أثر العمل الصالح في تفريج الكروب

2013-09-22

اللجنة العلمية

أثر العمل الصالح في تفريج الكروب

عناصر الخطبة:

فضل العمل الصالح

الكربات النفسية، ومنها:

1- الهم.

2- الحزن.

3- الخوف.

4- اليأس.

الكربات الحسية: وهي كثيرة، ومنها:

1-الديون.

2- الظلم.

3- المرض.

وإليك التفصيل

الحمد لله وبعد،

فللعمل الصالح جزاءٌ في الدنيا والآخرة، فالجزاء في الدنيا حسنُ رعاية الله، ففي الحديث القدسي:

(وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)([1]).

ومن جزاء العمل الصالح المودَّةُ في قلوب المؤمنين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً} [مريم:96].

حسنُ الذكر من جزاء العمل الصالح، قال تعالى :{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]

وقال تعالى: {وَءاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا} [العنكبوت:27]، أي: جمع الله تعالى لإبراهيم عليه السلام بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الآخرة فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهنيء، والمنزل الرحب، والمورد العذب، والثناء الجميل، والذكر الحسن، وكل أحد يحبه ويتولاه.

تفريجُ الكروب جزاء العمل الصالح، قال تعالى: :"وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ" [الطلاق:2، 3]، وفي الحديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فلم ينقذهم إلا توسُّلهم إلى الله بأعمالهم الصالحة)([2])

العمل الصالح لا يقتصر على عبادات معينة ومجالات محددة، بل هو ميدان واسع ومفهوم شامل، قال عليه الصلاة والسلام: (كل معروف صدقة)([3])

أولاً: الكربات النفسية:

وهي تشمل كل الأمراض النفسية والانفعالات العصبية التي تعصف بالإنسان خارج حدوده الطبيعية وتنزع منه الإرادة لضبط النفس وتقويم السلوك، ومنها:

1- الهم:

وهو زيادة في التفكير المستمر بالأشياء، سواء كانت كبيرة وعظيمة، أو صغيرة وحقيرة، وكذلك التفكير المستمر في كيفية حمل أثقال المستقبل ومسئولياته، ويعد الهم من الكروب التي يرزح تحت وطأتها الإنسان في فترات من حياته، لاسيما إذا صرف عن دين الله وابتعد عن سنة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واتبع ما يوسوس إليه عدوه الأول، فعندئذ يبتلي الله تعالى هذا الصنف من الناس بكربة الهم عقوبة لمعصية أو ابتلاء للرجوع إلى الله تعالى واتباع نهجه.

وكان السبيل لتفريج كربة الهم هو أن يقدم الإنسان بين يدي الله تعالى عملاً صالحًا خالصًا له عز وجل، أو يترك ما كان عليه من العصيان والتمرد، ويرجع إلى الله بالتضرع والتوسل إليه، وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار، لعل الله أن يزيل عنه همه وتعود إليه عافيته وسويته، وقد ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا من علاج هذا الكرب، ووسيلة الخروج منه عند نزوله بالإنسان، فقال: " مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا " ، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: " بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" ([4]).

لذلك كان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من الهم كثيرًا ويحث على هذا الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال»([5]).

2- الحزن:

قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند موت ابنه إبراهيم: «إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»([6])، وقبل ذلك اشتكى يعقوب عليه السلام حزنه إلى الله تعالى عندما فقد يوسف عليه السلام، وقال: [إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ] [يوسف: 86].

ودرءًا لمنع وقوع الإنسان في دائرة الحزن الذي يتحول إلى مرض كانت الأحاديث الكثيرة التي تنهى عن المبالغة في الحزن عند نزول مصيبة أو غيرها، حتى لا يقع الإنسان في المنكرات، ويجزع من أمر الله تعالى، وقد علم عليه الصلاة والسلام أصحابه وأمته من بعده أن لا ينقطعوا عن الأعمال الصالحة التي تقوي من عزيمة الإنسان وإيمانه، وترضى بقدر الله وقضائه.

3- الخوف:والخوف نوعان: إيجابي، وسلبي:

فأما الأول: الخوف من الله تعالى وعقابه وعذابه، وهو ضروري للإنسان ومطلوب منه لأنه يحقق العبودية لله تعالى، ويستقيم سلوك الإنسان به ويستقر المجتمع والأفراد، بل جعل الله من اتصف بهذا النوع من المؤمنين الصادقين، قال جل ذكره: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا] [الأنفال: 2]، ومن هنا يجب على المسلم أن يجعل الخوف من الله تعالى جناحًا يطير به إلى الله تعالى في مسيرته في هذه الحياة والجناح الآخر رجاء حصول المطلوب في الدنيا والآخرة.

