خطبة: التحذير من مكائد الشيطان للإنسان (سلسلة الواعظ عدد ذو القعدة 1437هـ)

2016-08-04

اللجنة العلمية

التحذير من مكائد الشيطان للإنسان

التحذير من مكائد الشيطان للإنسان

عناصر الخطبة

قدم عداوة الشيطان للإنسان طرق الشيطان في إغواء الإنسان

وسائل التحصين من الشيطان تبرؤ الشيطان من أتباعه يوم القيامة.

عداوة الشيطان للإنسان:

إن عداوة الشيطان للإنسان قديمة قال الله تعالي: ((أَلم عْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)) [يس: 60 - 62].

قال السعدى -رحمه الله-: ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ)) أي: آمركم وأوصيكم، على ألسنة رسلي، وأقول لكم ((يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ)) أي: لا تطيعوه؟ ((إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)) فحذرتكم منه غاية التحذير، وأنذرتكم عن طاعته، وأخبرتكم بما يدعوكم إليه، وأمرتكم ((أَنِ اعْبُدُونِي)) بامتثال أوامري وترك زواجري، ((هَذَا)) أي: عبادتي وطاعتي، ومعصية الشيطان ((صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)) ((أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا)) أي: خلقا كثيرا، ((أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ)) أي: فلا كان لكم عقل يأمركم بموالاة ربكم ووليكم الحق، ويزجركم عن اتخاذ أعدى الأعداء لكم وليا(1).

ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لِابْنِ آدَمَ فَقَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)) أَيْ: هُوَ مُبَارِزٌ لَكُمْ بِالْعَدَاوَةِ، فَعَادُوهُ أَنْتُمْ أَشَدَّ الْعَدَاوَةِ، وَخَالِفُوهُ وَكَذِّبُوهُ فِيمَا يَغُرُّكُمْ بِهِ، ((إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) أَيْ: إِنَّمَا يَقْصِدُ أَنْ يُضِلَّكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوا مَعَهُ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ، فَهَذَا هُوَ الْعَدُوُّ الْمُبِينُ(2).

وهذه العداوة نشأت منذ أن خلق الله آدم عليه السلام قال الله: ((قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)). [ص: 71 -82].

وتتمثل هذه العداوة في جعل الله مع كل إنسان قرينا وهذا من باب الامتحان والاختبار، عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ)). قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ)) (3).

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا))(4).

والشيطان ذئب الإنسان وقعد لابن آدم بأطرقه كلها قال تعالى: ((لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)) [الأعراف: 16، 17].

قال السعدي -رحمه الله-: أي: قال إبليس لما أبلس وأيس من رحمة الله: ((فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ)) أي: للخلق ((صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)) أي: لألزمن الصراط ولأسعى غاية جهدي على صد الناس عنه وعدم سلوكهم إياه، ((ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ)) أي: من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه من إدراك بعض مقصوده فيهم(5).

وعَنْ سَبْرَةَ بْنِ فَاكِهٍ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ ))، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ))(6).

طرق الشيطان في إغواء الإنسان، وهي كثيرة منها:

1- إظهار النصح: قال الله تعالى: ((وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)) [الأعراف: 21]. أي: حلف لهما أنه ناصح لهما وليس بغاش لهما(7).

وذلك يكون بدعوة الناس إلى الكفر، فإن أنجى الله العبد من الكفر دعاه إلى البدعة، فإن نجا من البدعة ولزم طريق السنة أوقعه في الكبائر، فإن نجا من الكبيرة أوقعه في الصغيرة، فإن نجا من الصغيرة شغله بالمباح الذي لا ثواب فيه ولا عقاب عن الأهم، فإن نجا من هذه شغله بالمفضول عن الفاضل، وإن كان المفضول خيرا.

2- تزيين الباطل: قال الله: ((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)) [الحجر: 39]، وقال تعالى: ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [الأنعام: 43]، وزين لقوم نوح عبادة الاصنام ولغيرهم من البشر قال لله: ((وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا)) [نوح: 23، 24]

3- التلبيس: قال الله: ((إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)) [محمد: 25].

قال أبوبكر الجزائري: سول لهم أي زين له ذلك الارتداد، وأملى لهم أي وأعدهم ممنيا لهم بطول العمر والبقاء الطويل في الحياة، والعيش الطيب الواسع فيها(8).

وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ)). قَالَ الأَعْمَشُ -رحمه الله-: أُرَاهُ قَالَ: ((فَيَلْتَزِمُهُ))(9).

4- التسويف: يستخدم معه طول الأمل حتى يصرفه عن التوبة، قال تعالى: ((وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) [الأعراف: 20].

5- تهوين المعصية: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].

يأمر تبارك وتعالى رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطبتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ إِلَى الْفِعَالِ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالْمُخَاصَمَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ، فإنه عَدُوٌّ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ امْتَنَعَ مِنَ السجود لآدم، وعدواته ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ، وَلِهَذَا نَهَى أَنْ يُشِيرَ الرَّجُلُ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ في يده فربما أصابه بها(10)، ففي حديث أَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي، لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ))(11).

6- الأماني والغرور: سلاح الشيطاني المضَّاء: قال الله جل جلاله:

((يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُورًا)) [النساء: 120]. وقال ربنا سبحانه: ((وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ)) [إبراهيم: 22].

