خطبة: أفراح المسلمين بين المشروع والممنوع (سلسلة الواعظ عدد ربيع الآخر 1437هـ)

2016-01-24

اللجنة العلمية

أفــراح المسلمين بين المشروع والممنوع

أفراح المسلمين بين المشروع والممنوع

نعمة الزوا ج تيسير الزواج

مخالفات الأفراح ما هو العلاج.

أولا: مقدمة:

اعتاد جماعة من الناس في زماننا أن يقيموا أفراح الزواج بعيدا عن شرع الله، يقيمونها حسب العادات التي تعارف عليها الناس اتباعا لأهوائهم، وصدودا عن شرع الله، وإن الواجب على المسلم أن يسأل عن حكم دينه، ولا يُقْدِم على شيء إلا بعد أن يعرف موقف الشرع منه، فإن كان مما يرضي الله عز وجل أقدم عليه، وإن كان مما يغضب الله ابتعد عنه.

ثانيا: نعمة الزوا ج:

الزواج نعمة أنعم الله بها على عباده، وآية من آياته سبحانه وتعالى امتن الله تعالى بها على عباده قال سبحانه: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [الروم: 21] قال السَّعدي -رحمه الله-: فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة(1).

والزواج من سنن المرسلين، وهدي الصالحين، قال الله: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)) [الرعد: 38].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ))(2).

وقد حث عليه ربنا جل وعلا في كتابه بقوله: ((فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)) [النساء: 3]. كما رغب فيه سيد المرسلين بفعله، وحث عليه بقوله -صلى الله عليه وسلم- ففي حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))(3).

ولهذا وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- شباب الأمة إلى المبادرة بالزواج حيثما يجد القدرة على تحمل المسؤولية، والقيام بشؤون الحياة الزوجية، ففي الحديث عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ((مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))(4).

ثالثا: تيسير الزواج مطلب شرعي:

ولأجل ذلك كان لزاما علينا أن يكون النكاح مبناه علي اليسر قال تعالي: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) [البقرة 199].

وَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنة))(5).

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: ((مَنْ يَتَزَوَّجُهَا؟ )) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ))، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي، قَالَ: ((قَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ))(6).

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا(7).

قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-: لَا تُغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى فِي الْآخِرَةِ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-(8).

الزواج في الإسلام من أيسر الأمور، وكان السلف الصالح يتزوجون علي القرآن، وعلي الشيء اليسير، ولهذا فشت البركة في حياتهم.

صور للتيسير في العهد النبوي: هذه أم سُلَيمٍ -رضي الله عنها- جعلت مهرها الإسلام كما في الحديث عَنْ أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا مِثْلُكَ يَا أَبَا طَلْحَةَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مَسْلَمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تَسْلَمْ فَذَاكَ مَهْرِي، وَمَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا. قَالَ ثَابِتٌ – هو البناني الراوي عن أنس-: فَمَا سَمِعْتُ بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ الْإِسْلَامَ فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ(9).

قال الله تعالى: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [النور: 32].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))(10).

ومن صور التيسير أيضا: حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى جُلَيْبِيبٍ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((فَنَعَمْ إِذًا)) قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لَاهَا اللهُ (11) إِذًا، مَا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا جُلَيْبِيبًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟ قَالَ: وَالْجَارِيَةُ فِي سِتْرِهَا تَسْتَمِعُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِذَلِكَ، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَرُدُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمْرَهُ؟ إِنْ كَانَ قَدْ رَضِيَهُ لَكُمْ، فَأَنْكِحُوهُ قَالَ: فَكَأَنَّهَا جَلَّتْ عَنْ أَبَوَيْهَا، وَقَالَا: صَدَقْتِ. فَذَهَبَ أَبُوهَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَدْ رَضِينَاهُ. قَالَ: ((فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُهُ)). فَزَوَّجَهَا، ثُمَّ فُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَرَكِبَ جُلَيْبِيبٌ فَوَجَدُوهُ قَدْ قُتِلَ، وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ قَتَلَهُمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَمِنْ أَنْفَقِ ثَيِّبٍ فِي الْمَدِينَةِ(12).

وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا -البُنَانِيّ- قَالَ: هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: ((اللهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا، وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا(13)). قَالَ فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا(14).

هذا هو الفهم الحقيقي للامتثال لكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان على النصيحة لا على الإلزام والوجوب، استجابت لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لعلمها أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يشير إلا بخير وما فيه النفع وإن كنا نرى خلاف ذلك.

خامسا: من مخالفات الأفراح:

1- قراءة الفاتحة بقصد الخِطْبَة فإنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ))(15).

