تكـريـم الإسـلام للمــرأة
أولا: تكريم الإسلام للإنسان عامة، والمرأة خاصة.
ثانيا: حال المرأة قبل الإسلام.
ثالثا: كيف كرم الإسلام المرأة.
التفصيل
أولا: تكريم الإسلام للإنسان عامة وللمرأة خاصة:
من أهم مظاهر تكريم الله للإنسان:
1- خلقُهُ في أحسن تقويم: قال تعالى: «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» [غافر: 64].
قال السعدى -رحمه الله-: أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرًا أو باطنًا شيئًا(1).
2- تزويدُه بالعلم والعقل: قال تعالى: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون» [النحل: 78].
قال ابن كثير -رحمه الله-: ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي أَنْ جَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، وَهِيَ الْعُقُولُ وَالْفُهُومُ، الَّتِي يُدْرِكُونَ بِهَا الْأَشْيَاءَ، وَيَعْتَبِرُونَ بِمَا فِـي
الْكَوْنِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ لِمَا يشاء(2).
3- تسخير المخلوقات للإنسان: قال الله تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة» [لقمان: 20].
قال القرطبي -رحمه الله-: ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُ سَخَّرَ لَهُمْ «مَا فِي السَّماواتِ» مِنْ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَنُجُومٍ وَمَلَائِكَةٍ تَحُوطُهُمْ وَتَجُرُّ إِلَيْهِمْ مَنَافِعَهُمْ. «وَما فِي الْأَرْضِ» عَامٌّ فِي الْجِبَالِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَمَا لَا يُحْصَى. «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ» أَيْ: أَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا(3).
4- إكرامهم بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب السماوية عليهم، لتهديهم للتي هي أقوم: قال الله تعالى: «رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل» [النساء: 165]. وقال عز وجل: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط» [الحديد: 25].
قال السعدى -رحمه الله-: يقول تعالـى: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ» وهـــي الأدلـــــة والشـــواهـد والعـــلامات الدالة على صدق ما جاءوا به وحقِّيَّتـــــــه. «وَأَنزلْنَــــــا مَعَهُــــمُ الْكِتَابَ» وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، «وَالْمِيزَانَ» وهو العدل في الأقوال والأفعال، والدين الذي جاءت به الرسل، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق، وفي الجنايات والقصاص والحدود والمواريث وغير ذلك، وذلك «لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» قياما بدين الله، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها(4).
لكن هل فرق الإسلام بين الرجل والمرأة في مسألة التكريم؟! بالطبع لا. فلقد بلغت المرأة في الإسلام منزلة عالية، لم تبلغها ملة ماضية(5)، إذ إن تكريم الإسلام للإنسان تشترك فيه المرأة والرجل على حد سواء، فهم أمام أحكام الله في هذه الدنيا سواء، كما أنهم أمام ثوابه وجزاءه في الدار الآخرة سواء، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» [الإسراء: 70]، وقال عز من قائل: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا» [النساء: 7]. وقال جل ثناؤه: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» [البقرة: 228]. وقال سبحانه: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» [التوبة: 71]. وقال تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» [آل عمران: 195]. وقال جل ثناؤه: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [النحل: 97]. وقال عز من قائل: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا» [النساء: 124].
وهذا يدفعنا للعنصر الثاني وهو: حال المرأة قبل الإسلام:
لقد كانت المرأة قبل الإسلام في أتعس حالٍ، فهي مهضومة الحقوق بين صفوف الجاهلية، كسيرة الجناح، تعد في مجتمع الجاهلية كأتفه الأشياء، بل وأعظم من ذلك وأطم أنها توأد وتقتل وتدس في التراب -أحيانا- وهي حية، قال تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ» [النحل: 58 - 59]. وقال ربنا: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» [التكوير: 8 - 9](6).
عَنْ أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ» إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّكَاحَ)(7).
قال الله تعالى: «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» [النحل: 57 - 59].
قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَابِ -رضي الله عنه-: وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا في الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ(8).
قال القرطبي -رحمه الله-: وَكَانُوا يَدْفِنُونَ بَنَاتِهِمْ أَحْيَاءً لِخَصْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَأَلْحَقُوا الْبَنَاتِ بِهِ. والثَّانِيَةُ: إِمَّا مَخَافَةَ الْحَاجَةِ وَالْإِمْلَاقِ، وَإِمَّا خوفا من السبي والاسترقاق(9).
