رمضان واستعداد الفائزين
مقدمة أهمية الاستعداد كيف نستعد لرمضان
مقدمة: يتفاوت الناس في وضع برامجهم في مواسم العبادة والخير على أصناف عدة:
1) فمنهم من يلجأ إلى عملية الكتابة المنظمة لما سيقوم به بصورة واضحة منسقة مع زمن الموسم المراد استغلاله.
2) ومنهم من يضع لنفسه تصورا في عقله وفكره لما سوف يقوم به.
3) وآخرون يتركون العملية للوقت، أي يقومون بما يتيسر لهم في وقته بدون تخطيط مسبق.
أما الصنف الثالث فغالباً ما يفوتهم الشهر بغير استغلال، ولا يتنبهون لما هم فيه إلا بعد انقضاء الشهر المبارك، ويفوز بالشهر من وضحت له الأهداف التي ينبغي أن يعمل من أجل تحقيقها في هذا الشهر. (1)
أهمية الاستعداد:
- هو دأب الصالحين وطريق المفلحين الفائزين فتشبه بهم تكن معهم.
- فرقٌ كبير بين من دخل عليه رمضان ليحصد الحسنات وبين من دخل عليه رمضان وهو يجاهد نفسه على الطاعات.
- شهر رمضان وجبة دسمة من الطاعات قد تؤدي إلى التخمة الروحية إن لم توافق شهية قوية وهذا مشاهد في واقع الناس.
- الاستعداد الجيد درعٌ يقي المسلم من الملل والفتور أثناء السباق في شهر رمضان.
- كلما كانت الثمرة أعظم كان الثبات بعد رمضان أطول وما ذلك إلا ثمرة الاستعداد الجيد.
كيف نستعد لشهر رمضان؟
اجلس جلسة تفكر وهدوء مع ورقة وقلم لتعرف ( كيف تستعد لشهر رمضان ).
وهذه مجرد أطروحات ومقترحات ممن يرجو لك الفوز بالخيرات:
الخطوة الأولى: الاستعداد النفسي
ويكون ذلك بأمور مهمة منها:
- تعظيم شهر رمضان ومعرفة قدره
قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]
فقد كان السلف رحمهم الله بعد رمضان مباشرة يدعون الله أن يتقبله منهم ستة أشهر ثم في الست أشهر الباقية يدعونه أن يُبلغهم رمضان القادم فانظر لمدى استشعارهم لمكانة رمضان وأيامه الغالية. . .
فعلى المسلم أولاً أن يعظم شهر رمضان وأن يقدره حق قدره، ولِمَا لا وقد عظَّمه الله تعالى وعظمه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعظَّمه المؤمنون، ويكفي أن تعرف أن الله تعالى اختصَّ هذا الشهر بإنزال كتبه على رسله لهداية الناس ونجاتهم، فعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ، لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ)). (2)
- ( اجلس بنا نعش رمضان ) هذا شعار ما قبل رمضان وهو عبارة عن جلسة إيمانية مع من تحب من أهل الفضل والعلم والعمل الصالح تتذاكر معهم كيف تعيش رمضان كما ينبغي فهذه الجلسة الإيمانية تحدث أثراً طيباً في القلب للتهيئة الرمضانية.
- تهيئة الزوجة والأولاد لهذا الشهر الكريم من خلال الحوار والمناقشة في كيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم.
- معرفة الثمرات العظيمة التي يجنيها المسلم من الاجتهاد في الطاعة خلال شهر رمضان.
مثل: مغفرة الذنوب، العتق من النار، مضاعفة الحسنات، رفع الدرجات، الانتصار على النفس والشيطان، الشعور بلذة الطاعة، الشعور بمعية الله، حياة القلب وصلاح النفس،. . . . . . . . . وغير ذلك كثير
فمعرفتك لهذه الفضائل وغيرها يعطيك دافعاً نفسياً للاستعداد له.
- ويتم ذلك من خلال المطالعة الإيمانية: وهي عبارة عن قراءة بعض كتب الرقائق المختصة بهذا الشهر الكريم لكي تتهيأ النفس لهذا الشهر بعاطفة إيمانية مرتفعة.
- اقرأ كتاب لطائف المعارف ( باب وظائف شهر رمضان ) وكتاب ( أسرار المحبين في رمضان ) وسوف تجد النتيجة بإذن الله.