والنوع الآخر: سلبي وهو الخوف من غير الله أو الخوف المانع من فعل الطاعات أو الخوف الجالب لفعل المعاصي، كالخوف من السحرة والدجالين.

ويعد الخوف في صورته السلبية كربة نفسية وبلاء من الله تعالى لقوله عز وجل: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ] [البقرة: 155، 156].

وللخروج من كربة الخوف وظلامه، يجب التوجه الصادق إلى الله، واليقين الكامل بأن الله تعالى فوق كل قوة، وفوق كل جبار، وأنه تعالى لا ينازعه على ملكه أحد، ولا يتحرك شيء في هذا الكون إلا بأمره وحكمه، فإذا وصل الإنسان إلى هذه القناعة وهذا الإيمان، فإنه سيتحرر من ربقة كربة الخوف وسطوته، وينطلق إلى عالم الشجاعة والمواجهة، فيعمل ويجتهد ويطور ويخترع، لأنه يستند في حياته إلى العزيز الجبار، يقول الله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ] [فصلت: 30].

وخير ما يقال في مواضع الخوف وعند نزوله هو: [حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]،

عن ابن عباس رضي الله عنهما: [حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قالوا: [إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]([7]).

ثم إن هذا الدين قد عالج بعض صور هذه الكربة من البداية حتى لا يقع فيها الإنسان من خلال الشيطان الرجيم، فالخوف من الموت مثلاً قد بين الله تعالى حقيقة الموت التي لا مفر منها وقطع الأمل في تحاشيها، ولكنه عز وجل أخفى توقيتها عن الناس، وأن الإنسان مهما حاول الفرار منه فإنه لا يخرج من سلطان الله وملكه، وأنه آيب إليه، يقول عز وجل: [قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ] [الجمعة: 8].

وأما الخوف من الناس فإن رب العزة قد أشار إلى أن الخوف الحقيقي يجب أن يكون من الله لا من غيره يقول تعالى: [فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ] [المائدة: 44].

وكذا أنكر الإسلام الخوف من الفقر لأن الخالق والرازق هو الله، ورزق العباد ليس بيد العباد وإنما بيد خالق العباد، قال جل ثناؤه: [وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ] [الإسراء: 31]، وقال أيضًا: [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ] [الذاريات: 22].

فتقرر بهذا أن العمل الصالح يورث قوة التعلق بالله سبحانه وهذه القوة تزيل الخوف من تلك الأمور المورثة للأمراض النفسية والكربات والقلق ولخوف المذموم.

4- اليأس:

وهو عكس التفاؤل واليأس يعد مرضًا وكربة تؤثر في النفس بشكل سلبي دائمًا فيجعلها تتراجع إلى الوراء، وتسير خلف الركب، وهو عدو الفكر والتحرر والانطلاق، وعدو التطور والتقدم والابتكار، وهذا هو مبتغى الشيطان وقمة فرحه وسروره، ثم إنه يحقق أهداف أعداء الله الذين يحاولون بكل ما أوتوا من قوة وإعلام وغيرها أن يدخلوا إلى نفوس أبناء الأمة هذه الروح التي تجعل الأمة تابعًا لها في كل أمورها، فتعظم قوة هذا العدو في نفوسهم وتعظم عقله وصناعته وتقدمه، إلى أن يقولوا: لا نستطيع أن نبلغ ما بلغو إليه، فلتكن هذه حالنا وتلك حالهم، وهذه كربة عظيمة ومرض خطير يرزح تحت وطأتها جمع كبير من المسلمين.

والسبيل الوحيد الذي يخرج المصاب بداء اليأس أن يلجأ إلى الله تعالى بخالص الدعوات، وأحسن الأعمال، ليفرج عنه ما يعانيه، فإن الأمل في رحمة الله وفضله واجب، مهما بلغ الإنسان من الذنوب والخطايا، ولا سبيل للنجاة من ذلك إلا هذا السبيل، يقول الله تعالى [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] [الزمر: 53].

ولخطورة كربة اليأس وأثره السيئ على النفس والمجتمع، جاء الدين الإسلامي بالتخلص منه ونبذه ومحاربته، قال الله تعالى: [يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ][يوسف: 87]، وقوله: [وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] [العنكبوت: 23].