كيف كرم الإسلام المرأة:
لقد بلغ من تكريم الإسلام للمرأة أن أوصى الله تعالى بها بعد عبادته فقال عز وجل: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا» [الإسراء: 23]. وقد حمَّلَهَا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمانة تربية الأولاد فقال مكرمًا لها: (وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)(10).
مما يجعلها تشعر بقيمتها في المجتمع، وتعتزُّ بدورها في بناء الأسرة، ولا شكّ أنّ المرأة إذا كانت راضية النّفس، موفورة الكرامة ستحوّل بيتها إلى جنّة وارفة الظّلال، وصدق شاعر النّيل حافظ إبراهيم إذ قال:
الأمّ مدرسة إذا أعددتها. . . أعددت شعبا طيّب الأعراق(11)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ(12).
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ -رضي الله عنه-، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ(13).
وكرمها بنتا: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ) وَضَمَّ أَصَابِعَهُ(14).
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ، فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ
النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ)(15).
قال ابن عثيمين -رحمه الله-: فيه فضل عَوْل الإنسان للبنات، وذلك أن البنت قاصرة ضعيفة مهينة، والغالب أن أهلها لا يأبهون بها، ولا يهتمون بها(16).
وكرمها زوجة: قال الله تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً» [النحل: 72].
قال الشنقيطي -رحمه الله-: ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ امْتَنَّ عَلَى بَنِي آدَمَ أَعْظَمَ مِنَّةٍ بِأَنْ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَزْوَاجًا مِنْ جِنْسِهِمْ وَشَكْلِهِمْ، وَلَوْ جَعَلَ الْأَزْوَاجَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مَا حَصَلَ الْائْتِلَافُ وَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، وَلَكِنْ مِنْ رَحْمَتِهِ خَلَقَ مِنْ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَجَعَلَ الْإِنَاثَ أَزْوَاجًا لِلذُّكُورِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمِنَنِ(17).
وقـــال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُــــــــنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْـــــــرَهُـــــــوا شَيْئًـــــــا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» [النساء: 19].
قال ابن كثير -رحمه الله-: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ مِنْهَا وَلَدًا، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) أَوْ قَالَ: (غَيْرَهُ)(18)، قال أهل اللغة: فركه يفركه إذا أبغضه والفرك البغض(19).
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي)(20).
----
(1) تفسير السعدي (929).
(2) تفسير ابن كثير (5/487).
(3) تفسير القرطبي (14/73).
(4) تفسير السعدي (842).
(5) كانت المرأة في الشرائع السابقة وما نزل على الأنبياء السابقين مكرمة أيما تكريم، لها شأنها ومكانتها، وصانتها عن الذلة والمهانة، لها حقوق وعليها واجبات، حتى لا يظن أنها كانت قبل ذلك مهانة تعيش في متاهة، المشكلة تكمن عند الأمم السابقة في الذين لم يهتدوا بنور الرسالات السماوية الإلهية، أنهم جردوها من حقوقها وإنسانيتها، وفعلوا بها ما صارت إليها حتى جاء الإسلام ليعيد لها حقها ويصير لها المكانة اللائقة بها، ففي بدء الخلق لما أسكن الله آدم الجنة قال: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 117 - 119]، فإذا خرجا من الجنة خرج وحده ليسعى ويقوم بمتطلبات الحياة وبقيت هي في البيت تقوم بما عليها فيه.
وكقوله تعالى عن مريم: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37]، يقوم زكريا على حاجتها من مطعم ومشرب وخلافه مع تربية دينية قويمة، وهي في بيتها، لذا سألها لما وجد عندها طعاما لم يأت به. وغير ذلك مما يدل على أن للمرأة مكانة في الشرائع السابقة ذلك تشريع الحكيم الخبير العليم. فلينتبه لذلك.
(6) دروس للشيخ عبد الله حماد الرسي (20/6).
(7) صحيح مسلم دار الجيل (620).
(8) صحيح البخاري (4913).
(9) تفسير القرطبي (19/232).
(10) موسوعة الكتيبات الإسلامية (548/1) والحديث رواه البخاري (893).
(11) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (4/1174).
(12) أخرجه البخاري (5626)، ومسلم (2548).
(13) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (60)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (44).
(14) أخرجه مسلم (2027).
(15) أخرجه البخاري (1418).
(16) شرح رياض الصالحين (3/105).
(17) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/412).
(18) أخرجه مسلم (1469).
(19) تفسير ابن كثير (2/212).
(20) سنن الترمذي (3895)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/971).