المسجد الأقصى ومسئولية الأمة

2017-12-14

اللجنة العلمية

المسجــد الأقصـى ومسؤوليـة الأمـة

إنه المسجدُ الأقصى بيتُ المَقْدِس ، ربوةٌ مباركة ذاتُ قرار ومعين ، أرضٌ مقدسة ، مُتَعبَّدُ الأنبياء السابقين ، ومسرى خاتم النبيين ، ومعراجه إلى السماوات العلى والمشهد الأسمى. بيتٌ نوّه اللهُ به في الآيات المفصَّلة ، وتُليت فيه الكتب الأربعة المنزلة. لأجله أمسك الله الشمسَ على يوشع بن نون أن تغربَ ، ليتيسر فتحُه على مَن وُعِدوا به ويَقْرُبَ. وهو قبلةُ الصلاة في الملتين ، وفي صدر الإسلام بعد الهجرتين ، وهو أولى القبلتين ، لا تشدّ الرحال بعد  المسجدين إلا إليه، ولا تُعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه.(1)

- أسماء المسجد الأقصى   وسبب التسمية

لبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين من أهمها :

الأول: المسجد الأقصى ، وسُمي الأقصى لبُعْده عن المسجد الحرام في المسافة.

وقال الزمخشري : سُمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجدوقيل : لبعده عن الأقذار والخبث.

الثاني: مسجد إِيلِيَاء ، قيل : معناه بيت الله.

الثالث: بَيْتُ الْمَقْدِسِ : أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب والمقدس ، المطهر.(2)

من الأخطاء : قول بعضهم  ثالث الحرمين

شاعت تسمية المسجد الأقصى بالحرم عند عامة الناس ، فنجدهم يطلقون على المسجد الأقصى الحرم أو الحرم الشريف ، وهذه التسمية غير صحيحة لأن المعلوم عند أهل العلم أنه لا يوجد عند المسلمين إلا حرمان وهما حرم مكة وحرم المدينة وهذا باتفاق أهل العلم وعند الشافعية أضافوا ثالثاً وهو وادي وُجٌّ بالقرب من الطائف.

قال ابن تيمية : ليس ببيت المقدس مكان يسمى " حرما " ولا بتربة الخليل ولا بغير ذلك من البقاع إلا ثلاثة أماكن: أحدها: هو حرم باتفاق المسلمين وهو حرم مكة شرفها الله تعالى. والثاني: حرم عند جمهور العلماء وهو حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- من عَيْر إلى ثور بريد في بريد؛ فإن هذا حرم عند جمهور العلماء ، والثالث: " وُجٌّ " وهو وادٍ بالطائف. وهذا حرم عند الشافعي لاعتقاده صحة الحديث وليس حرما عند أكثر العلماء وأحمد ضعف الحديث المروي فيه فلم يأخذ به.

وأما ما سوى هذه الأماكن الثلاثة فليس حرما عند أحد من علماء المسلمين، فإن الحرم ما حرم الله صيده ونباته ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا عن هذه الأماكن الثلاثة.(3)

المحور الأول : مكانة المسجد الأقصى

للمسجد الأقصى وبيت المقدس فضائل جمة وبركات وفيرة ذُكِرت في كتاب الله وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- منها :

- هو أولى القبلتين

 عن الْبَرَاء بن عازب -رضي الله عنه- قال : صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ.(4)

- هو ثاني مسجد وضع  في الأرض لعبادة الله وتوحيده

 لأن الكعبة بنيت قبله بأربعين سنة، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال : سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَوَّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ) قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى)  قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ عَامًا، ثُمَّ الْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ، فَحَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ).(5)

قوله -صلى الله عليه وسلم- (أربعون عاما) فيه إشكال، لأن إبراهيم عليه السلام  بنى الكعبة، وسليمان  عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى وبينهما أكثر من ألف سنة.

والجواب أن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، قال القرطبي: إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدا وضعهما لهما ، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما.(6)

- هو أحد المساجد الثـلاثة التي يجوز للمسلم أن يشد الرحـال إليها

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال : (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى).(7)

وفي لفظ لمسلم : (إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ).

قال النووي :  إيلياء : هو بيت المقدس ، وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال إليها لأن معناه عند جمهور العلماء لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها.(8)

قال ابن حجر : المراد النهي عن السفر إلى غيرها. قال الطيبي : هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال : لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختُصت به. والرِّحال: جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور.(9)

قال ابن تيمية : فمنع -صلى الله عليه وسلم- من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة فغير المساجد أولى بالمنع؛ لأن العبادة في المساجد أفضل منها في غير المساجد ، وهذا يتناول المنع من السفر إلى كل بقعة مقصودة؛ بخلاف السفر للتجارة وطلب العلم ونحو ذلك.(10)

إليه أُسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ومنه  بدأ معراجه

فالمسجد الأقصى هو محور معجزة الإسراء والمعراج ؛ إليه انتهى الإسراء ومنه بدأ المعراج إلى السماوات العُلا؛ وفيه صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً ؛ قال تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }  [الإسراء: 1]

