طرق الشيطان في إغواء الإنسان(الخطب المهمة لدعاة الأمة عدد شهر شوال 1436هـ)

2015-07-04

اللجنة العلمية

العنوان :طرق الشيطان في إغواء الإنسان

الخطبة إعداد اللجنة العلمية

عدد شوال 1436هـ من الخطب المهمة لدعاة الأمة


طرق الشيطان في إغواء الإنسان

 

عناصر الخطبة

المقدمة

كيف يوسوس الشيطان إلى الإنسان

وسائل العلاج والتخلص من كيد الشيطان.

التفصيل

المقدمة

فإن عدو الله إبليس - أعاذنا الله وإياكم منه- هو العدو اللدود الذي أخرج آدم من الجنة، وسعى في منع بني آدم من العودة إليها بكل سبيل، وأقسم على أن يغوي بني آدم ويصدهم عن صراط الله المستقيم فقال: { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 16-17]. وأخبر الله تعالى بأن إبليس صدّق عليهم ظنه فاتبعوه إلا من عصمه الله من عباده المؤمنين وأوليائه المتقين وحزبه المفلحين، فقال تعالى: { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [سبأ: 20].

وإذا كان يوم القيامة ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قام الشيطان خطيبًا فيهم وتبرأ منهم، قال تعالى: { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [إبراهيم: 22].

وأمرنا الله بالدخول في جميع شرائع الإسلام وأن لا نطيع الشيطان بتركها، أو ترك بعضها، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208] أي بين العداوة، وأن الشيطان يعدنا الفقر لئلا ننفق أموالنا في سبيل الله، والله يعدنا مغفرة منه وفضلاً على الإنفاق وبالخلف العاجل والآجل، فقال: { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا } [البقرة: 268].

وأخبرنا ربنا أن الشيطان يخوفنا بأوليائه ويعظمهم في صدورنا، ونهانا أن نخافهم، وأمرنا أن نفرد ربنا بالخوف إن كنا مؤمنين، فقال تعالى: { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 175].

ونهانا ربنا عن اتباع خطوات الشيطان وهي طرقه التي يدعو إليها من الفواحش والشهوات المحرمة وترك الواجبات وفعل المحرمات، وأخبرنا مولانا أن الشيطان لنا عدو وأمرنا أن نتخذه عدوًا وأنه يدعو أتباعه ليكونوا من أهل النار -أعاذنا الله وإياكم منها- فقال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [فاطر: 6] ولكن بعض الناس اتخذوه ولياً لهم فأطاعوه في معصية الله، ولذلك أخبرنا ربنا عن خسران من اتخذ الشيطان وليًا فأطاعه في معصية الله فقال: { وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } [النساء: 119].

فالعجب ممن عرف ربه ثم عصاه وعرف الشيطان فأطاعه قال تعالى: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } [الكهف: 50]. وقد حذرنا مولانا منه فقال تعالى: { يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } [الأعراف: 27]. (1)

كيف يوسوس الشيطان إلى الإنسان وما هي مداخله

عن سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ، " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ". (2)

يَقُولُ الْحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ-رحمه الله-: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفْتَحُ لِلْعَبْدِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ بَابًا مِنَ الْخَيْرِ يُرِيدُ بِهِ بَابًا مِنَ السُّوءِ". (3)

وعَن مُجَاهِد-رحمه الله- قَالَ: " مَا من رفْقَة تخرج إِلَى مَكَّة إِلَّا جهز إِبْلِيسُ مَعَهم بِمثل عدتهمْ". (4)

ومداخل الشيطان وأبوابه نابعة من صفات العبد نحو الشهوة والغضب والحدة والطمع وغيرها وهي كثيرة، ولكننا نشير إلى معظم وسائله في إغواء الخلق وتسلطه عليهم بها إن شاء الله.

1-  الوسيلة الأولى الحسد والحرص

فمن حصل فيه هاتان الخصلتان عمي وصم، وهما من أعظم مداخل الشيطان وأكبر وسائله.

والحسد تمنّي زوال نعمة المحسود إلى الحاسد. (5)

قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء: 32].

