غزوة أحد(الخطب المهمة لدعاة الأمة عدد شهر شوال 1436هـ)

2015-07-04

اللجنة العلمية

العنوان :غزوة أحد

الخطبة إعداد اللجنة العلمية

عدد شوال 1436هـ من الخطب المهمة لدعاة الأمة


غزوة أحد

عناصر الخطبة:

وقت الغزوة وأسبابها

الترتيب للغزوة

أحداث الغزوة

الفوائد من الغزوة

التفصيل

وقت الغزوة:

وقعت غزوة "أحد" في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة(1).

استخلف النبي ﷺ على المدينة عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه-.

نسبة الغزوة إلى جبل أحد وهو المكان الذي حدثت فيه.

أسباب الغزوة:

كانت أسباب غزوة أحد متعددة منها: الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.

1- السبب الاجتماعي: كان للهزيمة الكبيرة في غزوة بدر، وقتل السادة والأشراف من قريش وقع كبير ومرارة عند الكثيرين منهم، لذا لما رجعوا إلى مكة أوقفوا العير التي نجت بالتجارة قبيل الغزوة أن يجهزوا منها جيشا لقتال رسول الله ﷺ، فمشى عبد الله بن ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية في رجال ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدًا قد وتركم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منها، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك. (2)

2 - السبب الاقتصادي: كانت حركة السرايا التي يقوم بها المسلمون قد أثرت على اقتصاد قريش وفرضت عليهم حصارًا اقتصاديًا قويًا، أثار غضبهم لخوفهم على تجارتهم ومعاشهم، وكان اقتصادهم قائمًا على رحلتي الشتاء والصيف، رحلة الشتاء إلى اليمن وتحمل إليها بضائع الشام ومحاصيلها، ورحلة الصيف إلى الشام تحمل إليها محاصيل اليمن وبضائعها(3).

3 - السبب السياسي: فقد أخذت سيادة قريش في الانهيار بعد غزوة بدر، وتزعزع مركزها بين القبائل بوصفها زعيمة لها، فلا بد من رد الاعتبار والحفاظ على زعامتها مهما كلفها الأمر من جهود ومال وتضحيات.

الترتيب للغزوة

أولًا: استعداد قريش وخروجهم من مكة إلى المدينة:

قال ابن القيم: لَمَّا قَتَلَ اللَّهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ، وَأُصِيبُوا بِمُصِيبَةٍ لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِهَا، وَرَأَسَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِذَهَابِ أَكَابِرِهِمْ، وَجَاءَ إِلَى أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ السَّوِيقِ، وَلَمْ يَنَلْ مَا فِي نَفْسِهِ، أَخَذَ يُؤَلِّبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَجْمَعُ الْجُمُوعَ، فَجَمَعَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالْحُلَفَاءِ، وَالْأَحَابِيشِ، وَجَاءُوا بِنِسَائِهِمْ لِئَلَّا يَفِرُّوا، وَلِيُحَامُوا عَنْهُنَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِمْ نَحْوَ الْمَدِينَةِ. فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: عَيْنَيْنِ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ. (4)

ثانياً: وصول الأنباء للنبي بتحرك قريش ومن معهم:

قال ابن عبد البر: وكان العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله ﷺ، وكان المسلمون يتقوون به بمكة، وكان يحب أن يقدم على رسول الله ﷺ  فكتب إليه رسول الله ﷺ: أن مقامك في مكة خير) (5).

ثالثًا: مشاورته -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه:

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا جَاءَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ كَانَ رَأْيُهُ أَنْ يُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ فَيُقَاتِلَهُمْ فِيهَا فَقَالَ لَهُ نَاسٌ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا بَدْرًا: تَخْرُجُ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ نُقَاتِلُهُمْ بِأُحُدٍ وَرَجَوْا أَنْ يُصِيبُوا مِنَ الْفَضِيلَةِ مَا أَصَابَ أَهْلُ بَدْرٍ فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى لَبِسَ أَدَاتَهُ ثُمَّ نَدِمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ فَالرَّأْىُ رَأْيُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((مَا يَنْبَغِى لِنَبِىٍّ أَنْ يَضَعَ أَدَاتَهُ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهُ )). قَالَ: وَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ   يَوْمَئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَلْبَسَ الأَدَاةَ: ((إِنِّى رَأَيْتُ أَنِّى فِى دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ وَأَنِّى مُرْدِفٌ كَبْشًا فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنَّ سَيْفِى ذَا الْفَقَارِ فُلَّ فَأَوَّلْتُهُ فَلاًّ فِيكُمْ وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ وَاللَّهُ خَيْرٌ فَبَقَرٌ وَاللَّهُ خَيْرٌ))(6).

