خطبة: حادي الأرواح إلى معرفة المشروع والممنوع من المزاح (سلسلة الواعظ عدد جمادى الآخرة 1437هـ)
2016-03-06
حادي الأرواح إلى معرفة المشروع والممنوع من المزاح
مقدمة
فإن من عظمة هذا الدين وشموليته وسعته أنه ما ترك شيئاً في حياة المسلم إلا ونظمه ورتبه، وجعل له قواعد وضوابط يسير عليها ويلتزم بها، وذلك كله بأمر الله جل وعلا وهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وإن مما يشتهر عند غير المسلمين وبعض المسلمين للأسف أيضاً أن دين الإسلام دين كبت وحبس للنفس، فلا ضحك ولا مزاح، ولا لهو ولا متعة. ولئن اشتهر هذا عند غير المسلمين فإنه قد يعذر الكثير منهم في تصوره هذا الذي قد يكون بسبب جهله بالدين الإسلامي العظيم أو بسبب التشويه المتعمد من قبل وسائل الإعلام الغربية التي ما فتئت تصور الإسلام والمسلمين بأبشع الصور.
لكن المصيبة كل المصيبة أن توجد مثل هذه المفاهيم والتصورات عند بعض أفراد المسلمين. (1)
تعريف المزاح:
عرفه الزبيدي بقوله: هو المباسطة إلى الغير على جهة التلطف والاستعطاف دون أذية حتى يخرج الاستهزاء والسخرية، وقد قال الأئمة: الإكثار منه، والخروج عن الجد مخل بالمروءة والوقار، والتنزه عنه بالمرة والتقبض مخل بالسنة والسيرة النبوية المأمور باتباعها والاقتداء، وخير الأمور أوسطها. (2)
الْفرق بَين المزاح والاستهزاء
إن المزاح لَا يَقْتَضِي تحقير من يمازحه وَلَا اعْتِقَاد ذَلِك أَلا ترى أَن التَّابِع يمازح الْمَتْبُوع من الرؤساء والملوك وَلَا يتضي ذَلِك تحقيرهم وَلَا اعْتِقَادهم تحقيرهم ولاكن يَقْتَضِي الِاسْتِئْنَاس بهم على مَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْكتاب والاستهزاء يَقْتَضِي تحقير المستهزإ بِهِ واعتقاد تحقيره. (3)
حكم المزاح:
فإن المزاح الخالي من الموانع التي تعكر صفو الخواطر مندوب إليه، وهو خلق كريم حث عليه الشارع الحكيم.
ولكن هل للمسلم أن ينطلق في المزح والدعابة، كما يشاء وحيث أراد أم أنه يتقيد بالضوابط الشرعية.
والحقيقة أنها لا بد من التقيد بالشرع في كل ذلك لمعرفة المكروه من المزاح والمندوب إليه منه.
فالمكروه منه ما كان فيه إفراط بحيث يخرج المسلم عن مهمته الأساسية التي خلق من أجلها والتي هي عبادة خالقه جل وعلا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات 56. (4)
أما إذا لم يكن فيه إفراط ولا شغل عن الله فهذا سنة وقد فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله أصحابه الذين تربوا في مدرسة النبوة، فقد كانوا يتمازحون فيما بينهم ولكن إذا جد الجد كانوا هم الرجال.
فعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَبَادَحُونَ بِالْبِطِّيخِ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالَ. (5)
إنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا فِيهِ إِفْرَاطٌ أَوْ مُدَاوَمَةٌ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّغْلِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَيُؤَدِّي إِلَى قَسْوَةِ الْقَلْبِ وَالْإِيذَاءِ وَالْحِقْدِ وَسُقُوطِ الْمَهَابَةِ وَالْوَقَارِ وَالَّذِي يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْمُبَاحُ فَإِنْ صَادَفَ مَصْلَحَةً مِثْلَ تَطَيُّبِ نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَمُؤَانَسَتِهِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ. (6)
يقول الماوردي: الْعَاقِلُ من يَتَوَخَّى بِمِزَاحِهِ إحْدَى حَالَتَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا(7)
الحالة الأولى: إينَاسُ الْمُصَاحِبِينَ وَالتَّوَدُّدُ إلَى الْمُخَالِطِينَ. وَهَذَا يَكُونُ بِمَا أَنِسَ مِنْ جَمِيلِ الْقَوْلِ، وَبُسِطَ مِنْ مُسْتَحْسَنِ الْفِعْلِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْفِيَ بِالْمِزَاحِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سَأَمٍ، وَأَحْدَثَ بِهِ مِنْ هَمٍّ. فَقَدْ قِيلَ: لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ.
