قطوف من بسان الواعظين: من أعلام الدعوة (سلسلة الواعظ عدد صفر 1437هـ)

2015-11-10

اللجنة العلمية

من أعلام الدعوة

العقد الفريد في ترجمة الحسن البصري أبي سعيد

مع أحد العلماء العاملين، والأئمة التابعين، الإمام الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء، تشرب بالعلم حتى نطق بالحكمة، وصفه أبو نعيم فقال: ومنهم حليف الخوف والحزن، أليف الهم والشجن، عديم النوم والوسن، أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن، الفقيه الزاهد، المشمر العابد، كان لفضول الدنيا وزينتها نابذاً، وشهوة النفس ونخوتها تاركاً.

ووصفه الزهري فقال: مناقبه كثيرة، ومحاسنه غزيرة، كان رأساً في العلم والحديث إماماً مجتهداً كثير الاطلاع، رأساً في القرآن وتفسيره، رأساً في الوعظ والتذكير، رأساً في الحلم والعبادة، رأساً في الزهد والصدق، رأساً في الفصاحة والبلاغة، رأساً في الأيد والشجاعة.

كان رجلاً مليحاً تام الشكل حسن الصورة، طال عمره في العلم والعمل.

اسمه وكنيته ومولده ونسبه

الحَسَنُ البَصْرِيُّ أَبُو سَعِيْدٍ هُوَ: الحَسَنُ بنُ أَبِي الحَسَنِ يَسَارٍ، أَبُو سَعِيْدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ.

وَيُقَالُ: مَوْلَى أَبِي اليَسَرِ كَعْبِ بنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، وَكَانَتْ أُمُّ الحَسَنِ مَوْلاَةً لأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ المَخْزُوْمِيَّةِ.

وَيسَارٌ أَبُوْهُ: مِنْ سَبْيِ مَيْسَانَ، سَكَنَ المَدِيْنَةَ، وَأُعْتِقَ، وَتَزَوَّجَ بِهَا فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَوُلِدَ لَهُ بِهَا الحَسَنُ -رحمه الله- لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَاسْمُ أُمِّهِ: خَيْرَةُ، وكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَبْعَثُ أُمَّ الحَسَنِ فِي الحَاجَةِ، فَيَبْكِي وَهُوَ طِفْلٌ، فَتُسْكِتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِثَدْيِهَا، وَرُوِيَ أَنَّ ثَدْيَ أُمِّ سَلَمَةَ دَرَّ عَلَيْهِ، وَرَضِعَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ. (1)

زهده وورعه وعبادته وكثرة بكائه وحزنه وخوفه وتجافيه عن الدنيا

قال علقمة بن مرثد: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، فمنهم الحسن، ولقد شهد له أهل البصرة بذلك.

قَالَ السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: كَانَ الحَسَنُ يَصُوْمُ: البِيْضَ، وَأَشْهُرَ الحُرُمِ، وَالاثْنَيْنَ، وَالخَمِيْسَ.

قال حكيم بن جعفر: قال لي مسمع: لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج.

قال محمد بن سعد: قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما.

وعن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا يبالي.

يقول الحسن: أَهِيْنُوا الدُّنْيَا، فَوَاللهِ لأَهْنَأُ مَا تَكُوْنُ إِذَا أَهَنْتَهَا.

وعن حميد قال: بينما الحسن في المسجد تنفس تنفساً شديداً ثم بكى حتى أرعدت منكباه ثم قال: لو أن بالقلوب حياة، لو أن بالقلوب صلاحاً لأبكتكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة.

وعَنْ عِمْرَانَ القَصِيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ الحَسَن عَنْ شَيْءٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الفُقَهَاءَ يَقُوْلُوْنَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيْهاً بِعَيْنِكَ! إِنَّمَا الفَقِيْهُ: الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا، البَصِيْرُ بِدِيْنِهِ، المُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ.

وقال هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: سَمِعْتُ الحَسَنَ يَحْلِفُ بِاللهِ: مَا أَعَزَّ أَحَدٌ الدِّرْهَمَ إِلاَّ أَذَلَّهُ اللهُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا تَخْرُجُ نَفْسُ ابْنِ آدَمَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بِحَسَرَاتٍ ثَلَاثٍ: أَنَّهُ لَمْ يَشْبَعْ مِمَّا جَمَعَ، وَلَمْ يُدْرِكْ مَا أَمِلَ، وَلَمْ يُحْسِنِ الزَّادَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ.

يقول الحسن البصري -رحمه الله-: نَضْحَكُ وَلاَ نَدْرِي لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا، وَقَالَ: لاَ أَقْبَلُ مِنْكُم شَيْئاً، وَيَحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ! هَلْ لَكَ بِمُحَارِبَةِ اللهِ وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَاماً كَانَتِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَى أَحَدِهِمْ مِنَ التُّرَابِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَاماً يُمْسِي أَحَدُهُمْ وَلاَ يَجِدُ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوْتاً، فَيَقُوْلُ: لاَ أَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَطْنِي، فَيَتَصَدَّقُ بِبَعْضِهِ، وَلَعَلَّهُ أَجْوَعُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ.

