ضوابط وقواعد للنجاة

2011-02-11

أحمد سليمان

جماعة أنصار السنة المحمدية

         فرع بلبيس

        لجنة الدعوة

 

ضوابط وقواعد للنجاة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - محمد -صلى الله عليه وسلم- -، وبعد،

فلا يخفى ما تمر به الأمة من أزمة معقدة، يحار فيه الحليم؛ لكن المتمسك بالهدي والمتبع للسنن تراه مطمئنًا، ثابت الجأش عند أي نازلة، لأن معه النور الذي يبصر به في دياجير الظلمات، وهذه قواعد مهمة، وأصول جامعة تنفع بإذن الله أهل البصيرة وترسخ أقدامهم على الطريق الصحيح.

أولا: العقائد لا تتبدل بتبدل الحوادث .

 فما لم يكن يومئذٍ دينا لا يكون اليوم دينا، وأمر العقيدة لا يهتز بابتلاء أو عذاب أو محنة، والتنازل عن مبدأ واحد من مبادئها وأصولها قدح في دين العبد، فالعقيدة هي الإيمان الجازم، والحكم القاطع، الذي لا يتطرق إليه الشك لدى المُعْتِقد.

ومن ذلك إيماننا أننا منصورون إن شاء الله؛ لكن للنصر أسبابًا ودلائل:

فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو الله لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَالله لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا الله، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». البخاري (3612).

والهزيمة والاستضعاف لا يعني الارتداد عن أصل الدين وتبدل عقائد المسلمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

ولا أن نشك في شريعتنا، فعمر -رضي الله عنه- ندم ندمًا شديدًا على ما قاله عقب صلح الحديبية من مراجعته رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم الصّديق، فقال عمر: ( فعملت لذلك أعمالًا) . البخاري (2732)

وعقيدتنا في عدم الخروج على أئمة الجور أمر ثابت لا يتغير؛ لكن لابد من التفريق فليس كل من خرج على الإمام يعد خارجيًا فالخارجون أقسام:

 منهم خوارج، ومنهم بغاة ، ومنهم محاربون ، ومنهم أهل حق خرجوا للأمر بالمعروف بمعروف، والنهي عن المنكر بغير منكر وبتأويل صحيح ولم يترتب على الخروج مفسدة أعظم مما هم فيه، ويدخل تحت هذا خروج الحسين وابن الزبير والقراء مع ابن الأشعث.

ثانيًا: عند الفتنة يخوض فيها من لا يحسن فتمسك بالدليل يسلم لك دينك

الإفتاء في النوازل لا يصح إلا من أصحاب الاجتهاد والجامعين لأدوات الترجيح والنظر في أصول الشريعة وقواعدها، ولو سكت من لا يحسن لقل النزاع قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ الله لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» البخاري (100ومسلم (2673).

فالعصمة عند الفتنة باتباع الحق المعصوم المتمثل في الدليل الشرعي الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42].

وعندما وقعت الفتنة للإمام أحمد كانوا يحاولون فتنته بالقيل والقال. لكنه كان يقول لأصحابه: هذا الذي يقولون خلاف الأحاديث والآثار،وكان يقول للمعتصم: أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى أقول به.

ثالثًا: الأحكام الشرعية لا تخضع للتجربة؛ فالتجربة تصيب وتخطئ، والأحكام محكمة لا تتبدل.

لا يجوز إخضاع أي حكم شرعي للتجربة؛ فما وافقها قلنا به، وما خالفها رددناه.

فهذا عين الباطل، وأهل الحق يتبعون الدليل وإن لم يعقلوا معناه؛  فقد صدّق أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- نبيهم لما حدَّثهم عن بقرة تتكلم وذئب يخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجمل يبكي، وأثنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، - وَمَا هُمَا ثَمَّ -».البخاري ومسلم .