يعدهم هذا الغرَّار بحسب طبائعهم، يجرهم إلى حبائله بحسب ميولهم ومشتهياتهم، يخوِّف الأغنياء بالفقر إذا هم تصدقوا وأحسنوا. كما يزين لهم الغنى وألوان الثراء بالأسباب المحرمة.

7- الخروج عن الوسط ومجاوزة حد الاعتدال: خطو إبليسي، ومسلك شيطاني. يقول بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط أو تقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي إبليس بأيهما ظفر.

وإن حبائل الشيطان بين هذين الواديين تحبك وتحاك، غلا قومٌ في الأنبياء وأتباعهم حتى عبدوهم، وقصَّر آخرون حتى قتلوهم، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، وطوائف غلوا في الشيوخ وأهل الصلاح، وآخرون جفوهم وأعرضوا عنهم.

وسائل التحصين من الشيطان:

1- توحيد الله تعالى، والتوكل عليه، والإخلاص: قال الله تعالى: ((فإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)) [النحل: 98 - 100].

فالشيطان {لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} أي: تسلط {عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ} وحده لا شريك له {يَتَوَكَّلُونَ} فيدفع الله عن المؤمنين المتوكلين عليه شر الشيطان ولا يبق له عليهم سبيل، {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ} أي: تسلطه {عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} أي: يجعلونه لهم وليا(12).

2- التعوذ بالله من شره: قال الله: ((وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) [الأعراف: 200، 201].

عَنْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ -رضي الله عنه- أَنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا)) قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي(13).

3- قراءة سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة، فعن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)). قَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ(14).

4- قراءة آية الكرسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ الحَدِيثَ، فَقَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ))(15).

5- قراءة خواتيم البقرة: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)) [البقرة: 285] عن رسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من قرأهما في ليلة كفتاه))(16).

من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه، ومن قرأ آية الكرسى كان عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فما ظنك بمن قرأها كلها من كفاية الله له وحرزه وحمايته من الشيطان وغيره، وعظيم ما يدخر له من ثوابها(17).

وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلاَ يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ))(18).

6- ذكر الله عز وجل، فإن الذي لا يذكر الله يتمكن الشيطان منه، قال ربنا سبحانه: ((وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)) [الزخرف: 36].

فقال: ((وَمَنْ يَعْشُ)) أي: يعرض ويصد ((عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ)) الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا(19).

8- المحافظة على الوضوء والصلاة: عَنِ الْحَسَنِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، وحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ؟ فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَلْيَقْعُدْ، وَإِنْ كَانَ قَاعِدًا فَلْيَضْطَجِعْ))(20).

فالإنسان إذا غضب، وإذا ثارت قوته الغضبية أو قوته الشهوانية، فعليه أن يستعين بالله عز وجل على هذا الشيطان بالوضوء، فسواء ثار غضبك، أو ثارت شهوتك لما حرم الله عز وجل، فأطفئ ذلك بالماء.

9- ترك المعاصي: فعلى الإنسان أن يجتنب المعاصي كلها؛ لأن الشيطان لا سبيل له على عباد الله الصالحين. ((قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)) [ص: 79 - 83].

10- ترك فضول النظر، وفضول الكلام، وفضول المخالطة: فعلى الإنسان أن يترك فضول النظر، فلا ينظر إلى كل شيء، بل يغض بصره، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ -رضي الله عنه-: ((يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ))(21).

ويترك فضول الكلام، فلا يتكلم في كل شيء، عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ

قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ))(22).

ويترك فضول المخالطة: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ))(23).

قال النووي -رحمه الله-: أما الخفي معناه الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه وفي هذا الحديث حجة لمن يقول الاعتزال أفضل من الاختلاط(24).

وأخيرا: تبرؤ الشيطان من أتباعه يوم القيامة:

ومما يؤلم أن يطاع الشيطان ويتّبَع ثم بعد ذلك يتبرأ من أتباعه حينما ينتهي الأمر ويأتي الجزاء، قال تعالى: ((وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)). [إبراهيم: 22].

والحمد لله رب العالمين.

---

(1) تيسير الكريم الرحمن (ص: 698).

(2) تفسير ابن كثير (6/ 534)

(3) أخرجه مسلم(67).

(4) أخرجه البخاري (2038).

(5) تيسير الكريم الرحمن (ص: 284)

(6) أخرجه النسائي (3134)، أحمد (15958) قال الألباني في صحيح سنن النسائي (3134): صحيح.

(7) أيسر التفاسير للجزائري (2/ 159)

(8) أيسر التفاسير للجزائري (5/ 86)

(9) أخرجه مسلم(7208)

(10) مختصر تفسير ابن كثير (2/ 383)

(11) البخاري (7072)، مسلم (126/2617)

(12) تفسير السعدي (ص: 449)

(13) أخرجه مسلم (2203)

(14) أخرجه ابن حبان (870) و قال الألباني في التعليقات الحسان (777) صحيح، دون: ثلاثة أيام.

(15) أخرجه البخاري (3275)

(16) أخرجه البخاري (4008)

(17) شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/247).

(18) أخرجه الترمذي (2882) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2882).

(19) تيسير الكريم الرحمن (ص: 766).

(20) شعب الإيمان (7937) قال الألباني ضعيف في مشكاة المصابيح (5145)

(21) أخرجه أبو داود (2151) قال الشيخ الألباني حسن التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (5544)

(22) أخرجه الترمذي (2018) صححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (482).

(23) أخرجه مسلم (2965).

(24) شرح صحيح مسلم النووي (4/ 2277).

عدد المشاهدات 7088