قال القرطبي -رحمه الله-  في تفسير هذه الآية: (والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب  ويقال: الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل). (6)

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها". (7)

قال النووي-رحمه الله-: (قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين. (8)

2- الوسيلة الثانية: الشهوة والغضب

 فإنهما من أعظم المكايد للشيطان فالغضب هو غول العقل، وإذا ضعُف جند العقل هجم جند الشيطان، وإذا غضب الإنسان لعب به الشيطان كما يلعب الصبي بالكرة.

فاملك نفسك عند الغضب واعلم أن ذلك مدخل من مداخل الشيطان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ". (9)

فيا من تكالبت علي الشهوات أشعرت أن ذلك أعظم ما استعان به الشيطان عليك؟!

نعم  إن الشهوات سلاح قوى من أسلحة الشيطان والتي لطالما أهلك بها الكثيرين  وما زال يهلك بها!

وقَالَ عَبْد الملك بْن مروان-رحمه الله- إذا لم يغضب الرجل لم يحلم لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغضب.(10)

وقال ابن حبان-رحمه الله- لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عَلَيْهِ الاحتيال لمفارقته بكل سبب. (11)

فيا أخي المسلم إن شهوة الانتقام قد تدفعك إلى الغضب، وشهوة العزة بالإثم قد تؤدي بك إلى رد الحق، ولكن إذا ما أحسست بشيء من هذا فادفع بالتي هي أحسن { فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت: 34]، ولا شك أن هذا سيحتاج منك إلى الصبر وترويض النفس، ولكن العاقبة ستكون حميدة، والمثوبة من الله كبيرة { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت: 35].

3- الوسيلة الثالثة: حب الشهوات والزينة في الدنيا في الثياب والأثاث والدور والمراكب

 فإن الشيطان إذا رأى ذلك غالبًا على قلب إنسان باض فيه وفرخ.

قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14].

وعن عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ -رضي الله عنه-، وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاَءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ -رضي الله عنه-، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: "أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ" قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ". (12)

فلا يزال يدعوه إلى عمارة الدنيا وتزيين سقوفها وحيطانها وتوسيع الأبنية، ويدعوه إلى التزين بالأثواب.

فإذا أوقعه فيها فقد استغنى عن معاودته فإن بعض ذلك يجر إلى بعض، فلا يزال يؤديه من شيء إلى شيء إلى أن يستاق إليه أجله فيموت وهو في بحر الأماني يعوم، وفي سبيل الضلال يخوض، ومن ذلك يُخشى على الإنسان من سوء الخاتمة نعوذ بالله منها.

4- الوسيلة الرابعة: الطمع

 فإذا كان الطمع غالبًا على القلب لم يزل الشيطان يحسن له التصنع لمن طمع فيه حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده وهذا هو الغاية في الخسران والهلاك.

والطمع هو: نزوع النّفس إلى الشّيء شهوة له. (13)

وقد ذم الله تبارك وتعالى الطمع في كتابه فقال {وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41].

قال السدي-رحمه الله-: لا تأخذوا طمَعًا قليلا وتكتُموا اسمَ الله، وذلك الثمن هو الطمع. (14)

وعن كعب بن مالك الأنصاري-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه). (15)

قال المناوي-رحمه الله-: فمقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره، وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعا). (16)

وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-، رضي الله عنه يقول: قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك). (17)

وقال عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: تعلمُنَّ أنّ الطّمع فقر، وأنّ اليأس غنى. (18)

5- الوسيلة الخامسة: العجلة في الأمور وكثرة الطيش والفشل:

اعلم أن العجلة جاءت مذمومة في القرآن في كثير من المواضع، قال تعالى{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11].

وقال تعالى{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [الأحقاف: 24].

وقال تعالى {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ } [الرعد: 6].

