باب قطوف من بستان الواعظين: شيخ الواعظين (سلسلة الواعظ عدد ربيع الأول1437هـ)

2015-11-10

اللجنة العلمية

سيرة ابن الجوزي ( شيخ الواعظين )

سيرة ابن الجوزي شيخ الواعظين

بين يدي السيرة

فوائد معرفة سير السلف عند ابن الجوزي:

يقول ابن الجوزي: فينبغي لذي الهمة أن يترقى إلى الفضائل فيتشاغل بحفظ القرآن وتفسيره، وبحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبمعرفة سيرته وسير أصحابه والعلماء بعدهم، ليتخير مرتبة الأعلى فالأعلى(1).

ويقول: واعلم أني قد تصفحت التابعين ومن بعدهم، فما رأيت أحظى بالكمال من أربعة أنفس: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما، وقد كانوا رجالًا؛ وإنما كانت لهم همم ضعفت عندنا، وقد كان في السلف خلق كثير لهم همم عالية، فإذا أردت أن تنظر إلى أحوالهم، فانظر في كتاب صفة الصفوة1 وإن شئت تأمل أخبار سعيد، والحسن، وسفيان، وأحمد رضي الله عنهم، فقد جمعت لكل واحد منهم كتابًا. (2)

ويقول: ومع مطالعة أخلاق السلف ينكشف لك الأمر. (3)

ويقول: فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة.

وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم! لا نرى فيهم ذا همة غالية؛ فيقتدي به المبتدئ، ولا صاحب ورع، فيستفيد منه الزاهد. فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم. (4)

مولده ونشأته: اسمه

هو الشيخ الإمام العلامة الحافظ المفسِّر المحدث المؤرخ، شيخ الإسلام عالم العراق وواعظ الآفاق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله الجوزي.

مولده ونسبته: وُلِد تقريبًا سنة ثمانٍ أو سنة عشْرٍ وخمس مائة، وعُرِف جدُّهم بالجوْزيّ لجوزة في وسط داره بواسط، ولم يكن بواسط جَوْزة سواها.

صفته: قال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيف الصورة حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات والنغمات لذيذ المفاكهة. (5)

ذكاء ابن الجوزي:

ومن أجوبته الموفقة ما ذكره ابن خلّكان من أنه وقع نزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما، ورضي الكل بما يجيب به الشيخ ابن الجوزي، وتوجهوا إليه بالسؤال وهو في مجلس وعظه، فقال: أفضلهما من كانت ابنته تحته، ثم نزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك،. . فقالت السنية: هو أبو بكر؛ لأن ابنته عائشة رضي الله عنها تحت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالت الشيعة: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحته، قال ابن خلكان: وهذه من لطائف الأجوبة، ولو حصل بعد الفكر التام وإمعان النظر كان في غاية الحسن فضلاً عن البديهة". (6)

حبه للعزلة

يقول ابن الجوزي: فليس في الدنيا أطيب عيشا من منفرد عن العالم بالعلم، فهو أنيسه وجليسه، قد قنع بما سلم به دينه من المباحات الحاصلة، لا عن تكلف ولا تضييع دين، وارتدى بالعز عن الذل للدنيا وأهلها، والتحف بالقناعة باليسير، إذا لم يقدر على الكثير بهذا الاستعفاف يسلم دينه ودنياه، واشتغاله بالعلم يدله على الفضائل ويفرجه عن البساتين، فهو يسلم من الشيطان والسلطان والعوام بالعزلة، ولكن لا يصلح هذا إلا للعالم، فإنه إذا اعتزل الجاهل فاته العلم فتحبَّط. (7)

محبته للعلم وحرصه عليه منذ الصغر

لقد كان ابن الجوزي كثير الاطلاع ومشغوفًا بالقراءة فقد حكى عن نفسه أنه طالع عشرين ألف مجلد أو أكثر، وهو ما يزال طالبًا.

ويقول: سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلوّ هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة، وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي به المقتدي ولا صحاب ورع فيستفيد منه الزاهد، فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم.