فهذه كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- مثل سائر البشر ولم تكن صارمة طول الوقت ولكن كان يتخللها بعض المزاح واللهو المباح فكان هذا مداعبة لأزواجه وملاطفة لهم، وتطيباً لقلوب أصحابه وممازحة لهم لكنه لم يكن كمزاحنا نحن اليوم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمزح لكنه لا يقول إلا حقا.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: إِنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا. (8)
وهذا لعصمته من الزلل في القول والعمل، وإنما كان يمزح؛ لأن الناس مأمورين بالتأسي به والاقتداء بهديه، فلو ترك اللطافة والبشاشة ولزم العبوس والقطوب لأخذ الناس من أنفسهم بذلك على ما فيه مخالفة الغريزة من المشقة والعناء، فمزح ليمزحوا. (9)
وهذه نماذج من مزاحه في حياته مع أزواجه وأصحابه وأبنائه وعبيده -صلى الله عليه وسلم-
أولاً: مزاحه مع أزواجه -صلى الله عليه وسلم-
عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا: "يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ" فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى "تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-". (10)
فانظر إليه -صلى الله عليه وسلم- كيف ينادي على عائشة -رضي الله عنها- فيرخم اسمها والترخيم هو ما نسميه اليوم بلغتنا ( الدلع) تطيباً لخاطرها وملاطفة لها.
وقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ". (11)
وفي هذا الحديث من جميل العشرة خاصة مع عائشة -رضي الله عنها- لما كان لها من المنزلة ما جعل النبي-صلى الله عليه وسلم- يستمع إلى هذا الحديث بطوله منها ويقول لها "كنت لك كأبي زرع لأم زرع".
وعن عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: رَجَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ جِنَازَةٍ، وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي وَأَنَا أَقُولُ: وَارَأْسَاهْ قَالَ: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ" ثُمَّ قَالَ: "وَمَا ضَرَّكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ ثُمَّ دَفَنْتُكِ" قُلْتُ: لَكَأَنِّي بِكَ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ بُدِئَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. (12)
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: " تَقَدَّمُوا " فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: " تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: " تَقَدَّمُوا " فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: " تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ " فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: " هَذِهِ بِتِلْكَ ". (13)
وعن النعمانِ بنِ بشير-رضي الله عنهما-، قال: استأذن أبو بكرِ -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فَسمع صوت عائشةَ عالياً، فلما دخَلَ تناولها ليلطِمَها، وقال: ألا أراكِ تَرْفعَينَ صَوتَكِ على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعلَ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- يحجزُهُ، وخرج أبو بكر مُغضَبَاً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتُكِ من الرجُلِ؟ " قال: فمكثَ أبو بكرِ أياماً، ثم استأذَنَ على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدَهما قد اصطلحَا، فقال لهما: أدخِلاني في سِلمكُما كما أدخلتُماني في حَرْبِكما، فقال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "قد فعلنا، قد فعلنا". (14)
وعَنِ الشِّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فَقَالَ لِي: "أَلَا تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ". (15)
ثانياً: مزاحه -صلى الله عليه وسلم- مع أبنائه ومع الغلمان
والمتأمل لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في مزاحه ودعابته مع الصبيان يجد نموذجا فريدا، فهو مع كونه -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا وقائدا ومعلما، ومربيا لهذه الأمة لم ينس الصبيان فكان أرحم الناس بالصبيان والعيال.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-". (16)
وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيُخَالِطُنَا حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَقُولُ لأَخٍ لِي صَغِيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ". (17)
وعَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ -رضي الله عنه-، قَالَ: "عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ". (18)
وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ -رضي الله عنهما-، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سَنَهْ سَنَهْ" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهِيَ بِالحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعْهَا" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ، يَعْنِي مِنْ بَقَائِهَا. (19)
وعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُلاعِبُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ يَقُولُ يَا زُوَيْنِبُ يَا زُوَيْنِبُ مِرَارًا. (20)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُدْلِعُ لِسَانَهُ لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ، فَيَهَشُّ إِلَيْهِ. . . . . . . . ". (21)