قال الرّاغب-رحمه الله-: العجلة: طلب الشّيء وتحرّيه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشّهوة، حتّى قيل: "العجلة من الشّيطان". (19)

وعَنْ أَنَسٍ-رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ " قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " سُبْحَانَ اللهِ لَا تُطِيقُهُ - أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ - أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ. (20)

 (قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه: العجلة، واللّجاجة، والعجب، والتّواني. فثمرة العجلة النّدامة، وثمرة اللّجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التّواني الذّلّ). (21)

عن حاتم الأصم-رحمه الله- قال: كان يقال: العجلة من الشيطان، إلا في خمس: إطعام الطعام إذا حضر الضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدركت، وقضاء الدين إذا وجب، والتوبة من الذنب إذا أذنب. (22)

6- الوسيلة السادسة: البخل والشح  وخوف الفقر.

قال الجرجانيّ -رحمه الله- البخل: هو المنع من مال نفسه، والشّحّ بخل الرّجل من مال غيره، وقيل: البخل ترك الإيثار عند الحاجة. (23)

أما الشح: قال الطبري-رحمه الله-: (الشح: الإفراط في الحرص على الشيء). (24)

يقول الماورديّ-رحمه الله-: قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة- وإن كان ذريعة إلى كلّ مذمّة- أربعة أخلاق، ناهيك بها ذمّا وهي: الحرص، والشّره، وسوء الظّنّ، ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة، والشّيم اللّئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول. (25)

قال تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [آل عمران: 180].

وقال تعالى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } [النساء: 37].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (قَدْ تُؤُوِّلَتْ فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَالْمَنْعِ وَالْبُخْلِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ وَهِيَ تَعُمُّ الْبُخْلَ بِكُلِّ مَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ عِلْمٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ). (26)

وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال". (27)

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم". (28)

قال النووي-رحمه الله-: (قوله -صلى الله عليه وسلم-: (واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم) قال القاضي يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم ويحتمل أنه هلاك الآخرة وهذا الثاني أظهر ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة). (29)

وسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- عَنْ الْبُخْلِ فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُهُ تَلَفًا وَمَا يُمْسِكُهُ شَرَفًا. (30)

وقال سفيان الثوري-رحمه الله-: ليس للشيطان سلاح على الإنسان مثل خوف الفقر، فإذا قبل ذلك منه أخذ في الباطل ومنع من الحق وتكلم بالهوى وظن بربه السوء، وهو من أعظم الآفات على الدين. (31)

7- الوسيلة السابعة: سوء الظن بالناس جميعاً والمسلمون على وجه الخصوص.

يقول ابن القيم-رحمه الله-: سوء الظن هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على اللسان والجوارح). (32)

يقول ابن كثير: سوء الظن (هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله). (33)

وقد ذم الله تبارك وتعالى سوء الظن في القرآن في بعض المواضع منها:

قوله تعالى {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ. . . . . . } [آل عمران: 154].

وقال تعالى في عاقبة من ظن به السوء: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[فصلت: 22 - 23].

قال أبو حيان الأندلسي-رحمه الله-: (هذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الإله). (34)

قال السعدي-رحمه الله-: (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ بإقدامكم على المعاصي أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ الظن السيئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله. أَرْدَاكُمْ أي: أهلككم فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم، فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم، في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة). (35)

وقال تعالى في ذم سوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].

قال ابن كثير-رحمه الله-: (قال تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا). (36)

ومن حكم بشيء على غيره بالظن فإن الشيطان يبعثه على أن يطول فيه اللسان بالغيبة فيهلك، أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه أو ينظره بعين الاحتقار أو يرى نفسه خيرًا منه.

وكل ذلك من المهلكات، فمهما رأيت إنسانًا يسيء الظن بالناس طالبًا لعيوبهم فاعلم أنه خبيث في الباطن، فإن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العيوب للخلق. (37)

8- الكِبْر والعُجْب

وهاتان صفتان من ابتُلي بهما فلا ترجو خيره وهما صفتان مذمومتان.