رابعًا: خروج جيش المسلمين إلى أحد:

ثم إنه ﷺاختار الطريق المناسب الذي يسلكه حتى يصل إلى أرض المعركة، ولا يرى الأعداء جيش المسلمين، فقال ﷺلأصحابه: ((من رجل يخرج بنا على القوم من طريق لا يمر بنا عليهم)) فأبدى أبو خيثمة -رضي الله عنه- استعداده قائلا: أنا يا رسول الله، فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم، حتى سلك به في مال لربعي بن قيظي -وكان رجلاً منافقًا ضرير البصر-، فلما أحس برسول الله ﷺومن معه من المسلمين، قام يحثو في وجوههم التراب، وهو يقول: إن كنت رسول الله فلا أحل لك أن تدخل حائطي. وقد ذكر أنه أخذ حفنة من تراب بيده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد، لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال لهم: لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر(7).

وفي مروره ﷺبين الأشجار والبساتين دليل على حرصه ﷺعلى الأخذ بالاحتياطات في أثناء سيره للغزوة.

خامسًا: انسحاب المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الجيش:

قال الزهري: خرج رسول الله ﷺفي ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كانوا بالشوط بينأحد والمدينة، انخزل عنهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم فخرج وعصاني! والله ما ندري علامَ نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس! ! فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل النفاق وأهل الريْب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم، أذكّركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوّهم! فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال! فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدَكم الله أعداء الله! فسيُغني الله عنكم! ومضى رسول الله ﷺ. (8)

وفيهم نزل قول الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران: 166، 167].

سادسًا: تسليم الله لبني سلمة، وبني حارثة:

عَنْ جَابِرٍ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ حَرَامٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} بَنِي سَلِمَةَ، وَبَنِي حَارِثَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [آل عمران: 122](9).

قال ابن الجوزي: هما بنو سَلمَة وَبني حَارِثَة، الطَّائِفَة: الْجَمَاعَة، والفشل: الْجُبْن والخور. (10)

خطة الرسول لمواجهة كفار مكة:

1- وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- خطة محكمة لمواجهة المشركين من قريش، حيث اختار الموقع المناسب، وانتخب من يصلح للقتال، ورد من لم يكن صالحًا، واختار خمسين منهم للرماية، وشدد الوصية عليهم، وقام بتقسيم الجيش إلى ثلاث كتائب، وأعطى اللواء لأحد أفراد الكتيبة، وهذه الكتائب هي:

- كتيبة المهاجرين، وأعطى لواءها مصعب بن عمير -رضي الله عنه-.

- كتيبة الأوس من الأنصار، وأعطى لواءها أسيد بن حضير -رضي الله عنه-.

- كتيبة الخزرج من الأنصار، وأعطى لواءها الحباب بن المنذر -رضي الله عنه-(11).

2- تسوية الصفوف وتنظيم الجيش ووضع الرماة:

عَنِ البَرَاءِ -رضي الله عنه-، قَالَ: لَقِينَا المُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ، وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَالَ: ((لاَ تَبْرَحُوا، إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ

تَبْرَحُوا، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا))(12)

 ووضعهم فوق جبل عينين المقابل لجبل أحد، ووجوههم إلى المدينة، وانتقى خمسين من الرماة تحت إمرة عبد الله بن جبير(13) وذلك ليمنع التفاف جيش المشركين حول جيش المسلمين وسوى الصفوف.

قالِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ المُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(14) قال أَبو عُبَيْدَةَ: أَيْ تَتَّخِذُ لَهُمْ مَصَافَّ وَمُعَسْكَرًا. (15)

أحداث الغزوة

أولاً: بدء القتال:

في بداية القتال حاول أبو سفيان أن يوجد شرخًا وتصدعًا في جبهة المسلمين المتماسكة، فأرسل إلى الأنصار يقول: (خلوا بيننا وبين ابن عمنا، فننصرف عنكم، فلا حاجة بنا إلى قتال) فردوا عليه بما يكره.(16)

المبارزة:

مبارزة عليبن أبي طالب لطلحةبن عثمان:

خرج طلحة بن عثمان وكان بيده لواء المشركين، وطلب المبارزة مرارًا فلم يخرج إليه أحد فقال: يا أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة؟ فخرج إليه علي بن أبي إليه طالب - رضي الله عنه - فقال له علي - رضي الله عنه -: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه علي فقطع رجله، فوقع على الأرض فانكشفت عورته، فقال: يا ابن عمي، أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه، فكبر رسول الله، وقال لعلي بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه.(17)

 

مبارزة حمزة لسباع:

خَرَجَ سِبَاعٌ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا سِبَاعُ، يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ البُظُورِ، أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ(18).

ثانيًا: التحام الجيشان واشتداد القتال، وشرع رسول الله يشحذ في همم أصحابه ويعمل على رفع معنوياتهم وأخذ سيفًا، وقال: ((من يأخذ مني هذا؟ ))

عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟ فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا، قَالَ: فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ. (19)

وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ سِمَاكِ بْنِ خَرَشَةَ، أَنَّ أَبَا دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: ((إِنَّهَا مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللهُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ))(20)

وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: ((فِي الجَنَّةِ فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ))(21)

ثالثًا: بوادر الانتصار للمسلمين:

عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: " لمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ. (22)

وعن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ قَالَ: فَهَزَمُوهُمْ، قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ، قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ. (23)

رابعًا: مخالفة الرماة لأمر الرسول ﷺ:

عن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ، فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ. (24)

خامسًا: قتل بعض الصحابة على أيدي بعضهم:

 فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموقع على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فضرب بعضهم بعضًا، والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير

عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ: فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ اليَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي، قَالَ: قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ " قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "(25)

سادسًا: كثرة القتلى:

عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ " قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ))(26)

قتل سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ: (27)

عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ)) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى. فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ. قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، فَاقْرَئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ. وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ ثِنْتَيْ  عَشْرَةَ طَعْنَةً. وَأَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي. وَأَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّهُ لاَ عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ، إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ. (28)

أنس بن النضر:

عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ، فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَهُزِمَ النَّاسُ، فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي المُسْلِمِينَ وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ المُشْرِكُونَ)) فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، فَمَضَى فَقُتِلَ، فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ، وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. (29)

قتل حنظلة بن أبي عامر:

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْتَقَى هُوَ وَأَبُو سفيان بن حرب، فَلَمَّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَعَلَاهُ شَدَّادٌ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَقَدْ كَادَ يَقْتُلُ أَبَا سُفْيَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ صَاحِبَكُمْ حَنْظَلَةَ تُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَسَلُوا صَاحِبَتَهُ"، فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ لَمَّا سَمِعَ الْهَائِعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَذَاكَ قَدْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ"(30)

واستشهد مصعب بن عمير، وحمزة بن عبد المطلب وأمرهما معلوم مشهور.

سابعا: فرار بعض المسلمين:

قَال اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]

وقوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153]"

عن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ " جَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ: إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ "(31)

ورأى خالد بن الوليد وكان على خيالة المشركين الفرصة سانحة ليقوم بالالتفاف حول المسلمين، ولما رأى المشركون ذلك عادوا إلى القتل من جديد، وأحاطوا بالمسلمين من جهتين، وفقد المسلمون مواقعهم الأولى.(32)

ثامنا: مَا أَصَابَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ:

قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 140]

عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه-: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: ((جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَتِ البَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، تَغْسِلُ الدَّمَ وَعَلِيٌّ يُمْسِكُ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الدَّمَ لاَ يَزِيدُ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ حَصِيرًا فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا، ثُمَّ أَلْزَقَتْهُ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ))(33)

قال النووي: وَفِي هَذَا وُقُوعُ الِانْتِقَامِ وَالِابْتِلَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لِيَنَالُوا جَزِيلَ الْأَجْرِ وَلِتَعْرِفَ أُمَمُهُمْ وَغَيْرُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ وَيَتَأَسَّوْا بِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُمْ مِنَ الْبَشَرِ تُصِيبُهُمْ مِحَنُ الدُّنْيَا وَيَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِهِمْ مَا يَطْرَأُ عَلَى أَجْسَامِ الْبَشَرِ(34).

