رضاع الكبير

2012-08-07

زكريا حسينى

رضاع الكبير

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

أخرج أبو داود في سننه عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنى سالمًا وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه حتى أنزل الله عز وجل في ذلك: «ادعوهم لآبائهم» إلى قوله: «فإخوانكم في الدين ومواليكم» [الأحزاب: 5]، فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخًا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا فكان يأوى معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فضلاً، وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه. فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة تأمر بنات إخواتها وبنات إخوانها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدًا من الناس حتى يرضع في المهد. وقلن لعائشة: والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس.

وأخرج هذا الحديث من حديث عروة بن الزبير الإمام مالك في الموطأ في كتاب الرضاع، وعنه الإمام الشافعي في الأم، ولقد رُوي هذا الحديث مختصرًا بحذف بعض ألفاظه، وبسياق دون هذا السياق، فقد أخرجه الإمام البخاري في المغازي وفي النكاح، والإمام مسلم في الرضاع، والنسائي في كتاب النكاح، باب رضاع الكبير، وابن ماجه في النكاح باب رضاع الكبير وهؤلاء ثلاثتهم أخرجوه من حديث القاسم عن عائشة، وأخرج الخبر في إباء (أي رفض) سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلته عائشة رضي الله عنهن أجمعين، على أن ذلك كان رخصة لسالم وحده؛ مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرجه الإمام أحمد في المسند (6/255، 269، 270)، والدارمي وعبد الرزاق عن عائشة رضي الله عنها.

شرح الحديث

قوله: “إن أبا حذيفة تبنى سالمًا” التبني معروف، وهو أن يلحق الرجل بنفسه ابنا ليس له، وقد كان في الجاهلية قبل الإسلام يُلحق الرجل بنفسه الابن ويعده من أبنائه حتى إنهما ليتوارثان، فأبطل الإسلام ذلك، وأمر أن يُردَّ كل رجل إلى أبيه، وأن يُدْعى به، والذي لا يُعْلَمُ له أب يصير من موالي الشخص ومن إخوانه في الدين.

قوله: “وأنكحه ابنة أخيه” هذا الفعل من أبي حذيفة دليل على تبنيه سالمًا وشدة عنايته به. على أن العربي كان يفرق في المعاملة بين المولى وغيره، فأبو حذيفة عملا منه بالتبني زوَّجَ سالمًا ابنة أخيه ولم يأنف من ذلك لأنه عده ابنه على الحقيقة، ولو كان يعده مولى ما زوجه ابنة أخيه كما هي عادة العرب في جاهليتهم.

قوله: “فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو امرأة أبي حذيفة فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد ويراني فُضُلاً، وقد أنزل الله تعالى فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟” فأما قولها: كنا نرى سالمًا ولدًا فلأنهم تبنوه، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد. وفي رواية: وليس لنا إلا بيت واحد، وقولها: ويراني فُضُلاً: أي متبذلة في ثياب مهنتها، أو في ثوب واحد لا إزار تحته.

قوله: “أرضعيه”. وفي رواية: “أرضعيه حتى يدخل عليك”. وفي رواية: “أرضعيه تحرمي عليه”. وفي رواية أخرى لما قالت: يا رسول الله، إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “أرضعيه”. فقالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير، فتبسَّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وقال: “قد علمت أنه كبير”. وفي رواية أخرى: أن أم سلمة رضي الله عنها قالت لعائشة رضي الله عنها: إنه يدخل عليك الغُلامُ الأيْفَعُ الذي ما أحب أن يدخل عليَّ، فقالت عائشة رضي الله عنها: أما لك في رسول الله أسوة؟ إن امرأة أبي حذيفة قالت: يا رسول الله، إن سالمًا يدخل عليَّ وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “أرضعيه حتى يدخل عليك”. والغلام الأيفع في قول أم سلمة: أي الغلام الذي لم يبلغ الحلم.

مذاهب العلماء في رضاع الكبير

قال أبو عمر بن عبد البر: وهو مذهب عائشة من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، أي أن القول بهذا الحديث وهو حديث سالم مولى ابي حذيفة، أخذت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: حملت عائشة حديثها هذا في سالم على العموم، فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر وبنات إخوانها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها.