ثالثاً: مزاحه -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه -رضي الله عنهم-
فعن أنسِ-رضي الله عنه-: أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، احمِلْني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنا حَامِلُوكَ على ولَدِ نَاقَةٍ"، قال: وما أصنعُ بولدِ الناقة؟ فقال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "وهل تَلِدُ الإبِلَ إلا النُّوقُ". (22)
وعن عوفِ بنِ مالكٍ الأشجعي -رضي الله عنه-، قال: أتيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- في غَزوةِ تبوكَ وهو في قُبَّةٍ من أَدَم، فسلمتُ، فردَّ وقال: "ادخُلْ" فقلت: أكُلِّي يا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "كُلَّك"، فدخلتُ. (23)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي، فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "مَا يُعْجِلُكَ" قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ، قَالَ: "أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ "، قُلْتُ: ثَيِّبًا، قَالَ: "فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ"، قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، قَالَ: "أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا - أَيْ عِشَاءً - لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ". (24)
وعن حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ سَفِينَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ اسْمِهِ فَقَالَ: أَمَا "إِنِّي مُخْبِرُكَ بِاسْمِي كَانَ اسْمِي قَيْسًا فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَفِينَةَ" قُلْتُ: لِمَ سَمَّاكَ سَفِينَةَ؟ قَالَ: خَرَجَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَتَاعُهُمْ، فَقَالَ: ابْسُطْ كِسَاءَكَ فَبَسَطْتُهُ فَجَعَلَ فِيهِ مَتَاعَهُمْ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَيَّ فَقَالَ: احْمِلْ مَا أَنْتَ إِلَّا سَفِينَةُ، فَقَالَ: لَوْ حَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ وَقْرَ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ مَا ثَقُلَ عَلَيَّ ". (25)
الضوابط الشرعية في المزاح:
1- ألاَّ يكون فيه كذب
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمزح لكنه لا يقول إلا حقا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: إِنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا. (26)
وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: " وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ، لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ ". (27)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ". (28)
2- ألا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين أو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو بالعلماء أو بشعيرة من شعائر الإسلام
فهذا يعد من نواقض الإسلام؛ لقوله تعالى: [ولَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ] [التوبة: 65، 66].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء! فقال رجل في المجلس: كذبت، ولكنك منافق! لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل القرآن. قال عبد الله بن عمر: فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنكبه الحجارة، وهو يقول: "يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب! "، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم". (29)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ قَدْ أَتَوْا كُفْرًا بَلْ ظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرِ فَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ بِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُفْرٌ يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ إيمَانِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ إيمَانٌ ضَعِيفٌ فَفَعَلُوا هَذَا الْمُحَرَّمَ الَّذِي عَرَفُوا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَلَكِنْ لَمْ يَظُنُّوهُ كُفْرًا وَكَانَ كُفْرًا كَفَرُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوا جَوَازَهُ وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ". (30)
* ويدخل في هذا الاستهزاء ببعض السنن على سبيل المزح، وببعض الأحكام الشرعية كتقصير الثوب وإعفاء اللحية أو الصلاة والصوم وغيرها.
* ويدخل في هذا النكت التي فيها استهزاء بالملائكة، أو الجنة والنار، أو عذاب القبر، فهذه كثيرة بين الناس.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله-: "ومن هزل بالله أو بآياته الكونية أو الشرعية أو برسله فهو كافر، لأن منافاة الاستهزاء للإيمان منافاة عظيمة. كيف يسخر ويستهزئ بأمر يؤمن به؟ فالمؤمن بالشيء لا بد أن يعظمه وأن يكون في قلبه من تعظيمه ما يليق به. والكفر كفران: كفر إعراض وكفر معارضة، والمستهزئ كافر كفر معارضة، فهو أعظم ممن يسجد لصنم فقط، فمن استهزأ بالصلاة ولو مازحاً أو بالصوم أو بالزكاة أو بالحج فهو كافر بإجماع المسلمين. (31)
فالمزاح والهزل بشيء فيه ذكر الله تعالى، أو الرسول أو القرآن أو العلم أو العلماء، هذا مما يجب أن يتقيه الإنسان.