والكبر هو بطر الحقّ وغمط النّاس كما جاء في الحديث وقال الغزاليّ -رحمه الله- هو استعظام النّفس، ورؤية قدرها فوق قدر الغير. (38)

أما العجب فهو استعظام النّعمة والرّكون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم عزّ وجلّ. (39)

وفرق بين الكبر والعجب وقد ذهب المحقّقون إلى أنّ بينهما فرقا لأنّ الكبر خلق باطن يصدر عنه أعمال، وذلك الخلق هو رؤية النّفس فوق المتكبّر عليه، والعجب يتصوّر ولو لم يكن أحد غير المعجب، والمتكبّر يرى نفسه أعلى من الغير فتحصل له هزّة وفرح وركون له إلى ما اعتقده. (40)

قال تعالى في ذم الكبر: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].

وقال تعالى في ذم العُجب: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ" قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً،

قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ". (41)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ، يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللهُ بِهِ الْأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". (42)

ويقول الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ -رحمه الله-: عَجِبْتُ لِمَنْ يَجْرِي فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ؟. (43)

وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ -رحمه الله- نَظَرَ إلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ يَسْحَبُهَا وَيَمْشِي الْخُيَلَاءَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْمِشْيَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ لَهُ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلَى أَعْرِفُك، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ بَيْنَ ذَلِكَ تَحْمِلُ الْعَذِرَةَ، فَتَرَكَ الْمُهَلَّبُ مِشْيَتَهُ تِلْكَ. (44)

فهذه يا عباد الله بعض مداخل الشيطان  التي يدخل بها إلى العبد، لكن اعلم أنه ليس في الآدمي صفة مذمومة إلا وهي سلاح للشيطان ومدخل من مداخله ولذلك فهي غير منحصرة فيما ذكرنا. (45)

وسائل العلاج والتخلص من كيد الشيطان

(1) المداومة على ذكر الله

يقول أصدق القائلين: { الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28].

والشيطان يعيش بمعزل عن الذي يذكر الله تعالى، ذلك لأن الذكر يحوط الإنسان ويحفظه، فعَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ،. . . . . وذكر الحديث إلى أن قال وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا، وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ، فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا، فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ". (46)

وفي اللحظة التي يتخلى الإنسان فيها عن الذكر يسلط الله عليه الشيطان { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف: 36].

وإذا تسلط الشيطان على الإنسان أنساه ذكر الله: { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ } [المجادلة: 19].

وذكر الله ينبغي أن يلازم المرء في كل حال من أحواله قائمًا وقاعدًا، وعلى جنبه، وفي الشارع، وفي منزله، وأثناء العمل.

  فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنهما-، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ". (47)

وهناك كثير من الأذكار التي يستطيع الإنسان أن يقي بها نفسه من الشيطان لا يتسع المقام لذكرها هنا.

 (2) المحافظة على الاستغفار

وهذه نعمة كبرى تستطيع عن طريقها تفويت الفرصة على الشيطان فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

 -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: " قَالَ إِبْلِيسُ: أَيْ رَبِّ  لَا أَزَالُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ، مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ "، قَالَ: " فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: " لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ، مَا اسْتَغْفَرُونِي ". (48)

فأي شيء يكلفك الاستغفار سوى أن تقول: "أستغفر الله" وتُحضّر قلبك لما تقول، والله يقول: { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 110].

ولنا في النبي -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة يقول أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً". (49) والأحاديث في الباب كثيرة جداً.

(3) التعوذ بالله من الشيطان الرجيم

وقد وردت الاستعاذة من الشيطان في مواضع كثيرة منها

أ- عند قراءة القرآن الكريم

قال تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [النحل: 98-99].

ب- عند الغضب

قال تعالى: { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } [فصلت: 36].

وعن سُلَيْمَانَ بْنُ صُرَدٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ، مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. (50)

(4) تلاوة القرآن

ثم احرص على قراءة سورة البقرة فإن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ". (51)

 وإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- - فَذَكَرَ الحَدِيثَ -، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- "صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ". (52)

فكل هذا أحراز لك من الشيطان وهناك الكثير نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعصمنا من الشيطان الرجيم.

