خطبة : رمضان شهر الانتصارات - عدد رمضان1438هـ من كتاب الواعظ

2017-05-21

اللجنة العلمية

رمضان شهر الانتصارات

رمضان شهر الانتصارات

عندما يذكر الانتصار في رمضان، يصرف الذهن مباشرة إلى الانتصارات العسكرية التي حققها المسلمون على أعدائهم في هذا الشهر، من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى حرب العاشر من رمضان وغيرها من الملاحم الإيمانية التي كتب الله فيها النصر المؤزر لعباده المؤمنين وهذا حق، ولكن مجالات الانتصار في رمضان بالنسبة للمؤمن غير مقتصرة على هذا الجانب فقط، بل إن الانتصارات التي تحققت وتتحقق على أعداء الأمة خلال شهر رمضان منذ بدء الرسالة، هي نتيجة للأجواء الإيمانية والتربية الروحية والسلوكية التي يتعلمها ويتدرب عليها المسلمون في مدرسة رمضان السنوية، مما يهيئ لهم أسباب النصر لينتصروا على أعدائهم، فإنها محصلة كذلك لتلك الانتصارات التي يحدثها وينجزها العبد المؤمن على مستواه الفردي والجماعي في شهر الصيام كما قال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. (1)

لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الانتصارات بمفهومها الشامل، هذه الانتصارات التي تُعدُّ توطئة لانتصارات عظمى

ومن جملة هذه الانتصارات التي ينبغي للمسلم السعي في تحصيلها في شهر رمضان:

- الانتصار على الرياء

رمضان شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي)). (2)

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). (3)

إن تحقيق هذا النوع من الانتصار هو الأساس الذي تنبني عليه كل الانتصارات الأخرى، فإن تربى العبد على الاستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه، وتجنب ما لا يرضيه من فعل أو قول أو خلق أو سلوك سرا أو علانية، فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الانتصار الأول والمهم في مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام.

-الانتصار على الشيطان

ذلك أن وسيلة الشيطان لإغواء بني آدم هي الشهوات، وتقوى هذه الشهوات بالأكل والشرب، والصيام يضيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فتسكن وساوسه ويُقهر بذلك. (4) عن صفية بنت حيي، قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)). (5)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين -الذي هو الدم- وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات. (6)

وقد هيأ الله سبحانه وتعالى ذلك للصائم، فصفده له ليسهل له وعليه هذا النوع من الانتصار، ولكي يقوي عناصر المناعة الإيمانية لديه، ويستحضر كل مسببات القوة اللازمة لينتصر في معركته مع شيطانه بشكل دائم أو غالب على الأقل، ورمضان فرصة مواتية لتكبت شيطانك وتغلبه وتصرعه بسهولة ويسر، لأنك إن فشلت في معركتك معه في شهر الصيام، فأنت فيما سواه من الشهور أفشل، تصور نفسك في حلبة تصارع خصما مكبل اليدين والرجلين وأنت حر طليق في كامل قوتك ولياقتك وعافيتك ونشاطك، فمن العيب والقصور والحرمان أن لا تنتصر عند ذلك.

فاعمل جاهدا واستغل الفرصة لتذوق طعم الانتصار على الشيطان، كي يغريك ذلك في الاستمرار في صرعه فيما سوى ذلك من الأوقات.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)). (7)

قال ابن رجب: في شهر رمضان يلطف الله بأمة محمد فيغل فيه الشياطين ومردة الجن حتى لا يقدروا على ما كانوا يقدرون عليه في غيره من تسويل الذنوب ولهذا تقل المعاصي في شهر رمضان في الأمة. (8)

وقال أيضا: في هذا الشهر يؤخذ من إبليس بالثأر، وتستخلص العصاة من أسره فما يبقى لهم عنده آثار، كانوا فراخه قد غذاهم بالشهوات في أوكاره فهجروا اليوم تلك الأوكار، نقضوا معاقل حصونه بمعاول التوبة والاستغفار، خرجوا من سجنه إلى حصن التقوى والإيمان فأمنوا من عذاب النار، قصموا ظهره بكلمة التوحيد فهو يشكو ألم الانكسار، في كل موسم من مواسم الفضل يحزن ففي هذا الشهر يدعو بالويل لما يرى تنزل الرحمة ومغفرة الأوزار، غلب حزب الرحمن حزب الشياطين فما بقي له سلطان إلا على الكفار، عزل سلطان الهوى وصارت الدولة لسلطان التقوى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}. (9)

- الانتصار على الشهوات

رمضان تمرين عملي للصائم على التغلب على شهواته المختلفة من شهوة البطن والفرج والنظر والسمع والكلام والقلب والنفس وغيرها، بحيث يتحرر من أسرها له، ويتعالى على جواذبها التي تجذبه إلى مستنقعها الآسن، ويخلص نفسه من كل دواعي الاستجابة لإغراءاتها.