وعلى هذا فليس في قتال المسلمين خير، ولا في الفوضى في البلاد خير ولا في قطع الطريق خير، ولا في غياب المرافق العامة خير ولا في إفساد وتحريق بعض القطاعات الحكومية خير؛ فالتخريب ليس من الإسلام.

رابعا - كيفما تكونوا يول عليكم.

لما ابتعد الناس عن شرع الله سلط الله عليهم شرارهم فأهانوهم وأذلوهم فالولاة نموذج مصغر من الرعية.

قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام: 129] قال تعالى في حق فرعون (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) [الزخرف: 54] فالواجب على كل مسلم أن يتوب إلى الله  ويحسن فيما بينه وبين ربه فما نزل بلاء إلا بذنب  ولا يرفع إلا بتوبة

ولا يليق أن نأمر بالمعروف ونحن من أبعد الناس عنه، ولا ننهى غيرنا عن المنكر ونحن قائمون عليه. قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]  وقال نوح لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10، 12]

خامسا - الشريعة جاءت بجميع مصالح العباد ومن ذلك أمر السياسة وبه قوام الناس.

 فهل يعقل أن يبين الله لنا أحكام المياة ،ودخول الخلاء، والحيض، والنفاس؛ ولا يبين لنا ما به قوام الناس في الدنيا لإصلاح دينهم ؟! كلا والله.

قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25]

قال ابن القيم في الطرق الحكمية (صـ 4) :

وَمَنْ لَهُ ذَوْقٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاطِّلَاعٌ عَلَى كَمَالَاتِهَا وَتَضَمُّنِهَا لِغَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَمَجِيئِهَا بِغَايَةِ الْعَدْلِ، الَّذِي يَسَعُ الْخَلَائِقَ، وَأَنَّهُ لَا عَدْلَ فَوْقَ عَدْلِهَا، وَلَا مَصْلَحَةَ فَوْقَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَصَالِحِ: تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَفَرْعٌ مِنْ فُرُوعِهَا، وَأَنَّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَقَاصِدِهَا وَوَضْعِهَا وَحَسُنَ فَهْمُهُ فِيهَا: لَمْ يَحْتَجْ مَعَهَا إلَى سِيَاسَةِ غَيْرِهَا أَلْبَتَّةَ.

وعلى هذا فأي دعوة للإصلاح لا تقوم على إصلاح دين الخلق فهي دعوة لا قوام لها، فالعدل والحرية مرتبطان بالشريعة لا يخرجان عنها.

سادسًا- الأحكام الشرعية لا تؤخذ من عواطف جماهير الناس.

لا يجوز لعالم أن يميل مع أهواء الناس وأرائهم بل لا بد أن يصدع بالحق وإن خالف ما اعتاده الناس وأَلِفوه أو دعوا إليه.

فإن الحق لا يعرف بالرجال ولكن اعرف الحق تعرف أهله.

ففي صحيح مسلم (1817) عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ، وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» ، قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «فَانْطَلِقْ».

فالصحابة رضوان الله عليهم فرحوا بالعاطفة؛ لكن المشروع بين لهم الصواب ووضح لهم أهمية العقيدة قبل العاطفة.

سابعًا: لا تنشغل عن المهم بما يضر.

عند الفتنة يُقبل الناس على سماع الأخبار وقراءة الجرائد والانكباب على ذلك، نعم معرفة ما يدور أمر مهم؛ لكن الأهم أن تعرف المطلوب منك، وأن تقوم بدورٍ لرفع هذا البلاء؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يدعو الله عند النوازل، ولما قتل القراء قنت شهرًا كاملًا يدعو على من قتلهم؛ فالعقلاء هم الذين يستثمرون أوقاتهم فيما ينفع، ناهيك عن المغالطات والتهويلات التي تسوقها كثير من القنوات الهدامة، والتي لا تريد الخير للمسلمين.

فاللهم إنا نسألك أن تجمع قلوب المسلمين على كتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- أن تؤلف بين قلوبهم على الحق، وأن تهدي أئمتهم لما يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عدد المشاهدات 11537