خطة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إعادة شتات الجيش:

1ـ عن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: نَثَلَ(35) لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ ((ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي))(36)

وَفِي " مَغَازِي الْأُمَوِيِّ ": أَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَعِدُوا عَلَى الْجَبَلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لسعد " اجْنُبْهُمْ " يَقُولُ: ارْدُدْهُمْ. فَقَالَ: كَيْفَ أَجْنُبُهُمْ وَحْدِي؟ فَقَالَ: ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَأَخَذَ سعد سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَرَمَى بِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ، قَالَ: ثُمَّ أَخَذْتُ سَهْمِي أَعْرِفُهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ أَعْرِفُهُ، فَرَمَيْتُ بِهِ آخَرَ فَقَتَلْتُهُ، فَهَبَطُوا مِنْ مَكَانِهِمْ، فَقُلْتُ: هَذَا سَهْمٌ مُبَارَكٌ، فَجَعَلْتُهُ فِي كِنَانَتِي، فَكَانَ عِنْدَ سعد حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ كَانَ عِنْدَ بَنِيهِ.(37)

2ـ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ، قَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقَالَ: مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ ، أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِصَاحِبَيْهِ: مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا. (38)

نزول السكينة على من ثبت في الغزوة

قال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ القَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]

عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ((كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ))(39)

عند نهاية المعركة:

1ـ وقفت نُسَيْبة بنت كعب(40) تذب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بالسيف وترمي بالقوس وأصيبت بجراح كبيرة، وهذه أُمُّ سَلِيطٍ: قَالَ عنها عُمَرُ: ((وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-)): فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. (41)

عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ القِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ القَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا. (42)

  وترس أبو دجانة دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه حتى كثر فيه النبل. والتفَّ حول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تلك اللحظات العصيبة أبو بكر وأبو عبيدة، وقام أبو عبيدة بنزع السهمين من وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسنانه، ثم توارد مجموعة من الأبطال المسلمين، حيث بلغوا قرابة الثلاثين يذودون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-منهم قتادة وثابت بن الدحداح، وسهل بن حنيف، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام.

وأما قريش فإنها يئست من تحقيق نصر حاسم وأجهد رجالها من طول المعركة، ومن صمود المسلمين وجلدهم وخاصة بعد أن اطمأنوا وأنزل الله عليهم الأمنة والصمود فالتفوا حول النبي ﷺ؛ ولذلك كفوا عن مطاردة المسلمين وعن محاولة اختراق قواتهم.

عن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ الخَطَّابِ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ، فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لَأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوءُكَ، قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي القَوْمِ مُثْلَةً، لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ "، قَالَ: إِنَّ لَنَا العُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟ ))، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: ((قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ))(43)

الفوائد من الغزوة

ترفق القران الكريم وهو يعقّب على ما أصاب المسلمين في (أحد) على عكس ما نزل في بدر من آيات، ولا غرو؛ فحساب المنتصر على أخطائه أشدّ من حساب المنكسر.

في المرة الأولى قال: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68) [الأنفال].

أما في أحد فقال: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [ال عمران: 152].

حسب المخطئين ما لحقهم من أوضار الهزيمة، وفي القصاص العاجل درس يذكّر المخطئ بسوء ما وقع فيه.

وقد اتجهت الآيات إلى مزج العتاب الرقيق بالدرس النافع وتطهير المؤمنين، حتى لا يتحوّل انكسارهم في الميدان إلى قنوط يفلّ قواهم، وحسرة تشل إنتاجهم:

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) [ال عمران].

ثم مضى الوحي يعلّم المسلمين ما جهلوا من سنن الدين والحياة، أو يذكّرهم بما نسوا من ذلك، فبيّن أنّ المؤمن- مهما عظمت بالله صلته- فلا ينبغي أن يغترّ به، أو يحسب الدنيا دانت له، أو يظنّ قوانينها الثابتة طوع يديه.