ويقول: ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة، ويتفرجون على الجسر وأنا في زمن الصغر، آخذ جزءاً، وأقعد حُجْزَة (8) من الناس إلى جانب الرَّقة (9) فأتشاغل بالعلم".

ويقول: فإني أذكر نفسي ولي همة عالية وأنا في المكتب(10) ابن ست سنين، وأنا قرين الصبيان الكبار ـ قد رقت عقلاً وافراً في الصغر يزيد على عقل الشيوخ، فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط، ولا ضحكت ضحكاً خارجاً، حتى إني كنت ولي سبع سنين أو نحوها أحضر رحبة(11) لجامع. . . .

وقال رحمه الله: واعلم يا بني أن أبي كان موسراً، وخلّف ألوفاً من المال، فلما بلغت دفعوا لي عشرين ديناراً ودارين، وقالوا لي: هذه التركة كلها، فأخذت الدنانير واشتريت بها كتباً من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقت ثمنها في طلب العلم. . . ".

وكان من نشاطه العلمي أن يسعى إلى العلم حيث وجد لا يضن بمجهود مهما عظم يقول: "لم أترك أحدا ً ممن يروي ويعظ، ولا غريباً يقدم إلا وأحضره، وأتخير الفضائل، ولقد كنت أدور على المشايخ للسماع فينقطع نفسي من العَدْو لئلا أسبق". (12)

مكانته العلمية

قال عنه الذهبي: " كان بحرا في التفسير، علامة في السير والتاريخ، موصوفا بحسن الحديث، ومعرفة فنونه، فقيها، عليما بالإجماع والاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار، وإكباب على الجمع والتصنيف، مع التصون والتجمل، وحسن الشارة، ورشاقة العبارة، ولطف الشمائل، والأوصاف الحميدة، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام، ما عرفت أحدا صنف ما صنف. (13)

ويقول ابن الجوزي عن نفسه: "أقول عن نفسي وما يلزمني حال غيري إنني رجلٌ حبب إلي العلم منذ زمن الطفولة فتشاغلت به ولم يحبب إلي فن واحد منه بل حبب إلي فنونه ولا تقتصر همتي في فنٍ على بعضه بل أروم استقصاءه، والزمان لا يسع، والعمر أضيق، والشوق يقوي، والعجز يقعد، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات".

قال الذهبي أيضا: "كان مبرزا في التفسير والوعظ والتاريخ ومتوسطا في المذهب وله في الحديث اطلاع تام على متونه، وأما الكلام على صحيحه وسقيمه فما له فيه ذوق المحدثين ولا نقد الحفاظ المبرزين"(14)

قال الإمام الموفق المقدسي ابن قدامة: (. . كان حافظاً للحديث وصنّف فيه إلاّ أننا لم نرضَ تصانيفه في السنة، ولا طريقته فيها. . "(15)

تميزه في الوعظ وقوة تأثيره:

قال الذهبي: "كان رأسا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديها، ويسهب، ويعجب، ويطرب، ويطنب، لم يأت قبله ولا بعده مثله، فهو حامل لواء الوعظ، والقيم بفنونه، مع الشكل الحسن، والصوت الطيب، والوقع في النفوس، وحسن السيرة" (16)

ويقول ابن كثير رحمه الله: "تفرد ابن الجوزي بفن الوعظ الذي لم يسبق إليه ولا يلحق شأوه فيه، وفي طريقته وشكله وفي فصاحته وبلاغته وعذوبته وحلاوة ترصيعه، ونفوذ وعظه، وغوصه في المعاني البديعة، وتقريبه الأشياء الغريبة بما يشهد من الأمور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والإدراك بحيث يجمع المعاني الكثير في الكلمة اليسيرة"(17)

ومن الأمثلة على قوة وعظ ابن الجوزي وشدة تأثيره أنه كان يعظ، وكان يسمع وعظه مرة الخليفة المستضيء العباس فالتفت إلى ناحيته وهو في درسه وقال: يا أمير المؤمنين، إن تكلمت خفتُ منك، وإن سكت خفتُ عليك، وإن قول القائل لك: اتق الله خير له من قوله لكم: أنتم أهل بيت مغفور لكم. . ثم زاد قائلاُ: "لقد كان عمر بن الخطاب يقول: "إذا بلغني من عامل ظلم فلم أغيره فأنا الظالم، كما كان رضي الله عنه يضرب بطنه عام الرمادة ويقول: "قرقري أولا تقرقري فو الله لا ذاق عمرُ سمناً ولا سمينا حتى يطعم سائر الناس".

