فإن مجتمعنا المسلم قد أصبح يعاني من تسلل العلمانيين إلى
صفوفه، واختراقهم لبعض المواقع ذات التأثير الخطير في الرأي العام.
وقد ابتلي المسلمون ببلاء مبين - نسأل الله أن يدفعه ويرفعه
- ذلك أنهم يقرءون كل ما يكتب، ويصدقون كل ما يقال !! .
وقبل أن نبدأ حديثنا عن العلمانية فإنني ألفت أنظار المسلمين
بشدة إلى ذلك الخطر الواقع بيننا والمحيط بنا ، والذي يتمثل في :
* أقلام مسمومة تريد أن تقتل الإيمان في قلوبنا.
* قوم يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ويهدفون لتدمير
أخلاقنا ، ويعملون لذلك ليلاً ونهارًا ! .
* مسلمين يعيش الكثير منهم على هامش الحياة ، لا يعرفون دورهم
فيها ، ولا يقومون بواجبهم نحو دينهم كما أمرهم ربهم ! .
ثم نبدأ حديثنا عن العلمانية ، وخطرها فنقول
:
العلمانية لا صلة لها بالعلم من قريب أو بعيد !! بل هي ضد
العلم وضد الدين، وقد جاء تعريفها في دائرة المعارف البريطانية بأنها: (حركة اجتماعية
تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها
) ! .
وهي بهذا التعريف الواضح لا تهدف فقط إلى فصل الدين عن الدولة
، وإنما تهدف إلى فصل الدين عن الحياة كلها ، أو بمعنى أكثر وضوحًا تهدف إلى القضاء
على الدين ، وبهذا يكون تعريفها الصحيح هو : (العلمانية حركة اجتماعية تهدف إلى القضاء
على الدين ، وإقامة المجتمع اللاديني) .
وقد تسللت العلمانية إلى كثير من بلاد المسلمين خاصة في مصر
! وتهدف العلمانية في مصر إلى القضاء على الإسلام بصورة متدرجة ! تحت شعار محاربة التطرف
! وكل من وقف في طريقهم أو اعترض على أقوالهم فهو متطرف، ولو كان شيخ الأزهر !! .
ويتبع العلمانيون نفس الخطة التي وضعها ستالين للقضاء على
الدين في الاتحاد السوفيتي سابقًا ، وباءت بالفشل !! .
وتنقسم خطة ستالين إلى ثلاث مراحل :
1- المرحلة الأولى: مهادنة الدين، وإيهام أصحابه أنهم أحرار
في عقائدهم، وقد انتهت هذه المرحلة التي كانت أقلام العلمانية فيها تظهر احترام الإسلام،
وتوقير علماء الأزهر، وتكتفي فقط بالكتابة عن الحب، والإثارة الجنسية، والتماثيل، والفنون،
والأفلام، والأغاني...إلخ .
2- المرحلة الثانية : محاولة تنقيح الدين ، وتطويره ! ومعنى
ذلك تفسيره تفسيرًا ماركسيًا مستغلين النقاط التي تلتقي فيها الماركسية مع الدين.
وفي هذه المرحلة أيضًا يتم إظهار الاهتمام بالدين ورجاله
.
وهي نفس الخطة التي اتبعتها الأقلام العلمانية لإقناع الرأي
العام بأن الديمقراطية من الإسلام ! وأن الإسلام والاشتراكية وجهان لعملة واحدة !!
.
والإسلام برئ من الديمقراطية .
فإنها ضلال وفساد ، وأما الإسلام فيرتكز نظامه السياسي على
الشورى ، وهي تختلف تمامًا عن الديمقراطية من جميع الوجوه ، ونظامه الاقتصادي متميز
، فهو ليس اشتراكيًا ، ولا رأسماليًّا !! .
3- المرحلة الثالثة : ادعاء وإظهار معايب الدين ، وبعده عن
الحقائق العلمية ، ومهاجمته ، وادعاء أنه لا يفي بحاجات البشر ، ومتطلبات العصر ! وكذلك
الاستهزاء برجال الدين ، والسخرية من العلماء ! وهذه المرحلة هي التي نعيشها اليوم
.
ونسأل الله السلامة .