قال: ورأى غيرها هذا الحديث خصوصًا في سالم- أي خاصًا به لا يقاس عليه غيره.

ثم قال رحمه الله تعالى: واختلف العلماء في ذلك كاختلاف أمهات المؤمنين:

فذهب إلى القول بأن رضاعة الكبير تحرم كل من: الليث بن سعد، وعطاء بن أبي رباح وابن علية، قال الشوكاني وحكاه النووي عن داود الظاهري، وإليه ذهب ابن حزم، وقال أيضًا: وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما حكاه عنه ابن حزم، وأما ابن عبد البر فأنكر الرواية عنه وقال: لا يصح.

ونقل ابن عبد البر عن مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سمعت عطاءً يُسأل: قال له رجل: سقتني امرأة من لبنها بعد ما كنت رجلاً، أفأنكحها؟ قال: لا، قلت: ذلك رأيك؟ قال: نعم.

قال أبو عمر عقب ذلك: هكذا يكون رضاع الكبير- كما ذكر عطاءٌ- يحلب له اللبن ويسقاه، وأما أن تلقمه ثديها كما يصنع بالطفل فلا؛ لأن ذلك لا ينبغي عند أهل العلم.

ثم قال: وقد أجمع أهل العلم على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من لبن المرأة وإن لم يمصه من ثديها، وإنما اختلفوا في السعوط به وفي الحُقنة والوَجُورِ وفي جُبْنٍ يصنع له منه: (الوَجُورُ: الدواء يصب في الحلق).

وهؤلاء- القائلون بالتحريم برضاع الكبير- عمدتهم حديث عائشة رضي الله عنها الذي معنا.

ولقد ذكر عبد الرزاق في مصنفه عن ابن أبي مليكة بعد أن ساق حديث القاسم عن عائشة رضي الله عنها: فَمَكَثْتُ سنةً أو قريبًا منها لا أحدث به رهبة له، ثم لقيت القاسم، فقلت له: لقد حدثتني حديثًا ما حدثت به بعد، فقال: ما هو؟ فأخبرته، فقال: حدِّث به عني فإن عائشة أخبرتنيه.

قال ابن عبد البر: هذا يدل على أنه حديث ترك قديمًا، ولم يُعْمَلْ به، ولا تلقاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تلقوه بالخصوص.

من لم ير رضاع الكبير من العلماء

ثم قال: وممن قال: إن رضاع الكبير ليس بشيء: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وابن عمر وأبو هريرة، وابن عباس، وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة، وجمهور التابعين وجماعة فقهاء الأمصار منهم مالك وابن أبي ذئب وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد والطبري. اهـ.

واستدل هؤلاء بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، كما استدلوا بأحاديث وآثار، منها:

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعندي رجلٌ فقال: من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة. قال: يا عائشة انْظُرْنَ مَنْ إخْوانُكُنَّ فإنَّما الرَّضَاعَةُ مِن المجَاعَةِ.

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه]

2- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “لا يُحَرِّمُ من الرَّضَاعِ إلاَّ مَا فَتقَ الأمعَاءَ وكان في الثَّدْيِ، وكان قبل الفطامِ”.

[أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه]

3- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “لا رضاع إلا ما كان في الحولين”.

[رواه الدارقطني]

4- عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا رضاع بعد انفصال ولا يُتم بعد احتلام”.

[رواه أبو داود الطيالسي في مسنده]

5- وعن ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: “لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم”. أخرجه أبو داود.

6- روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سأل أبا موسى الأشعري فقال: إني مصصت عن امرأتي من ثديها لبنًا، فذهب في بطني، فقال أبو موسى: لا أراها إلا قد حرمت عليك، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: انظر ماذا تفتي به الرجل؟ فقال أبو موسى: فماذا تقول أنت؟ فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لا رضاعة إلا ما كان في الحولين، فقال أبو موسى: يا أهل الكوفة لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم.