فبكى المستضيء وتصدق بمال كثير، وأطلق المحبوسين، وكسا خلقًا من الفقراء (18)

مجالسه الوعظية

لم يعرف تاريخ الوعظ والمجالس الدينية ـ على مر العصور ـ مجلسًا كمجلس "ابن الجوزي" يحفل بهذا العدد الهائل الذي قد يصل إلى عشرة آلاف رجل.

وكان يحضر مجلسه الخلفاء والأمراء والسلاطين والوزراء، وكان مجلسه بإزاء داره على شاطئ "دجلة" بالقرب من قصر الخليفة، فكانت الأرض تُفرش بالحصير ليجلس عليها الناس، ثم يصعد "ابن الجوزي" المنبر، فيأخذ بألباب وعقول سامعيه، ينظم فيها عقود الحكمة ورقائق الزهد والمواعظ، بما يرقق القلوب ويحرك الأشجان، فتدمع العيون، وتخشع النفوس، وتذوب المشاعر في خشوع وجلال للخالق العظيم يحركها الشوق والإيمان.

يقول سبطه أبو المظفر: "أقل ما كان يحضر مجلسه عشرة آلاف، وربما حضر عنده مائة ألف، وأوقع الله له في القلوب القبول والهيبة. وكان زاهدا في الدنيا، متقللا منها، وسمعته يقول على المنبر في آخر عمره: كتبت بإصبعي هاتين ألفي مجلدة، وتاب على

يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني". (19)

من أقواله رحمه الله

قال ابن الجوزي: يا واقفاَ في الصلاة بجسده والقلبُ غائب، أتدري بين يدي من أنت قائم؟ أتدري من اطلع عليك ما يصلح ما بذلتَه من التعبد مهراً للجنة فكيف ثَمَناً للمحبة؟ رأت فاْرة جَمَلاً فأعجبها، فَجَرَتْ بخطامه فتبعها، فلمّا وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال: إمّا أن تتَخذي داراً تليقُ بمحبوبك أو محبوباَ يليقُ بداركْ خُذْ من هذا إشارة إما أن تُصَلِّي صلاةً تليقُ بمعبودك أو معبوداً يليقُ بصلاتك.

وقال له قائل: أيما أفضل أسبِّح أو أستغفر؟ قال: الثّوب الوسخ أحوج إِلَى الصّابون من البخور. (20)

عقاربُ المنايا تلْسع، وخدران جسم الأمل يمنع الإحساس، وماء الحياة فِي إناء العُمر يرشح بالأنفاس. (21)

وقال لبعض الوُلاة: أذكر عند القُدْرة عدلَ اللَّه فيك، وعند العقوبة، قُدرة اللَّه عليك، وإيّاك أن تشفي غيظك بسقم دِينك. (22)

ومن مناجاة ابن الجوزي: "إلهي لا تعذب لسانا يخبر عنك، ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشي إلى خدمتك، ولا يداً تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلها أني كنت أذب عن دينك". .

دور ابن الجوزي في مقاومة البدع والروافض

لقد كان لابن الجوزي رحمه الله دور في مقاومة البدع التي انتشرت في عصره لاسيما بدع الروافض الذين قويت شوكتهم في هذا العصر، وفي ذلك يقول: " "وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب، فأعانني الله سبحانه وتعالى عليهم. وكانت كلمتنا هي العلي"(23)

وقال عن دوره في مواجهة بدع الروافض: كتب صاحب المخزن إلى الخليفة: "إن لم تُقَوَّيدَ ابن الجوزي لم يطق دفع البدع". فكتب الخليفة بتقوية يدي، فأخبرت الناس ذلك على المنبر، وقلت: "إن أمير المؤمنين، قد بلغه كثرة الرفض، وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في إزالة البدع، فمن سمعتموه من العوام ينتقص الصحابة فأخبروني حتى أنقض داره، وأخلده الحبس، فإن كان من الوعاظ حفرته إلى المثال، فانكف الناس"(24)