3- ألا يكون فيه استهزاء بالآخرين أو غيبة أو نميمة أو قذف أو انتهاك للأعراض
وهذا محرم ويعد من الكبائر، يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ومَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] [الحجرات: 11].
يقول ابن كثير: "وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ: احْتِقَارُهُمْ وَاسْتِصْغَارُهُمْ، وَهَذَا حَرَامٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُحْتَقَرُ أَعْظَمَ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ السَّاخِرِ مِنْهُ الْمُحْتَقِرِ لَهُ". (32)
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ "اللَّمْزُ بِالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَاللِّسَانِ وَالْإِشَارَةِ. وَالْهَمْزُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللِّسَانِ". (33)
ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن السخرية بالمسلمين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ". (34)
4- أن يكون المزاح في الوقت المناسب
فلا يكون مثلاً في وقت الوعظ، أو التذكير بالموت، أو جلسة علم وجِدٍّ، ويأتي في منتصف هذا الجو العلمي أو الوعظي من يلقي بطرفة، فهذا من أسوأ ما يمكن أن يحدث في مجالس العلم.
قَالَ عُمَر-رضي الله عنه- "إِنَّه ليعجبني أَن يكون الرجل فِي أَهله مثل الصَّبِي، ثُمَّ إِذا بغي مِنْهُ، وجد رجلا".
وَقَالَ ثَابت بْن عُبَيْد -رحمه الله- كَانَ زيد بْن ثَابت -رضي الله عنه- مِن أفكه النّاس فِي بَيته، فَإِذا خرج، كَانَ رجلا مِن الرِّجَال.
وَقيل لسُفْيَان بْن عُيَيْنَة -رحمه الله- المزاح هجنة- أي مستنكر-؟ قَالَ: بل سنة، وَلَكِن الشَّأْن فِيمَن يُحسنهُ ويضعه موَاضعه. (35)
5- عدم الإنهماك والاسترسال والمبالغة في المزاح الذي يفضي إلى معصية
ينبغي ألاَّ يداوَم الإنسان على المزاح؛ لأن الجد سمات المؤمنين، وما المزاح إلا رخصة وفسحة لاستمرار النفس في أداء واجبها. فبعض الناس لا يفرق بين وقت الجد واللعب.
ولذلك قال الْغَزَالِيُّ -رحمه الله- "مِنَ الْغَلَطِ أَنْ يُتَّخَذَ الْمِزَاحُ حِرْفَة". (36)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- "فَأَمَّا مَنْ اسْتَعَانَ بِالْمُبَاحِ الْجَمِيلِ عَلَى الْحَقِّ فَهَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ". (37)
ويقول ربيعَة الرَّأْي -رحمه الله-" الْمُرُوءَة سِتّ خِصَال: ثَلَاثَة فِي الْحَضَر، وَثَلَاثَة فِي السّفر، فَفِي الْحَضَر تِلَاوَة الْقُرْآن، وَعمارَة مَسَاجِد اللَّه، واتخاذ الْقرى فِي اللَّه، وَالَّتِي فِي السّفر، فبذل الزَّاد، وَحسن الْخلق، وَكَثْرَة المزاح فِي غير مَعْصِيّة". (38)
6- عدم الترويع أو الإضرار بالآخرين أو تعريض حياتهم للخطر
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ". (39)
وعن عبدِ الرحمن بنِ أبي ليلى -رحمه الله- قال حدَّثنا أصحابُ محمدِ -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يسيرونَ مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فنامَ رجُلٌ منهم، فانطلقَ بعضُهُم إلى حَبْلٍ معه فأخذه، ففزعَ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يَحِلُّ لمسلم أن يُرَوِّعَ مُسْلِماً". (40)
7- ألا يكون مع السفهاء
لأنه إذا مازح السفهاء ردوا عليه سفاهة، فأضر ذلك بشخصيته.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ لِابْنِهِ: "اقْتَصِدْ فِي مِزَاحِك فَإِنَّ الْإِفْرَاطَ فِيهِ يُذْهِبُ الْبَهَاءَ، وَيُجَرِّئُ عَلَيْك السُّفَهَاءَ". (41)
8- ألا يمازح الكبير والعالم بما لا يليق بمقامه وأن يُنْزِل الناس منازلهم إن العالم والكبير لهم من المهابة والوقار منزلة خاصة، ولأن المزاح قد يفضي إلى سوء الأدب معهما غالباً فينبغي الابتعاد عن المزاح معهما خشية الإخلال بتوجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ". (42)
وعَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُوَقَّرَ الْعَالِمُ". (43)
من أهداف المزاح وفوائده
1- التسلية وإذهاب الوحشة والاستئناس والملاطفة وتطييب خاطر
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ: "لاَ" فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ، وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- - يُرِيدُ عَائِشَةَ - فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- تَبَسُّمَةً أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ". (44)
2- وقد يكون المزاح ابتسامة في وجه الآخرين
عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، يَرْفَعْهُ قَالَ: "إِفْرَاغُكَ مِنْ دَلْوِكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَتَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَ وَالْعَظْمَ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ لَكَ صَدَقَةٌ، وَهِدَايَتُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّالَّةِ صَدَقَةٌ". (45)
وعَنْ جَرِيرٍ بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-، قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. (46)
3- وقد يكون المزاح للتخلص من الخوف أو الملل أو الغضب
فإن الإنسان إذا مزح أدخل على قلبه شيئاً من التسلية والسرور، وأزال ما يخاف منه أو خفف من ذلك، ففي حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- الطويل في قصة توبته، حين تخلف عن غزوة تبوك، يقول -رضي الله عنه-: "فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ". (47)
إذاً الابتسامة أحياناً تكون من الفرح والسرور والاستبشار، وأحياناً تكون من الغضب، فيتبسم الإنسان لأن من سجيته الكرم والخلق الحسن، حتى وهو مغضب، ويدل حاله على أن هذا التبسم ليس تبسم الرضا، وإنما هو تبسم الغضب.
وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالب -رضي الله عنه- "أَجِمُّوا هَذِهِ الْقُلُوبَ وَاطْلُبُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ". (48)
4- وقد يكون المزاح للتخلص من موقف صعب
فإن كثير من الناس كانوا -ولا زالوا- يتعرضون لمواقف صعبة، إما مع حاكم أو أمير أو قاض، أو زوج مع زوجته أو زوجة مع زوجها، أو تلميذ مع شيخه أو ما أشبه ذلك.
فيكون موقفاً صعباً، ليس له جواب إلا إذا كان هذا الإنسان عنده طرف وسرعة بديهة -كما يقولون- فيتخلص من صعوبة هذا الموقف؛ بأن يأتي بمزحة مناسبة؛ فيضحك منها الشيخ أو الأمير أو الشخص المعني، ثم يزول ما به من الغضب، ويعفو ويصفح عن الطرف الآخر، ومثل هذا كثير في كتب اللغة والأدب وغيرها.
---
(1) موسوعة خطب المنبر (ص: 1950).
(2) تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي(2/ 322). قوَوَاعِد الْفِقْهِ لِلْبَرَكَتِيِّ.
(3) الفروق اللغوية للعسكري (ص: 254).
(4) انظر مجلة البحوث الإسلامية (68/ 346).
(5) صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 102) رقم 266، وانظر الصحيحة (1/ 797) 435.
(6) عون المعبود وحاشية ابن القيم (13/ 234).
(7) أدب الدنيا والدين (ص: 310).
(8) حسن أخرجه الترمذي في سننه (3/ 425) رقم 1990، والبخاري في الأدب المفرد (ص: 102) رقم 265، والبيهقي في الآداب (ص: 134) رقم 325.
(9) انظر فيض القدير( 3/ 18).
(10) صحيح البخاري (5/ 29) رقم 3768، صحيح مسلم (4/ 1896) رقم 91(2447).
(11) صحيح البخاري (7/ 28) رقم 5189، صحيح مسلم (4/ 1896) رقم 92 (2448).
(12) صحيح البخاري (7/ 119) رقم 5666، والنسائي في السنن الكبرى (6/ 381) 7042 واللفظ له.
(13) صحيح أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12/ 508) رقم 34274، وأحمد في مسنده (43/ 313) رقم 26277واللفظ له، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (1/ 254) رقم 131.