كلا، كلا؛ فالحذر البالغ والعمل الدائم هما عدتا المسلم لبلوغ أهدافه المرسومة، ويوم يحسب المسلم أنّ الأيام كلها كتبت له، وأنّ شيئا منها لن يكون عليه، وأنّ أمجاد الدارين تنال دون بذل التكاليف الباهظة، فقد سار في طريق الفشل الذريع.

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ [ال عمران: 140]، وقال: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ))  [ال عمران].

وأولو الألباب يستحيون أن يطلبوا السلعة الغالية بالثّمن التافه، وهم يبدون استعدادهم للتضحية بأنفسهم لقاء ما ينشدون؛ بيد أن الاستعداد أيام الأمن يجب ألا يزول أيّام الروع.

وقد استطرد النّظم الكريم يبصّر المؤمنين بمواطن العبرة فيما نالهم، ويعلّمهم كيف يتقون في المستقبل هذه المازق، وينتهز هذه الكبوة العارضة ليعزل عن جماعة المسلمين من خالطوهم على دخل، وعاشروهم على نفاق.

ولئن أفادت وقعة (بدر) في خذل الكافرين، إن وقعة (أحد) أفادت مثلها في فضح المنافقين، ورب ضارة نافعة، وربما صحّت الأجسام بالعلل.

ولعلّ ما ترتّب على عصيان الأوامر في هذه الموقعة درس عميق يتعلّم منه المسلمون قيمة الطاعة، فالجماعة التي لا يحكمها أمر واحد، أو التي تغلب على أفرادها وطوائفها النزعات الفردية النافرة لا تنجح في صدام، بل لا تشرّف نفسها في حرب أو سلام.

والحمد لله رب العالمين

 

---

(1) عمدة القاري (17/137).

(2) السيرة النبوية لابن هشام (3/68).

(3) السيرة النبوية لابن هشام (3/ 68).

(4) زاد المعاد (3/173) الأحابيش: من اجتمع إلى العرب وانضم إليهم.

(5) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 812).

(6) البيهقي السنن الكبرى بتصرف (13662) وحسنه.

(7) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/73).

(8) تفسير الطبري (7/376)، الشواط: اسم حائط، أي بستان، بين المدينة وأحد.

(9) رواه البخاري (4051)، ومسلم (2505).

(10) كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/38_1292).

(11) انظر: مغازي الواقدي (1/ 221، 222).

(12) رواه البخاري(4043)

(13) انظر: الإصابة (2/ 278)

(14) [آل عمران: 121]

(15) فتح الباري(8/208)

(16) إمتاع الأسماع للمقريزي (1/ 120).

(17) السيرة الحلبية (2/ 497، 498)، تفسير الطبري (7/ 218).

(18) رواه البخاري(4072)

(19) رواه مسلم(6436)

(20) رواه الطبراني في المعجم الكبير(6508)

(21) رواه البخاري(4046)، ومسلم( في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم 1899)

(22) رواه البخاري(4065)

(23) رواه البخاري(3039)

(24) رواه البخاري(3039)

(25) رواه البخاري(4065)

(26) رواه البخاري(4078)

(27) روى الترمذي(2092): عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا. حسنه الألباني

(28) رواه مالك في الموطأ(454).

(29) رواه البخاري(4048)

(30) رواه ابن حبان(7025 )، وهو حديث صحيح، رجاله ثقات.

(31) رواه البخاري(4067)

(32) انظر بهجة المحافل وبغية الأماثل ليحيى بن أبى بكر العامري الحرضي (1/196)

(33) رواه البخاري(2911)، ومسلم(باب غزوة أحد رقم 1790)

(34) شرح صحيح مسلم(12/148)، الرباعية: إحدى الأسنان الأربعة التي تكون بين الثنية والناب.

الشج: كسر في الرأس.

(35) نثلت كِنَانَتِي إِذا استخرجت مَا فِيهَا من النبل. عمدة القاري(17/165)

(36) رواه البخاري(4055)

(37) زاد المعاد(3/177)

(38) رواه مسلم(4664)

(39) رواه البخاري(4068)

(40) قال ابن عبد البر: كانت من كبار نساء الصحابة، وكانت تغزو كثيرًا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُمرّض المرضى وتداوي الجرحى [التذكرة: 111380، التقريب: 8693]

(41) رواه البخاري(2881)

(42) رواه البخاري(4064)

(43) رواه البخاري(3039)

عدد المشاهدات 5920