مما يؤخذ على ابن الجوزي

كثرة أغلاطه في تصانيفه، وعذره في هذا واضح وهو أنه كان مكثرا من التصانيف، فيصنف الكتاب ولا يعتبره، بل يشتغل بغيره وربما كتب في الوقت الواحد تصانيف عديدة ولولا ذلك لم تجتمع له هذه المصنفات الكثيرة.

عقيدة ابن الجوزي:

وكانت عقيدة ابن الجوزي مضطربة، يميل إلى الأشعرية أحياناً كثيرة، وإلى السلف تارة أخرى. قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في ذكر ما انتُقد على ابن الجوزي -:

ومنها - وهو الذي من أجله نقم جماعة من مشايخ أصحابنا، وأئمتهم من المقادسة، والعلثيين -: من ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب، مختلف، وهو وإن كان مطلعاً على الأحاديث، والآثار في هذا الباب: فلم يكن خبيراً بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها، وكان معظِّماً لأبي الوفاء بن عقيل(25)، يتابعه في أكثر ما يجد في كلامه، وإن كان قد ردَّ عليه في بعض المسائل، وكان ابن عقيل بارعاً في الكلام، ولم يكن تام الخبرة بالحديث، والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه آراؤه، وأبو الفرج تابع له في هذا التلون.

قال الشيخ موفق الدين المقدسي: كان ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحب قبول، وكان يدرِّس الفقه، ويصنِّف فيه، وكان حافظاً للحديث، وصنَّف فيه، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنَّة، ولا طريقته فيها. (26)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "متناقض في هذا الباب لم يثبت على قدم النفي ولا على قدم الإثبات! ! ". (27)

وقال ابن رجب: " ومن أجله - أي التأويل - نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه. . . . ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف " (28)

كان يميل إلى التأويل في بعض كلامه. يقول ابن رجب في الذيل: "اشتد إنكار العلماء عليه في ذلك، وكان مضطربًا في قضية التأويل رغم سعة اطلاعه على الأحاديث في هذا الباب فلم يكن خبيرًا بحل شبه المتكلمين، ويقول: كان أبو الفرج تابعًا لشيخه أبي الوفاء ابن عقيل في ذلك، وكان ابن عقيل بارعًا في علم الكلام ولكنه قليل الخبرة في الأحاديث والآثار لذا نراه مضطربًا في هذا الباب"(29)

فالحذر من قراءة كتبه التي ألفها في باب الصفات ككتاب " دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ".

كتبه ابن الجوزي ومؤلفاته: يقول ابن خلكان عنه: "وبالجملة فكتبه تكاد لا تعد، وكتب

بخطه شيئا كثيرا، والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا أنه جمعت الكراريس التي كتبها وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس"(30)

ومن هذه المؤلفات:

1- كتاب المغني في التفسير. 2- زاد المسير في علم التفسير. 3- تيسير البيان في تفسير القرآن. 4- تذكرة الأريب في تفسير الغريب. 5- الوجوه والنظائر. 6- النَّاسِخ والمنسوخ. 7- جَامع المسانيد. 8- فنون الأفنان في عيون علوم القرآن. 9- تذكرة المنتبه في عيون المشتبه. 10- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. 11- المسلسلات. 12- مناقب أحمد بن حنبل. 13- صفوة الصفوة. 14- تلقيح فهوم أهل الأثر. 15- تلبيس إبليس. 16- ذم الهوى. 17- صيد الخاطر. 18- الموضوعات. 19- الثبات عند الممات. 20- التبصرة. 21- غريب الحديث. 22- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم.

