نصرة المظلوم

2013-08-15

أحمد عبد السلام

نُّصْرَةُ المظلوم

عناصر الخطبة

1_الأدلة على شرعية نصرة المظلوم

2_ صور لنصرة المظلوم

3_نماذج عن نصرة المظلوم

4_ الوسائل المعينة على اكتساب هذه الصفة

الأدلة على شرعية نصرة المظلوم

1- ما ورد في القرآن الكريم في الحث على نصرة المظلوم :

قال الله عز وجل: [ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ][الحجرات: 10وقال تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ] [المائدة: 2]،وقال سبحانه: [ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا] [النساء: 75].

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تعالى في هذه الآية:يحرض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين بالمقام بها؛ ولهذا قال تعالى: [ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ] يعني: مكة، كقوله تعالى: [ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ][محمد: 13ثم وصفها بقوله: [الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا] أي: سخر لنا من عندك وليًّا وناصرًا.([1])

وقال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ][الأنفال: 72]

قال الطبري:[وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ] [الأنفال: 72] يَقُولُ: إِنِ اسْتَنْصَرَكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي الدِّينِ، يَعْنِي بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ وَأَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَعَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ النَّصْرُ، إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، يَعْنِي عَهْدٌ قَدْ وَثِقَ بِهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَنْ لَا يُحَارِبَهُ.([2])

2-ما ورد في السنة النبوية:

1-عَنْ أَنَسٍ بن مالك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:[انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا].قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُمَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟قَالَ:[تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ].([3])

وفي رواية أخرى عَنْ أَنَسٍ-رضى الله عنه- قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:[انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ]. فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا،أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟قَالَ:[تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ].([4])

وقد رواه جابر بن عبد الله -رضى الله عنه- أيضًا بلفظ:[ليَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؛إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ،وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ].([5])

قَالَ الْإِمَامُ البيهقي: وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الظَّالِمَ مَظْلُومٌ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا قَالَ اللهُ عز وجل: [وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا، أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ] [النساء: 110]، فَكَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَرَ الْمَظْلُومُ - إِذَا كَانَ غَيْرَ نَفْسِ الظَّالِمِ لِيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْهُ - كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَرَ إِذَا كَانَ نَفْسَ الظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ عَنْ نَفْسِهِ .([6])

وقَالَ اِبْن بَطَّال: النَّصْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْإِعَانَة ، وَتَفْسِيره لِنَصْرِ الظَّالِمِ بِمَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مِنْ وَجِيز الْبَلَاغَة.([7])

قال ابن حجر: هُوَ فَرْض كِفَايَة ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمَظْلُومِينَ وَكَذَلِكَ فِي النَّاصِرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَرْض الْكِفَايَة مُخَاطَب بِهِ الْجَمِيع وَهُوَ الرَّاجِحُ وَيَتَعَيَّنُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ لَهُ الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَحْدَهُ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إِنْكَارِهِ مَفْسَدَة أَشَدّ مِنْ مَفْسَدَةِ الْمُنْكَرِ ، فَلَوْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ سَقَطَ الْوُجُوب وَبَقِيَ أَصْل الِاسْتِحْبَاب بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ، فَلَوْ تَسَاوَتْ الْمَفْسَدَتَانِ تَخَيَّرَ ، وَشَرْط النَّاصِر أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكَوْن الْفِعْل ظُلْمًا.([8])

2-وعَنْ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضى الله عنهما-قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ، وَنَصْرِ المَظْلُومِ.([9])

3-وعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري -رضى الله عنه-،عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: [الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ].وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.([10])

وعَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:[مثل الْمُؤْمِنِينَ فِي َتَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مثل الجسد،إذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائر الجسد بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى].([11])

قال النووى:قوله -صلى الله عليه وسلم-:[ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ].وفي الحديث الآخر:[مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم...].إلى آخره،هذه الاحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض،وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه.([12])

4-عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضى الله عنهما-،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ:[الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ،لَا يَظْلِمُهُ،وَلَا يُسْلِمُهُ،وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ،وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ].([13])

قال الحافظ ابن حجر:قَوْلُهُ:[ لَا يَظْلِمُهُ ] هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ فَإِنَّ ظُلْمَ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ حَرَامٌ وَقَوْلُهُ:[ وَلَا يُسْلِمُهُ ] أَيْ:لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيهِ،وَلَا فِيمَا يُؤْذِيهِ،بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ،وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ تَرْكِ الظُّلْمِ.([14])

5-وعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله -رضى الله عنه- قَالَ : لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ،قَالَ:[ أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ].قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ:بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ،بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ،تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ،فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ،فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا،ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا؛فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا،فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ،فَقَالَتْ:سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ،وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ،وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ،فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا،قَالَ:يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : [ صَدَقَتْ،صَدَقَتْ،كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ].([15])

قال السندي: (يُقَدِّسُ اللَّهَ) أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الدَّنَسِ وَالْآثَامِ.([16])

وقال المناوي: استخبار فيه إنكار وتعجب، أي أخبروني كيف يطهر الله قومًا لا ينصرون العاجز الضعيف على الظالم القوي مع تمكنهم من ذلك،أي لا يطهرهم الله أبدًا.([17])

صور لنصرة المظلوم

نصرة المظلوم قد تكون أثناء وقوع الظلم عليه،أو قبل ذلك أو بعده.

