خسران مواسم الخيرات الأسباب والعلاج - خطبة - عدد ذو الحجة 1438هـ من كتاب الواعظ

2017-08-24

اللجنة العلمية

خسران مواسم الخيرات الأسباب والعلاج

خسران مواسم الخيرات الأسباب والعلاج

فما من موسم من المواسم الفاضلة إلا وللَّهِ تعالى فيه وظيفةٌ من وظائفِ طاعاتِهِ، يتقرَّبُ بها إليه، وللَّهِ فيه لطيفةٌ من لطائفِ نفحاتِهِ، يُصيبُ بها من يعودُ بفضلِهِ ورحمتِهِ عليه، فالسعيدُ من اغتنمَ مواسمَ الشهورِ والأيامِ والسَّاعاتِ، وتقرَّبَ فيها إلى مولاهُ بما فيها من وظائفِ الطَّاعاتِ، فعسى أن تصيبَهُ نفْحةٌ من تلكَ النَّفحاتِ، فيسعدُ بها سعادةً يأمَنُ بعدَها من النَّارِ وما فيه من اللَّفَحَاتِ. (1)

عظم شأن هذه العشر عند الله ورسوله والمؤمنين

إنها عشر ذي الحجة. . . الأيام الفاضلة، التي عظّم الله شأنها ورفع مكانتها وأقسم بها في كتابه، فقال جل وعلا: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}.

قال ابن كثير -رحمه الله-: وَاللَّيَالِي الْعَشْرُ الْمُرَادُ بِهَا عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وهو الصحيح. (2)

وقال تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ } [الحج: 28]

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَ الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ العَشْر.(3)

وبيَّن فضلها وعظَّم شأنها وشأن الأعمال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ )). يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)).(4)

فمع علو شأن العشر الأول من ذي الحجة ومكانتها في الشرع، وعظمة ثواب العمل الصالح فيها، و أنه أكثر ثواباً من وقوعه في غيره من الأيام، ومع ذلك نرى ضعفاً عند جمهور المسلمين، وتكاسلاً عن العمل الصالح، وانصرافاً عن الجد والاجتهاد،

سأذكر لذلك بعض الأسباب ثم أتْبعه بالعلاج لعل الله أن يعصمنا من تضييع الفرص ويوفقنا لاغتنام مواسم الخيرات على الوجه الذي يرضاه

عرفت الشرَّ لا للشرِّ ولكن لتوقِّيه. . . ومن لم يعرف الشرَّ من الناس يقع فيه

- معرفة فضل المواسم واغتنام الفرص

قال ابن القيم -رحمه الله-: الرجل إذا حضرت له فرصة القربة والطاعة فالحزم كل الحزم في انتهازها والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها والتسويف بها، ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها، فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قلما ثبتت، والله سبحانه يعاقب من فتح له بابا من الخير فلم ينتهزه، بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعد من إرادته عقوبة له، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه حال بينه وبين قلبه وإرادته، فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24] وقد صرح الله سبحانه بهذا في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [الأنعام: 110] وقال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: 5]، وقال: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء

عليم} [التوبة: 115]. (5)

قال بِشْر بْن الْحَارِثِ -رحمه الله-: مَنْ لَا يَعْرِفُ ثَوَابَ الْأَعْمَالِ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ.(6)

قال عُمَر بْن ذَرٍّ: اعْمَلُوا لِأَنْفُسِكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ فِي هَذَا اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ، فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ خَيْرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ خَيْرُهُمَا، إِنَّمَا جُعِلَا سَبِيلًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَوَبَالًا عَلَى الْآخَرِينَ لِلْغَفْلَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَأَحْيُوا لِلَّهِ أَنْفُسَكُمْ بِذِكْرِهِ، فَإِنَّمَا تَحْيَا الْقُلُوبُ بِذِكْرِ اللَّهِ، كَمْ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدِ اغْتَبَطَ بِقِيَامِهِ فِي ظُلْمَةِ حُفْرَتِهِ، وَكَمْ مِنْ نَائِمٍ فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدْ نَدِمَ عَلَى طُولِ نَوْمِهِ عِنْدَمَا يَرَى مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَابِدِينَ غَدًا، فَاغْتَنِمُوا مَمَرَّ السَّاعَاتِ وَاللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ. الزهد لابن أبي الدنيا (ص: 195)

- الجهل بقيمة الوقت عامة

إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصاً على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه.

قال ابن القيم -رحمه الله-: وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته. . . . فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة،

فموت هذا خير من حياته. (7)

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل. (8)

- الاستهانة بمواسم الخيرات وتضييع الفرص

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ). (9)

قال ابن بطال: معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرَّط في ذلك فهو المغبون وأشار بقوله كثير من الناس إلى أنَّ الذي يوفق لذلك قليل.

وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون؛ وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم. (10)

قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي.

قال عبد الله بن مسعود: إني لأبُغض الرجلَ أن أراه فارغاً ليس في شيء مِن عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة. (11)

إخواني! احذروا المعاصي؛ فإنها تحرِمُ المغفرةَ في مواسم الرحمة، إخوانُكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام، وقصدوا البيتَ الحرام، وملؤوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام، لقد ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فإن كان لنا معهم نصيبٌ سعدنا.

الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض، إلا ولها قيمة، والمبادرة بالعمل.(12)

إياك والانتحار

إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. (13)

إياك وطول الأمل

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: إن أخوف ما أخاف عليكم: اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق. وأما طول الأمل فيصد عن الآخرة. (14)

قال الحسن البصري: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا رأى ذلك في عمله ولا طال أمل عبد قط إلا أساء العمل. (15)

قال القرطبي -رحمه الله-: وصدق رضي الله عنه! فالأمل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض ويميل إلى الهوى. وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يطلب صاحبه ببرهان، كما أن قصر الأمل يبعث على العمل، ويحيل على المبادرة، ويحث على المسابقة. (16)

إن من أعظم الأمور المهلكة للمرء طول الأمل، واستبعاد الموت، مما يجعل الإنسان يسوّف في العمل الصالح، ولا يسارع إليه، ويظن أنه بإمكانه التعويض فيهلك أيما هلاك، ويفرط في مواسم الخير، ولو نظر نظرة إنصاف وعدل لوجد أن الأمر أسرع من كل شئ، قال عون بن عبدا لله رحمه الله:(كم من مستقبل يوماً لا يستكمله! ومنتظر غداً لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره)

وإذا تأملت في سيرة السلف العطرة وجدت عندهم من قصر الأمل ما يجعلهم يبادرون الأوقات كلها في الطاعة، فضلاً عن مواسم الخير قال معروف لرجل صلّ بنا الظّهر، فقال: إن صليت بكم الظهر لم أصلّ بكم العصر، فقال: و كأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر، نعوذ بالله من طول الأمل.

هذا سعيد بن جبير كان إذا دخلت عليه العشر لا يكاد يُقدر عليه من شدة اجتهاده واغتنامه لها.

تذكر يا صاحب الأمل الطويل أن أمر حياتك وموتك ليس بيدك وإنما هو بيد الله تعالى، وكم تعرف ممن كان يعيش في صحة وعافية خطفه الموت على حين غٍره، فاحمد الله أن بلغت هذا الموسم، وجد واجتهد في العمل الصالح

إياك والتسويف

قال ابن الجوزي: إياك والتسويف، فإنه أكبر جنود إبليس. (17)

قال الحسن: يا ابن آدم إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغد، فإن يك غدا لك فاكسب في غد كما كسبت في اليوم، وإن لا يكن لك غد لم تندم على ما فرطت في اليوم. (18)

إياك والذنوب التي تحرم العبد من طاعة علام الغيوب

إخواني! احذروا المعاصي؛ فإنها تحرِمُ المغفرةَ في مواسم الرحمة، إخوانُكم في هذه الأيام قد عقدوا الإحرام، وقصدوا البيتَ الحرام، وملؤوا الفضاء بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والإعظام، لقد ساروا وقعدنا، وقربوا وبعدنا، فإن كان لنا معهم نصيبٌ سعدنا.

يا سَائِرِينَ إِلَى البَيْتِ العَتِيقِ لَقَدْ. . . سِرْتُمْ جُسُوماً وَسِرْنَا نَحْنُ أَرْوَاحَا

إِنَّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وَقَدْ رَحَلُوا. . . وَمَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ كَمَنْ رَاحَا(19)

يا مريضَ القلبِ قفْ ببابِ الطبيب، يا منحوسَ الحظ! اشكُ فواتَ النصيب، فأنت بالتوبة مطيلا، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77].

لُذ بالجناب ذليلاً، وقفْ على الباب طويلاً، واتخذ في هذا العشر سبيلاً، واجعل جَناب التوبة مَقيلاً، واجتهد في الخير، تجد ثواباً جزيلاً، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77]. (20)

فالذنوب سبب لكل حرمان من الطاعة فالحذر الحذر منها، وتأمل في حال المستقيمين على الطاعة، كيف أنهم بين صوم وصلاة وذكر ودعاء، وأنت محروم من هذا الخير، ولو

فتشت لعلمت أنما أُتيت من قبل نفسك، فجدد التوبة اليوم وانظر إلى أثرها العظيم.

قيل لابن مسعود -رضي الله عنه-: ما نستطيع قيام الليل، قال: أبعدتكم ذنوبكم.

وقيل للحسن: أعجزنا قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم. وقال: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل.

وقال بعض السلف: أذنبت ذنبا فحرمت به قيام الليل ستة أشهر.

وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك. (21)

وقال رجل للحسن رحمه الله: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك.

وقال الثوري رحمه الله: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل: وما هو؟ قال رأيت رجلاً يبكي، فقلت في نفسي: هذا مراء.

وكان الحسن رحمه الله يقول: إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل وصيام النهار.

وقيل: كم من أكلة منعت قيام ليلة، وكم من نظرة حرمت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل الأكلة، أو يفعل فعلة فحرم بها قيام السنة، فبحسن التفقد يعرف المزيد من النقصان، وبقلة الذنوب يوقف على التفقد. (22)

وقال بعض العلماء: إذا صمت يا مسكين فانظر عند من تفطر وعلى أي شيء تفطر فإن العبد ليأكل الأكلة فينقلب قلبه عما كان عليه فلا يعود إلى حاله الأول، وقال آخر: كم من أكلة منعت قيام الليل، وكم من نظرة حرمت قراءة سورة وإن العبد ليأكل

الأكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة. (23)

- قلة المعين على طاعة رب العالمين

إنه مع وجود الخير في المجتمع، وكثرة الطائعين من أتباع هذا الدين العظيم، إلا أن الانصراف عن الطاعة في هذا الموسم هو السمة البارزة لجمهور المسلمين، وللإجماع أثره في فعل الطاعة ولذا جاءت نصوص الشرع بالأمر بالجماعة لكثير من لطاعات مما يكون سبباً لتسهيلها، ولذا من النصح في البيوت وللأهل التعاون على الطاعة، ومن النصح للمسلمين المعاونة على الطاعة ونشر الخير بينهم، تأمل في حال من سبق وكيف كانوا يتعاونون على الطاعة.

عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ). وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. (24)

عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا. (25)

وكان الحسن بن صالح وأخوه عليّ و أمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما وصياما فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادي يعني لا ينام بالليل. (26)

فاجتمع أنت وأهل بيتك على الطاعة، وان سمت همتك فكن عوناً لأهل حيك لتعينهم على الطاعة هذا الموسم المبارك.

- كثرة الفتن والصوارف

كم تصرف الفتن المسلمين هذه الأيام عن اغتنام مواسم الخير، ولعلي أن أذكر أشدها سبباً في صرفهم وهي ( وسائل الإعلام )بجميع قنواتها، فلذا يجب على العاقل أن يكون ناصحاً لنفسه وأن يحذر من خطرها وشرها عليه، خصوصاً في هذا الموسم، اترك كثيراً من مباحاتها اليوم للتفرغ للطاعة والقربة، فهي أيام قليلة يُوشك أن تنقضي

(5) أين أنت من قيام الليل في أيام العشر؟

يقول الصالحون: دقائق الليل غالية، فلا ترخّصوها بالغفلة. وأغلى ما تكون دقائق الليل في الأيام والليالي الفاضلة.

فمن فاتته الحسنات فيما مضى ليدرك نفسه ويعوض خسارته في هذه الأيام بقيام الليل، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُوداً} (الإسراء: 79) {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً} (المزمل: 1-4) {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} (المزمل: 20)، فهل تحب أن تكون مع الطائفة التي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟

إذا وجدت قدميك خفيفتان إلى صلاة الليل؛ فاعلم أن هذه علامة حب الله لك، إذ لولا أنه يحبك لما جعلك أهلا لمناجاته.

---

(1) تفسير ابن رجب الحنبلي (1/ 532)

(2) تفسير ابن كثير (8/ 381)

(3) تفسير ابن كثير (1/ 560)

(4) رواه البخاري (969) وأبو داود (2438) واللفظ له

(5) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/ 502)

(6) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/ 349)

(7) الداء والدواء (ص: 157)

(8) صيد الخاطر (ص: 33)

(9) رواه البخاري (6412)

(10) فتح الباري لابن حجر (11/ 230)

(11) صفة الصفوة (1/ 156)

(12) معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام لابن عبد الهادي (ص: 44)

(13) الفوائد لابن القيم (ص: 31)

(14) قصر الأمل لابن أبي الدنيا (ص: 27)

(15) الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 218)

(16) تفسير القرطبي (10/ 3)

(17) صيد الخاطر (ص: 206)

(18) قصر الأمل لابن أبي الدنيا (ص: 144)

(19) معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام لابن عبد الهادي (ص: 44)

(20) معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام لابن عبد الهادي (ص: 46)

(21) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (2/ 504)

(22) الغنية لطالبي طريق الحق لعبد القادر الجيلاني (2/ 155)

(23) قوت القلوب لأبي طالب المكي (1/ 76)

(24) رواه البخاري (2446) ومسلم (2585)

(25) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (2/ 609)

(26) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (7/ 328)

عدد المشاهدات 4155