ثناء العلماء والأقران عليه

قَالَ مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ: كَانَ أَبِي يَقُوْلُ: الحَسَنُ شَيْخُ أَهْلِ البَصْرَةِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: كَانَ الحَسَنُ-رحمه الله- جَامِعاً، عَالِماً، رَفِيْعاً، فَقِيْهاً، ثِقَةً، حُجَّةً، مَأْمُوْناً، عَابِداً، نَاسِكاً، كَثِيْرَ العِلْمِ، فَصِيْحاً، جَمِيْلاً، وَسِيْماً.

وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشْبَهَ بِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صلي الله عليه وسلم- مِنْهُ.

وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ: لَمَّا ظَهَرَ الحَسَنُ، جَاءَ كَأَنَّمَا كَانَ فِي الآخِرَةِ، فَهُوَ يُخْبِرُ عَمَّا عَايَنَ.

قَالَ أَيُّوْبُ السِّخْتِيَانِيُّ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْلِسُ إِلَى الحَسَنِ ثَلاَثَ حِجَجٍ مَا يَسْأَلُهُ عَنِ المَسْأَلَةِ هَيْبَةً لَهُ.

وَقَالَ مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ: قُلْتُ لِلأَشْعَثِ: قَدْ لَقِيْتَ عَطَاءً وَعِنْدَكَ مَسَائِلُ، أَفَلاَ سَأَلْتَهُ؟ قَالَ: مَا لَقِيْتُ أَحَداً بَعْدَ الحَسَنِ إِلاَّ صَغُرَ فِي عَيْنِي.

قال قَتَادَةُ: كان يُقَالُ: مَا خَلَتِ الأَرْضُ قَطُّ مِنْ سَبْعَةِ رَهْطٍ، بِهِم يُسْقَوْنَ، وَبِهِم يُدْفَعُ عَنْهُم، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ الحَسَنُ أَحَدَ السَّبْعَةِ.

وَعَنْ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ، وَالقَاسِمِ، وَغَيْرِهِم: يقولون مَا رَأَيْنا مِثْلَ الحَسَنِ، وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَلَهُ مِثْلُ أَسْنَانِهِم، مَا تَقَدَّمُوْهُ.

وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ عُبَيْدٍ: أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً أَقْرَبَ قَوْلاً مِنْ فِعْلٍ مِنَ الحَسَنِ.

يَقُوْلُ أَيُّوْب: كَانَ الحَسَنُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ بَعْدِهِ بِكَلاَمٍ يَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِم كَأَنَّهُ القَيْءُ.

وعَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيِّ، قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَفْقَهِ مَنْ رَأَيْنَا، فَلْيَنْظُرْ إِلَى الحَسَنِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الحَسَنُ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالحَلاَلِ وَالحَرَامِ.

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ العَلاَءِ: مَا رَأَيْتُ أَفْصَحَ مِنَ الحَسَنِ، وَالحَجَّاجِ.

وَعَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: مَا زَالَ الحَسَنُ يَعِي الحِكْمَةَ حَتَّى نَطَقَ بِهَا، وَكَانَ إِذَا ذُكِرَ الحَسَنُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، قَالَ: ذَاكَ الَّذِي يُشْبِهُ كَلاَمُهُ كَلاَمَ الأَنْبِيَاءِ.

من درر كلام الحسن البصري

ويقول الحسن: مَا حُلِّيَتِ الجَنَّةُ لأُمَّةٍ مَا حُلِّيَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ لاَ تَرَى لَهَا عَاشِقاً.

وعَنِ الحَسَنِ، قَالَ: ابْنَ آدَمَ، إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ، ذَهَبَ بَعْضُكَ.

يَقُوْلُ الحَسَنُ: فَضَحَ المَوْتُ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَتْرُكْ فِيْهَا لِذِي لُبٍّ فَرَحاً.

يقول مبارك بن فضالة: سمعت الحسن وقال له شاب: أعياني قيام الليل. فقال له: قيدتك خطاياك.

وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا رَأَيْتَ فِي ولَدِكِ مَا تَكْرَهُ فَاعْتَبِ اللَّهَ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرَادُ بِهِ أَنْتَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ، رَضِيَ بِدَارٍ حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ، إِنْ أَخَذَهَا مِنْ حِلٍّ حُوسِبَ بِنَعِيمِهِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ حَرَامٍ عُذِّبَ بِهِ.

قَالَ الْحَسَنُ: الْفِكْرَةُ مِرْآةٌ تُرِيكَ حَسَنَاتِكَ وَسَيِّئَاتِكَ، وَقَالَ: مَا يَسُرُّنيِ مَوَدَّةُ أَلْفِ رَجُلٍ بِعَدَاوَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ فَعِظْ نَفْسَكَ فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ فَعِظِ النَّاسَ، وَإِلَّا فَاسْتَحِ مِنْ رَبِّكَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا عَجَبًا لِقَوْمٍ أُمِرُوا بِالزَّادِ وَنُودُوا بِالرَّحِيلِ وَحُبِسَ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ يَلْعَبُونَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَقُولُونَ: لِسَانُ الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ رَجَعَ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمْسَكَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ قَلْبَ الْجَاهِلِ فِي طَرَفِ لِسَانِهِ لَا يَرْجِعُ إِلَى قَلْبِهِ، مَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ تَكَلَّمَ بِهِ.