7- جاء رجل إلى عبد الله بن عمر يسأله عن رضاعة الكبير، فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني كانت لي وليدة وكنت أطؤها، فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها، فدخلت عليها، فقالت: دونك، فقد والله أرضعتها، فقال عمر: أوجعها وَأْتِ جاريتك، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير. [أخرجه مالك في الموطأ]

قال أبو عمر بن عبد البر: قد ذكرنا أنَّ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب كانا لا يريان رضاعة الكبير شيئًا، فيمن ذكرنا من الصحابة في هذا الباب، وقال أيضًا: وقد ذكرنا أن أبا موسى رجع إلى قول ابن مسعود في هذه المسألة من رضاع الكبير، ولولا أنه بانَ له أنَّ الحقَّ في قول ابن مسعود ما رجع إليه، ولا يزال الناس بخير ما انصرفوا إلى الحق إذا بان لهم.

[اهـ من الاستذكار بتصرف]

ولقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد مناظرة بين القائلين برضاع الكبير وبين القائلين بالحولين وأطال فيها ونحن نورد هنا ما تلخص من هذه المناظرة: قال المتعلقون بحديث عائشة بخصوص قصة سالم مولى أبي حذيفة:

هذا الحديث رواه من الصحابة أمهات المؤمنين، وسهلة بنت سهيل، وهي من المهاجرات، وزينب بنت أم سلمة وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه من التابعين القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وحميد بن نافع، ورواه عن هؤلاء الزهري وابن أبي مليكة وعبد الرحمن بن القاسم ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة، ثم رواه عن هؤلاء أيوب السختياني وسفيان الثوري وابن عيينة وشعبة ومالك وابن جريج وشعيب ويونس وجعفر بن ربيعة ومعمر وسليمان بن بلال وغيرهم، قال الشوكاني بعد أن نقل هذا الكلام: وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع إليهم في أعصارهم، ثم رواه عنهم الجم الغفير والعدد الكثير، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذه السنة بلغت طرقها نصاب التواتر. [اهـ من نيل الأوتار]

ذكر ابن القيم بعد ذلك ردود القائلين بثبوت التحريم برضاع الكبير على أصحاب الحولين مفندين لأدلتهم، وفي آخرها قال: قالوا: وقد صح عنها أنها كانت تدخل عليها الكبير إذا أرضعته الرضاع المحرم أخت من أخواتها، ونحن نشهد بشهادة الله، ونقطع قطعًا نلقاه به يوم القيامة، أن أم المؤمنين لم تكن لتبيح ستر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بحيث ينتهكه من لا يحل له انتهاكه، ولم يكن الله عز وجل ليبيح ذلك على يد الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات، وقد عصم الله تعالى هذا الجناب الكريم والحمى المنيع والشرف الرفيع أتم عصمة، وصانهُ أعظم صيانة، وتولى صيانته وحمايته والذَّبَّ عنه بنفسه ووحيه وكلامه. إلى آخر كلامهم.

ثم ذكر رحمه الله تعالى أن القائلين بالحولين اختلفوا في حديث سهلة هذا على ثلاثة مسالك:

أحدها: أنه منسوخ، وهذا مسلك كثير منهم، قال: ولم يأتوا على النسخ بحجة سوى الدعوى، فإنهم لا يمكنهم إثبات التاريخ المعلوم التأخر بينه وبين تلك الأحاديث، ولو قلب أصحاب هذا القول عليهم الدعوى، وادعوا نسخ تلك الأحاديث بحديث سهلة لكانت نظير دعواهم.

المسلك الثاني: أنه مخصوص بسالم دون من عداه، وهذا مسلك أم سلمة رضي الله عنها ومن معها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهن، قال: وهذا المسلك أقوى مما قبله- أي أن مسلك التخصيص أقوى من مسلك النسخ- ثم ذكر أقوال أصحاب هذا القول إلى أن قال:

قالوا: ويتعين هذا المسلك لأنا لو لم نسلكه لَزِمَنَا أحد مسلكين، ولابد منهما، إما نسخ هذا الحديث بالأحاديث الدالة على اعتبار الصغر في التحريم، وإما نسخها به، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين لعدم العلم بالتاريخ، ولعدم تحقق المعارضة ولإمكان العمل بالأحاديث كلها.

ثم قال رحمه الله تعالى فيما أورده من ردود أصحاب الحولين: وأما حديث الستر المصون والحرمة العظيمة والحمى المنيع، فرضي الله عن أم المؤمنين، فإنها وإن رأت أن هذا الرضاع يثبت المحرمية، فسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخالفنها في ذلك، ولا يرين دخول هذا الستر المصون والحمى المنيع بهذه الرضاعة، فهي مسألة اجتهاد، وأحد الحزبين مأجور أجرًا واحدًا، والآخر مأجور أجرين، وأسعدهما بالأجرين من أصاب حكم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة.

