لا أيتها المحكمة الدستورية

2010-11-27

جمال المراكبى

بسم الله الرحمن الرحيم نحمد الله عز وجل ، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله .وبعد

طالعتنا مجلة التوحيد ، العدد العاشر - شوال سنة 1405 هـ بما يفيد رفض المحكمة الدستورية العليا دعوى عدم دستورية قانون الربا الصادر سنة 1948 م ، ودلك بحجة صدور القانون المذكور في ظل دستور لا يحرم مثل هذه القوانين ، وأن صدور دستور جديد لا يبيح مثل هذه القوانين لا يجعل هذه القوانين غير دستورية بل هو إلزام للمشرع بعدم وضع تشريعات جديدة مخالفة للدستور وحسب ، على أن تظل القوانين سارية ودستورية حتى ولو خالفت الدستور الجديد . ما لم يقم المشرع بإلغائها.

ونحن نقول بدورنا: لا يا قضاة المحكمة الدستورية العليا لا وألف لا ، لقد أخطأتم في فهم واضح لا يغيب على أحد فقد نصت المادة 175 من الدستور الجديد على ( أن تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح ... ) وجاء قانون المحكمة الدستورية العليا سنة 1979 م محدداً اختصاصات المحكمة في المادة 25 ، 26 ، وأول هذه الاختصاصات وأهمها ( الرقابة على دستورية القوانين واللوائح ) .

ومفاد ذلك أن المحكمة الدستورية تختص برقابة دستورية القوانين، بمعنى أن للمحكمة أن تراقب مدى ملائمة ما يعرض عليها من قوانين ومطابقتها للدستور ، سواء في ذلك القوانين الصادرة قبل صدور الدستور أم القوانين اللاحقة لصدور الدستور.

والقوانين السابقة لصدور الدستور إما أن تخالف صراحة نصاً صريحاً في الدستور الجديد، وهنا يعتبر صدور الدستور الجديد إلغاء ضمنياً لهذه القوانين.

مثال ذلك لو صدر الدستور الجديد متضمناً نصاً صريحاً يحرم الفوائد الربوية وهنا يكون الدستور الجديد بمثابة إلغاء لكل القوانين التي تبيح التعامل بالربا.

أما إذا لم تخالف القوانين السابقة نصاً دستورياً صريحاً وقاطعاً ولكنها تخالف روح الدستور ، بحيث يكون التعارض غير مباشر وصريح بين هذه القوانين وبين الدستور الجديد ، ففي مثل هذه الحالة لا يمكن القول بالإلغاء الضمني ، وهنا يكون من اختصاص المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم دستورية هذه القوانين إذا رفع إليها نزاع بشأنها.

وهذا ما أخذت به المحكمة الدستورية الإيطالية حيث ذهبت إلى أنها الجهة الوحيدة التي تختص بنظر مدي دستورية القوانين السابقة على الدستور.

مع العلم بأن قانون المحكمة الدستورية الإيطالية يعتبر مصدراً تاريخياً لقانون المحكمة الدستورية في مصر.

وزيادة في الإيضاح نقول:

إن عيب عدم الدستورية قد يكون عيباً أصلياً وذلك في حالة مخالفة القانون للدستور القائم عند صدوره ، كما قد يكون عيباً طارئاً وذلك في حالة مخالفة القانون لدستور جديد أو للتعديلات التي طرأت على الدستور القائم ، وهذا ما يتناسب والحالة التي نحن بصددها ، فالقانون الذي يبيح المعاملات الربوية والصادر في عام 1948 م قد خالف التعديل الجديد الطارئ على الدستور القائم وبذلك يكون عيب الدستور في هذه الحالة عيباً طارئاً ، وهذا أمر في غاية الوضوح ، ولا يتصور أن يقع قضاة المحكمة الدستورية العليا وهم أعلى جهة قضائية في خطأ كهذا ، اللهم إلا إذا كان هناك تأثير عليهم على أي مستوى ، وهذا مالا نرجوه.وينبغي أن نشير في النهاية إلى أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا ، سواء كان بتقرير عدم الدستورية أو برفض دعوى عدم الدستورية - مما يعني دستورية القانون المطعون في دستوريته - حكم ذو حجية مطلقة ، بمعنى أنه ملزم للكافة ، وذلك بعكس سائر الأحكام القضائية التي تتمتع بحجية نسبية ، فلا تلزم إلا أطرافها فقط.

وينتج عن ذلك مالا يحمد عقباه، فلا يجوز الطعن بعدم دستورية هذا القانون مرة أخرى، ولا يجوز لأي قاض أن يرفض الحكم بفوائد الديون استناداً إلى مخالفتها للدستور كما حدث من بعض القضاة من قبل.

وهنا تكون المحكمة الدستورية العليا قد وضعت الحق في غير نصابه ، فجعلت الحق باطلاً ، والباطل حقا، بل وحجرت على كل إنسان أو مؤسسة أن يقرر هذا الحق فيما بعد.

وإني لأعجب من التبرير الساذج الذي استند إليه حكم المحكمة برفض دعوى عدم الدستورية، وذلك ظناً منها أنها تتجنب سخط الرأي العام بمثل هذا التبرير.

فالحكم الصادر من المحكمة إما أن يقضي بعدم دستورية القانون وإما أن يقضي برفض دعوى عدم الدستورية موضوعاً، وهو ما يعني دستورية القانون المطعون في دستوريته.

أما قول المحكمة بأن التعديل الطارئ على دستور 1971 م والمعدل سنة 1980م والقاضي بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع مؤداه أن يلتزم المشرع بعدم مخالفة الشريعة الإسلامية فيما يصدره من تشريعات جديدة ، فإن التعديل يعني أيضاً أن يقوم المشرع بإلغاء كل التشريعات السابقة والمخالفة للتعديل الجديد فإن لم يفعل المشرع ذلك فلا يكون من سبيل سوى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا لتقضي بعدم دستورية مثل هذه القوانين المخالفة للتعديل الجديد.

وإلى هنا أتوقف ، ولعلي أكون قد أوضحت الأمر بعض الشيء على أن يكون حديثي القادم إن شاء الله عن الربا وتحريمه في شريعتنا الغراء وأتناول شبه القائلين بجواز التعامل مع البنوك وأخذ فوائد عن أموالهم المودعة فيها.

وفقنا الله تعالى لإحقاق الحق وإزهاق الباطل.

عدد المشاهدات 4782