2- دبلة الخطوبة: فإن كانت ذهبا فهي محرمة على الرجال، لأنها من الذهب ولأن فيها تشبها بالكفار، ولما فيها من الوعيد الشديد عَنْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي))(16).

ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((يَعْمِدُ أَحَدُهُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ))(17).

وعَنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ))(18).

فإن النصارى كان من عادتهم أن يضع العريس الخاتم على إبهام العروس اليسرى ويقول: باسم الأب، ثم ينقله على رأس السبابة ويقول: باسم الابن، ثم يضعه على الوسطى ويقول: باسم الروح القدوس وعندما يقول آمين يضعه أخيرا في البنصر(19).

3- أن يخطب الرجل على خطبة أخيه المسلم وهذا الفعل محرم إذا أجيب لخاطب الأول وعلم الثاني بذلك ولم يأذن للثاني، ولم يترك الخاطب الأول، عن عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ

-رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ

يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ(20).

4- المغالاة في المهور: مما يؤدي إلى الفساد في المجتمع، كالعنوسة، وانتشار الفاحشة وغيرها، والمستطيع من الشباب على الاقتراض ينشغل بعد الزواج بسداد الدَّين ربما لسنوات مهملا حق الزوجة.

5- الموسيقى والغناء: والنصوص من القرآن والسنة الدالة على تحريمهما عديدة، قال الله تعالي: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)) [لقمان: 6، 7] أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء.

والغناء من شهادة الزور، وعباد الرحمن لا يشهدون الزور قال تعالى: ((وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا )) [الفرقان: 72]

وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ))(21).

وعن سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ)) قِيلَ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَالْقَيْنَاتُ، وَاسْتُحِلَّتِ الْخَمْرُ))(22).

6- التكاليف الباهظة، والنفقات المذهلة، والعادات الاجتماعية السيئة، من اختلاط وتبرج وإظهار الزينة التي نهى الله تعالى، تقليدًا وتبعية، مفاخرة ومباهاة، إسرافًا وتبذيرًا،! قال الله: ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُورًا)) [الإسراء: 27].

قال السعدي -رحمه الله-: لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار ((وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا))(23).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ

الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا))(24).

وأخيرا: ما هو العلاج؟ يتمثل العلاج في:

1- العودة إلى هدي السلف في حياتهم كلها ومنها الأفراح، وأن نلزم طريق الجادة، وامتثال هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((وقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ )) قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ ((اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ)) ثَلَاثَ مَرَّات(25).

2- الابتعاد عن المنكرات كلها، والخوف من عاقبة الذنب وخطره فقد هلكت أمم بسببه، قال تعالى: ((وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً)) [الحاقة: 9، 10].

3- أن نتعاون علي إزالة المنكر بالحسنى، قال رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))(26).

4- أن نعلم أ ن نعمة المال لا تدوم، فلنستعمله في طاعة الله، فالمال ظلٌٌ زائل، وعارية مسترجعة. وقد قال رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: ((يَا عَمْرُو، نِعْمًا بِالْمَالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ))(27).

5- أن نعلم أننا سنبني بيتا، فلا بد أن يكون على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حتي يبارك الله في البيت وأهله: ((وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)) [الكهف: 82].

---

(1) تفسير السعدي (ص: 639)

(2) أخرجه مسلم (3634).

(3) أخرجه البخاري (5063)، واللفظ له، ومسلم (1401/5).

(4) أخرجه البخاري (1905).

(5) أخرجه أحمد (25167).

(6) أخرجه البخاري (5029).

(7) الاستذكار (5/414).

(8) أخرجه النسائي (3349) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (3204).

(9) أخرجه: النسائي (3341)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3341).

(10) أخرجه: الترمذي (1084)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3090).

(11) المعنى: لا والله.

(12) أخرجه: أحمد (12393) وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وللحديث روايات غيرها.

(13) الكَدُّ: الشدة في العمل، وطلب الكسب. العين للخليل بن أحمد (5/273).

(14) أخرجه: أحمد (19784) وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.

(15) أخرجه: البخاري (2697).

(16) أبو داود (4057)، والنسائي (5144)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4057).

(17) أخرجه: ابن حبان (15) صححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (15).

(18) أخرجه: أبو داود (4031)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (4347)

(19) موسوعة خطب المنبر (ص: 307).

(20) أخرجه البخاري (5142).

(21) أخرجه: البخاري (5590).

(22) أخرجه: الطبراني في المعجم الكبير (5810)، وصححه الألباني في الجامع الصغير (3665).

(23) تفسير السعدي (ص: 456).

(24) أخرجه مسلم (2128).

(25) أخرجه مسلم (1218).

(26) أخرجه مسلم (86).

(27) أخرجه أحمد (17763)، وصححه الألباني في الأدب المفرد (226).

عدد المشاهدات 9371