- معرفة حجم الخسارة لمن أهمل وضيَّع في شهر رمضان
إِذَا الرَّوْضُ أَمْسَى مُجْدِبًا فِي رَبِيعِهِ. . . فَفِي أَيِّ حِينٍ يَسْتَنِيرُ وَيَخْصُبُ
من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح، من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يربح. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَقَى الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقَى الدَّرَجَةَ الْأُولَى قَالَ: (( آمِينَ)). ثُمَّ رَقَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: (( آمِينَ)). . ثُمَّ رَقَى الثَّالِثَةَ: فَقَالَ: (( آمِينَ)). فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! سَمِعْنَاكَ تَقُولُ: "آمِينَ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: (( لَمَّا رَقِيتُ الدَّرَجَةَ الْأُولَى جَاءَنِي جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ. فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ. فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قال: شقي عبد ذكرتَ عنه وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: آمِينَ)). (3) من رُحم في رمضان فهو المرحوم ومن حرم خيره فهو المحروم ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم.
أتى رمضانُ مزرعة العباد. . . لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولا وفعلا. . . وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوبَ وما سقاها. . . تأوَّه نادما يومَ الحصاد(4)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ )). (5)
وفي حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ )). (6)
مرَّ الْحسنُ الْبَصْرِيّ -رحمه الله- بِقوم يَضْحَكُونَ فَوقف عَلَيْهِم وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى قد جعل شهر رَمَضَان مضمارا لخلقه يَسْتَبقُونَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ فَسبق أَقوام ففازوا وتخلف أَقوام فخابوا، فالعجب للضاحك اللاعب فِي الْيَوْم الَّذِي فَازَ فِيهِ المسارعون وخاب فِيهِ الباطلون أما وَالله لَو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. (7)
- تحديد الأهداف بدقة
ماذا تريد من رمضان؟ وما هي الثمرة المرجوة؟
ولكن قبل تحديد الأهداف تعلَّم كيف تحدد أهدافك، فليس الثَّرَىَ كَالثُّرَيَّا، هذا هو رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، الغلام الصغير صاحب الأهداف السامية قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: (( سَلْ )) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: (( أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ )) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ )). (8)
واعلم أنَّ قيمةَ كلِّ إنسان ما يطلب فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه فإن الدنيا دنية وأدنى منها من يطلبها وهي خسيسة وأخسُّ منها من يخطبها. (9)
- استحضار النوايا الصالحة
تدبر هذا الحديث الذي رواه أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا )). (10)
وتأمل هذا الكلام الماتع لمَالِك بْن دِينَارٍ -رحمه الله-، قال: إِنَّ الْأَبْرَارَ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِأَعْمَالِ الْفُجُورِ، وَاللَّهُ يَرَى هُمُومَكُمْ فَانْظُرُوا مَا هُمُومُكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ. (11)
ومن النيات المطلوبة في هذا الشهر:
1- نية ختم القرآن لعدة مرات مع التدبر.
2- نية التوبة الصادقة من جميع الذنوب السالفة.
3- أن يكون هذا الشهر بداية انطلاقة للخير والعمل الصالح وإلى نلقى الله بإذن الله.
4- نية كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات في هذا الشهر ففيه تضاعف الأجور والثواب.
5- نية تصحيح السلوك والخلق والمعاملة الحسنة لجميع الناس.
6- نية العمل لهذا الدين ونشره بين الناس مستغلاً روحانية هذا الشهر.
قال ابن الجوزي -رحمه الله-: إِن هَمَمْت فبادر وَإِن عزمت فثابر وَاعْلَم أَنه لَا يدْرك المفاخر من رَضِي بالصف الآخر. قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز -رحمه الله-: إنَّ لي نفسا تواقة لم تزل تتوق إِلَى الْإِمَارَة فَلَمَّا نلتها تاقت إِلَى الْخلَافَة فَلَمَّا نلتها تاقت إِلَى الْجنَّة. (12)
- إعداد جدول عملي مكتوب
بعدما حددتَ الأهدافَ الساميةَ واستحضرتَ النوايا الصالحة، لابد من تقييد ذلك في سطور حتى لا يُنسى وتراه أمامك دائما وتطالب به النفس وتحاسبها على التقصير.