قَالَ الْحَسَنُ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْ قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَحْفَظُوا عَنِّي حَرْفَيْنِ: "أَنْ يَرْضَوْا بِدَنِيِّ الدُّنْيَا لِسَلَامَةِ دِينِهِمْ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا رَاضُونَ بِدَنِيِّ الدِّينِ لِسَلَامَةِ دُنْيَاهُمْ".

وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7]، قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْقُرُ الدِّرْهَمَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيُخْبِرُكَ بِوَزْنِهِ وَمَا يُحْسِنِ يُصَلِّي.

وقَالَ: عِظِ النَّاسَ بِفِعْلِكَ وَلَا تَعِظْهُمْ بِقَوْلِكَ، وَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُنَافِسُ فِي الدُّنْيَا فَنَافِسْهُ فِي الْآخِرَةِ.

وَعَنْ عَطَاءٍ الْأَزْرَقِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ أَنْتَ؟ كَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: بِأَشَدِّ حَالٍ، وَمَا حَالُ مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى يَنْتَظِرُ الْمَوْتَ لَا يَدْرِي مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِ. (2)

وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ابْتُلُوا مِنْ سُلْطَانِهِمْ بِشَيْءٍ فَزِعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ يَرْفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ فَزِعُوا إِلَى السَّيْفِ، فَوَاللَّهِ مَا جَاءُوا بِيَوْمِ خَيْرٍ قَطُّ ثُمَّ تَلَا: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137].

وَقَالَ: إِيَّاكُمْ وَمَا يَشْغَلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَفْتَحُ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابًا مِنَ الدُّنْيَا، إِلَّا سَدَّ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَبْوَابٍ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ.

وعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَشَفَقَةً، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا، وَتَلَا {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57]، وقَالَ الْمُنَافِقُ: {أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}[القصص: 78].

وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا لَوْ شَاءَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَأْخُذَ هَذَا الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ أَخَذَهُ، يُقَالَ لَهُمْ: أَلَا تَأْتُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ فَتَأْخُذُونَهُ حَلَالًا؟ فَيَقُولُونَ: لَا، نَخْشَى أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ فَسَادًا لِقُلُوبِنَا.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ مُخَادِشٍ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّا نُجَالِسُ أَقْوَامًا يُحَدِّثُونَا أَحَادِيثَ تَكَادُ تَطِيرُ عُقُولُنَا مِنْهَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّكَ إِنْ تُجَالِسْ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُجَالِسَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ خَائِفًا.

وقيل للحسن: إن فلاناً اغتابك، فبعث إليه طبق حلوى وقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك.

وعن الحسن البصري أنه قال: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة، رجاء الرحمة حتى خرجوا من الدنيا وليست لهم أعمال صالحة. يقول أحدهم: إني لحسن الظن بالله وأرجو رحمة الله، وكذب، ولو أحسن الظن بالله لأحسن العمل لله، ولو رجا رحمة الله لطلبها بالأعمال الصالحة.

مواعظ له قبل الموت

قَالَ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُغْمَى عَلَيْهِ ثُمِّ يَفِيقُ وَيَقُولُ صَبْرًا وَاحْتِسَابًا وَتَسْلِيمًا لأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى قُبِضَ رَحِمَهُ اللَّهُ. (3)

قَالَ يُوْنُسُ: لَمَّا حَضَرَتِ الحَسَنَ الوَفَاةُ، جَعَلَ يَسْتَرْجِعُ، فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ، قَدْ غَمَمْتَنَا، فَهَلْ رَأَيْتَ شَيْئاً؟ قَالَ: هِيَ نَفْسِي، لَمْ أُصَبْ بِمِثْلِهَا.

وأغمي على الحسن عند موته، ثم أفاق فقال: لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم.

وفاة الحسن البصري

قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ: مَاتَ الحَسَنُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَةٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ: إِنَّ أَبَاهُ عَاشَ نَحْواً مِنْ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.

قُلْتُ -أي الذهبي-: مَاتَ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ، وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ مَشْهُوْدَةً، صَلَّوْا عَلَيْهِ عَقِيْبَ الجُمُعَةِ بِالبَصْرَةِ، فَشَيَّعَهُ الخَلْقُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، حَتَّى إِنَّ صَلاَةَ العَصْرِ لَمْ تُقَمْ فِي الجَامِعِ.

----

(1) سير أعلام النبلاء (4/ 563: 565).

(2) سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص: 729).

(3) الثبات عند الممات لابن الجوزي (المتوفى: 597هـ) (ص: 135).

عدد المشاهدات 9087