فكلٌ من المُدْخِل للستر المصون بهذه الرضاعة، والمانع من الدخول فائز بالأجر، مجتهد في مرضاة الله وطاعة رسوله وتنفيذ حكمه، ولهما أسوة بالنبيين الكريمين- داود وسليمان- اللذين أثنى الله عليهما بالحكمة والعلم، وخص بفهم الحكومة أحدهما.

المسلك الثالث: أن حديث سهلة ليس بمنسوخ، ولا مخصوص، ولا عام في حق كل أحد، وإنما هو رخصة للحاجة لمن لا يستغنى عن دخوله على المرأة، ويشق احتجابها عنه، كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، فمثل هذا الكبير إذا أرضعته للحاجة أثر رضاعه، وأما من عداه فلا يؤثر إلا رضاع الصغير، وهذا مسلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والأحاديث النافية للرضاع في الكبير إما مطلقة فتقيد بحديث سهلة، أو عامة في الأحوال فتخصص هذه الحال من عمومها، وهذا أولى من النسخ ودعوى التخصيص بشخص بعينه، وأقرب إلى العمل بجميع الأحاديث من الجانبين وقواعد الشرع تشهد له، والله الموفق. [اهـ. من زاد المعاد (ج5)]

ويظهر فائدة الأخذ بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مثل الحالات التي تقوم فيها أسرة بتربية طفل يتيم أو نحوه ثم يعسر عليهم بعد ذلك الاحتجاب عنه وقد تربى معهم كواحد من أولاد الأسرة، فحينئذ يرتضع هذا الغلام ويصبح محرمًا يدخل بلا حرج عليه ولا على للأسرة، والله المستعان.

وبعد، فهذه أحكام شريعتنا بيضاء ناصعة، ليلها كنهارها، كما تَرَكَنَا عليها رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، نرى فيها الطهر والعفاف، وتحري الحق والبحث عن الصواب بكل طريق، وقد علمت أخي المسلم قول بعض علمائنا كابن عبد البر: وهكذا يكون رضاع الكبير بأن تحلب المرأة لبنها في كوب ويشربه، لا أن تلقمه ثديها كما يفعل بالصغير، ولقد قال أيضًا في شرح كلمة “فُضُل” وقال ابن وهب: فُضُلٌ: مكشوفة الرأس والصدر. وقيل: الفُضُل التي عليها ثوب واحد ولا إزار تحته، قال: وهذا أصح إن شاء الله تعالى، لأن انكشاف الصدر لا يجوز أن يضاف إلى ذوي الدين عند ذي محرم ولا غيره، لأن الحرة عورة (مجتمع على ذلك منها) إلا وجهها وكفيها.

فالعجب ممن ينطلي عليه تشكيك أعداء الإسلام وما يلقونه من شبهات حول ديننا الحنيف دين العفة والطهر والنقاء، أولئك الذين لا يعرفون فضيلةً ولا حياءً ولا سترًا بل يعيشون متكشفين مختلطًا رجالهم بنسائهم كالأنعام أو كالحيوانات الضالة، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، ثم يتهجمون على ديننا وهم لا يعقلون، والعيب ليس فيهم، لكن العيب فيمن ينساق وراءهم من جهلة المسلمين الذين لا يميزون بين حق وباطل ولا بين هدى وضلال، أو ينطلي عليهم أقوال الروافض الذين اتخذوا من سب الصحابة دينًا ولا سيما خيارهم كالصديق والفاروق وابنتيهما كأمثال هؤلاء المستهزئين السافرين الذين يقولون: إذن؛ من كان عنده سائق أو خادم فلترضعه امرأته ويدخل عليها!! ونحن بدورنا نسأل هؤلاء: وهل عندكم ستر أو حجاب بين نسائكم وبين خدمكم أو سائقيكم؟! ولكن البهتان والإفك والزور له أهله الذين لا يعرفون حياءً ثم يتهكمون بأهل الحياء والفضيلة والستر.

والحمد لله رب العالمين.

عدد المشاهدات 5437