غزوة بدر دروس وعبر

2013-07-23

أحمد عبد السلام

غزوةُ بدرٍ دروسٌ وعبرٌ

عناصر الخطبة:

1- مقدمة.

2 - ملخص عن غزوة بدر.

3- شرف هذه الغزوة وفضلها.

4- الدروس المستفادة من غزوة بدر.

مقدمة: إنَّ الأمة اليوم بحاجة ماسة إلى أن تعود إلى المنهج النبوي والسيرة النبوية لأخذ الدروس والعبر النيرات المباركات، وتتعلم منها الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادة الصحيحة، وسمو الأخلاق، وطهارة القلب، وحبَّ الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة في سبيله؛ ولهذا قال عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِيَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-كَمَا نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ. وقال الزُّهْرِيُّ: فِي عِلْمِ الْمَغَازِي عِلْمُ الْآخِرَة وَالدُّنْيَا. ([1])

اقرءوا التَّارِيخَ إِذْ فيه العِبَرْ ضَلَّ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الخَبَرْ

كان خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الغزوة من المدينة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة([2])؛ وحين خروجه -صلى الله عليه وسلم- من المدينة لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عير قريش، وكانت الحالة بين المسلمين وكفار مكة حالة حرب، وفي حالة الحرب تكون أموال العدو ودماؤهم مباحة، فكيف إذا علمنا أن جزءًا من هذه الأموال الموجودة في القوافل القرشية كانت للمهاجرين المسلمين من أهل مكة قد استولى عليها المشركون ظلمًا وعدوانًا. والتقي الفريقان في هذه الغزوة في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية([3])؛ أي بعد خروج المصطفي -صلى الله عليه وسلم- من بلده مكة مهاجرًا مطاردًا من قِبَل مشركي مكة وقد تبعه أصحابه تاركين أموالهم وبلادهم واستولى عليها المشركون. ثم بعد ذلك بسنتين يرحل الرسول ومعه ثلة ليست كثيرة العدد من أصحابه، أهل الإيمان، يرحل الرسول ليوجه أول ضربة لأهل الشرك، وكان عدد المسلمين في هذه الغزوة ثلاثمائة وتسعة عشرة رجلًا([4])، وكانت قوات المسلمين في بدر لا تمثل القدرة العسكرية القصوى للدولة الإسلامية، ذلك أنهم إنما خرجوا لاعتراض قافلة واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب، والتي بلغ تعدادها ألفًا ؛ معهم مائتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربون بالدفوف، ويغنين بهجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.([5])

غزوة بدر هي أعظم غزوات الإسلام فضلًا وشرفًا للأسباب التالية:

- لأنها أول غزوة كان لها أثرها في إظهار قوة الإسلام، فكانت بدءَ الطريق ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام.

- لأنها رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعًا ماديًا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلًا لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه، لذلك سماه الله تعالى في القرآن بيوم الفرقان، قال تعالى{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأنفال: 41].

- لأنَّ المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحبُّ هذا الدين.

- كانت إيقافًا لمدِّ الشركِ على ظهر الأرض وتقليم أظافره والإطاحةِ بكل رؤوسه ودفنهم في بدر، لقد خرج أبو جهل وقال له الناس: ارجع قد نجت التجارة، ارجع لا داعي للاشتباك مع محمد فقال: لا، وأقسم باللات والعزى أنه لن يرجع، حتى يَرِد بدر فيقيم فيها ثلاثًا، ماذا يصنع؟ ينحر ويذبح ويشرب ويُغني ويعزف وتسمع الدنيا بمسيرته، فلا يجرؤ محمد ولا غيره أن يتعرَّض لهم مرة أخرى، ولذلك يقول الله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: 47، 48].

الدروس المستفادة من الغزوة

ترسيخ مبدأ الشورى بين القائد والجنود:

لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوانى عن مشاورة أصحابه في جلائل الأمور وخاصة في المواقف الخطيرة كغزوة بدر وغزوة أحد وغزوة الخندق فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأخذ بمبدأ المشاورة امتثالًا لأمر ربه عز وجل: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].