محنة ابن الجوزي:

وقد نالتْه محنةٌ في أواخر عمره، وذلك أنّهم وَشَوْا إِلَى الخليفة الناصر به بأمرٍ اختُلِف فِي حقيقته، وذلك فِي الصَّيف، فبينا هُوَ جالسٌ فِي داره فِي السِّرداب يكتب، جاءه مَن أسمعه غليظ الكلام وشَتَمَه، وختم على كتبه وداره، وشتت عياله، فلما كان فِي أوّل اللّيل حملوه فِي سفينةٍ، وأحدروه إِلَى واسط، فأقام خمسة أيّام ما أكلّ طعامًا، وهو يومئذٍ ابن ثمانين سنة، فلمّا وصل إلى واسط أنزل في دار وحبس بها، وجعل عليها بواب، وكان يخدم نفسه، ويغسل ثوبه، ويطبخ، ويستقي الماءَ من البئر، فبقي كذلك خمس سنين، ولم يدخل فيها حمّامًا.

وكان من جملة أسباب القضيَّة أن الوزير ابن يُونُس قُبض عليه، فتتبّع ابنُ القصّاب أصحاب ابن يُونُس، وكان الرُّكْن عَبْد السّلام بْن عَبْد الوّهاب بْن عَبْد القادر الْجِيليّ المتّهم بِسوء العقيدة واصلًا عند ابن القصّاب، فقال له: أَيْنَ أنتَ عن ابن الجوزيّ، فهو من أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه مدرسة جدّي، وأُحرِقت كُتُبي بمشورته، وهو ناصبيّ من أولاد أَبِي بَكْر، وكان ابن القصّاب شيعيًّا خبيثًا، فكتب إِلَى الخليفة، وساعده جماعة، ولبّسوا على الخليفة، فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السّلام، فجاء إِلَى باب الأَزَج إِلَى دار ابن الجوزي، ودخل وأسمعهُ غليظ المقال كما ذكرنا، وأُنزل فِي سفينةٍ، ونزل معه الرّكن لا غير، وعلى ابن الجوزيّ غُلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفه، فأُحدِر إِلَى واسط، وكان ناظرها العميد أحد الشّيعة، فقال له الرّكن: حرسكَ اللَّه، مكِّنّي من عدويّ لأرميه فِي المطمورة، فعزّ على العميد وَزَبَره وقال: يا زِنديق أرميه بقولك؟ هات خطِّ الخليفة، واللهِ لو كان من أَهْل مذهبي لبذلتُ روحي ومالي فِي خدمته، فعاد الرّكن إِلَى بغداد، وكان بين ابن يُونُس الوزير وبين أولاد الشّيخ عَبْد القادر عداوةٌ قديمة، فلمّا ولي الوزارة، ثمّ أستاذيَّة الدّار بدَّد شملهم، وبُعث ببعضهم إِلَى مطامير واسط، فماتوا بها، وأهين الركن بإحراق كتبه النجومية.

وكان السّبب فِي خلاص ابن الجوزيّ أنّ ابنه محيي الدّين يوسف ترعرع وقرأ الوعظ، وطلع صبيًّا ذكيًّا، فوعظ، وتكلَّمت أمُّ الخليفة فِي خلاص ابن الجوزي فأُطلِق، وعاد إِلَى بغداد، وكان يقول: قرأت بواسط مدة مُقامي بها كلّ يومٍ ختمة، ما قرأت فيها سورة يوسف من خزني على ولدي يوسف وشوقي إليه، وكان يكتب إِلَى بغداد أشعارًا كثيرة. (31)

وفاته:

توفي رحمه الله بعدما أفرج عنه، وقدم بغداد، وعاد إلى الوعظ والإرشاد والكتابة ونشر العلم حتى توفاه الله ليلة الجمعة ( 12 رمضان سنة 597 ه‍ ) بين العشائين وقد قارب التسعين من العمر، فبكاه أهل بغداد، وازدحموا على جنازته، حتى أقفلت الأسواق، فكان ذلك يومًا مشهورًا مشهودًا، يشهد بمكانة ودفن بباب حرب قرب مدفن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

دروس من حياة ابن الجوزي لطلاب العلم ودعاة الإسلام:

إن حياة ابن الجوزي لتعد قدوة لطالب العلم، ونموذجاً للعالم المسلم والواعظ المرشد ونوضح ذلك في الآتي:

1 – الصبر على متاعب التحصيل وحياة الشظف، والاشتغال بلذة العلم وحلاوة المعرفة فإن في ذلك سلوى عن كل مفقود.