والحمد لله رب العالمين

--

(1) الأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان (ص3: 1) لعبد الله بن جار الله آل جار الله.

(2) صحيح أخرجه النسائي (6/ 329) رقم3134 وهذا لفظه، ومسند أحمد (25/ 315)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 1186) رقم 2979.

(3) صحيح أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في  حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 331).

(4) أخرجه ابْن الْمُنْذر في التفسير كما في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (6/ 337) وعزاه ابن القيم في إغاثة اللهفان لابن أبي حاتم في التفسير.

(5) التعريفات للجرجاني ص87.

(6) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/ 250).

(7)  رواه البخاري (73) ومسلم (316).

(8) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/ 97).

(9) صحيح البخاري (8/ 28) رقم 6114، صحيح مسلم (4/ 2014) رقم 107(2609).

(10) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان (ص: 141).

(11) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 140).

(12) صحيح البخاري (5/ 84) رقم 4015، صحيح مسلم (4/ 2273) رقم 6(2961).

(13) المفردات في غريب القرآن للراغب (ص524).

(14) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (1/ 97).

(15) رواه الترمذي (2376)، وأحمد (3/ 456) (15822)، والدارمي (3/ 1795) (2772). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في (صحيح الجامع)(5620).

(16) فيض القدير للمناوي (5/ 445).

(17) رواه مسلم (1045).

(18) رواه ابن المبارك في الزهد(1/ 354)، ووكيع في الزهد(ص426)، وأحمد في الزهد(ص97).

(19) المفردات (323). حديث حسن انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 404) رقم 1795

(20) صحيح مسلم (4/ 2068) رقم 23 (2688).

(21) روضة العقلاء (289).

(22) حلية الأولياء لأبي نعيم(8/ 78).

(23) التعريفات (42، 43).

(24) جامع البيان في تأويل القرآن (9/ 282).

(25) أدب الدنيا والدين (228).

(26) مجموع الفتاوى لابن تيمية (14/ 212).

(27) رواه البخاري (6369) واللفظ له ومسلم (2706).

(28) رواه مسلم (2578).

(29) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (16/ 134).

(30) الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 299).

(31) سلاح اليقظان لطرد الشيطان (ص: 22).

(32) الروح ابن القيم (1/ 238).

(33) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/ 377).

(34) البحر المحيط في التفسير لأبي حيان الأندلسي (9/ 300).

(35) تفسير السعدي (1/ 747).

(36) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (7/ 377).

(37)  سلاح اليقظان لطرد الشيطان (ص: 22).

(38) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 345).

(39) إحياء علوم الدين( 3/ 370 ).

(40) غذاء الألباب 2/ 222.

(41) صحيح مسلم (1/ 93) رقم 147(91).

(42) صحيح مسلم (3/ 1654) رقم 50 (2088).

(43) المجالسة وجواهر العلم (5/ 301).

(44) أدب الدنيا والدين (ص: 236) للماوردي.

(45) سلاح اليقظان لطرد الشيطان (ص: 25وما بعدها).

(46) أخرجه أحمد في مسنده (28/ 404) رقم 17170، وابن خزيمة (2/ 914) رقم 1895، والطيالسي (2/ 479) رقم 1257وغيرهم وقال الألباني صحيح انظر صحيح الجامع الصغير (1/ 354) رقم 1724- 765.

(47) صحيح مسلم (3/ 1598) رقم 103(2018)

(48) أخرجه أحمد (18/ 252) رقم 11729 وأبو يعلى (1399)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص133، 134، والبغوي في "شرح السنة" (1293). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 212) رقم 104.

(49) صحيح البخاري (8/ 67) رقم 6307.

(50) صحيح البخاري (8/ 28) رقم 6115، صحيح مسلم (4/ 2015) رقم 109(2610)

(51) صحيح مسلم (1/ 539) رقم 212 (780).

(52) صحيح البخاري (4/ 123)  معلقاً، ووصله النسائي في السنن الكبرى 10729 وهو صحيح.

عدد المشاهدات 11704