قال ابن القيم: الصَّوْم عبَادَة تكف النَّفس عَن شهواتها وتخرجها عَن شَبَه الْبَهَائِم إِلَى شبه الْمَلَائِكَة المقربين فَإِن النَّفس إِذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم الْبَهَائِم فَإِذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشَّيْطَان وَصَارَت قريبَة من الله بترك عَادَتهَا وشهواتها محبَّة لَهُ وإيثارا لمرضاته وتقربا إِلَيْهِ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((يقول الله عز وجل: يدع شهوته وطعامه من أجلي)). (10)

فيدع الصَّائِم أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ وَأَعْظَمهَا لصوقا بِنَفسِهِ من الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع من أجل ربه،. . . . فَمَا اسْتَعَانَ أحد على تقوى الله وَحفظ حُدُوده وَاجْتنَاب مَحَارمه بِمثل الصَّوْم.(11)

إن الانتصار في معركة الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن، لأنه إن انهزم فيها وفشل في مقاومتها وسلم العنان والخطام لها، أدى به ذلك ـ دون شك ـ إلى الانهزام في كل معاركه الأخرى، فالشهوات حواجز تحجز عنه موارد التوفيق، وصوارف تصرفه عن النجاح في أمر آخرته الذي هو رأس الأمر له.

وما انتصر أسلافنا على أعدائهم إلا بعد ما انتصروا في معركة الشهوات هذه، وما انهزموا وانكسرت شوكتهم إلا لما استسلموا لشهواتهم وانهزموا أمامها، وما خسارتنا للأندلس السليب إلا خير دليل على ذلك.

قال ابن رجب: لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قدم رضا مولاه على هواه فصارت لذته في ترك شهواته لله لإيمانه باطلاع الله وثوابه أعظم من لذته في تناولها في الخلوة إيثارا لرضا ربه على هوى نفسه.

قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.

سئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أَمَرّ عندك من الصبر.(12)

ومن أعظم العبادات التي تعين المسلم على الانتصار على شهواته عبادة الصيام، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). (13)

قال الحافظ ابن حجر: مقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى

عليه واعتاده سكن ذلك والله أعلم. (14)

قال الحليمي: الصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف عن الحرام. (15)

- الانتصار على الشح والبخل

إن التخلص من داء الشح والبخل، وتطهير النفس منهما، والذي عدّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهلكات، والمتسبب في كثير من الموبقات، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)). (16)

وعن عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)). (17)

فالتخلص من الشح من مقاصد الصيام المهمة، لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة. (18)

فليتأس المؤمن به -صلى الله عليه وسلم-، ويعلنها حربا لا هوادة فيها على كل ما له علاقة بالشح والبخل، فالفلاح الذي هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة، لا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح، كما قال تعالى: { وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16]

فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء، ويتعمق لديه فيها الشعور بمعاناة المحرومين. سئل بعض السلف: لمَ شُرع الصيام؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع. (19)

- الانتصار على اللسان وآفاته

عندما نسمع أو نقرأ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)). (20)

وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم)). (21)

وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث)). (22)

ندرك أهمية هذا النوع من الانتصار في شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه- خاصة وهو صائم - لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((أتدرون ما المفلس؟)) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)). (23)

قال ابن القيم: إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله.(24)

قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام. (25)

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ لسانُـهُ)). (26)

وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: ((أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)). (27)

فالانتصار على اللسان وآفاته من عدمه، معيار مهم يعرف من خلاله المؤمن الصائم مدى توفيقه ونجاحه في مدرسة رمضان، وحصوله على كنوزه ومنحه ونفحاته وجوائزه التي لا تعد ولا تحصى.

- الانتصار على الكسل والسلبية واللامبالاة

الصيام ميدان رحب لتحقيق كل مظاهر الجدية والإيجابية لدى المؤمن، من خلال مضاعفة أجر الطاعات، وفتح أبوابها على مصراعيها، وترغيبه فيها من الله، بأن صفد له الشياطين، وأكرمه بجملة من النفحات، رحمة ومغفرة وعتق من النار وفرحتان وباب الريان وخلوف فمه كريح المسك وغيرها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان. . . وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)). (28)

وعن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر رمضان فقال: ((تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، وينادي فيه مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، و يا باغي الشر أقصر، حتى ينقضي رمضان)). (29)

فالصيام ينمي روح الإيجابية والفعالية والشعور بالمسؤولية، فيتعلم فيه الفرد فن الانتصار على السلبية واللا مبالاة وتبلد الشعور بالتبعة والتفريط في القيام بالواجب، ويحدث ببركات الصيام وفضله وأجوائه، نقلات نوعية في الانتقال بنفسه إلى مراتب العاملين العابدين المتحركين النشطين، فيستشعر طعم الإيجابية ويتعود ويتدرب عليها، فيصاحبه ذلك حتى بعد رمضان.