2 - إدمان القراءة وكثرة المطالعة من أهم مقومات طالب العلم والداعية والواعظ.

يقول ابن الجوزي: "سبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، وأن يكثر من المطالعة، وعلى الفقيه أن يطالع من كل فن طرفاً من تاريخ وحديث ولغة وغير ذلك، فإن الفقيه يحتاج إلى جميع العلوم فيأخذ من كل شيء منها مهماً. . "(32)

4 - الربط بين العلم والعمل ربطاً وثيقاً، ومن نصيحته لابنه " وإياك أن تقف مع صورة العلم دون العمل به؛ فإن الداخلين على الأمراء، والمقبلين على أهل الدنيا قد أعرضوا عن العمل بالعلم، فمنعوا البركة، والنفع به. (33)

5 - الأمانة العلمية جزءاً من منهجه يقول: "وإذا سئلت عما لا تعلم فقل الله أعلم"

6 - ترك الجدال في المسائل التي تثير الفرقة بين المسلمين وتبلبل أفكارهم، يقول في منهاج القاصدين تحت منكرات المساجد: "ومن ذلك ما يجري من الوعاظ في المساجد من الأشياء المنهي عنها كالخوض في الكلام الموجب للفتن والاختلاف".

----

(1) صيد الخاطر (ص: 502)

(2) صيد الخاطر (ص: 511)

(3) صيد الخاطر (ص: 512)

(4) صيد الخاطر (ص: 353، 454)

(5) تذكرة الحفاظ (4/ 95)

(6) وفيات الأعيان 2/322

(7) صيد الخاطر (ص: 384، 385)

(8) أي بعيداً عن الناس.

(9) الرقة: كل أرض إلى جنب واد ينبسط الماء عليها أيام المد.

(10) أي في الكُتّاب أو المدرسة.

(11) أي: ساحة الجامع.

(12) صيد الخاطر

(13) سير أعلام النبلاء (21/ 367)

(14) تذكرة الحفاظ: ترجمة (1067)

(15) ذيل طبقات الحنابلة (3 / 415)

(16) سير أعلام النبلاء (21/ 367)

(17) البداية والنهاية 13 أحداث (597). (1/54).

(18) البداية والنهاية حوادث سنة (587).

(19) ذيل طبقات الحنابلة (2/481).

(20) تاريخ الإسلام (12/ 1105)

(21) تاريخ الإسلام ت بشار (12/ 1105)

(22) تاريخ الإسلام ت بشار (12/ 1105)

(23) ذيل طبقات الحنابلة 2/466.

(24) ذيل طبقات الحنابلة (2/476).

(25) هو عَلِيُّ بْنُ عَقِيْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الوَفَاءِ الظَّفَرِيّ الحَنْبَلِيّ: أحد الأعلام، وفرد زمانه، علماً، ونقلاً، وذكاء، وتفنناً، له كتاب الفنون في أزيد من أربعمائة مجلد، إلا أنه خالف السلف، ووافق المعتزلة في عدة بدع، نسأل الله العفو والسلامة، فإن كثرة التبحر في الكلام، ربما أضر بصاحبه، ومن حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. ( لسان الميزان للحافظ ابن حجر ـ (5920)، (5898))، وابن عقيل ليس شيخ ابن الجوزي المباشر إنما كان يتبعه بوساطة مؤلفاته، وكانت ولادة ابن الجوزي قبل وفاة ابن عقيل بسنة

(26) ذيل طبقات الحنابلة ( 1 / 414 ).

(27) (4/169 )

(28) ذيل الطبقات: (3 / 414).

(29) الذيل على طبقات الحنابلة (1/414)

(30) وفيات الأعيان (3/141)

(31) تاريخ الإسلام (12/ 1107)

(32) صيد الخاطر

(33) صيد الخاطر (ص: 512)

عدد المشاهدات 4843