قال ابن كثير : {من المسجد الحرام} وهو مسجد مكة {إلى المسجد الأقصى} وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء ، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل؛ ولهذا جمعوا له هنالك كلهم، فأمهم في محلتهم ، ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.(11)

-  مُبارك ما فيه وما حوله

قال تعالى { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ }  [الإسراء: 1]

قال مجاهد : سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي، ومنه يحشر الناس يوم القيامة.(12)

قال ابن عطية : البركة حوله هي من جهتين، إحداهما النبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر وفي نواحيه وبواديه، والأخرى النّعم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة التي خص الله الشام بها.(13)

قال القاسمي : فاكتنفته البركة الإلهية من نواحيه كلها. فبركته إذن مضاعفة، لكونه في أرض مباركة، ولكونه من أعظم مساجد الله تعالى. والمساجد بيوت الله. ولكونه متعبد الأنبياء ومقامهم ومهبط وحيه عليهم، فبورك فيه ببركتهم ويمنهم أيضا.(14)

وقال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبأ: 18]

قال ابن عطية : والقرى التي بورك فيها هي بلاد الشام بإجماع من المفسرين.(15)

وبركات الشام الواصلة إلى العالمين: أن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية. وقيل: بارك الله فيه بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب عيش الغنىّ والفقير.(16)

-  وُصف في القرآن  بالأرض المقدسة

قال تعالى عن موسى عليه السلام : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]

 قال الزجاج: المقدسة الطاهرة، سماها مقدسة لأنها طهرت من الشرك وجعلت مسكنا للأنبياء والمؤمنين ، وسُمّي بيت المقدس، لأنه يتطهر فيه من الذنوب.(17)

ووصف القرآن أرضها بالرَّبوة ذات الخصوبة وهي أحسن ما يكون فيه النبات، ومـاءها بالمعـين الجاري ، قال تعالى:{ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } [المؤمنون: 50]

قال ابن عباس: هي بيت المقدس، وهو قول قتادة والضحاك وكعب. قال ابن كثير : وهو الأظهر.(18)

- هو مهبط الوحي وموطن الأنبياء

قال تعالى: { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] 

قال ابن كثير: هي بلاد الشام.(19)   ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة ، وحقت أن تكون كذلك، فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ومهبط الوحى إليهم وكفاتهم أحياء وأمواتا.(20)

إنها أرض الأنبياء والمرسلين، فعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيى وعسى عليهم السلام وغيرهم الكثير ممن لم تذكر أسماؤهم من أنبياء بني إسرائيل.

- مَنْ  أتاه لا يريد إلا الصلاة  فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : (أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ).(21)

ولهذا كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يأتي من الحجاز فيدخل فيصلي فيه ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء رجاء أن تصيبه دعوة سليمان. وكان الصحابة ثم التابعون يأتون إليه كذلك.(22)

- بيت المقدس من الأماكن التي لا يدخلها الدجال

عن رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال  : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : (أُنْذِرُكُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، أُنْذِرُكُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، وَهُوَ رَجُلٌ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى ، يَمْكُثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، مَعَهُ جِبَالُ خُبْزٍ وَأَنْهَارُ مَاءٍ ، يَبْلُغُ سُلْطَانُهُ كُلَّ مَنْهَلٍ ، لاَ يَأْتِي أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ فَذَكَرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَالْمَسْجِدَ الأَقْصَى ، وَالطُّورَ ، وَالْمَدِينَةَ).(23)

- وفي أنحائه يُقتل الدجال

فالدجال يقتل قريباً من بيت المقدس يقتله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام كما جاء في الحديث ( فَيَطْلُبُهُ (أي عيسى عليه السلام) حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ ).(24)

قال النووي : (بابُ لُدّ) بلدة قريبة من بيت المقدس.(25)

- إنها الأرض التي تبسط عليها الملائكة أجنحتها

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (طُوبَى لِلشَّامِ ، طُوبَى لِلشَّامِ). قُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا).(26)

- إنها أرض المحشر  والمنشر

قال تعالى : {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41]

قال قتادة : كنا نحدث أنه ينادي من بيت المقدس من الصخرة، وهي أوسط الأرض.(27)

 وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ).(28)

 قال ابن تيمية : دلت الدلائل المذكورة على أن " ملك النبوة " بالشام والحشر إليها. فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر. وهناك يحشر الخلق.(29)

- صلاح أهلها علامة صلاح الأمة

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ ، فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ).(30)

- موطن الإيمان عند وقوع الفتن

عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -رضي الله عنه- عن رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : (بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي ، أَتَتْنِي الْمَلاَئِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلاَ فَالإِِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ).(31)

 وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي ، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلاَ وَإِنَّ الإِِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ).(32)

- إنها أرض الخلافة الإسلامية في آخر الزمان

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: وَضَعَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ عَلَى رَأسِي ، ثُمَّ قَالَ: (يَا ابْنَ حَوَالَةَ ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا ، وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأسِكَ).(33)