- أكثر من الاستعادة من العجز والكسل، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كنت أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكنت أسمعه كثيرا يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل)). (30)

- الانتصار على أمراض القلوب

بما أن القلب السليم هو العملة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة وتنقذه من عذاب الله، كما قال تعالى: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89] وبما أن القلب الأسود المظلم بأمراض الأحقاد والبغضاء والكراهية والحسد والكبر والاستعلاء على الناس وغيرها حاجز لرحمة الله حائل دون توفيقه مانع لمعيته الخاصة للعبد، فإن شهر الصيام فرصة ذهبية للتخلص منها والانتصار عليها، لأن وسائل التنظيف والتطهير للقلب متوفرة بكثرة، والمحفزات المساعدة على ذلك ميسرة إلا من أبى.

قال ابن القيم: للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. (31)

- الانتصار على سوء الخلق

فرمضان مدرسة الأخلاق الفاضلة كذلك، فيه يتعلم الصائم ويتدرب ويمارس كل أنواع الخلق الحسن، التي رغب فيها الإسلام وحث عليها، وقد يجد بعض الممارسات والأفعال من الناس لتختبر فيه مدى تمسكه بحسن الخلق، سواء مع جيرانه أو أهل بيته أو زملائه في العمل أو معامليه في الأسواق، لذلك جاء التوجيه النبوي: ((الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم)).(32)

وقال جابر بن عبد اللهفي نصيحة غالية للصائمين: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم

صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. (33)

فمن أعظم الغايات التي فرض الله علينا الصيام من أجلها لنتدرب فيه عمليا على حسن الخلق، الذي هو الدين، وعليه مدار سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة، قال ابن القيم: الدين كله خلق. فمن زاد عليك في الخلق: زاد عليك في الدين. (34)

وقال أيضا: أدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه: عنوان شقاوته وبواره.

فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب. (35)

لذلك فإن الانتصار على السيء من الأخلاق، وعلى العادات السيئة كذلك التي يكون العبد قد تعودها قبل رمضان، من الغايات العظمى التي ينبغي أن يجعلها المؤمن على سلم أولوياته في هذا الشهر.

-الانتصار على الصحبة السيئة

أقبل رمضان شهر الهداية والغفران. . . . . وآن الأوان لمن التفَّ حوله قرناء السوء وشياطين الإنس طوال العام وحالوا بينه وبين طاعة ربه وأوقعوه في كل رذيلة، وحرموه من كل فضيلة، أن يفرَّ إلى ربه ويلجأ إلى الحصن الحصين والركن القوي المتين، فالفرصة سانحة والجو مناسب والنفوس مهيأة وأيدي المؤمنين تمتد لتنتشل التائبين وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يهدي الله قلوبهم. . . . وداعي رب العالمين يهتف: ( يا باغي الخير أقبل ) فاستجب لداعي ربك ولا تتأخر ولا تلتفت إلى أصحاب السوء فإنهم إن لم يعقوك عن سيرك إلى الله يوقفوك ويعطلوك { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]

وتذكر دائما قول الله تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67]، وقوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [الفرقان: 27 - 29]

وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)). (36)

---

(1) جمال زواري أحمد/ موقع صيد الفوائد

(2) رواه البخاري (7492) ومسلم (1151)

(3) رواه البخاري (1901) في مواضع أخر ومسلم (760) في مواضع أخر

(4) مدارج السالكين (1/ 456) وروضة المحبين (ص: 219) بنحوه

(5) رواه البخاري (3281) ومسلم (2175)

(6) مجموع الفتاوى (25/ 246) بتصرف

(7) رواه البخاري (1899) ومسلم (1079)

(8) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 181)

(9) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 183)

(10) رواه البخاري (7492) ومسلم (1151)

(11) مفتاح دار السعادة (2/ 3)

(12) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 153)

(13) رواه البخاري (1905) ومسلم (1400)

(14) فتح الباري لابن حجر (4/ 119)

(15) فيض القدير للهروي (4/ 251)

(16) رواه مسلم (2578)

(17) رواه أبو داود (1698) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 521)

(18) رواه البخاري (6) ومسلم (2308) من حديث ابن عباس

(19) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 168)

(20) رواه البخاري (1903) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-

(21) رواه البخاري (1904) ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-

(22) رواه ابن خزيمة (1996) وابن حبان (3479) وصححه الألباني في صحيح الجامع(2/ 948)

(23) رواه مسلم (2581)

(24) الداء والدواء (ص: 161)

(25) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 155)

(26) رواه أحمد (3/ 198) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 822)

(27) رواه أحمد (4/ 158) و الترمذي (2406) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 295)

(28) رواه الترمذي (682) وابن ماجه (1642) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(1/ 193)

(29) رواه أحمد (5/ 411) وصححه الألباني في صحيح الجامع(1/ 660)

(30) رواه البخاري (2893) ومسلم (2722)

(31) زاد المعاد (2/ 28)

(32) رواه البخاري (1904) ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-

(33) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 155)

(34) مدارج السالكين (2/ 294)

(35) مدارج السالكين (2/ 368)

(36) رواه أحمد (2/ 334) وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 598)

عدد المشاهدات 6804