قال الحافظ ابن حجر:وَيَقَعُ النَّصْرُ مَعَ وُقُوع الظُّلْم وَهُوَ حِينَئِذٍ حَقِيقَة ، وَقَدْ يَقَعُ قَبْلَ وُقُوعِهُ كَمَنْ أَنْقَذَ إِنْسَانًا مِنْ يَدِ إِنْسَانٍ طَالَبَهُ بِمَال ظُلْمًا وَهَدَّدَهُ إِنْ لَمْ يَبْذُلْهُ وَقَدْ يَقَعُ بَعْدُ وَهُوَ كَثِيرٌ.([18])

وله صور عديدة منها الشفاعة للمظلوم حتى يأخذ حقه، كما قال الله:عز وجل[مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا] [النساء: 85].

قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-:وقوله: [ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ] أي: من سعى في أمر، فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك [ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا] أي: يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء]([19]).([20])

وقال البيهقي-في شرحه لحديث:[انصر أخاك ]-: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حسا ومعنى فلو رأى إنسانا يريد أن يجب نفسه لظنه أن ذلك يزيل مفسدة طلبه الزنا مثلا منعه من ذلك وكان ذلك نصرا له واتحد في هذه الصورة الظالم والمظلوم.([21])

نماذج في نصرة المظلوم

أولًا : نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- للمظلوم من الناس حتى وإن كان المظلوم كافرًا.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ:تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ ابْن عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، لِشَرَفِهِ وَسِنِّهِ، فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَزُهْرَةُ ابْن كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ. فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلَّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التَّيْمِيُّ،أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: [لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ،وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ ].([22])

وقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي:[اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ] ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: [اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ] ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: [اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ] ، قَالَ: فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. وفي رواية:فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقَالَ: [أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ] ، أَوْ [لَمَسَّتْكَ النَّارُ].([23])

نصرة النبي-صلى الله عليه وسلم- للمظلوم حتى لو كانت دابة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: [مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟] فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: [أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ([24])].([25])

عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- قَالَ: كنَّا مَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-في سَفَرٍ، فانْطَلَقَ لحَاجَتِهِ، فَرَأيْنَا حُمَّرَةً (طائر صغير) مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءتِ الحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَعْرِشُ([26])فَجَاءَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-فَقَالَ : [مَنْ فَجَعَ هذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا إِلَيْها وَلَدَهَا].([27])

وعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ:لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ،وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ،فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ،فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، قَالَ:فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:[يَا أَبَا ذَرٍّ،أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ،إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ،فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ،وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ،وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ،فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ].([28])

أبو بكر الصديق -رضى الله عنه-

عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ:قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-،قَالَ:بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ،فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا،فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ،وَدَفَعَه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-وَقَالَ:[ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ].([29])

ما يعينك على نصرة المظلوم

1- أن تعلم أن نصرة المظلوم هي طاعة لله ورسوله،فبقدر حبك لله ورسوله تكون طاعتك لهما.

2- أن تستشعر الأخوة الإيمانية،

يقول الإمام البيهقي: وَإِنَّمَا أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ بِنُصْرَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، إِذَا رَآهُ يَظْلِمُ وَقَدَرَ عَلَى نَصْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ إِذَا جَمَعَهُمَا صَارَا كَالْبَدَنِ الْوَاحِدِ، كَمَا أَنَّ أُخُوَّةَ النَّسَبِ لَوْ جَمَعْتُهُمَا كَانَا كَالْبَدَنِ الْوَاحِدِ، وَالدِّينُ أَقْوَى مِنَ الْقَرَابَةِ، وَأَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ مِنْهَا ، وَإِلَى هَذَا وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عز وجل: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ] [الحجرات: 10].([30])

3- أن تستحضر عظمة الله وقدرته ومعيته لك، فيهون عليك أمر الظالم ولا تخشاه، كما قال النبيان الكريمان موسى وهارون لربهما في شأن فرعون [ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ] [طه:45- 47].



([1]) تفسير ابن كثير (2 / 358).

([2]) تفسير الطبري (11/ 294).

([3]) صحيح البخاري (2444).

([4]) صحيح البخاري (6952).

([5]) مسلم (12/ 463).

([6]) شعب الإيمان (10/ 84).

([7]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (7 / 350).

([8]) فتح الباري شرح صحيح البخاري (5 / 99).

([9]) صحيح البخاري (5863)، ومسلم في صحيحه (10 / 404).

([10]) صحيح البخاري (2446)، ومسلم ( 2585 ).

([11]) صحيح البخاري (6011 )، و صحيح مسلم (4/ 1999).

([12]) شرح النووي على مسلم (16/ 139).

([13]) صحيح البخاري (3/ 128)، و صحيح مسلم ( 2580 ).

([14]) فتح الباري لابن حجر (5/ 97).

([15]) رواه ابن ماجة (4000وابن حبان في صحيحه( 5059وغيرهما عن جابر بن عبد الله ،

وقال البوصيري في "الزوائد": إسناده حسن.وقال الألباني: حسن.

([16])حاشية السندي على سنن ابن ماجة (2/ 486).

([17]) فيض القدير (5/ 59).

([18]) فتح الباري لابن حجر (5/ 99).

([19])صحيح البخاري (1432).

([20])تفسير ابن كثير (2/ 368).

([21]) فتح الباري لابن حجر (5/ 98).

([22])سيرة ابن هشام (1/ 133، 134).

([23])صحيح مسلم (1659).

([24]) تدئبه: تكده وتتعبه.

([25]) سنن أبي داود (2549وقال الألباني: صحيح، وهو في صحيح مسلم (342)(79)ولكن إلى قوله:حائش نخل.بدون ذكر قصة الجمل.

([26]) أي: ترفرف بأجنحتها.

([27])سنن أبي داود (5268).

([28])صحيح البخاري (1/ 15)،وصحيح مسلم ( 4405).

([29]) صحيح البخاري (6/ 127).

([30]) شعب الإيمان (10/ 84) لأبي بكر البيهقي.

عدد المشاهدات 10963