ثانيًا: الكربات الحسية: وهي كثيرة، ومنها:

1- الديون:

تشتد هذه الكربة ويزداد تأثيرها عندما يعجز المدين عن سداد دينه، فهو كما قيل: «هم في الليل وذل في النهار» وإن تراكم الأموال على الإنسان وكثرة المطالبة بها من قبل الدائنين يحرج المدين ويدخله في دوامة القلق والاضطراب، فلا يستطيع الخروج إلى الناس ومخالطتهم، وقد تؤدي هذه الحال به إلى أن يترك بلده وأهله وأحبته هروبًا من حقوق الناس عليه أو سعيًا للعمل في مكان آخر ربما يخفف عنه هذا الهم وهذه الأمانة، والدين من الأعباء والكربات التي لا تنفك عن الإنسان حتى بعد الموت، فإن هو نجا بنفسه منها في الدنيا فإنه لن تزول كربته في الآخرة لأنه حق العباد لذا كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصلي على من عليه الدين إلا أن يعفو عنه الدائن ويسامحه لعظم شأنه وحقه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلاً فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلا قال للمسلمين: «صلوا على صاحبكم»، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته»([8]).

ويقول عليه الصلاة والسلام: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين»([9]).

ومن أجل ذلك كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله منه في دعائه ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال»([10]).

وطريق الخلاص من هذا الكرب في الدنيا والنجاة منه يوم القيامة أن يخلص الإنسان في طاعته وعبادته لله تعالى يقول الله تعالى: [... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ] [الطلاق: 2، 3]

3- الظلم:

الظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث وهو كربة وبلاء، ظهر منذ أن خلق الله الإنسان، نتيجة لآفات النفس، ورغباتها وأهوائها، من الحسد والغرور والكبرياء، وغيرها من الأسباب، والمؤمن إذا أصابه شيء من كربة الظلم، بأي شكل من أشكالها من اعتداء أو تعذيب أو أخذ حق وغيره، يجب أن يسارع إلى الله تعالى، الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، ليرفع عنه هذه الكربة ويبدلها فرجًا وسرورًا، وعزة وانتصارًا، بشرط أن يعاون هذا التضرع إلى الله الاجتهاد في العبادة والإخلاص في الأعمال، وتصفية النية، وترك المعاصي، لقوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] [الرعد: 11]، فعندها يقبل الله تعالى دعوته ولا يرده خائبًا، بل سيعجل له بالفرج القريب والظفر الأكيد على عدوه وظالميه، يقول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما بعث معاذًا إلى اليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب»([11]).وإن طال الفرج أو تأخر قليلاً فلحكمة من عند الله تعالى لا يعلمها إلا هو، ربما يكون فيه خيرا للإنسان وذخرا له يوم القيامة

5- المرض:

وهذه الكربة تجري على الناس كافة، صغار وكبار، رجال ونساء، شباب وشيوخ، إلا أن العاقل والمؤمن بالله هو الذي يتعامل مع هذه الكربة التعامل الشرعي من الصبر على هذه الكربة ويلجأ إلى ربه بالعمل الصالح الدءوب، والدعاء اللحوح، ليكشف عنه ضره وكربته، ولا ييأس من فضل الله ورحمته، وليكن قدوته في ذلك وأسوته نبي الله أيوب عليه السلام الذي أصيب بكربة المرض، بعد أن كان صحيحًا قويًا فأذهبت عنه هذه الكربة عافيته، وقوته وطالت مدتها، وازداد فعلها وأثرها في جسده، حتى تركه أهله وأقرباؤه فنادى ربه بدعاء صادق يقول الله تعالى عنه: [وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ] [الأنبياء: 83، 84].

عن أبي موسى قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير مرة ولا مرتين يقول: «إذا كان العبد يعمل عملاً صالحًا فشغله عنه مرض أو سفر كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم»([12]).



([1]) صحيح البخاري (6502).

([2]) صحيح البخاري (2272).

([3]) صحيح البخاري (6021)

([4]) أخرجه أحمد (4318)، وصححه الألباني في الصحيحة (199).

([5]) البخاري (6369) مسلم (2706).

([6]) البخاري (1303)، مسلم (2315).

([7]) البخاري(4563).

([8]) البخاري (5371)، مسلم (1619).

([9]) صحيح مسلم (1886).

([10]) البخاري (6369)، مسلم (2706).

([11]) البخاري (2448)، مسلم(19).

([12]) صحيح البخاري (2996).

عدد المشاهدات 23537