسلمة (1/ 165)
(33) موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين (ص: 184)
(34) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628)
(35) رواه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 664)
(36) أدب الدنيا والدين (ص: 166)
(37) تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 240)
(38) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 250)