ويمكن لكل مسلم أن يتابع هذا التدرج ويدرك خطورته
من خلال المثالين الآتيين:
* المثال الأول : أثارت وسائل الإعلام المصرية من خلال الأقلام
العلمانية حربًا عظيمة على نقاب المرأة ! ووقفوا جميعًا في صعيد واحد يقولون : إن الإسلام
قد فرض الحجاب فقط ، وإن الوجه والكفين ليسا بعورة ، وأعطوا لأنفسهم حق الفتوى مع أنهم
سفهاء ، وليسوا علماء ، ولما صدر قرار وزير التعليم بمنع الحجاب الذي أمر الله به رجع
أصحاب الأقلام المسمومة عن قولهم بوجوب الحجاب ! وقالوا بأن الله لم يفرض الحجاب على
نساء الأمة ، بل على أمهات المؤمنين فقط !!! .
وهذا قول قبيح ، وجهل صريح ، واستخفاف بعقول المسلمين ، وقد
قال الله لرسوله صلي الله عليه وسلم : ( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ )[الأحزاب : 59] .
فذكر الأزواج والبنات وسائر النساء !! .
ولكن هؤلاء لا يؤمنون
بهذه الآية ، ولا بالسورة التي اشتملت عليها ! بل ولا بالقرآن الذي نؤمن به !! .
* المثال الثاني : لما حدثت الفتنة بين رجال الشرطة والجماعات
الإسلامية كتبت أقلام العلمانية تحذر كثيرًا من فتاوى السباكين ، والفلاحين من غير
المتخصصين !! وترشد الرأي العام إلى ضرورة الرجوع إلى علماء الأزهر فقط ، لأنه جهة
الاختصاص في بيان حكم الدين في كل ما يحدث ، أو يقع من قضايا ، أو مسائل .
ومع تظاهرهم الشديد باحترام الأزهر - وهم كاذبون - فقد أعرضوا
عنه ، بل وتطاولوا عليه ، واستهزءوا بعلمائه !! .
والأسباب معروفة :
فقد أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر بيانًا ضد قرار وزير التعليم،
فثارت ثائرة العلمانيين، ورفضوا هذه الفتوى.
بل وقف ضدها - أيضًا - وزير الإعلام ! وأعجب منه صدور قرار
من النائب العام بحظر نشر هذه الفتوى .. ! وهكذا أصبح الأزهر لهم عدوًّا وحزنًا .
ومرة أخرى يصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بيانًا
بشأن مؤتمر السكان الدولي ، ويحذر المسلمين من شره ! فتقف العلمانية في وجه الأزهر
، وتصف هذا البيان بأنه منشورات !! كأن الأزهر قد أصبح جماعة متطرفة يجب القضاء عليها
!!!
وهم الآن يرفعون شعارين يحاربون بهما الإسلام.
* الأول منهما : الدعوة إلى حرية الرأي في الدين :
وحقيقة الأمر أنهم يهدفون إلى الطعن في الدين ، والصد عن
سبيله بأقلامهم وألسنتهم ، ولأنهم لا يستطيعون الإعلان عن ذلك حتى لا ينكشف أمرهم ،
ولا يفتضح مكنون صدورهم ، فهم يبالغون في الدعوة إلى حرية الرأي في الدين ! .
وقد كتبوا في الآونة الأخيرة كلامًا هو الكفر بعينه ( قَدْ
بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ )[آل عمران :118] .
* وأما الثاني : فدعوة خبيثة إلى عدم احترام العلماء ، وإسقاط
هيبتهم من نفوس المسلمين .
والهدف هو القضاء على الدين من خلال علمائه بالتقليل من شأنهم
، والحط من قدرهم .
والعلماء هم قادة الأمة ، وسراجها المنير ولكن هؤلاء لا يعلمون
!
وأما الحقيقة الأخيرة فهي:
أن العلمانية في مصر تعمل في خطين متوازيين هما:
* إفساد العقول بنشر الفكر المنحرف، ومحاربة التدين.
* إفساد الأخلاق بنشر الإباحية، ومحاربة الحجاب.
إن التحذير من العلمانية واجب على كل مسلم ومسلمة، كلٌّ بقدر
استطاعته وطاقته.
والحذر من مخطط هدم الدين، ومؤامرة القضاء عليه قد أصبح أمرًا
مفروضًا ' وضرورة شرعية.
نسأل الله أن يجمعنا على الحق، وأن ينصرنا به، وأن ينصره
بنا، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
صفوت الشوادفي