الخطوة الثانية: التدريب العملي
اجعل شهر شعبان – أو ما بقي منه - معسكرا للتدريب على الطاعات التي تريد أن تقوم بها في رمضان وكذلك المعاصي التي تريد أن تتخلص منها، ويكون بعدة أمور:
- التخلية قبل التحلية
تخيل أنك تنتظر ضيفا عزيزا عليك يزورك في بيتك، ووجدت البيت متسخًا. هل تزين البيت قبل أن تنظفه؟ أم تعْمد أولا إلى تنظيفه قبل أي شيء؟
إذًا: تخلَّصْ ما استعطت من ذنوبك قبل أن يحل عليك الضيف الكريم، وحاسب نفسك على ما اقترفته من ذنوب منذ رمضان الماضي. . فلا تدخل رمضان الجديد إلا وقد تبت من ذنوب العام. . نقِّ قلبك ونظفه مما شابه من شهوات وشبهات. . . تُب إلى الله من: النظر الحرام، من سماع ما يغضب الله، وتذكر أن الله تعالى يغار، وغيرته أن تُنتهك محارمه.
وإياك أن تُسوِّف التوبة، وأن يغرّك حلم الله وستره؛ فإن الله تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
- واحرص أن تكون نظرتك عند تقدير الذنوب نظرة مؤمن يخاف ذنوبه صغيرها وكبيرها، كما قال عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-: إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ: بِهِ هَكَذَا، فَطَارَ.(13)
وتذكر قول: بِلَال بْن سَعْدٍ -رحمه الله-: لَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى مَنْ عَصَيْتَ.
وَقَول الْفُضَيْل بْن عِيَاضٍ -رحمه الله-: بِقَدْرِ مَا يَصْغَرُ الذَّنْبُ عِنْدَكَ يَعْظُمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِقَدْرِ مَا يَعْظُمُ عِنْدَكَ يَصْغَرُ عِنْدَ اللَّهِ. (14)
- انبذ البطالة والبطالين
فانبذ البطالة لأنها لا تليق بالرجال، وتخلَّص من صحبة البطالين الذين لا يعملون لدنيا ولا دين، وقد أمر الله خير الخلق -صلى الله عليه وسلم- بصحبة المجدّين في السير إلى الله وترك الغافلين فقال عز من قائل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] وقال عز وجل: { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]
وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )). (15)
- وابحث عن ذوي الهمم والمروءات
كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ -رحمه الله-، يَتَخَطَّى حِلَقَ قَوْمِهِ حَتَّى يَأْتِيَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَيَجْلِسَ عِنْدَهُ، ويقول: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ إِلَى مَنْ يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ. (16)
وكان الحسن البصري -رحمه الله- يقول: إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة. (17)
- ولتكن نظرتك للطاعات نظرة تعظيم وإجلال، لا تحقير وإقلال، واستمع لنصيحة حبيبك -صلى الله عليه وسلم- لأَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ )). (18)
فأنت لا تدري أي حسنة يثقل بها ميزانك.
- وليكن شوقك للسباق في ميادين الطاعة كشوق أَنَس بْن النَّضْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، حين قَالَ لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. (19)
قال ابن القيم -رحمه الله-: لَقَدْ حَرَّكَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ وَإِلَى دَارِ السَّلَامِ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ، وَالْهِمَمَ الْعَالِيَةَ، وَأَسْمَعَ مُنَادِي الْإِيمَانِ مَنْ كَانَتْ لَهُ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ، وَأَسْمَعَ اللَّهُ مَنْ كَانَ حَيًّا، فَهَزَّهُ السَّمَاعُ إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ، وَحَدَا بِهِ فِي طَرِيقِ سَيْرِهِ، فَمَا حَطَّتْ بِهِ رِحَالُهُ إِلَّا بِدَارِ الْقَرَارِ.(20)
وَإِذا كَانَت النُّفُوس كبارًا. . . تعبت فِي مرادها الْأَجْسَام
ولتكن همتك همة رجال حتى تصل إلى ما وصل إليه الرجال
وقال وهيب بن الورد -رحمه الله-: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
وقال الشيخ محمد بن عثمان التركستاني: ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه.