أي إذا انتقلت الخلافة من المدينة إلى أرض الشام.(34)

قال ابن تيمية: دلت الدلائل المذكورة على أن " ملك النبوة " بالشام والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام. وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس فأول الأمة خير من آخرها. وكما أنه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام كما أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم - عليه السلام - وهو بالشام.(35)

- دعوة موسى عَليه السلام

 كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المُقدسة وبيت المقدس أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يُدنيه منها ؛

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- في سياق قصة إرسال ملك الموت لقبض روح موسى عليه السلام قال : (فَسَأَلَ اللهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ).(36)

 قال النووي: وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم.(37)

- بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بفتحه

عن عَوْف بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه- : أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ). وذكر الحديث.(38)   

فعدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فتح بيت المقدس من علامات الساعة لأهمية هذا الحدث ومكانته عند المسلمين وشرف هذه البقعة.

المحور الثاني : الأمانة والمسؤولية

وبعد كل هذه الفضائل، فينبغي لكل مسلم أن يعلم ويعي تماما أن قضية المسجد الأقصى ليست قضية فئة بعينها ولا دولة بذاتها ، وإنما هي قضية أمة بأسرها ، علينا ان نعلم أن قضية الأقصى جزء من عقيدتنا ، وعلينا أن نعلم أن تدنيس اليهود لهذه البقعة الطاهرة اليوم من أعظم البلاء والامتحان لهذه الأمة، وعودةُ اليهود قتلةِ الأنبياء لأرض الأنبياء من قدر الله ليكون الثأر منهم على يد هذه الأمة بأذن الله ، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 167]

 قال ابن كثير : إن الآية في اليهود ، وإن الذين يسومونهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته إلى يوم القيامة.(39)

فالمسجد الأقصى قلب بلاد الشام، وهي ملك أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- احتلها اليهود اليوم لينفذ قدر الله بأن تأخذ أمة محمد شرف الانتصار للأنبياء الذين عاشوا فيها وقتلوا على أيدي اليهود فيها.

وكلما ادلهمت الخطوبُ واشتدت المحن، فإن المسلم المستنير بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا تزيدُه تلك الأحداثُ إلا يقينًا بوعد الله الصادق بالنصر والتمكين للمسلمين في الأرض كلها، وفي تلك الأرض خصوصًا

نسأل الله أن يحرر الأقصى من دنس اليهود وأن يكتب لنا صلاة فيه

===

(1) تفسير القاسمي (6/ 429)

(2) إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي (ص: 278) وفتح الباري لابن حجر (3/ 65)

(3) مجموع الفتاوى (27/ 15)

(4) رواه البخاري (40) ومسلم (525) واللفظ له.

(5) رواه البخاري (3366) ومسلم (520)

(6) راجع تفسير القرطبي (4/ 138) وفتح الباري لابن حجر (6/ 408)

(7) رواه البخاري (1189) ومسلم (1397)

(8) شرح النووي على مسلم (9/ 168)

(9) فتح الباري لابن حجر (3/ 64)

(10) مجموع الفتاوى (27/ 21) باختصار

(11) تفسير ابن كثير (5/ 5)

(12) تفسير البغوي (5/ 58)

(13) تفسير ابن عطية (3/ 436)

(14) تفسير القاسمي (6/ 429)

(15) تفسير ابن عطية (4/ 415)

(16) تفسير الزمخشري (3/ 126)

(17) زاد المسير في علم التفسير (1/ 532)

(18) تفسير البغوي (5/ 419) وتفسير ابن كثير (5/ 477)

(19) تفسير ابن كثير (5/ 353)

(20) تفسير الزمخشري (3/ 350)

(21) رواه النسائي (2/ 34) وابن ماجه (1408) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 420)

(22) مجموع الفتاوى (27/ 258)

(23) رواه أحمد (5/ 434) وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند (39/ 88)

(24) رواه مسلم (2937) من حديث النواس بن سمعان ÷.

(25) شرح النووي على مسلم (18/ 68)

(26) رَواه أحْمد (5/ 184) وَالتِّرْمِذِيّ (3954) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1766)

(27) تفسير الطبري (21/ 475)

(28) رواه البزار (3965) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/ 68) والطبراني في مسند الشاميين (2714) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 693)

(29) مجموع الفتاوى (27/ 43)

(30) رواه أحمد (3/ 436) والترمذي (2192) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1771)

(31) رواه أحمد (4/ 198) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 195)

(32) رواه أحمد (5/ 198) وصححه ابن حجر في الفتح (12/ 403) والألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام (ص: 12)

(33) رواه أحمد  (5/ 288) وأبو داود (2535) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1294)

(34) عون المعبود (7/ 210)

(35) مجموع الفتاوى (27/ 43)

(36) رواه البخاري (1339) ومسلم (2372)

(37) شرح النووي على مسلم (15/ 128)

(38) رواه البخاري (3176)

(39) تفسير ابن كثير (3/ 497)

عدد المشاهدات 7378