(14) صحيح أخرجه أبو داود في سننه (7/ 349) رقم4999، والنسائي في السنن الكبرى (7/ 448) رقم 8441، وأحمد في مسنده(30/ 372) رقم 18421.
(15) صحيح أخرجه أبو داود في سننه (4/ 11) رقم 3887، والنسائي في السنن الكبرى (7/ 75) رقم 7501، السلسلة الصحيحة للألباني (1/ 340) رقم 178.
(16) صحيح مسلم (4/ 1808) رقم 63 (2316).
(17) صحيح أخرجه الترمذي في سننه (3/ 425) رقم 1989، وابن ماجة في سننه (2/ 1226) رقم 3720، والبخاري في الأدب المفرد (ص: 103) رقم 269، والبيهقي في الآداب (ص: 135) رقم 326.
(18) صحيح البخاري (1/ 26) رقم 77، صحيح مسلم (1/ 456) رقم 265 (33).
(19) صحيح البخاري (8/ 7) رقم 5993.
(20) صحيح أخرجه الضياء في المختارة (5/ 109) رقم 1733، وانظر الصحيحة (5/ 174) رقم 2141.
(21) حسن أخرجه ابن حبان في صحيحه (12/ 408) رقم 5596، (15/ 431) رقم 6975، وفي موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (7/ 192) رقم 2236، والبغوي في شرح السنة (13/ 180) رقم 3603، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني(1/ 151) رقم 70.
(22) صحيح أخرجه أبو داود في سننه (7/ 348) رقم 4998، والترمذي في سننه (3/ 425) رقم 1991، والبخاري في الأدب المفرد (ص: 102) رقم 268، والبيهقي في الآداب (ص: 135) رقم 327.
(23) صحيح أخرجه أبو داود في سننه (7/ 350) رقم 5000، والبيهقي في السنن الكبرى21170.
(24) صحيح البخاري (7/ 5) رقم 5079، صحيح مسلم (2/ 1088) رقم 57(715).
(25) حسن أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 701) رقم 6548، وأحمد في مسنده (36/ 253) رقم 21924، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني(6/ 1114) رقم 2959.
(26) حسن أخرجه الترمذي في سننه (3/ 425) رقم 1990، والبخاري في الأدب المفرد (ص: 102) رقم 265، والبيهقي في الآداب (ص: 134) رقم 325.
(27) حسن أخرجه أحمد في مسنده (33/ 244) رقم 20046، (33/ 248) رقم 20055، (33/ 262) رقم 20073، وأبو داود في سننه (7/ 342) رقم 4990.
(28) صحيح البخاري (8/ 101) رقم 6478.
(29) إسناده حسن أخرجه الطبري في تفسيره (14/ 333) رقم 16912، وابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1829) رقم 10047.
(30) مجموع الفتاوى (7/ 273).
(31) القول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيميين (2/ 267).
(32) تفسير ابن كثير (7/ 376).
(33) تفسير القرطبي (16/ 327).
(34) صحيح مسلم (4/ 1986) رقم 32(2564).
(35) انظر شرح السنة للبغوي (13/ 183).
(36) فتح الباري لابن حجر (10/ 527).
(37) مجموع الفتاوى (28/ 369).
(38) بهجة المجالس وأنس المجالس (ص: 139).
(39) صحيح مسلم (4/ 2020) رقم 125(2616).
(40) صحيح أخرجه أبو داود في سننه (7/ 352) رقم 5004، والبيهقي في الآداب (ص: 136) رقم 330.
(41) أدب الدنيا والدين (ص: 310).
(42) حسن أخرجه أبو داود في سننه (4/ 261) رقم 4843، وانظر صحيح الجامع (1/ 438) رقم 2199.
(43) جامع بيان العلم وفضله (1/ 519) رقم 840.
(44) صحيح البخاري 5191، صحيح مسلم (1479)عن ابن عباس في قصة طلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه.
(45) صحيح أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص: 307) رقم 891، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 817) رقم 812، والطبراني في مكارم الأخلاق (ص: 319) رقم 20.
(46) صحيح البخاري (4/ 65) رقم 3035، صحيح مسلم (4/ 1925) رقم 135(2475).
(47) صحيح البخاري (6/ 4) رقم 4418.
(48) جامع بيان العلم وفضله (1/ 433) رقم 659.