وقال غيره: لو أن رجلا سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب. (21)
قال ابن القيم -رحمه الله-: الْهِمَمُ الْعَالِيَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَقِفُ دُونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَا تُعَرِّجُ فِي سَفَرِهَا عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ. وَأَعْلَى الْهِمَمِ: مَا تَعَلَّقَ بِالْعَلِيِّ الْأَعْلَى. (22)
وقال أحد الحكماء: ينال الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية. (23)
قال ابن الجوزي-رحمه الله-: مَنْ كَدَّ كَدَّ العبيد تَنَعَّمَ تَنَعُّمَ الْأَحْرَار،،، شجرُ المكاره يُثمر المكارم،،، إِن لم تكنْ أسدا فِي الْعَزْم وَلَا غزالا فِي السَّبق فَلَا تتثعلب. (24)
- وإذا حدثتك نفسك: متى الراحة؟
فقل لها كما قال الأول: عند أو ل قدم نضعها في الجنة إن شاء الله.
قيل للإمام أحمد -رحمه الله-: متى يجد العبد طعم الراحة؟ فقال: عند أول قدم يضعها في الجنة.(25)
قيل للربيع بن خثيم -رحمه الله-: لو أرحت نفسك؟ قال: راحتها أريد. (26)
- الاستراحة الحقيقية تحت شجرة طوبي
قال ابن القيم -رحمه الله-: لَيْسَ لِلْعَابِدِين مُسْتَرَاحِ إِلا تَحْتَ شَجَرَةَ طُوبَى. وَلا لِلْمُحِبِّينَ قَرَارٌ إِلا يَوْمَ الْمَزِيد فَمَثِّلْ لِقَلْبِكَ الاسْتِرَاحَة تَحْتَ شَجَرة طُوبَى يَهُنْ عَلَيْكَ النصب والتعب، وَاسْتَحْضِر يَومَ الْمَزِيد يَهُنْ عَلَيْكَ مَا تَتَحَمَّلُ مِنْ أَجْلِهِ. (27)
على قدر أهل الْعَزْم تَأتي العزائم. . . وَتَأْتِي على قدر الْكِرَام المكارم
- إحياء الطاعات المهجورة والعبادات الغائبة
لما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن.
وهي كثيرة ومنها على سبيل المثال:
- المداومة على الدعاء قبل مجيء رمضان
اللهم بلغنا رمضان
قال معلى بن الفضل -رحمه الله-: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
وقال يحيى بن أبي كثير-رحمه الله- كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا. (28)
- صم شيئاً من شعبان
فهو كالتمرين على صيام رمضان وهو الاستعداد العملي لهذا الشهر،
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. (29)
- عود نفسك من الآن على قيام الليل.
- تعود على السخاء وأكثر من الصدقة.
- بادر بصلة رحمك، واحذر أشد الحذر من قطعها.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ )). (30)
- فرّغ قلبك للانشغال بالله دون سواه
- تغلب على العادات
عوِّد النفس من الآن: قلة الطعام، قلة النوم، قلة الكلام
- عوِّد نفسك على المكوث في المسجد فترات أطول بعد الصلاة تحضيرا للاعتكاف في رمضان.
- ابتعد رويدًا رويدًا عن جلسات السمر وإضاعة الوقت وقاطع التلفاز وجميع الملهيات
- أكثر من قراءة القرآن وراجع حفظك استعدادا لشهر القرآن
فاللهم بلغنا رمضان وبارك لنا في أيامه وليليه
---
(1) برنامجك في رمضان (ص: 3)
(2) رواه أحمد (4/ 107) والطبراني في الأوسط (3740) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 104)
(3) رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه لغيره الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص: 240)
(4) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 148)
(5) رواه النسائي (2106) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 72)
(6) رواه ابن ماجه (1644) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 447)
(7) بستان الواعظين ورياض السامعين (ص: 233 )
(8) رواه مسلم (489)
(9) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 245)
(10) رواه مسلم (129)
(11) الهم والحزن لابن أبي الدنيا (ص: 76)
(12) المدهش (ص: 228)
(13) رواه البخاري (6308) وأحمد (1/ 383)
(14) الداء والدواء (ص: 51)
(15) رواه الترمذي (2378) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 664)
(16) حلية الأولياء (3/ 138)
(17) إحياء علوم الدين (2/ 176)
(18) رواه مسلم (2626)
(19) رواه البخاري (2805)
(20) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 68)
(21) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 244)
(22) مدارج السالكين(2/ 444)
(23) الذريعة الى مكارم الشريعة (ص: 112)
(24) المدهش (ص: 229)
(25) طبقات الحنابلة (1/ 293)
(26) بغية الطلب (8/ 3572)
(27) بدائع الفوائد (3/ 218)
(28) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 148)
(29) رواه البخاري (1969) ومسلم (782)
(30) رواه ابن ماجه (1334) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1298)