قال عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- : شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَدْعُو عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ، يَعْنِي: قَوْلَهُ. ([6])

وفي رواية: قَالَ المِقْدَادُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ، فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.([7])

وبعد ذلك عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: « أشيروا عليَّ أيها الناس»، وكان إنما يقصد الأنصار؛ لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول -صلى الله عليه وسلم- خارج المدينة، وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فنهض قائلًا : إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا.([8])

وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

حين نودي على الجهاد وعد الله المؤمنين هذا الوعد:{وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 7]. والنفسُ البشرية دائمًا تميل إلى الراحة والدعة وتتوقى المشقة والضرر، ومما يخالف هوى النفس وجبلتها بذل الدم والمال وهذا ما قرره القرآن في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

فهذه الآية ينبغي أن تكون قاعدة عند كل مسلم، ليتم استسلامه لأوامر الشرع فيما يكرهه، قال عمر بن الخطاب: لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره. وقال الحسن: لا تكرهوا النقمات الواقعة والبلايا الحادثة فلَرُبَّ أمر تكرهه فيه نجاتك ولرب أمر تؤثره فيه عطبك.([9])

قوة الترابط بين المؤمنين

وهذه منَّةٌ من الله ومن أعظم أسرار النصر: يقول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62-63].

فمن أبرز سمات معركة بدر أنه تلاشت فيها العصبيات والقبليات والنعرات الجاهلية، فلم يكن المسلمون ينتصرون لقبيلة أو لون أو جنسية، بل كانوا ينصرون الإسلام وأهله ويواجهون المشركين أعداء الله بغض النظر عما بينهم من خلافات إن وُجد بينهم خلافات، {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ} [النساء: 76].

الولاء والبراء أصل من أصول الإيمان:

قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

كان مصعب بن عمير حامل لواء المسلمين، وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وقد وقع أسيرًا يوم بدرٍ في يد أحد الأنصار، فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي، فَقَالَ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَإِنَّ أُمَّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ، لَعَلَّهَا تَفْدِيهِ مِنْكَ، فقَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: يَا أَخِي، هَذِهِ وَصَاتُكَ بِي! فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: إنَّهُ أَخِي دُونَكَ. ([10])

النصر كله بيد الله يؤتيه من يشاء

بيَّن سبحانه وتعالى أن النصر لا يكون إلا من عند الله تعالى في قوله: { وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [آل عمران: 126]، وقوله تعالى: { وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 10].

ومن أظهر أسباب النصر والتمكين:

- تحقيق الإيمان بالله عز وجل

قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [غافر: 51، 52]، وقال تعالى: { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم: 47]، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور: 55، 56].

- الانقياد لأوامر الله عز وجل وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} [محمد: 7]

قال ابن جرير الطبري: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ بِنَصْرِكُمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَجِهَادِكُمْ إِيَّاهُمْ مَعَهُ لِتَكُونَ كَلِمَتُهُ الْعُلْيَا يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَيُظْفِرْكُمْ بِهِمْ، فَإِنَّهُ نَاصِرٌ دِينَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ.([11])

وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال: 46]، وقال تعالى: {... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج: 40، 41]

- الثبات والإكثار من ذكر الله عند لقاء الأعداء

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].

* عن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ:« أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ ».([12])

- التذلل والانكسار وإظهار المسكنة لله جل وعلا

قال تعالى: { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [آل عمران: 123- 125].

- الدعاء والتضرع

إن إظهار الافتقار إلى الرب عز وجل والتضرع بين يديه والتذلل له سبحانه وإظهار الضعف بين يديه والحاجة إليه والاستغاثة به، سببٌ عظيم من أسباب النصر والتأييد من الله سبحانه.

قال الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال: 9، 10]

وقال الله تعالى واصفًا حال الفئة القليلة من قوم طالوت حين تراءى لهم جالوت ومن معه: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [البقرة:250]، وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [آل عمران: 147].

* عن عَبْد اللهِ بْن عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: « اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ »، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ.([13])

الاجتماع على الحق وتجنب النزاع والفرقة والاختلاف

قال تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [الأنفال: 46].

- اتقاء البطر والكبر والإعجاب بالعَددِ والعُدة

قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [الأنفال: 47].

وقال تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ } [التوبة: 25].

- أن نُعدُّ العُدة لأعدائنا بما استطعنا من قوةٍ

قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } [الأنفال: 60].



[1]السيرة النبوية لابن كثير 2/ 355

[2]السيرة النبوية لابن حبان 1/ 158

[3]شرح النووي على مسلم 12/ 84

[4]المصدر السابق

[5]البداية والنهاية (3/260).

[6]صحيح البخاري (3952).

[7]صحيح البخاري (4609).

[8]مسلم (1779).

[9]شفاء العليل لابن القيم (ص 34).

[10]سيرة ابن هشام (1/ 645).

[11]تفسير الطبري (21/ 193).

[12]البخاري (3024)، ومسلم (1742).

[13]رواه مسلم (1763).

عدد المشاهدات 28176